حيدر - السويد
منذ 4 سنوات

هشامين و القول بالتجسيم

الوهابية تزعم ان هشام بن عبد الملك وهشام اخر انهما قالا بالتجسيم وقد وبخهما الامام الصادق ع، وينقلون رواية توبيخهما (دع الهشامين) المنسوبة للامام من اصول الكافي والتوحيد للصدوق وغيرها فهل هذه المقولات لها شيء من الصحة ؟ نرجو الجواب على هذا ويا حبذا تذكروا لنا مؤلفات هشام بن الحكم وشكرا.


الاخ حيدر المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ؛ تسلّمنا سؤالكم الكريم, وكان فيه نوع من اللبس, وعليه فنوضحه اولاً, ثم نذكر لك ترجمة مجملة عن الهشامين (رحمهما الله), وما يجاب عن الشبهة .. فنقول : قلتم : ( ان هشام بن عبد الملك وهشام آخر انهما قالا بالتجسيم ) والحق في العبارة هو هكذا : (ان هشام بن الحكم وهشام بن سالم اتّهموا بالقول بالتجسيم) وان الناسب إلى هشام بن سالم القول بالتجسيم هو عبد الملك بن هشام الحنّاط الذي ليس له ذكر في الرجال بحال, وهو غير معلوم الحال . هذا, والمرجو منكم هو الدقّة في ماسنذكره من الجواب هنا, إذ فيه فوائد تنفع في مواطن عديدة للذب عن أبناء الشريعة طاب رمسهم . كما أنّ ما ذكره القوم علينا لا يسلم منه واحد من أصحابهم حتى رؤساء مذاهبهم فضلاً عن رواتهم واعلامهم . أمّا هشام بن الحكم ابو محمد ( ابو الحكم ) مولى كندة, قيل توفى سنة 199 هـ, وقد اتّفق الاصحاب على وثاقته وجلالته وعظم قدره ورفعته ومنزلته عند الائمة الاطهار سلام الله عليهم .. على حد تعبير شيخ الرجاليين العلامة المامقاني في تنقيح المقال 3 / 294 . وكان من اكبر اصحاب ابي عبد الله (عليه السلام) وكان تقيا: روى حديثاً كثيراً وصحب ابا عبد الله (عليه السلام) وبعده الإمام ابي الحسن موسى (عليه السلام), وبلغ من مرتبته وعلوه عند أبي عبد الله (عليه السلام) انه دخل عليه بمنى - وهو غلام اول مااختط عارضاه, وفي مجلسه شيوخ الشيعة كحمران بن اعين, وقيس الماصر, ويونس بن يعقوب, وابي جعفر الاحول وغيرهم - فرفعه على جماعتهم, وليس فيه الاّ من هو اكبر منه سناً - على حد تعبير شيخنا المفيد (رحمه الله) - واسـتحق بعد ذلك وسـام الصادق (عليه السلام) من بعده بقوله (عليه السلام) - بعد ان سأله عن اسماء الله واشتقاقها فأجابه - " افهمت يا هشام فهماً تدفع به اعدائـنا الملحدين مع الله تعالى " قال هشـام : نعم, قال أبو عبد الله (عليه السلام) " نفعك الله به وثبتك " قال هشام : فو الله ما قهرني احد في التوحيد . وعلى كلّ, فقد فتق الكلام في الامامة, وسهّل طريق الحجة فيه, ويعدّ من عمدة متكلمي الشيعة وشيخ مدافعي الشريعة, بل قوله (عليه السلام) : " هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده " وكذا قوله (عليه السلام) : " .. رائد حقّنا وسابق قولنا المؤيّد لصدقنا, والدامغ لباطل أعدائنا, من تبعه وتبع اثره تبعنا, ومن خالفه وألحد فيه عادانا والحد فينا " .. وله مدائح جمّة ذكرها الكشي في رجاله, والعلامة المامقاني في تنقيحه .. وغيرهما . وقد طعن فيه العامة - وهذا رفعة له ومنزلة - بل توغّل العامة في البغض له دلالة جلالة قدره وسمو مقامه, كما وردت فيه اخبار ذم من جهة القول بالتجسيم - لا مطلقاً ! اعني انه ليس كاذب ولا مفتري ولا… وقد نزّهه الاعلام وذبّ عنه العلماء . وقد وردت روايات كثيرة مستفيضة في الترحم عليه من الائمة (عليهم السلام) . واما : هشام بن سالم الجواليقي الجعفي العلاف ابو محمد ( أبو الحكم ), فهو من اصحاب الامامين الصادق والكاظم (عليهما السلام), وكان له أصل وله كتاب, وهو ثقة بلا ريب, وقد وردت فيه روايات مادحة أوردها الكشي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال وحكى عنه غيره . كما وقد وردت فيه روايات ذامة هي مقاربة لما اورد على هشام بن الحكم .. والجواب الجواب, الا ان الذي يزيد هنا هو ان الذي نسب القول بالجسمية لهشام هذا هو عبد الملك بن هشام الحنّاط المجهول الحال ولا يوجد ذكره في الرجال - كما سبق ان ذكرنا ذلك في المقدمة - وعليه فكيف يمكن جرح مثل هذا الرجل الجليل المقرّب عند الائمة الاطهار (عليهم السلام) بخبر مجهول عن راوٍ مهمل .. وفي الرواية مجاهيل اخر لا نوّد الخوض في بحثها, ويرد فيه كل ما سنذكره فيما بعد اذ هو وصاحبه ثقتان, والجواب عنهما واحد, وان كان ما ورد في ابن الحكم رواية وجرحاً اكثر, اذ إن مقامه ورتبته ارفع, فتدبر . اما ما اُتهما به - طاب رمسهما - من القول ان الله سبحانه وتعالى جسم لا كالاجسام - ولا نعرف لهما مثلبة غير هذه - . وعمدة من اتهم هو ابن الحكم (رحمه الله) ودفاعنا عنه : الاول : انا إنما قبلنا واخذنا بقوله لما شاع عنه واستفاض من تركه القول بالجسم الذي كان يبصره ورجوعه عنه, واقراره بخطئه فيه, وذلك بعد ان حجبه الامام في المدينة عن الدخول عليه, وقوله : وانه ما قلت به الا لاني ظننت انه وفاق لقول امامي .. فاما اذا انكره علّي فاني تائب إلى الله منه .. فادخله الامام اليه حينئذ ودعا له بالخير .. كما حكاه العلامة المجلسي (رحمه الله) عن الشيخ المفيد طاب ثراه . فهو على هذا كان يقول بالتجسيم لله تبارك وتعالى - لا كالاجسام - ثم عدّل عن ذاك بعد علمه بكونه كفر لا يرضى به امامه . قال العلامة المامقاني (رحمه الله) : .. وعلى فرض تسليم قوله بذلك فتوبته بمجرد سماع عدم رضا امامه بذلك كاف في ازالة اثر قوله عنه ... الثاني : ان جلّ الروايات التي نسبت له القول بالجسمية, ضعيفة سنداً - مع كثرة الاخبار في ذلك . عدا واحدة منها, ومع هذا فيمكن ردّها على انه انما قال به من باب الزام الخصم, بمعنى انه قال : اذا قلتم انه تعالى شي لا كالاشياء, فقولوا انه جسم لا كالاجسام .. وهذا لا يكشف عن الاعتقاد بهذا القول . الثالث : ان يكون نسبة القول بالجسمية إليه لروايته خبراً دالاً على الجسمية يراد به غير ماهو ظاهره, فزعموا انه يقول بالجسمية . الرابع : ان ابن الحكم كان اولاً من اصحاب الجهم بن صفوان ثم انتقل الى القول بالامامة بالدلائل والنظر, وليس معنى هذا زوال افكاره التوحيدية السابقة فوراً, فلعله نقل عنه ما نقل قبل ان يهذّب عقائده واوائل استبصاره وهدايته, بل قيل انه كان اولاً من تلامذة وغلمان ابي شاكر الزنديق, وهو جسمي ردي كما حكي عن البرقي (رحمه الله) - ولم نجده في رجاله ولا في سائر كتبه - وهو بالطبع لا يلزم اتباعه في ذلك, بل له مناظرات كثيرة وردت عنه واحتجاجات مع ابي شاكر هذا في خصوص التوحيد مما يعلم عدم كونه تلميذاً له, ولو كان, فالحكمة ضالة المؤمن تؤخذ حيث وجدت . والعمدة في المقام ان يقال ان ترحّم الائمة (عليهم السلام) ممن كان بعد هشام كالامام الرضا والجواد (عليهما السلام) هو ادلّ دليل على انه حين ملازمته للصادقين (عليهم السلام) لم يكن معتقداً بالجسمية حتماً, اذ ذاك عنه كفراً بلا شبهة, وذاك اما انه لم يكن معتقداً بذاك اصلاً, أو قاله به من باب الزام الخصم وافحامه, اذ كان يقول به ثم رجع عنه بمجرد التفاته إلى انه لا يقال به, اما لوصوله بذلك عن دليل, او لعدم رضا امامه بذلك . ولعله كان يعتقد ان الجسمية - كما عند كافة العامة - تقول بها الامامية .. ويكفي شاهداً لذلك ما روي عنه عن الامام الصادق (عليه السلام) من قوله ان الله تعالى لا يشبه شيئاً ولا يشبهه بشيء, وكلما وقع في الوهم فهو بخلافه . والحاصل انه يمكن الاجابة عن هذه الشبهة - كما صدر من البعض - بأمور . منها : انكار أصل قوله بالتجسيم حتى في اول امره وصدور النسبة إنما كانت من المخالفين معاندة اما تسقيطاً له ولامثاله, أو عجزاً عن جواب ما احتجوا به عليهم ما صدر من التبري من الائمة (عليهم السلام) منهم كأن ابقاءاً عليهم أو لمصالح اخر, ولعل منشأ ما وسموا به هو ايرادهم رواية يراد منها غير ماهو ظاهرها . ثانياً : انه كان مخطئاً في قوله ورجع عنه بمجرد احرازه عدم رضا امامه بذلك . ثالثاً : ان هذه العبارة ( جسم لا كالاجسام ) لا يراد منها ماهو ظاهرها, وانه ليس المراد انه تعالى جسم اذ ذاك كفر صريح, بل هو غلط في العبارة يرجع في اثباتها ونفيها إلى اللغة .. كما اشار له السيد المرتضى (رحمه الله) في الشافي .. وفيه ما لا يخفى, اذ لا يصح اطلاق ما لم يطلق عليه .. اذ اسماءه تعالى توقيفية . رابعاً : ان كلامه ليس على الحقيقة حتى يقدح به, بل اراد منه اثبات انه شيء وذلك غير ضار, بل لا يراد منه انه جسم فلا يكون كفر بحال . خامساً : انه قيل إنما جاء بذلك على سبيل المعارضة مع المعتزلة, أي انكم اذا قلتم ان الله سبحانه وتعالى شيء لا كالاشياء, فيلزمكم ان تقولوا هو جسم لا كالاجسام, وليس كل من عارض بشيء وسأل عنه يكون معتقداً له او متديناً به .. ولعله نوع من الاستدراج في البحث لاثبات خطئهم وسفه قولهم والتعرف على ما عندهم .. واشار الى هذا الشهرستاني صاحب الملل والنحل, فلاحظ . هذا وقد افرزت الروايات الواردة في ذمّه على خمسة أصناف - كما استوفاها في تنقيح المقال - وأجاب عن كل طائفة منها بما يلزم, فلا نعيد, ومن شاء فليراجعه هناك . وكلّها لا تقاوم ماورد له عنهم (عليهم السلام) من الاخبار المتواترة مدحاً, وتجليل الاصحاب له طراً مع توثيقهم له وتجليلهم من غير خلاف يعرف منهم, والاخبار الذامّة بمشهد منهم وبمنظر, فمع تعارضها يلزم طرح تلك خصوصاً مع ملاحظة عدّة امور - نذكرها هنا درجاً وهي تنفع دوماً - : اولاً : ورود اخبار نقيّة كثيرة عنهم (عليهم السلام) حفظاً لاصحابهم من جور الجائرين وكيد الحكام الملحدين, كما ورد في زرارة ومحمد بن مسلم واشباهم ولم يرتّبوا عليه الأثر لكون مفادها كالشبهة مقابل البديهة .. بل قد يظهر ذلك من بعض الروايات حيث قال ما قال (عليه السلام) حفظاً له ولنفسه ولما وجد لذلك مجالاً لبيان الحق دافع عنه . ثانياً : ما تعارف به يومذاك - بل يومك هذا - ان مع العجز عن القضاء على شخص العالم تحارب شخصيته بإيكال التهم عليه, وقذفه بانواع المفتريات والسباب لاسقاط شخصيته, بل كانوا ينسبون الافراد الى الكفر والالحاد بأدنى شيء, ومنشأ ذلك غالباً الحسد من اصحابه, أو الجهل بمقامه, او العجز عن ردّه وافحامه, وعليه فالنسبة صدرت من المعاندين المخالفين معاندة . الثالث : ان مراتب فهم الاصحاب مختلفة جداً وكذا درجات ايمانهم, ولا شك ان من يستبصر اولاً ثم يتعرّف على المذهب تدريجاً لا يمكن البت على كل كلامه في جميع ادوار حياته, اذ قد تصدر منه كلمات في اول استبصاره وتبقى عليه وتنقل عنه الى آخر حياته, وهو لا شك منها براء, بل قد لا يصل لنا تبريه عنها, وهذا لا يكشف بحال عن بقائه عليها .. بخلاف ما لو كان الشخص مؤمناً من ابوين شيعيين, فان الحال يختلف ولا شك في ذلك .. فاغتنم . ومن هذا وغيره توجّه ماصدر من كلمات عن كثير من الاصحاب وحتى قدماء العلماء رضوان الله عليهم حيث لم تكن بعد الاصول مجمعة والكتب مبوّبة والمباني موحّدة, فلذا قد يصدر القول بالقياس منا, أو سهو النبي (صلى الله عليه وآله) .. وغيرها, وقطعاً لو وصل لهم ما وصل لنا لما قالوا بما قالوا قطعاً, ولانكروه اشدّ منا .. وهذا لا يشمل يومنا هذا ممن ينكر بعض الضروريات الدينيّة أو يناقش بعض المسائل البديهية عند الطائفة, اذ لنا مع هؤلاء كلام آخر .. والله من وراء القصد . واما القسم الاخير من السؤال وهو عن مؤلفات هشام بن الحكم, فلا شكّ أنّه قد كانت له مباحثات كثيرة مع المخالفين في الاصول وغيرها, وصلنا القليل منها, كما وقد ذكر له الشيخ الطوسي (رحمه الله) في فهرسته اصل .. ذكر اسناده هناك, ثم عدّد له كتباً فراجع, وله من المصنّفات كتب كثيرة منها : كتاب الامامة, وكتاب الدلالات على حدوث الاشياء, وكتاب الرد على الزنادقة, وكتاب الرد على أصحاب الاثنين, كتاب التوحيد, كتاب الرد على هشام الجواليقي, كتاب الرد على اصحاب الطبائع, كتاب الشيخ والغلام, كتاب التدبير, كتاب الميزان, كتاب الميدان, كتاب الرد على من قال بإمامة المفضول, كتاب اختلاف الناس في الامامة, كتاب في الوصية والرد على من أنكرها, كتاب في الجبر والقدر, كتاب الالطاف, كتاب المعرفة, كتاب الاستطاعة, كتاب الثمانية الابواب, كتاب الرد على شيطان الطاق, كتاب الاخبار, كتاب الرد على ارسطا طاليس في التوحيد, كتاب الرد على المعتزلة, كتاب الالفاظ (( كتاب الاستطاعة )) كتاب الرد على المعتزلة آخر . ثم قال (رحمه الله) : وروي عنهما - أي الصادق والكاظم (عليهما السلام) - فيه مدائح له جليلة, وكان ممن فتق الكلام في الامامة, وهذّب المذهب بالنظر, وكان حاذقاً بصناعة الكلام, حاضر الجواب .. إلى آخره . نسئل الله لكم ولنا رضاه ورضوانه . ودمتم برعاية الله

1