السؤال١/
اخبرني شخص شيعي بأن القرآن ناقص وهو يؤمن بذلك وقال إن هنالك حديث للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في كتاب بحار الأنوار خلاصته أن هناك قرآن آخر يظهر مع الإمام المهدي (عليه السلام) وإن علينا الإلتزام بالذي عندنا إلى حين خروجه (عليه السلام)، بينما أنا أؤمن بأن هناك تفسير صحيح يظهر مع مولانا وإن القرآن محفوظ بأمر من الله.
ما هو رأيكم؟
السؤال٢/
شخص يؤمن بالولاية التكوينية للإمام علي (عليه السلام) ويقول بأنه خالق الكون وعندما خالفته بذلك أخبرني أن قولي بأن الله الخالق يصغر من مقام الله استغفر الله، فما الجواب؟
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
جواب السؤال الأول:
ناقش السيد الخوئي (رضوان اللّٰه عليه)، في كتابه (البيان في تفسير القُرآن: صفحة ٢٢٦)، كل الروايات الدالة على تحريف القُرآن وبين مدى ضعفها، بما هو لفظه:
((والجواب: أن هذه الروايات لا دلالة فيها على وقوع التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه، وتوضيح ذلك: أن كثيرا من الروايات، وإن كانت ضعيفة السند، فإن جملة منها نقلت من كتاب أحمد بن محمد السياري، الذي اتفق علماء الرجال على فساد مذهبه، وأنه يقول بالتناسخ، ومن علي بن أحمد الكوفي الذي ذكر علماء الرجال أنه كذاب، وأنه فاسد المذهب إلا أن كثرة الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين عليهم السلام ولا أقل من الاطمئنان بذلك، وفيها ما روي بطريق معتبر فلا حاجة بنا إلى التكلم في سند كل رواية بخصوصها.
عرض روايات التحريف:
علينا أن نبحث عن مداليل هذه الروايات، وإيضاح أنها ليست متحدة في المفاد، وأنها على طوائف.
فلابد لنا من شرح ذلك والكلام على كل طائفة بخصوصها.
الطائفة الأولى: هي الروايات التي دلت على التحريف بعنوانه، وإنها تبلغ عشرين رواية، نذكر جملة منها ونترك ما هو بمضمونها. وهي:
1 - ما عن علي بن إبراهيم القمي، بإسناده عن أبي ذر قال: " لما نزلت هذه الآية: يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترد أمتي علي يوم القيامة على خمس رايات. ثم ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأل الرايات عما فعلوا بالثقلين. فتقول الراية الأولى: أما الأكبر فحرفناه، ونبذناه وراء ظهورنا، وأما الأصغر فعاديناه، وأبغضناه، وظلمناه. وتقول الراية الثانية:
أما الأكبر فحرفناه، ومزقناه، وخالفناه، وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه ... المزید ".
2 - ما عن ابن طاووس، والسيد المحدث الجزائري، باسنادهما عن الحسن ابن الحسن السامري في حديث طويل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لحذيفة فيما قاله في من يهتك الحرم:
" إنه يضل الناس عن سبيل الله، ويحرف كتابه، ويغير سنتي ".
3 - ما عن سعد بن عبد الله القمي، باسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال:
" دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى. فقال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين - أما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي - والكعبة البيت الحرام ثم قال أبو جعفر عليه السلام: أما كتاب الله فحرفوا، وأما الكعبة فهدموا، وأما العترة فقتلوا، وكل ودائع الله قد نبذوا ومنها قد تبرأوا ".
4 - ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر عن النبي قال: " يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون: المصحف، والمسجد، والعترة. يقول المصحف يا رب حرفوني ومزقوني، ويقول المسجد يا رب عطلوني وضيعوني، وتقول العترة يا رب قتلونا، وطردونا، وشردونا... ".
5 - ما عن الكافي والصدوق، باسنادهما عن علي بن سويد. قال: " كتبت إلى أبي الحسن موسى صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الحبس كتابا إلى أن ذكر جوابه عليه السلام بتمامه، وفيه قوله عليه السلام اؤتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه ".
6 - ما عن ابن شهرآشوب، باسناده عن عبد الله في خطبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، وفيها: " إنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرفي الكتاب ".
7 - ما عن كامل الزيارات، باسناده عن الحسن بن عطية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا دخلت الحائر فقل: اللهم العن الذين كذبوا رسلك، وهدموا كعبتك، وحرفوا كتابك... ".
8 - ما عن الحجال عن قطبة بن ميمون عن عبد الاعلى. قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام أصحاب العربية يحرفون كلام الله عز وجل عن مواضعه ".
المفهوم الحقيقي للروايات:
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة: أن الظاهر من الرواية الأخيرة تفسير التحريف باختلاف القراء، وإعمال اجتهاداتهم في القراءات. ومرجع ذلك إلى الاختلاف في كيفية القراءة مع التحفظ على جوهر القرآن وأصله وقد أوضحنا للقارئ في صدر المبحث أن التحريف بهذا المعنى مما لا ريب في وقوعه، بناء على ما هو الحق من عدم تواتر القراءات السبع، بل ولا ريب في وقوع هذا التحريف، بناء على تواتر القراءات السبع أيضا، فإن القراءات كثيرة، وهي مبتنية على اجتهادات ظنية توجب تغيير كيفية القراءة. فهذه الرواية لا مساس لها بمراد المستدل.
وأما بقية الروايات، فهي ظاهرة في الدلالة على أن المراد بالتحريف حمل الآيات على غير معانيها، الذي يلازم إنكار فضل أهل البيت - عليهم السلام - ونصب العداوة لهم وقتالهم. ويشهد لذلك - صريحا - نسبة التحريف إلى مقاتلي أبي عبد الله - عليه السلام - في الخطبة المتقدمة.
ورواية الكافي التي تقدمت في صدر البحث، فإن الإمام الباقر - عليه السلام - يقول فيها: " وكان من نبذهم الكتاب أنهم أقاموا حروفه، وحرفوا حدوده ".
وقد ذكرنا أن التحريف بهذا المعنى واقع قطعا، وهو خارج عن محل النزاع، ولولا هذا التحريف لم تزل حقوق العترة محفوظة، وحرمة النبي فيهم مرعية، ولما انتهى الامر إلى ما انتهى إليه من اهتضام حقوقهم وإيذاء النبي - ص - فيهم.
الطائفة الثانية: هي الروايات التي دلت على أن بعض الآيات المنزلة من القرآن قد ذكرت فيها أسماء الأئمة - عليهم السلام - وهي كثيرة: منها: ما ورد من ذكر أسماء الأئمة - عليهم السلام - في القرآن، كرواية الكافي بإسناده عن محمد بن الفضيل بن أبي الحسن - عليه السلام - قال: " ولاية علي بن أبي طالب مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد و " ولاية " وصيه، صلى الله عليهما وآلهما ".
ومنها: رواية العياشي بإسناده عن الصادق عليه السلام: " لو قرئ القرآن - كما أنزل - لألفينا مسمين ".
ومنها: رواية الكافي، وتفسير العياشي عن أبي جعفر - عليه السلام - وكنز الفوائد بأسانيد عديدة عن ابن عباس، وتفسير فرات بن إبراهيم الكوفي بأسانيد متعددة أيضا، عن الأصبغ بن نباتة. قالوا: قال أمير المؤمنين - عليه السلام -: " القرآن نزل على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن ".
ومنها: رواية الكافي أيضا بإسناده عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: " نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد - ص - هكذا: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا - في علي - فأتوا بسورة من مثله ".
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة:
أنا قد أوضحنا فيما تقدم أن بعض التنزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الأئمة - عليهم السلام - في التنزيل من هذا القبيل، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب، والسنة، والأدلة المتقدمة على نفي التحريف. وقد دلت الأخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنة وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه، وضربه على الجدار.
ومما يدل على أن اسم أمير المؤمنين عليه السلام لم يذكر صريحا في القرآن حديث الغدير، فإنه صريح في أن النبي - ص - إنما نصب عليا بأمر الله، وبعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك، وبعد أن وعده الله بالعصمة من الناس، ولو كان اسم " علي " مذكورا في القرآن لم يحتج إلى ذلك النصب، ولا إلى تهيئة ذلك الاجتماع الحافل بالمسلمين، ولما خشي رسول الله - ص - من إظهار ذلك، ليحتاج إلى التأكيد في أمر التبليغ.
وعلى الجملة: فصحة حديث الغدير توجب الحكم بكذب هذه الروايات التي تقول: إن أسماء الأئمة مذكورة في القرآن ولا سيما أن حديث الغدير كان في حجة الوداع التي وقعت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزول عامة القرآن، وشيوعه بين المسلمين، على أن الرواية الأخيرة المروية في الكافي مما لا يحتمل صدقه في نفسه، فإن ذكر اسم علي عليه السلام في مقام إثبات النبوة والتحدي على الاتيان بمثل القرآن لا يناسب مقتضى الحال. ويعارض جميع هذه الروايات صحيحة أبي بصير المروية في الكافي. قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم 4: 59 ".
" قال: فقال نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين - ع - فقلت له: إن الناس يقولون فما له لم يسم عليا وأهل بيته في كتاب الله. قال عليه السلام: فقولوا لهم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا، ولا أربعا، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسر لهم ذلك... " (1).
فتكون هذه الصحيحة حاكمة على جميع تلك الروايات، وموضحة للمراد منها، وأن ذكر اسم أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الروايات قد كان بعنوان التفسير، أو بعنوان التنزيل، مع عدم الامر بالتبليغ. ويضاف إلى ذلك أن المتخلفين عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا بذكر اسم علي في القرآن، ولو كان له ذكر في الكتاب لكان ذلك أبلغ في الحجة، ولا سيما أن جمع القرآن - بزعم المستدل - كان بعد تمامية أمر الخلافة بزمان غير يسير، فهذا من الأدلة الواضحة على عدم ذكره في الآيات.
الطائفة الثالثة: هي الروايات التي دلت على وقوع التحريف في القرآن بالزيادة والنقصان، وان الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم غيرت بعض الكلمات وجعلت مكانها كلمات أخرى.
فمنها: ما رواه علي بن إبراهيم القمي، بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام: " صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين ".
ومنها: ما عن العياشي، عن هشام بن سالم. قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران 33: 3 ".
قال: هو آل إبراهيم وآل محمد على العالمين، فوضعوا اسما مكان اسم. أي انهم غيرا فجعلوا مكان آل محمد آل عمران.
والجواب:
عن الاستدلال بهذه الطائفة - بعد الاغضاء عما في سندها من الضعف - أنها مخالفة للكتاب، والسنة، ولاجماع المسلمين على عدم الزيادة في القرآن ولا حرفا واحدا حتى من القائلين بالتحريف. وقد ادعى الاجماع جماعة كثيرون على عدم الزيادة في القرآن، وأن مجموع ما بين الدفتين كله من القرآن. وممن ادعى الاجماع الشيخ المفيد، والشيخ الطوسي، والشيخ البهائي، وغيرهم من الأعاظم قدس الله أسرارهم. وقد تقدمت رواية الاحتجاج الدالة على عدم الزيادة في القرآن.
الطائفة الرابعة: هي الروايات التي دلت على التحريف في القرآن بالنقيصة فقط.
والجواب عن الاستدلال بهذه الطائفة:
أنه لا بد من حملها على ما تقدم في معنى الزيادات في مصحف أمير المؤمنين - عليه السلام - وإن لم يمكن ذلك الحمل في جملة منها فلا بد من طرحها لأنها مخالفة للكتاب والسنة، وقد ذكرنا لها في مجلس بحثنا توجيها آخر أعرضنا عن ذكره هنا حذرا من الإطالة، ولعله أقرب المحامل، ونشير إليه في محل آخر إن شاء الله تعالى.
على أن أكثر هذه الروايات بل كثيرها ضعيفة السند. وبعضها لا يحتمل صدقه في نفسه. وقد صرح جماعة من الاعلام بلزوم تأويل هذه الروايات أو لزوم طرحها.
وممن صرح بذلك المحقق الكلباسي حيث قال على ما حكي عنه: " أن الروايات الدالة على التحريف مخالفة لاجماع الأمة إلا من لا اعتداد به...
وقال: إن نقصان الكتاب مما لا أصل له وإلا لاشتهر وتواتر، نظرا إلى العادة في الحوادث العظيمة. وهذا منها بل أعظمها ".
وعن المحقق البغدادي شارح الوافية التصريح بذلك، ونقله عن المحقق الكركي الذي صنف في ذلك رسالة مستقلة، وذكر فيها: " أن ما دل من الروايات على النقيصة لا بد من تأويلها أو طرحها، فإن الحديث إذا جاء على خلاف الدليل من الكتاب، والسنة المتواترة، والاجماع، ولم يمكن تأويله، ولا حمله على بعض الوجوه، وجب طرحه ".
أقول: أشار المحقق الكركي بكلامه هذا إلى ما أشرنا إليه - سابقا - من أن الروايات المتواترة قد دلت على أن الروايات إذا خالفت القرآن لا بد من طرحها. فمن تلك الروايات:
ما رواه الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بسنده الصحيح عن الصادق عليه السلام: " الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه... "
وما رواه … سعيد بن هبة الله "القطب الراوندي" بسنده الصحيح إلى الصادق عليه السلام: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه...))(١).
الإجابة عن سؤال واحد لطفاً منكم.