logo-img
السیاسات و الشروط
Al Rubaye ( 19 سنة ) - ألمانيا
منذ 4 سنوات

المجاهرة بالذنوب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ماحكم الحديث عن الذنوب التي قمت بها في الماضي والتي ايضا تركتها ولم اعد إلى فعلها ؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته وضعت الشريعة وسائل عديدة لتحصين المجال الاجتماعي، ومنها التشديد على ضبط السلوك الفردي، لتقييد ومحاصرة المخالفات والمعاصي من الافشاء والانتشار. فالمعصية جرم عظيم يجترئ من خلالها العبد على ربه وخالقه. فقد تغلب الإنسان شهوته وجهله، وتضعف إرادته، فيتجرأ على معصية خالقه جل وعلا، ذلك المنعم الخالق الموجد الذي له حق الشكر والطاعة على عبده. وهو سبحانه إنما توجه بالأوامر والنواهي رحمة بعبده المحتاج إلى لطفه ورحمته، لكن هذا العبد مع ذلك يجنح نحو التمنع وعدم الامتثال لهذه الأوامر والنواهي التي إنما وضعت لمصلحته. ان المعصية جرم عظيم لا ينبغي للإنسان أن يقع فيه، ولذلك وجب أن تحاط المعاصي بهالة من التهيب والحذر في نفس الفرد، والمجال الاجتماعي العام على حد سواء. ولعل احد الأساليب التي وضعتها الشريعة لإيجاد هذه الهالة هو محاصرة المعصية. العباد ليسو معصومين من ارتكاب الأخطاء، لكنهم مطالبون في المقابل بالتزام الستر والحد من إفشاء مخالفاتهم ومعاصيهم على الملأ. فإذا حصلت المعصية فينبغي أن تحاصر ضمن نطاقها الأضيق والمحدود جداً، وذلك بالحرص على أن لا ينتشر خبرها؛ لأن من تداعيات الافشاء بالمخالفات والمعاصي، أن تخف وطأتها على النفوس الأمر الذي يجعلها أمرا اعتيادياً مألوفا. ان الله تعالى يريد أن تبقى المعصية محاطة بهالة من الحذر والتهيب في الوسط الاجتماعي العام، فلا تكون مبتذلة وكأنها أمر طبيعي يمكن أن يطال أي أحد. من هنا نستطيع أن نفهم كيف جاءتنا النصوص والتعاليم الدينية مشددة على ضرورة أن يتكتم المرء على معاصيه التي يقع فيها، وأن لا يجهر بها، فالإجهار بالمعصية ذنب آخر يضاف إلى جانب المعصية. فقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : (مجاهرة الله بالمعاصي تعجل النقم)، وورد عنه : (إياك والمجاهرة بالفجور فإنها من أشد المآثم)، أنه من الإثم الكبير أن يقع الإنسان في المعصية ثم يجاهر بما فعل، فالمرء مأمور بالتستر على مخالفاته ومعاصيه، ذلك إن افشاء المعصية يقود إلى تطبع النفوس بها فلا يتردد أحد بعد ذلك عن اقترافها جهرة. ولعل الأسوأ من ذلك، هو الانقياد نحو التبجح بفعل المعاصي، حتى أنك تجد بعض الناس يفاخرون بمعاصيهم كما لو أنهم حققوا عملا بطوليا يستحق الثناء عليه!، وهذا جرم أكبر من لمعصية ذاتها. يقول أمير المؤمنين : (التبجح بالمعاصي أكبر من ركوبها)، وعنه في رواية أخرى: (لا وزر أعظم من التبجح بالفجور). إن على المرء أن ينأى بنفسه تماماً عن الحديث عن معاصيه التي سبق وأن تورط فيها. وقد روي في هذا السياق عن الإمام الرضا عن جده المصطفى : (المذيع بالسيئة مخذول والمتستر بها مغفور له)، فذلك الذي أخطأ ووقع في المعصية فإن الله قد يغفر له، ولا يعني ذلك بالضرورة مبررا لأن يستسلم المرء للمعاصي باستمرار، فيقترف الذنوب في الخفاء ويتستر عليها، اذ ينبغي من حيث الأصل أن يحذر المرء الوقوع في المعصية في السر والعلن، ولكن لو حصل ووقع في المعصية فهو مطالب بالتستر والنأي عن إفشاءها على أي نحو من الأنحاء. وقد يجد بعض الناس أنفسهم تحت ضغط هائل من تأنيب الضمير بعد ارتكاب المعصية فيندفعون لإفشاء أسرارهم بغية التنفيس، إلا إن ذلك غير صحيح. فأوامر الشارع في هذا الشأن صريحة، نحو القطع بعدم الحديث عن المعاصي والأخطاء الشخصية أمام أي أحد كان وتحت أي مبرر. وقد روي عن رسول الله أنه قال: ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين)، ويقول (وإن من الإجهار أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيصبح يكشف ستر الله عز وجل عنه). وفي رواية أخرى عنه : (اجتنبوا هذه القاذورة ـ المعاصي ـ التي نهى الله عنها فمن ألم فليستتر بستر الله ). ولذلك يظل ستر المعاصي مطلبا أساسيا فلا مبرر لإفشائها مهما كانت الأسباب.

5