جعفر - البحرين
منذ 4 سنوات

شبهات الشيخ سليمان الخراشي

خلال تصفّحي مواقع ومنتديات الوهابية أرى روايات كثرة تروّج في منتدياتهم، وتنقل منها إلى منتديات الشيعة، وهذه الروايات أكثرها مبتورة، تنقل عن أحد شيوخهم المعروفين واسمه الشيخ سليمان الخراشي مؤلّف كتاب (العلاقة الحميمة بين الصحابة وآل البيت), وخلال تتبّعي لبعض الروايات، اتّضح أنّ شيخهم هذا مدلّس، يبتر الروايات لقلب المعنى، ليخادع قرّاءه، وخلال تصفّحي في موقعكم رأيت توضيحاً لبعض تلك الروايات السُنّية منها والأُخرى المبتورة، وأمّا البعض الآخر فغير مردود على موقعكم. فلهذا سأنقلها من أحد المواقع التي يدرجها الشيخ سليمان الخراشي فيه: ************************* الشيخ/ سليمان الخراشي 24/10/1425.. دعوة لقراءة المقال.. (العلاقة الحميمة بين الصحابة وآل البيت)(الجزء الثاني). رأي أهل البيت في أبي بكر الصدّيق: قال ابن عبّاس وهو يذكر الصدّيق: (رحم الله أبا بكر، كان والله للفقراء رحيماً، وللقرآن تالياً، وعن المنكر ناهياً، وبدينه عارفاً، ومن الله خائفاً، وعن المنهيات زاجراً، وبالمعروف آمراً، وبالليل قائماً، وبالنهار صائماً، فاق أصحابه ورعاً وكفافاً، وسادهم زهداً وعفافاً).(ناسخ التواريخ ج5 كتاب2 ص143، 144 ط طهران). ويقول الحسن بن عليّ - الإمام المعصوم الثاني عند الشيعة، والذي أوجب الله اتّباعه عليهم حسب زعمهم - يقول - وينسبه إلى رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) أنّه قال ــ: (إنّ أبا بكر منّي بمنزلة السمع).(عيون الأخبار ج1 ص313، أيضاً كتاب معاني الأخبار ص110 ط إيران). وكان الحسن يوقّر أبا بكر وعمر كثيراً, إلى حدّ أنّه جعل من أحد الشروط على معاوية بن أبي سفيان(رضي الله عنهما) لما تنازل له: (أنّه يعمل ويحكم في الناس بكتاب الله وسُنّة رسول الله، وسيرة الخلفاء الراشدين, - وفي النسخة الأُخرى - الخلفاء الصالحين).(منتهى الآمال ص212 ج2 ط إيران). وأمّا الإمام الرابع للشيعة: عليّ بن الحسين بن عليّ، فقد روي عنه أنّه جاء إليه نفر من العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان(رضي الله عنهم)، فلمّا فرغوا من كلامهم قال لهم: (ألا تخبروني أنتم: (( المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم وَأَموَالِهِم يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )) (الحشر:8)؟ قالوا: لا، قال: فأنتم: (( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ مِن قَبلِهِم يُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ )) (الحشر:9)؟ قالوا: لا، قال: أمّا أنتم قد تبرّأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنّكم لستم من الذين قال الله فيهم: (( يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلإِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا )) (الحشر:10)، أخرجوا عنّي فعل الله بكم).(كشف الغمّة للإربلي ج2 ص78 ط تبريز إيران). وأمّا ابن زين العابدين محمّد بن عليّ بن الحسين الملقّب بالباقر - الإمام الخامس المعصوم عند الشيعة - فسُئل عن حلية السيف، كما رواه علي بن عيسى الإربلي في كتابه (كشف الغمّة): ((عن أبي عبد الله الجعفي، عن عروة بن عبد الله، قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ(عليهما السلام) عن حلية السيف؟ فقال: لا بأس به، قد حلّى أبو بكر الصدّيق سيفه، قال: قلت: وتقول الصدّيق؟ فوثب وثبة، واستقبل القبلة، فقال: نعم، الصدّيق، فمن لم يقل له الصدّيق فلا صدّق الله له قولاً في الدنيا والآخرة)).(كشف الغمّة ج2 ص147). ولم يقل هذا إلاّ لأنّ جدّه رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) الناطق بالوحي سمّاه الصدّيق، كما رواه البحراني الشيعي في (تفسيره البرهان): ((عن علي بن إبراهيم، قال: حدّثني أبي، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: لمّا كان رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) في الغار، قال لأبي بكر: (كأنّي أنظر إلى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر، وانظر إلى الأنصار محبتين (مخبتين خ) في أفنيتهم)، فقال أبو بكر: وتراهم يا رسول الله؟! قال: نعم! قال: فأرنيهم، فمسح على عينيه فرآهم، فقال له رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم): (أنت الصدّيق))).(البرهان ج2 ص125). ويروي الطبرسي عن الباقر أنّه قال: (ولست بمنكر فضل أبي بكر، ولست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر).(الاحتجاج للطبرسي ص230، تحت عنوان احتجاج أبي جعفر بن عليّ الثاني في الأنواع الشتّى من العلوم الدينية ط مشهد كربلاء). وسُئل جعفر الصادق عن أبي بكر وعمر: ((يا بن رسول الله! ما تقول في حقّ أبي بكر وعمر؟ فقال(عليه السلام): (إمامان عادلان قاسطان، كانا على حقّ، وماتا عليه، فعليهما رحمة الله يوم القيامة))).(إحقاق الحقّ للشوشتري ج1 ص16 ط مصر). وروى عنه الكليني في الفروع حديثاً طويلاً ذكر فيه: ((وقال أبو بكر عند موته حيث قيل له: أوصِ، فقال: أوصي بالخمس والخمس كثير، فإنّ الله تعالى قد رضي بالخمس، فأوصي بالخمس، وقد جعل الله عزّ وجلّ له الثلث عند موته، ولو علم أنّ الثلث خير له أوصى به. ثمّ من قد علمتم بعده في فضله وزهده سلمان، وأبو ذرّ(رضي الله عنهما)، فأمّا سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتّى يحضر عطاؤه من قابل. فقيل له: يا أبا عبد الله! أنت في زهدك تصنع هذا، وأنت لا تدري لعلّك تموت اليوم أو غداً؟ فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي بقاء كما خفتم على الفناء، أما علمتم يا جهلة أنّ النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنّت. وأمّا أبو ذرّ فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى أهله اللحم، وأنزل به ضيف، أو رأى بأهل الماء الذين هم معه خصاصة، نحر لهم الجزور أو من الشياه على قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم، فيقسمه بينهم، ويأخذ هو كنصيب واحد منهم لا يتفضّل عليهم. ومن أزهد من هؤلاء، وقد قال فيهم رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) ما قال؟)).(كتاب المعيشة الفروع من الكافي ج5 ص68). فأثبت أنّ منزلة الصدّيق في الزهد من بين الأُمّة المنزلة الأُولى، وبعده يأتي أبو ذرّ، وسلمان. وروى عنه الإربلي أنّه كان يقول: (لقد ولدني أبو بكر مرّتين).(كشف الغمّة ج2 ص161)، لأنّ أُمّه: أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، وأُمّها (أي: أُمّ أُمّ فروة) أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.(فرق الشيعة للنوبختي ص78). ويروي السيّد مرتضى في كتابه (الشافي) عن جعفر بن محمّد أنّه كان يتولاّهما، ويأتي القبر فيسلّم عليهما مع تسليمه على رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم).(كتاب الشافي ص238، أيضاً شرح نهج البلاغة ج4 ص140 ط بيروت). ويقول إمام الشيعة المعروف بالحسن العسكري - الإمام الحادي عشر المعصوم عندهم - وهو يسرد واقعة الهجرة: (إنّ رسول الله بعد أن سأل عليّاً(رضي الله عنه) عن النوم على فراشه، قال لأبي بكر(رضي الله عنه): (أرضيت أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب، وتعرف بأنّك أنت الذي تحملني على ما أدّعيه، فتحمل عنّي أنواع العذاب)؟ قال أبو بكر: يا رسول الله! أمّا أنا لو عشت عمر الدنيا أُعذّب في جميعها أشدّ عذاب، لا ينزل علَيَّ موت صريح، ولا فرح منج، وكان ذلك في محبّتك، لكان ذلك أحبّ إلَيَّ من أن أتنعّم فيها وأنا مالك لجميع مماليك ملوكها في مخالفتك، وهل أنا ومالي وولدي إلاّ فداءك، فقال رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم): (لا جرم أن اطّلع الله على قلبك، ووجد موافقاً لما جرى على لسانك، جعلك منّي بمنزلة السمع والبصر، والرأس من الجسد، والروح من البدن))).(تفسير الحسن العسكري ص164، 165 ط إيران). وها هو زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، شقيق محمّد الباقر، وعمّ جعفر الصادق، الذي قيل فيه: ((كان حليف القرآن)).(الإرشاد للمفيد ص268 تحت عنوان ذكر إخوته - أي الباقر ــ)، واعتقد كثير من الشيعة فيه بالإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف.(الإرشاد للمفيد ص268). فها هو زيد يُسأل عن أبي بكر وعمر ما تقول فيهما؟ قال: (ما أقول فيهما إلاّ خيراً كما لم أسمع فيهما من أهل بيتي (بيت النبوّة) إلاّ خيراً، ما ظلمانا ولا أحد غيرنا، وعملاً بكتاب الله وسُنّة رسوله).(ناسخ التواريخ ج2 ص590 تحت عنوان أحوال الإمام زين العابدين). فلمّا سمع الشيعة منه هذه المقالة رفضوه، فقال زيد: ((رفضونا اليوم))، ولذلك سمّوا بالرافضة.(ناسخ التواريخ ج2 ص590). ويقول سلمان الفارسي(رضي الله عنه) - وهو ممّن تعظّمهم الشيعة ــ: ((إنّ رسول الله كان يقول في صحابته: (ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه))).(مجالس المؤمنين للشوشتري ص89). خلافة أبي بكر: وبعد ما ذكرنا أهل بيت النبيّ وموقفهم وآرائهم تجاه سيّد الخلق بعد أنبياء الله ورسله أبي بكر الصدّيق(رضي الله عنه)، نريد أن نذكر أنّه لم يكن خلاف بينه وبين أهل البيت في مسألة خلافة النبيّ وإمارة المؤمنين وإمامة المسلمين، وأنّ أهل البيت بايعوه كما بايعه غيرهم، وساروا في مركبه، ومشوا في موكبه، وقاسموه هموم المسلمين وآلامهم، وشاركوه في صلاح الأُمّة وفلاحها، وكان عليّ(رضي الله عنه) أحد المستشارين المقرّبين إليه، يشترك في قضايا الدولة وأُمور الناس، ويشير عليه بالأنفع والأصلح حسب فهمه ورأيه، ويتبادل به الأفكار والآراء، لا يمنعه مانع ولا يعوقه عائق، يصلّي خلفه، ويعمل بأوامره، ويقضي بقضاياه، ويستدلّ بأحكامه ويستند، ثمّ ويسمّي أبناءه بأسمائه حبّاً له وتيمّناً باسمه وتودّداً إليه. وفوق ذلك كلّه يصاهر أهل البيت به وبأولاده، ويتزوّجون منهم ويزوّجون بهم، ويتبادلون ما بينهم التحف والصلات، ويجري بينهم من المعاملات ما يجري بين الأقرباء المتحابّين والأحبّاء المتقاربين, وكلّ ذلك ممّا روته كتب الشيعة - ولله الحمد ــ. فقد استدلّ عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) على صحّة خلافته وانعقادها، كما يذكر وهو يردّ على معاوية بن أبي سفيان(رضي الله عنهما) أمير الشام بقوله: (إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولّى).(نهج البلاغة ص366، 367 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح). وقال: (إنّكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، وإنّما الخيار للناس قبل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار).(ناسخ التواريخ ج3 الجزء2). وهذا النص واضح في معناه، لا غموض فيه ولا إشكال بأنّ الإمامة والخلافة تنعقد باتّفاق المسلمين واجتماعهم على شخص، وخاصّة في العصر الأوّل باجتماع الأنصار والمهاجرين، فإنّهم اجتمعوا على أبي بكر وعمر، فلم يبق للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، كما ذكرنا قريباً روايتين عن عليّ بن أبي طالب في (الغارات) للثقفي، بأنّ الناس انثالوا على أبي بكر، وأجفلوا إليه، فلم يكن إلاّ أن يقرّ ويعترف بخلافته وإمامته. وهناك رواية أُخرى في غير (الغارات) تقرّ بهذا عن عليّ أنّه قال وهو يذكر أمر الخلافة والإمامة: (رضينا عن الله قضائه، وسلّمنا لله أمره …. فنظرت في أمري فإذا طاعتي سبقت بيعتي، إذ الميثاق في عنقي لغيري).(نهج البلاغة ص81 خطبة 37 ط بيروت بتحقيق صبحي صالح). ولمّا رأى ذلك تقدّم إلى الصدّيق، وبايعه كما بايعه المهاجرون والأنصار، والكلام من فيه، وهو يومئذٍ أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ولا يتّقي الناس، ولا يظهر إلاّ ما يبطنه، لعدم دواعي التقية حسب أوهام القوم، وهو يذكر الأحداث الماضية فيقول: (فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر، فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث... فتولّى أبو بكر تلك الأُمور، وسدّد ويسر، وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله جاهداً).(منار الهدى لعلي البحراني الشيعي ص373، أيضاً ناسخ التواريخ ج3 ص532). ولأجل ذلك ردّ على أبي سفيان والعبّاس حينما عرضا عليه الخلافة، لأنّه لا حقّ له بعد ما انعقدت للصدّيق. وكتب إلى أمير الشام معاوية بن أبي سفيان: (وذكرت أنّ الله اجتبى له من المسلمين أعواناً أيّدهم به، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام كما زعمت, وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصدّيق وخليفة الخليفة الفاروق، ولعمري إنّ مكانهما في الإسلام لعظيم، وإنّ المصائب بهما لجرح في الإسلام شديد يرحمهما الله، وجزاهم الله بأحسن ما عملا).(ابن ميثم شرح نهج البلاغة ط إيران ص488). وروى الطوسي عن عليّ: أنّه لمّا اجتمع بالمهزومين في الجمل، قال لهم: (فبايعتم أبا بكر، وعدلتم عنّي، فبايعت أبا بكر كما بايعتموه... فبايعت عمر كما بايعتموه فوفيت له بيعته... فبايعتم عثمان، فبايعته وأنا جالس في بيتي، ثمّ أتيتموني غير داع لكم ولا مستكره لأحد منكم، فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر وعثمان، فما جعلكم أحقّ أن تفوا لأبي بكر وعمر وعثمان ببيعتهم منكم ببيعتي).(الأمالي لشيخ الطائفة الطوسي ج2 ص121 ط نجف). وينقل الطبرسي أيضاً عن محمّد الباقر ما يقطع أنّ عليّاً كان مقرّاً بخلافة أبي بكر، ومعترفاً بإمامته، ومبايعاً له بإمارته، كما يذكر أنّ أُسامة بن زيد حبّ رسول الله لمّا أراد الخروج، انتقل رسول الله إلى الملأ الأعلى، (فلمّا ورد الكتاب على أُسامة انصرف بمن معه حتّى دخل المدينة، فلمّا رأى اجتماع الخلق على أبي بكر، انطلق إلى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فقال: ما هذا؟ قال له عليّ(عليه السلام): هذا ما ترى، قال أُسامة: فهل بايعته؟ فقال: نعم).(الاحتجاج للطبرسي ص50 ط مشهد عراق). ولقد أقرّ بذلك شيعي متأخّر وإمام من أئمّة القوم هو محمّد حسين آل كاشف الغطاء بقوله: ((وحين رأى - أي عليّ - أنّ الخليفة الأوّل والثاني بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد، وتجهيز الجيوش، وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدوا بايع وسالم)).(أصل الشيعة وأُصولها ط دار البحار بيروت 1960 ص91). ويروي ابن أبي الحديد: أنّ عليّاً والزبير قالا بعد مبايعتهما أبي بكر: ((وإنّا لنرى أبا بكر أحقّ الناس بها، إنّه لصاحب الغار، وإنّا لنعرف له سنّه، ولقد أمره رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) بالصلاة بالناس وهو حيّ)).(شرح نهج البلاغة لأبي أبي الحديد ج1 ص132). وأورد ابن أبي الحديد رواية أُخرى مشابهة في (شرحه ج1 ص134، 135). إقتداء عليّ بالصدّيق في الصلوات وقبوله الهدايا منه: ولقد كان عليّ(رضي الله عنه) راضياً بخلافة الصدّيق، ومشاركاً له في معاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا، رافعاً إليه الشكاوى، مصلّياً خلفه، عاملاً معه, محبّاً له، مبغضاً من يبغضه. فقد ذكرنا قبل أنّ عليّاً قال للقوم حينما أرادوه خليفة وأميراً: (وأنا لكم وزيراً خير لكم منّي أميرا).(نهج البلاغة ص136 تحقيق صبحي صالح). يذكّرهم أيّام الصدّيق والفاروق حينما كان مستشاراً مسموعاً، ومشيراً منفذاً كلمته. كما يروي اليعقوبي الشيعي في تاريخه، وهو يذكر أيّام خلافة الصدّيق: ((وأراد أبو بكر أن يغزو الروم، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله، فقدّموا وأخّروا، فاستشار عليّ بن أبي طالب، فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشّرت بخير، فقام أبو بكر في الناس خطيباً، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم)).(تاريخ اليعقوبي ج2 ص132، 133 ط بيروت 1960م). وفي رواية: ((سأل الصدّيق عليّاً كيف ومن أين تبشّر؟ قال: من النبيّ حيث سمعته يبشّر بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن! يسرّك الله)).(تاريخ التواريخ ج2 كتاب 2 ص158 تحت عنوان عزام أبي بكر). ويؤيّد ذلك عالم الشيعة محمّد بن النعمان العكبري الملقّب بالشيخ المفيد، حيث بوّب باباً خاصّاً في كتابه (الإرشاد) لقضايا أمير المؤمنين عليه السلام في إمارة أبي بكر. ثمّ ذكر عدّة روايات عن قضايا عليّ في خلافة أبي بكر، ومنها: ((أنّ رجلاً رفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحدّ، فقال له: إنّي شربتها ولا علم لي بتحريمها لأنّي نشأت بين قوم يستحلّونها ولم أعلم بتحريمها حتّى الآن, فارتجّ على أبي بكر الأمر بالحكم عليه ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعض من حضر أن يستخبر أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير المؤمنين: (مرّ رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار ويناشدانهم: هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم، فأقم الحدّ عليه، وإن لم يشهد أحد بذلك فاستتبّه وخلّ سبيله)، ففعل ذلك أبو بكر، فلم يشهد أحد من المهاجرين والأنصار أنّه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلّى سبيله، وسلّم لعليّ(عليه السلام) في القضاء به).(الإرشاد للمفيد ص107 ط إيران). وكان عليّ يمتثل أوامره، كما حدث أنّ وفداً من الكفّار جاءوا إلى المدينة المنوّرة، ورأوا بالمسلمين ضعفاً وقلّة لذهابهم إلى الجهات المختلفة للجهاد واستئصال شأفة المرتدّين والبغاة الطغاة، فأحسّ منهم الصدّيق خطراً على عاصمة الإسلام والمسلمين، فأمر الصدّيق بحراسة المدينة وجعل الحرس على أنقابها يبيتون بالجيوش، وأمر عليّاً والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود أن يرأسوا هؤلاء الحرّاس، وبقوا كذلك حتّى أمنوا منهم.(شرح نهج البلاغة ج4 ص228 تبريز). وللتعاطف والتوادد والوئام الكامل بينهما: كان عليّ وهو سيّد أهل البيت يتقبّل من أبي بكر الهدايا، دأب الإخوة المتحابّين؛ كما قبل الصهباء الجارية التي سبيت في معركة عين التمر، وولدت له عمر ورقية, حيث قالت كتب الشيعة: ((وأمّا عمر ورقية فإنّهما من سبيئة من تغلب، يقال لها: الصهباء، سبيت في خلافة أبي بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر)).(شرح نهج البلاغة ج2 ص718، أيضاً عمدة الطالب ط نجف ص361). ((وكانت اسمها أُمّ حبيب بنت ربيعة)).(الإرشاد ص186). وأيضاً منحه الصدّيق خولة بنت جعفر بن قيس، التي أسرت مع من أسر في حرب اليمامة، وولدت له أفضل أولاده بعد الحسنين: محمّد بن الحنفية. ((وهى من سبي أهل الردّة، وبها يعرف ابنها، ونسب إليها محمّد بن الحنفية)).(عمدة الطالب الفصل الثالث ص352، أيضاً حقّ اليقين ص213). كما وردت روايات عديدة في قبوله هو وأولاده الهدايا المالية والخمس وأموال الفيء من الصدّيق(رضي الله عنهم أجمعين)، وكان عليّ هو القاسم والمتولّي في عهده على الخمس والفيء, وكانت هذه الأموال بيد عليّ، ثمّ كانت بيد الحسن، ثمّ بيد الحسين، ثمّ الحسن بن الحسن، ثمّ زيد بن الحسن.(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج4 ص118). وكان يؤدّي الصلوات الخمس في المسجد خلف الصدّيق، راضياً بإمامته، ومظهراً للناس اتّفاقه ووئامه معه.(الاحتجاج للطبرسي 53، أيضاً كتاب سليم بن قيس ص253، أيضاً مرآة العقول للمجلسي ص388 ط إيران). مساعدة الصدّيق في تزويج عليّ من فاطمة: وكان للصدّيق مَنّ على عليّ(رضي الله عنهما) حيث توسّط له في زواجه من فاطمة(رضي الله عنها) وساعده فيه، كما كان هو أحد الشهود على نكاحه بطلب من رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم), وهذا يرويه أحد أعاظم الشيعة، ويسمّى بشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي: ((عن الضحّاك بن مزاحم، أنّه قال: سمعت عليّ بن أبي طالب يقول: أتاني أبو بكر وعمر، فقالا: لو أتيت رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) فذكرت له فاطمة. قال: فأتيته، فلمّا رآني رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) ضحك، ثمّ قال: ما جاء بك يا عليّ! وما حاجتك؟ قال: فذكرت له قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي له وجهادي، فقال: يا عليّ! صدقت، فأنت أفضل ممّا تذكر، فقلت: يا رسول الله! فاطمة تزوجنيها)).(الأمالي للطوسي ج1 ص38). وأمّا المجلسي فيذكر هذه الواقعة ويزيدها بياناً ووضوحاً، حيث يقول: ((في يوم من الأيّام كان أبو بكر وعمر وسعد بن معاذ جلوساً في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، وتذاكروا ما بينهم بزواج فاطمة(عليها السلام). فقال أبو بكر: أشراف قريش طلبوا زواجها عن النبيّ، ولكن الرسول قال لهم بأنّ الأمر في ذلك إلى الله - ونظنّ أنّها لعليّ بن أبي طالب - وأمّا عليّ بن أبي طالب فلم يتقدّم بطلبها إلى رسول الله لأجل فقره وعدم ماله، ثمّ قال أبو بكر لعمر وسعد: هيا بنا إلى عليّ بن أبي طالب لنشجّعه ونكلّفه بأن يطلب ذلك من النبيّ، وإن مانعه الفقر نساعده في ذلك. فأجاب سعد: ما أحسن ما فكرت به، فذهبوا إلى بيت أمير المؤمنين(عليه السلام)... فلمّا وصلوا إليه، سألهم ما الذي أتى بكم في هذا الوقت؟ قال أبو بكر: يا أبا الحسن! ليس هناك خصلة خير إلاّ وأنت سابق بها... فما الذي يمنعك أن تطلب من الرسول ابنته فاطمة؟ فلمّا سمع عليّ هذا الكلام من أبي بكر نزلت الدموع من عينيه وسكبت، وقال: قشرت جروحي ونبشت، وهيجت الأماني والأحلام التي كتمتها منذ أمد، فمن الذي لا يريد الزواج منها؟ ولكن يمنعني من ذلك فقري واستحي منه بأن أقول له وأنا في هذا الحال... الخ)).(جلاء العيون للملاّ مجلسي ج1 ص169 ط كتابفروشي إسلامية طهران، ترجمة من الفارسية). ثمّ وأكثر من ذلك أنّ الصدّيق أبا بكر هو الذي حرّض عليّاً على زواج فاطمة(رضي الله عنهم)، وهو الذي ساعده المساعدة الفعلية لذلك، وهو الذي هيّأ له أسباب الزواج وأعدّها بأمر من رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، كما يروي الطوسي: ((أنّ عليّاً باع درعه وأتى بثمنه إلى الرسول، ثمّ قبضه رسول الله من الدراهم بكلتا يديه، فأعطاها أبا بكر، وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت، أردفه بعمّار بن ياسر وبعدّة من أصحابه، فحضروا السوق، فكانوا يعرضون الشيء ممّا يصلح فلا يشترونه حتّى يعرضوه على أبي بكر، فإن استصلحه اشتروه... حتّى إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) الذين كانوا معه الباقي)).(الأمالي ج1 ص39، أيضاً مناقب لابن شهر آشوب المازندراني ج2 ص20 ط الهند، أيضاً جلاء العيون فارسي ج1 ص176). بل إنّ الصدّيق ورفاقه كانوا شهوداً على زواجه بنصّ الرسول(صلّى الله عليه وسلّم)، وطلب منه كما يذكر الخوارزمي الشيعي والمجلسي والإربلي: ((أنّ الصدّيق والفاروق وسعد بن معاذ لمّا أرسلوا عليّاً إلى النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) انتظروه في المسجد ليسمعوا منه ما يثلج صدورهم من إجابة الرسول وقبوله ذلك الأمر، فكان كما كانوا يتوقّعون، فيقول عليّ: فخرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأنا لا أعقل فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمر، وقالا لي: ما وراءك؟ فقلت: زوّجني رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) ابنته فاطمة... ففرحا بذلك فرحاً شديداً، ورجعا معي إلى المسجد، فلمّا توسّطناه حتّى لحق بنا رسول الله، وإنّ وجهه يتهلّل سروراً وفرحاً، فقال: يا بلال! فأجابه فقال: لبيك يا رسول الله! قال: اجمع إلَيَّ المهاجرين والأنصار، فجمعهم ثمّ رقي درجة من المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: معاشر الناس إنّ جبرائيل أتاني آنفاً وأخبرني عن ربّي عزّ وجلّ أنّه جمع ملائكته عند البيت المعمور، وكان أشهدهم جميعاً أنّه زوّج أَمته فاطمة ابنة رسول الله من عبده عليّ بن أبي طالب، وأمرني أن أُزوّجه في الأرض وأشهدكم على ذلك)).(المناقب للخوارزمي ص251، 252، أيضاً كشف الغمّة ج1 ص358، أيضاً بحار الأنوار للمجلسي ج10 ص38، 39، أيضاً جلاء العيون ج1 ص184). الجـزء الثالث: ويكشف النقاب عن الشهود الإربلي في كتابه (كشف الغمّة)، حيث يروي: ((عن أنس، أنّه قال: كنت عند النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) فغشيه الوحي، فلمّا أفاق قال لي: (يا أنس! أتدري ما جاءني به جبرائيل من عند صاحب العرش)؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ، فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً وطلحة والزبير، وبعددهم من الأنصار)، قال: فانطلقت فدعوتهم له، فلمّا أن أخذوا مجالسهم، قال رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (ثمّ إنّي أشهدكم أنّي زوّجت فاطمة من عليّ على أربعمائة مثقال فضّة))).(كشف الغمّة ج1 ص348، 349 ط تبريز، بحار الأنوار ج1 ص47، 48). ولمّا ولد لهما الحسن كان أبو بكر الصدّيق يحمله على عاتقه، ويداعبه ويلاعبه، ويقول: بأبي شبيه بالنبيّ... غير شبيه بعليّ).(تاريخ اليعقوبي ج2 ص117). وكانت العلاقات وطيدة إلى حدّ أنّ زوجة أبي بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرّض فاطمة بنت النبيّ(عليه السلام) ورضي الله عنها في مرض موتها، وكانت معها حتّى الأنفاس الأخيرة, فروت كتب الشيعة: ((وكان (علي) يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس(رحمها الله) على استمرار بذلك)).(الأمالي للطوسي ج1 ص107). و((وصتها بوصايا في كفنها ودفنها وتشييع جنازتها، فعملت أسماء بها)).(جلاء العيون ص235، 242). و((هي التي كانت عندها حتّى النفس الأخير، وهي التي نعت عليّاً بوفاتها)).(جلاء العيون ص237). و((كانت شريكة في غسلها)).(كشف الغمّة ج1 ص504). وكان أبو بكر الصدّيق دائم الاتصال بعليّ ليسأله عن أحوال فاطمة: ((فمرضت (أي: فاطمة رضي الله عنها) وكان عليّ(عليه السلام) يصلّي في المسجد الصلوات الخمس، فلمّا صلّى، قال له أبو بكر وعمر: كيف بنت رسول الله؟)).(كتاب سليم بن قيس ص353). و(لمّا قبضت فاطمة من يومها، فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله، فأقبل أبو بكر وعمر يعزّيان عليّاً ويقولان: يا أبا الحسن! لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله)).(كتاب سليم بن قيس ص255). وروايات أُخرى لأحد شيوخهم المتسمّى ساجد لله، فهي روايات ليست مدرجة في ردود موقعكم، لا بدّ من الردّ عليها وتوضيحها بإجابات مطوّلة، مع ذكر المصادر...؟ بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. يقول الرافضة خلال النقاشات معهم: أنّ عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) قد بايع الشيخان للحفاظ على بيضة المسلمين!! وحين تذهب إلى كتبهم تجد أقوال المعصومين - حسب دينهم - التي تؤكّد هذا القول: أخبرنا محمّد بن محمّد، قال: أخبرني المظفر بن محمّد، قال: حدّثنا أبو بكر محمّد بن أبي الثلج، قال: حدّثنا أحمد بن موسى الهاشمي، قال: حدّثنا محمّد بن حماد الشاشي، قال: حدّثنا الحسن بن الراشد البصري، قال: حدّثنا علي بن الحسن الميثمي، عن ربعي، عن زرارة، قال: قلت: لأبي عبد الله(عليه السلام): ما منع أمير المؤمنين(عليه السلام) أن يدعو الناس إلى نفسه، ويجرّد في عدوه سيفه؟ فقال: (تخوّف أن يرتدّوا ولا يشهدوا أنّ محمّداً رسول الله(صلّى الله عليه وآله))).(راجع الأمالي للطوسي ص229، دعائم الإسلام ج1 ص15). حدّثني أبو الحسين محمّد بن هارون التلعكبري، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني أبو علي محمّدبن همام ابن سهيل(رضي الله عنه)، قال: روى أحمد بن محمّد بن البرقي، عن أحمد بن محمّد الأشعري القمّي، عن عبد الرحمن بن بحر، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد(عليه السلام)... (في رواية طويلة جاء فيها): (...أمّا حقّي فقد تركته مخافة ارتداد الناس عن دينهم...).(راجع دلائل الإمامة ص 46، بحار الأنوار 43/171). أحمد بن حاتم، عن أحمد بن محمّد بن موسى، عن محمّد بن حماد الشاشي، عن الحسين بن راشد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن ربعي، عن زرارة، قال: قلت:... ما منع أمير المؤمنين(عليه السلام) أن يدعو الناس إلى نفسه؟ قال: (خوّفاً أن يرتدّوا...).(راجع بحار الأنوار 29/440). عن الباقر، قال: (إنّ الناس لمّا صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر، لم يمنع أمير المؤمنين من أن يدعوا إلى نفسه إلاّ نظره للناس, وتخوفاً عليهم أن يرتدّوا عن الإسلام, فيعبدوا الأوثان, ولا يشهدوا أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله, وكان أحبّ إليه أن يقرّهم على ما صنعوا من أن يرتدّوا عن الإسلام).(الكافي 8/295، البحار 28/255). عن الصادق، وقد سُئل: ما منع أمير المؤمنين أن يدعو الناس إلى نفسه، ويجرد في عدوه سيفه؟ فقال: (تخوّف أن يرتدّوا ولا يشهدوا أنّ محمّداً رسول الله). (أمالي الطوسي 234، انظر أيضاً: البحار 49/192، عيون الأخبار 2/188). ويدعم هذه الاستنتاجات قول علي بن أبي طالب(رضي الله عنه): (إِنَّهُ بَايَعَنِي القَومُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكر وَعُمَرَ وَعُثمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُم عَلَيهِ، فَلَم يَكُن لِلشَّاهِدِ أَن يَختَارَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَن يَرُدَّ، وَإنَّمَا الشُّورَى لِلمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ، فَإِنِ اجتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لله رِضاً، فَإِن خَرَجَ عَن أَمرِهِم خَارِجٌ بِطَعن أَو بِدعَة رَدُّوهُ إلى مَا خَرَجَ منه، فَإِن أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيرَ سَبِيل المُؤمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى). (نهج البلاغة/ وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه. تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم(عليه السلام). تحقيق: الشيخ فارس الحسّون. إعداد مركز الأبحاث العقائدية. باب المختار من كتب أمير المؤمنين(عليه السلام) ورسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده، ويدخل في ذلك ما اختير من عهوده إلى عمّاله ووصاياه لأهله وأصحابه، كتاب رقم (6)، ومن كتاب له(عليه السلام) إلى معاوية الصفحة 587 - الصفحة 588). فكيف يتنازل الإمام عن النص الرباني بحقّه للحفاظ على بيضة المسلمين، وهو نفسه القائل أنّ بيعتهم شرعية ومرضية لله عزّ وجلّ؟ ولم يكتفي بذلك... بل أمر بقتال من يخرج عليهم، لأنّه رأى باتّباع من سبقوه للخلافة اتّباع لسبيل المؤمنين وإرضاءً لله عزّ وجلّ؟ وكيف لا يأمر بذلك وقد نسب إليه الرافضة في (نهج البلاغة): (أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الأمر أَقوَاهُم عَلَيهِ، وَأَعلَمُهُم بِأَمرِ اللهِ فِيهِ، فَإِن شَغَبَ شَاغِبٌ استُعتِبَ، فَإِن أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمرِي، لَئِن كَانَتِ الإمامةُ لاَ تَنعَقِدُ حَتَّى يَحضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فـمَا إلى ذلك سَبِيلٌ، وَلكِن أَهلُهَا يَحكُمُونَ عَلَى مَن غَابَ عَنهَا، ثُمَّ لَيسَ لِلشَّاهِدِ أَن يَرجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَن يَختَارَ.لاَ وَإِنَّي أُقَاتِلُ رَجُلَينِ: رَجُلاً ادَّعَى مَا لَيسَ لَهُ، وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيهِ). (نهج البلاغة/ وهو مجموعة خطب مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) وأوامره وكتبه ورسائله وحكمه ومواعظه. تأليف: الشريف الرضي أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم(عليه السلام). تحقيق: الشيخ فارس الحسون. خطبة رقم ــ(173) من خطبة له(عليه السلام) في رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، ومن هو جدير بأنّ يكون للخلافة وفي هوان الدنيا، الجدير بالخلافة الصفحة 383 - الصفحة 384). *************************


الأخ جعفر المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تنبيه: هذه الأسئلة قد وصلتنا سابقاً وأجبنا عليها كلّها تقريباً، وهي مبثوثة في هذه الموسوعة تحت عناوين مختلفة، والأصل فيها مأخوذ من كتاب إحسان إلهي ظهير (الشيعة وآل البيت)؛ وقد أجاب علمائنا الأعلام على أغلب ما كتبه، وسوف نجيب نحن هنا أيضاً إضافة إلى أجوبتنا السابقة المشار إليها، وربما اكتفينا بالإحالة فقط: أوّلاً: بالنسبة إلى خبر ابن عبّاس، فهي رواية سُنّية انفرد بإخراجها وروايتها مسندة - من القدماء والمصادر المعتمدة والمعتبرة - الطبراني (1) ، وعنه الهيثمي في (مجمع الزوائد) (2) . وهي على إحسان إلهي ظهير والخراشي والوهابية، وليست لهم! إضافة إلى أنّها لا تصحّ سنداً حتّى عندهم! ولو تدبّروا في الرواية جيّداً، وعلموا أنّ هناك أُناساً عقلاء لن تنطلي عليهم أراجيف المرجفين، وكذب المفترين، وخداع الشياطين، لما تورّطوا في إيراد ما أوردوه البتة، وخصوصاً هذه الرواية التي فيها الحجّة البالغة على ظهير والخراشي وأتباعهما. حيث أنّ في الرواية مقاطع تفضح عقيدة هؤلاء، وتثبت التشيّع والعقيدة الحقّة، وما كان عليه ابن عبّاس وأهل البيت(عليهم السلام) من خلاف عميق مع الصحابة، وليس العكس! فنجد أنّ بداية الرواية تنصّ على أنّ معاوية يريد إحراج ابن عبّاس، حيث قال: ((يا سعيد! والله لألقينّ على ابن عبّاس مسائل يعيى بجوابها، فقال له سعيد: ليس مثل ابن عبّاس يعيى بمسائلك)). فانظر أيّها المنصف! أنّ معاوية ومجالسيه كيف يعرفون أنّ ابن عبّاس على عقيدة تخالف ما عليه هؤلاء القوم وأتباعهم، وكيف أنّ معاوية يريد إحراج ابن عبّاس بحضور بطون قريش لتحريض الناس على أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم.. حيث تقول الرواية: ((استأذن عبد الله بن عبّاس على معاوية وقد تحلقت عنده بطون قريش، وسعيد بن العاص جالس عن يمينه، فلمّا نظر إليه معاوية، قال: يا سعيد! والله لألقينّ على ابن عبّاس مسائل يعيى بجوابها...)). ثمّ إنّه يتّضح من مقدّمة الرواية وكلام ابن عبّاس، أنّ معاوية يريد الإيقاع بابن عبّاس وإحراجه، وكشف أوراقه وفضحه أمام قريش من كونه معادياً لأئمّة قريش وقادتها، وأسلاف معاوية الذين أوصلوه إلى سدّة الحكم والملك، رأينا قول سعيد بن العاص من أنّ معاوية وغير معاوية لا يقوون على الإيقاع بمثل ابن عبّاس تلميذ أمير المؤمنين، واللسان الناطق لأهل البيت(عليهم السلام)، حيث تحدّى معاوية أن يستطيع إيقاعه وكشف أوراقه. ولذلك تجد أنّ ابن عبّاس قد استعمل أُسلوباً عظيماً ورائعاً وراقياً، ألا وهو أُسلوب التقية، وكيفية بيان الحقّ ونقض صدر الكلام بعجزه، حيث ماشى معاوية في بداية أسئلته، وامتصّ قوّة هجومه، ثمّ قلب الطاولة عليه، حيث ابتدأ معاوية بسؤاله عن رأيه في أبي بكر مباشرة بنصّ الرواية على ذلك. حيث قال الراوي ربعي بن حراش: فلمّا جلس (ابن عبّاس) قال له معاوية: ما تقول في أبي بكر؟ ثمّ قال له: فما تقول في عمر؟ ثمّ قال له: فما تقول في عثمان بن عفّان؟ وبعد أن امتدحهم ابن عبّاس ظاهراً، قال له معاوية: فما تقول في عليّ بن أبي طالب؟ قال ابن عبّاس: (... خير من آمن واتَّقى، وسيّد من تَقمَّصَ وارتدى، وأفضل من حجَّ وسعى، وأسمح من عدل وسوّى، وأخطب أهل الدنيا إلاّ الأنبياء والنبيّ المصطفى[صلّى الله عليه وآله وسلّم]، وصاحب القبلتين، فهل يوازيه موحّد؟! وزوج خير النساء، وأبو السبطين، لم تر عيني مثله ولا ترى حتّى القيامة واللقاء؛ فمن لعنه فعليه لعنة الله والعباد إلى يوم القيامة). وهذا تصريح ونصّ من ابن عبّاس على عقيدته وتفضيله لعليّ(عليه السلام) على كلّ من سواه من الصحابة وأهل البيت، بل إنّ ابن عبّاس لعن معاوية وأخبر أنّ الله تعالى والناس يكيلون لمعاوية والنواصب من أتباعه اللعن، حيث لعن ابن عبّاس من يثلب أبا بكر ويبغض عمر ويسبّ عثمان، ولكنّه لعن من يلعن عليّاً(عليه السلام)، ومعلوم في أزمان معاوية وبني أُميّة من كان يلعن عليّاً(عليه السلام). فثبت أنّ ظهير ومعه الخراشي اقتطعا جزءاً يسيراً من الرواية! فآمنا ببعض الكتاب وكفرا ببعض، وهذا من تدليسهما وتحريفهما للروايات، وخيانة للأمانة العلمية. هذا كلّه إن أغضضنا النظر عن سندها، ولكن مع كلّ ما قدّمناه، تجد الجواب الوافي عليها وعلى غيرها في عنوان (ردّ روايات نقلت من مصادر شيعية يتصوّر فيها مدح لأبي بكر)، وعنوان (الصحابة/أقوال مزعومة في مدح بعض الصحابة). ثانياً: وأمّا بالنسبة إلى الرواية الثانية، وهي تدليسهما بقولهما: ويقول الحسن بن عليّ، وينسبه إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (إنّ أبا بكر منّي بمنزلة السمع)، فقد أجبنا عنها أيضاً بما فيه الكفاية؛ بما أوعزنا إليه آنفاً، وكذا في عنوان (الخلفاء/ بمنزلة السمع والبصر والفؤاد). ثالثاً: وكذلك الحال بالنسبة إلى رواية الإمام الحسن(عليه السلام) وشروطه على معاوية في الصلح، إذ أنّه اشترط عليه أن يعمل ويحكم في الناس بكتاب الله وسُنّة رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وسيرة الخلفاء الراشدين - الصالحين ــ. فقد أجبنا عليه في عنوان (الصحابة/ أقوال مزعومة في مدح بعض الصحابة). ونضيف عليه: إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد طعن عمر وجعله الأمر في ستّة، منهم أمير المؤمنين(عليه السلام)، وأمكن له (عليه السلام) أن يحصل على الخلافة بعد أن اشترط عبد الرحمن بن عوف عليه العمل بكتاب الله وسُنّة نبيّه وسيرة الشيخين، رفض قبول ما اشترط من سيرتهما، وترك الخلافة وولاية شؤون المسلمين بذلك الشرط وقبله عثمان فبايعوه. فلو كانت سيرة الشيخين مقبولة عند أهل البيت(عليهم السلام) لكان قبولها في تولّيهم أفضل وأدعى من قبولها عند تنازلهم؛ فافهم!! ولو كانوا راشدين وصالحين عند أهل البيت(عليهم السلام)، لوجب عليهم قبول سيرتهم!! فكيف يرفض أمير المؤمنين(عليه السلام) الخلافة وولاية أُمور المسلمين بسبب هذا الشرط؟! رابعاً: وكذا الحال في الرواية عن الإمام زين العابدين(عليهم السلام)، تجد جوابها في عنوان (الصحابة/ أقوال مزعومة...). وهي رواية سُنّية أصلاً، وصاحب (كشف الغمّة) ينقل عنهم، كما هو معروف وواضح حتّى في مقدّمة الكتاب. خامساً: أمّا الرواية عن الإمام الباقر(عليه السلام) في حلية السيف، فتجد الجواب عنها فيما أجبنا هنا تحت عنوان (لا يثبت لقب الصدّيق برواية غير صحيحة)؛ فراجع. سادساً: أمّا فرية تسمية أبي بكر بالصدّيق في الغار، والبتر والتدليس الذي ارتكباه - ظهير والخراشي - في الرواية، فتجد الردّ عليه أيضاً في عنوان (الصحابة/ أقوال مزعومة في فضل بعض الصحابة). سابعاً: أمّا خبر الاحتجاج، فهو مرسل دون إسناد، ولم يروه غيره، ولو فرضنا صحّته، فإنّه مبتور مقطوع من مناظرة بين الإمام الجواد(عليه السلام) ويحيى بن أكثم في محضر المأمون، والإمام كان بصدد الردّ وتكذيب كلّ ما جاء به ابن أكتم من روايات لفضائل مكذوبة لأبي بكر وعمر، فلا يمكنه والحال هذه أن يظهر لهم أن لا فضل لأبي بكر وعمر بالمرّة، كما هو حال ابن عبّاس أمام معاوية الذي ذكرناه آنفاً، ولذلك كان يبدأ بردّ كلّ ما جاؤوا به بقوله(عليه السلام): (ولست بمنكر فضل أبي بكر)، ولكن كان يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ بأمثال الخبر الذي قاله رسول الله(صلّى الله عليه وآله) في حجّة الوداع: (قد كثرت علَيَّ الكذّابة، وستكثر بعدي، فمن كذب علَيَّ متعمّداً، فليتبوّأ مقعده من النار).. وكذلك حينما قال الإمام الجواد(عليه السلام): (لست بمنكر فضل عمر)، أعقبه بقوله بما يعتقدون هم: (ولكن أبا بكر أفضل من عمر)، ونقض على ابن أكثم بعد أن احتجّ عليه بقوله: (وقد روي: إنّ السكينة تنطق على لسان عمر)، فعارضه الإمام(عليه السلام) بأنّهم يعتقدون بأنّ أبا بكر أفضل من عمر، ومع ذلك ثبت أنّ أبا بكر قال على رأس المنبر: ((إنّ لي شيطاناً يعتريني فإذا ملتُ فقوّموني)). فيريد الإمام(عليه السلام) أن يقول: إن لم تثبت السكينة للأفضل عندكم، فكيف تثبت لمن هو أدون منه؟! ثامناً: وأمّا قول الإمام الصادق(عليه السلام) على ما نقلا من الرواية (إمامان عادلان قاسطان...)، فتجد الجواب عنه في نفس الرواية، وقد أوضحنا جوابه في عنوان (الصحابة/ أقوال مزعومة في حقّ بعض الصحابة). تاسعاً: أمّا رواية الكليني(قدّس سرّه) التي في (فروع الكافي)، فمن ناحية الإسناد فإنّ سفيان الثوري كان عامّي المذهب لم يوثّق ولم يمدح، بل ورد ذمّه في روايتين عن الإمام الصادق(عليه السلام) (3) ، وهو الناقل المباشر لتلك الرواية عن الإمام الصادق(عليه السلام), وكذلك مسعدة بن صدقة نصّوا على كونه عامّياً، كما في رجال الطوسي، وأنّه بتري (زيدي) كما عند الكشّي (4) , وهذه الأوصاف في رواة الحديث توجب فيما لو صدقوا، حمل كلام الإمام(عليه السلام) على التقية بلا أدنى شكّ. بالإضافة إلى كونه(عليه السلام) في مناظرة هنا، ويجب أن يكون الاستدلال في المناظرات على قاعدة الإلزام وإقناع الخصم بكلام ندِّه ومحاوره، مع أنّ الإمام(عليه السلام) في مقام الدعوة أيضاً ومحاولته إقناعهم وهدايتهم, فينبغي أن يكون رفيقاً بهم مماشياً لهم ببعض الأُمور التي لا مدخلية لها بموضوع المناظرة والخلاف، وقد أوصانا سبحانه وتعالى بمحاورة أهل الكتاب بالرفق واللين ومجادلتهم بالتي هي أحسن، ناهيك عن كون الخصم مسلماً: (( ادعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ )) (النحل:125)، وقال عزّ من قائل: (( وَلا تُجَادِلُوا أَهلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ )) (العنكبوت:46). ثمّ مع كلّ هذا فليس في الرواية تصريح ونصّ واضح بمدح أبي بكر، فقد يكون الضمير في (بعده) عائداً على الأبعد - وهو نظير ما يفعله أهل السُنّة بتخريج وتأويل آية الوضوء بالعطف على الأبعد - إذ أنّ الخراشي وقبله ظهير قد اقتطعا من الحديث ما يعجبهما فقط وأتيا به، ولكن الرواية تذكر رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بكثرة قبل اعتراض جملة - وقال أبو بكر عند موته...- فتدبّر! ثمّ إنّه لا يصحّ على كلّ المقاييس أن يأتي سلمان وأبو ذرّ (رضوان الله عليهما) بعد أبي بكر مباشرة! فالسُنّة يفضّلون العشرات عليهما، بينهما وبين أبي بكر كعمر وعثمان وعليّ وبقية العشرة وغيرهم, أمّا الشيعة فهم يعتقدون بأنّ أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) كعليّ، والحسن، والحسين، بالإضافة إلى الزهراء(عليهم السلام) هم أكمل خلق الله وأعظم أهل البيت والصحابة في كلّ شيء وأفضلهم وأزهدهم، وأنّهم معصومون من كلّ صغيرة وكبيرة, فكيف يقول الإمام الصادق(عليه السلام) إنّ سلمان، وأبا ذرّ، وقبلهم أبو بكر، أزهد من أمير المؤمنين؟!! خصوصاً لو اطّلعنا على قول الإمام الحسن(عليه السلام) الذي يرويه السُنّة قبل الشيعة، وخطبته(عليه السلام) بعد وفاة واستشهاد أمير المؤمنين(عليه السلام)، حين قال: (لقد قُبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأوّلون بعمل، ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يعطيه رايته فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتّى يفتح الله عليه، وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلاّ سبع مائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع بها خادم لأهله...)، وقد رواه أحمد في مسنده (5) ، والحاكم في مستدركه على الصحيحين (6) ، واللفظ له، وابن أبي شيبة في مصنّفه (7) ، والدولابي في (الذرّية الطاهرة) (8) ، والطبراني في (معجمه الكبير) (9) ، وغيرها (10) ... وبالتالي فلا يمكن أن يكون الإمام الصادق(عليه السلام) يقصد أو يشهد لأبي بكر هنا بأنّه أزهد الناس، أو أنّه زاهد أصلاً، هذا من جهة؛ بل إنّ الرواية تدلّ على عكس الزهد كما هو واضح! فإنّها تنصّ على أنّ أبا بكر أوصى بخمس ما ترك، ولم يوص بجميع الثلث بأن ينفق له, والخمس أقلّ من الثلث؛ فهو إذاً لم يبق لنفسه في وصيته ما يُنفق له بعد موته كلّ ما يجوز له, بل أورث ذرّيته أكثر ما يمكنه توريثهم من أمواله وانتفاعه بأقل ممّا تركه لورثته لدنياهم، فأين الزهد من هذا بالله عليكم؟! ومن قرأ استدلال الإمام(عليه السلام) على الصوفية هنا، علم أنّهم أنكروا عليه(عليه السلام) لباسه الثمين، وانتقدوا من يهتمّ باللباس والمؤونة والدنيا، فاستدلّ الإمام(عليه السلام) بمن كان معظّماً عند هؤلاء الصوفية، ويقتدون به كرسول الله(صلّى الله عليه وآله)، وأبي بكر، وسلمان، وأبي ذرٍّ، فهؤلاء عند أُولئك يعتبرون أئمّة الزهد والتصوّف بلا منازع، ويستدلّ الإمام(عليه السلام) بأفعالهم على عكس مراد هؤلاء الصوفية، وممّا يخالف الزهد، فأين شهادة الإمام(عليه السلام) بأنّ أبا بكر أزهد الأُمّة، ومن أصحاب المرتبة والمنزلة الأُولى في الزهد إلاّ في أوهام من استدلّ بذلك بلا فهم ولا علم ولا تعقّل؟! نسأل الله السلامة في ديننا ودنيانا وعقولنا. عاشراً: وأمّا قول الصادق(عليه السلام): (لقد ولدني أبو بكر مرّتين), فأوضح من سابقه من عدم دلالته على المدح بالمرّة. وتجد الإجابة عليه مفصّلاً هنا في عنوان: (حديث ولدني أبو بكر مرّتين)، و(الصحابة/ أقوال مزعومة في مدح بعض الصحابة). الحادي عشر: أمّا ما نقلوه عن (الشافي) في تسليم الإمام الصادق(عليه السلام) على قبري أبي بكر وعمر، فهو كأخواته من الأحاديث التي ينقلونها عن هذا الكتاب, فجميعها محض تدليس، أو جهل، أو كذب، لأنّ هذا الكتاب عبارة عن ردّ على القاضي عبد الجبّار في ردّه على الشيعة في كتابه (المغني)، فيورد هؤلاء المدلّسون أو الجهلة الأحاديث التي يستدلّ بها القاضي عبد الجبّار، ويذكرها السيّد المرتضى(قدّس سرّه) ليردّ عليها فقرة فقرة, على إنّها من كلامه(قدّس سرّه)، وبالتالي فقد وجدنا هنا السيّد المرتضى(قدّس سرّه) يقول: ((قال صاحب الكتاب: ومن جملة ما ذكروه من الطعن إدعاؤهم أنّ فاطمة(عليها السلام)... وادّعوا برواية رووها عن جعفر بن محمّد(عليه السلام) وغيره أنّ عمر ضرب فاطمة(عليها السلام) بالسوط... ثمّ حكى - أي صاحب (المغني) - عن أبي علي تكذيب ما روي عن الضرب بالسوط، فقال: ((وهذا المروي عن جعفر بن محمّد من ضرب عمر لا أصل له، بل المروي من جعفر بن محمّد(عليه السلام) أنّه كان يتولّى أبا بكر وعمر ويأتي القبر فيسلِّم عليهما مع تسليمه على رسول الله(صلّى الله عليه وآله), روى ذلك عبّاد بن صهيب، وشعبة بن الحجّاج، ومهدي بن هلال، والدراوردي، وغيرهم، وقد روى عن أبيه، وعن عليّ بن الحسين مثل ذلك، فكيف يصحّ ما ادّعوه؟! وهل هذه الرواية إلاّ كروايتهم عن جعفر في أخبار لهم: أنّ عليّ بن أبي طالب هو إسرافيل، والحسن ميكائيل، والحسين جبرائيل، وفاطمة ملك الموت، وآمنة أُمّ النبيّ ليلة القدر، فإن صدّقوا ذلك صدّقوا هذا أيضاً)) (11) . فمن الواضح جدّاً أنّ القاضي عبد الجبّار ينقل كلام الشيعة ثمّ يردّ عليهم بأقوال أساتذته، كأبي علي، وأبي هاشم الجبائيان، أو كلامه هو، والسيّد المرتضى ينقل ذلك عنه ليرد عليه بشكل واضح ومفهوم لكلّ آدمي له ذرّة عقل، إلاّ الكذّابين الأفّاكين، فهم يحرّفون الكلم عن بعض مواضعه، ليصدّوا عن سبيل الله، فأنّى يؤفكون؟ فالسيّد يقول في بداية نقله وردّه على القاضي عبد الجبّار: ((قال صاحب الكتاب)), ويعني به: القاضي في (المغني)، ثمّ ينقل من قوله أيضاً: ((ومن جملة ما ذكروه من الطعن))، ويعني بهم: الشيعة، وهو في صدد ذكر ما يقولونه في أبي بكر وعمر. ثمّ قال (القاضي عبد الجبّار): ((إدّعاؤهم أنّ فاطمة(عليها السلام) لغضبها على أبي بكر وعمر أوصت أن لا يصلّيا عليها، وأن تدفن سرّاً منهما، فدفنت ليلاً، وادّعوا برواية رووها عن جعفر بن محمّد(عليه السلام)، وغيره أنّ عمر ضرب فاطمة(عليها السلام) بالسوط، وضرب الزبير بالسيف، وذكروا أنّ عمر قصد منزلها وعليّ والزبير والمقداد وجماعة ممّن تخلّف عن بيعة أبي بكر مجتمعون هناك، فقال لها: ما أحد بعد أبيك أحبّ إلينا منكِ، وأيم الله لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك لنحرقنّ عليهم، فمنعت القوم من الاجتماع)). قال السيّد المرتضى: ((ثمّ قال (أي: صاحب كتاب المغني القاضي عبد الجبّار): الجواب عن ذلك: إنّا لا نصدّق ذلك ولا نجوّزه)) (12) . ونقله صاحب (شرح النهج) في كتابه ونسبه إليهما بشكل واضح، فقال: ((قال المرتضى حاكياً عن قاضي القضاة... قال: وممّا يذكرونه أنّ فاطمة(عليها السلام) لغضبها على أبي بكر وعمر أوصت ألاّ يصلّيا عليها، وأن تدفن سرّاً منهما، فدُفنت ليلاً، وهذا كما ادّعوا رواية رووها عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام)، وغيره أنّ عمر ضرب فاطمة(عليها السلام) بالسوط، وضرب الزبير بالسيف...)) (13) . ثمّ ذكر ردّ القاضي عبد الجبّار وبعده ما نقله عبد الجبّار من قول شيخه أبي علي الجبائي، وهو بعينه موجود في (الشافي). ثمّ نقول لك أيّها الأخ العزيز، بعد كلّ ما نقلناه من وضوح كذب ودجل وافتراء ما نقل في هذه الشبهة ونسبته إلى السيّد المرتضى: إنّ السيّد المرتضى ردّ هذا القول من القاضي عبد الجبّار وشيخه أبي علي بعد صفحات من نفس الجزء، حيث قال المرتضى: ((فأمّا حكايته عن أبي علي إنكاره ما روي من ضربها وإدّعاؤه أنّ جعفر بن محمّد(عليه السلام) كان يتولاّهما، وكان أبوه وجدّه كذلك، فأوّل ما فيه أنّ إنكار أبي علي لمّا وردت به الرواية من غير حجّة؛ لا يعتدُّ به، وكيف لا ينكر أبو علي هذه الرواية وعنده أنّ القوم لم يجلسوا من الإمامة إلاّ مجلسهم... ولو أخرج من قلبه هذه الاعتقادات المبتدأة لعرف أمثال هذه الرواية، أو الشكّ على أقلّ أحواله في صحّتها وفسادها، وقد كنّا نظنّ أنّ مخالفينا في الإمامة يقنعون فيما يدّعونه على أبي عبد الله جعفر بن محمّد وأبيه وجدّه(عليهم السلام)، بأن لا يقولوا في القوم السوء، ويكفوا عن الملامة فيهم، وإضافة المعايب إليهم، ففي هذا لو سلّم لهم مقنع وبلاغ، وما كنّا نظنّ أنّهم يحملون أنفسهم على مثل ما ادّعاه أبو علي، ومذاهب الناس إنّما تؤخذ من خواصّهم وأوليائهم، ومن ليس بمتّهم عليهم، ولا يتلقّى من أعدائهم والمنحرفين عنهم، وقد علمنا وعلم كلّ أحد أنّ المختصّين بهؤلاء السادة قد رووا عنهم ضدّ ما ادّعاه أبو علي، وأضافه إلى شعبة بن الحجّاج وفلان وفلان. وقولهم فيهما: أنّهما أوّل من ظلمنا حقّنا، وحمل الناس على رقابنا، وقولهم: إنّهما أصفيا [أصغيا] بإنائنا، واضطجعا بسبيلنا، وجلسا مجلساً نحن أحقّ به منهما، مشهور معروف.. إلى غير ذلك من فنون التظّلم، وضروب الشكاية فيما لو أوردناه واستقصيناه لاحتاج إلى مثل حجم كتابنا، ومن أراد أن يعتبر ما روي عن أهل البيت في هذا المعنى فلينظر في كتاب (المعرفة) لأبي إسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفي، فإنّه قد ذكر عن رجل رجل من أهل البيت(عليهم السلام) بالأسانيد البيّنة ما لا زيادة عليه. وبعد، فأيّ حجّة في رواية شعبة وأمثاله ما حكاه، وهو ممّا يجوز أن يخرج مخرج التقية التي قدّمنا جوازها على سادتنا(عليهم السلام)، فكيف يعارض ذلك أخبارنا التي لا يجوز أن تصدر إلاّ عن الاعتقادات الصحيحة والمذاهب التي يدان الله تعالى بها)) (14) . ثمّ نقول: ولو نظر المنصف حتّى المقل في العلم؛ لوجد أنّ من نقل الرواية وهو أبو علي نقلها بسند عن عبّاد بن صهيب، وشعبة بن الحجّاج، ومهدي بن هلال، والدراوردي ؛ والكلّ يعلم أنّ هؤلاء هم علماء ورواة أحاديث أهل السُنّة! فكيف ينسب رجل يحترم نفسه هذه الرواية للشيعة ويجعلها حجّة عليهم بالكذب، والتزوير، والتدليس، والتلاعب في الدين؟! قال تعالى: (( وَاتَّقُوا يَوماً تُرجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ )) (البقرة:281)، وقال عزّ وجلّ: (( يَومَ تَشهَدُ عَلَيهِم أَلسِنَتُهُم وَأَيدِيهِم وَأَرجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ )) (النور:24)؟! الثاني عشر: وأمّا رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري(عليه السلام)، فهي لو كانت صحيحة - وليست كذلك لضعف راويا التفسير - فإنّها لا تدلّ على المدح، بل هي شرطية! ولو أكمل هذان المدلّسان ما نقلاه، وكانا أمينين غير متلاعبين، لعرف كلّ من سمع الحديث، عدم ثبوت، بل عدم وجود أيّ فضيلة لأبي بكر, بل الثابت هو فضل أمير المؤمنين(عليه السلام) بلا منازع, حيث أنّ الرواية حرفها هذان المدلّسان، وجعلا (إن) الشرطية (أنّ) التوكيدية، في قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (لا جرم أن اطّلع الله على قلبك)، فقلبا المعنى من الجملة الشرطية إلى الإخبارية الثابتة!! فالنبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله) في هذه الرواية كان يسأل أبا بكر ويختبره ويقيم عليه الحجّة البالغة بأنّه هل يوافق على تحمّل العذاب والمشقة, فأجابه أبو بكر بما يبيّن فيه تحمّله وتضحيته، وقال فيما قال: وهل أنا ومالي وولدي إلاّ فداءك؟ فأجابه (رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم): أنّه لو كان صادقاً فيما قاله بلسانه وكان معتقداً حقّاً بما قال، سيجعله الله تعالى من النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بمنزلة السمع والبصر، والرأس من الجسد، والروح من البدن، وقطع هذا المدلّس بقية الحديث وهو: (كعليّ الذي هو منّي كذلك، وعليّ فوق ذلك لزيادة فضائله وشريف خصاله). فرسول الله(صلّى الله عليه وآله) يثبت هذه المنزلة وأكثر لعليّ(عليه السلام)، ويعرضها على أبي بكر، لئلاّ يقول قائل: إنّه قد استأثر رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بالخير كلّه لابن عمّه وحبيبه أمير المؤمنين(عليه السلام)، حيث عرض عليه ما لم يعرضه على أحد غيره، ولو عرض نفس ما عرضه على غيره لقبله وأدّى ما أدّاه عليّ(عليه السلام). وهذا أمر عام ومطّرد في أغلب فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام)، كالإنذار يوم الدار، وفتح خيبر، وقتل ذي الخويصرة, والعموم في آية التصدّق، وآية النجوى، ويوم الخندق.. وغيرها من الفضائل الكثيرة التي عُرضت بصيغة الجمع والعرض المفتوح أمام الجميع، ولكن لا يتصدّى له إلاّ أمير المؤمنين(عليه السلام). وهذه الفضيلة أيضاً منها، حيث ختم النبيّ(صلّى الله عليه وآله) هذا العرض المغري، وهذا العهد المأخوذ، وهذا الاختبار الواضح، بقوله: (يا أبا بكر! إنّ من عاهد الله، ثمّ لم ينكث، ولم يغيّر، ولم يبدّل، ولم يحسد من قد أبانه الله بالتفضيل، فهو معنا في الرفيق الأعلى، وإذا أنت مضيت على طريقة يحبّها منك ربّك ولم تتبعها بما يسخطه ووافيته بها إذا بعثك بين يديه، كنت لولاية الله مستحقّاً، ولمرافقتنا في تلك الجنان مستوجباً... ثمّ سمع السماء والأرض والجبال والبحار، كلّ يقول: يا محمّد ما أمرك ربّك بدخول الغار لعجزك عن الكفّار... يا محمّد! من وفى بعهدك فهو من رفقائك في الجنان، ومن نكث فعلى نفسه ينكث، وهو من قرناء إبليس اللعين في طبقات النيران). ثمّ قال(صلّى الله عليه وآله) بعد ذلك مباشرة لعليّ: (يا عليّ! أنت منّي بمنزلة السمع والبصر، والرأس من الجسد، والروح من البدن، صبّت إليَّ كالماء البارد إلى ذي الغلة الصادي...) (15) . فإنّك ترى أيّها المنصف أنّ إخبار أمير المؤمنين(عليه السلام) بذلك كان مؤكداً، أمّا الكلام مع أبي بكر فإنّه كان مشروطاً بالوفاء بالعهد، معلّقاً على حسن الخاتمة! فتنبّه تنجو وتوفّق. وراجع أيضاً إجابتنا عليه في عنوان: (الصحابة/أقوال مزعومة...). الثالث عشر: أمّا ما نقلاه من (ناسخ التواريخ), وهو كتاب تأريخي طويل جدّاً، وهو بالفارسية، وصاحبه ينقل عن كتب معتبرة وغير معتبرة، وليس هو من المصادر المعتمدة، وهو متأخّر جدّاً, فكيف يصحّ الاحتجاج برواياته وما ينفرد بنقله؟! وكيف نصدّق نقل الكاذبين المدلّسين عنه، خصوصاً إن كان بلغة أُخرى؟! والشيعة الإمامية لا يعتقدون في زيد الشهيد الإمامة وإن اعتقدوا صلاحه، ومن يعتقد بإمامته هم طائفة أُخرى من الشيعة اسمهم الزيدية أكثر عددهم وعدّتهم الآن في اليمن، فعدم تمييز الخراشي لمن اعتقدوا إمامته بالاسم تدليس آخر منه. وقد فتّشنا عن هذه الرواية في الكتب، فلم نجدها إلاّ عند ابن عنبة في (عمدة الطالب) (16) ، وهو كتاب في الأنساب، ولا علاقة له بالتحقيق والروايات المسندة والصحيحة, وقد نقله عن أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي, وهذا الرجل إخباري معتمد عند السُنّة أكثر من الشيعة، مع إرساله لهذه الرواية بلا سند أصلاً, فكيف يصحّ الاحتجاج بمثل هذه الأخبار في إثبات مثل هذه العقائد؟! ولو سلّمنا بصحّة ذلك عن زيد، فإنّما يحمل قوله على التقية وجلب المصلحة العامّة لاستنفار الناس معه، لأنّ دعوته كانت عامّة لجميع المسلمين. وكيف يحتجّ علينا بمثل هذه الرواية مع وجود روايات كثيرة عندنا وعن أئمّتنا تثبت أنّ أصل التسمية بالرافضة للشيعة ولأتباع أهل البيت(عليهم السلام) غير هذا السبب، وبعيدة عنه كلّ البعد الحدود.. منها ما في (الكافي) أنّ أبا بصير قال للإمام الصادق(عليه السلام): ((جعلت فداك، فكيف يكرم الشباب ويستحيي من الكهول؟ فقال: يكرم الله الشباب أن يعذّبهم، ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم. قال: قلت: جعلت فداك، هذا لنا خاصّة أم لأهل التوحيد؟ قال: فقال: لا والله إلاّ لكم خاصّة دون العالم. قال: قلت: جعلت فداك، فإنّا قد نبزنا نبزاً، انكسرت له ظهورنا، وماتت له أفئدتنا، واستحلّت له الولاة دماءنا، في حديث رواه لهم فقهاؤهم. قال: فقال أبو عبد الله(عليه السلام): الرافضة؟ قال: قلت: نعم، قال: لا والله ما هم سمّوكم ولكن الله سمّاكم به، أما علمت يا أبا محمّد! أنّ سبعين رجلاً من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لمّا استبان لهم ضلالهم، فلحقوا بموسى(عليه السلام) لمّا استبان لهم هداه، فسمّوا في عسكر موسى الرافضة لأنّهم رفضوا فرعون، وكانوا أشدّ أهل ذلك العسكر عبادة وأشدّهم حبّاً لموسى وهارون وذرّيتهما(عليهما السلام)، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى(عليه السلام) أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة، فإنّي قد سمّيتهم به ونحلتهم إيّاه، فأثبت موسى(عليه السلام) الاسم لهم، ثمّ ذخر الله عزّ وجلّ لكم هذا الاسم حتّى نحلكموه، يا أبا محمّد! رفضوا الخير ورفضتم الشرّ...)) (17) ، وغيرها الكثير (18) . الرابع عشر: أمّا رواية سلمان(رضوان الله عليه)، فهي رواية عاميّة لم تثبت عندهم (19) ، فضلاً عن ثبوتها لدى الشيعة, وكتاب (مجالس المؤمنين) كتاب تراجم لشيعة أهل البيت، والمؤلّف محقّق وعنده ردود على السُنّة كـ(الصوارم المهرقة)، فلا يمكن أن ينقل هذه الرواية إلاّ لردّها وتسخيفها، خصوصاً أنّها موضوعة عند السُنّة غير مروية عند الشيعة، فمالكم كيف تحكمون؟! وأمّا الجواب على كلام ظهير - الذي نقله الخراشي بنصّه! - في إمامة أبي بكر وعدم مخالفة أهل البيت(عليهم السلام) فيها، فقد ذكر ابتداءً كلاماً عاماً ليس له دليل، ولا فيه محصّل، وإنّما مجرّد دعوى قد أجاب عليها علماء الشيعة مفصّلاً، وأجبنا نحن عليها كلّ تحت عنوانه الخاص؛ فليراجع. ولكنّه أورد بعض الشواهد، وإليك جوابها: أولاً: ما ذكره من كتاب ردّ فيه عليّ(عليه السلام) على معاوية، فقد أجبنا عنه في عنوان (نهج البلاغة/ قوله(عليه السلام): (إنّما الشورى للمهاجرين)، وكذلك: (ردّ وتعليق على بعض الاستفادات من مقاطع النهج في مدح الخلفاء)، وكذا في عنوان: (الشورى). ثانياً: ما نقله من قول أمير المؤمنين(عليه السلام): (أنّ الناس بالخيار ما لم يبايعوا)، فقد نقله عن (ناسخ التواريخ)، والكلام هو الكلام في النقطة (الثالثة عشر) السابقة. وهي رواية سُنّية أيضاً، لم يروها الشيعة بطرقهم وأسانيدهم، حيث رواها الإسكافي (ت220هـ) في (المعيار والموازنة) (20) ، والدينوري (ت276هـ) في (الأخبار الطوال) (21) ، وابن حبّان (354هـ) في (الثقات) (22) مرسلة، مع بعض الاختلافات في المتن بينها. نعم، رواها الشيخ المفيد في إرشاده عن الشعبي (23) , والشعبي أحد أبرز المطعونين عند الشيعة والمجمع على كذبه عندهم (24) , أمّا السُنّة فيعتقدون بأنّه أحد أئمّتهم المرموقين وثقات المحدّثين (25) . ومع ذلك فالرواية مقطوعة لأنّ الشعبي لم يحضر خطبة الإمام عليّ(عليه السلام)، وبالتالي فإنّ الرواية ضعيفة عندنا سنداً، ومرسلةً عندهم! أمّا المتن فليس فيه شيء منكر، ولا يحكي جديداً أو شيئاً مخالفاً لأُصول واعتقاد الشيعة؛ فمن الواضح في الرواية أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يلقي الحجّة على من تخلّف عن بيعته ومن يريد الخروج عليه بعدما بايعه, فالإمام(عليه السلام) يستدلّ عليهم ويلزمهم ببيعتهم له، والتي يعتقدون هم أنفسهم بأنّها ملزمة كما التزموا ببيعة من كان قبل أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولم يكونوا يجوّزون الخروج عليهم, ثمّ إنّه(عليه السلام) يقول لهم ويعرِّض بمن قبله بقوله: (ولم تكن بيعتكم إيّاي فلتة). ثمّ إنّ ذيل هذه الرواية موجود في (النهج) (26) دون ما قبله, فهذا يدلّ على عدم ثبوت كلّ ما نقلت من هذه المقاطع في (النهج) وغير النهج من كتبنا. أمّا قوله(عليه السلام): (إنّما الخيار للناس قبل أن يبايعوا، فإذا بايعوا فلا خيار)، فظاهره لا يخالف الدلالة على أنّ البيعة مؤثّرة في تنفيذ وتفعيل مهام الإمامة والخلافة بالالتزام بالطاعة من قبل الناس، وعلى ثبوت الخيار للناس بأن يبايعوا عن رضا وقناعة على السمع والطاعة لإمام شرعي عالم عادل يقوم بالحقّ. وهذا الخيار في مقابل الجبر والغصب، وليس ناظراً إلى كونهم مختارين في تعيين الإمام، وأنّ بيعتهم مؤثّرة في ثبوت أصل الإمامة، حتّى ولو كانت لمثل معاوية ويزيد والوليد. وهذا الأمر لا يتعارض مع النصّ، إذ أنَّ بيعة الناس لإمام من الأئمّة على السمع والطاعة متفرّعة على النصّ عليه، وليست هي متفرّعة على اختيار من يشاء هذا المبايع أو ذاك. وعليه، فإنّ الشيعة لا ينكرون أهمّية البيعة، وأهمّية قبول الناس ورضاهم بالسمع والطاعة للإمام في أمر معيّن أو مطلقاً عن طريق البيعة, ولكنّهم لا يحصرون أصل القبول بالبيعة، ولا يجعلونها مؤسِّسَة بحيث يمكن أن تعارض وتصادم الإمامة المنصوصة أبداً. ودليلنا على ذلك، ورود البيعة في القرآن والسُنّة، ومبايعة النبيّ(صلّى الله عليه وآله) من قبل المسلمين على السمع والطاعة، لا سيّما بَيعتَيّ العقبة من قِبَل الأنصار (كبارهم وممثّلوهم ونقباؤهم) للنبيّ(صلّى الله عليه وآله)، حيث احتاج رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لبيعة كبار الأنصار للدفاع عن أهل بيته، وعلى السمع والطاعة لإقامة حكم الله فيهم, فهاجر إليهم، واكتفى(صلّى الله عليه وآله) بمبايعة اثني عشر نقيباً من الأنصار، فأقام فيهم دولة الإسلام وحكومة النبوّة, وهذه البيعة لم يكن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) محتاجاً إليها لإثبات نبوّته وولايته، أو الاعتراف به كرسول وحاكم أبداً! فالنبيّ والإمام لا يحتاجان إلى البيعة لإثبات النبوّة والإمامة لهما، وإنّما يحتاجان إليها لإثبات حكمهما وإنفاذ مهام النبوّة والإمامة والقيادة على الأرض. ولا يمكن أن يدّعي مدّع أنّ البيعة تُنشئ وتؤسّس نبوّة النبيّ وإمامة الإمام؛ فافهم! ثالثاً: أمّا قول ظهير: ((أنّ الإمام(عليه السلام) قال: (إنّ الناس انثالوا على أبي بكر وأجفلوا إليه)))، نقلاً عن (الغارات) للثقفي، وتعليق الخراشي بقوله: ((فلم يكن إلاّ أن يقرّ ويعترف بخلافته وإمامته)). فهذا تدليس منه وتحميل! وإقحام لنظريته ورأيه على قول أمير المؤمنين(عليه السلام)! ولو كان شجاعاً واستطاع نقل النصّ لمّا دلّس وقال ما قال؟! والرواية في (الغارات) هكذا: ((...فلمّا مضى لسبيله(صلّى الله عليه وآله) تنازع المسلمون الأمر بعده، فوالله، ما كان يلقي في روعي، ولا يخطر على بالي أنّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّد(صلّى الله عليه وآله) عن أهل بيته، ولا أنّهم منحوه عنّي من بعده، فما راعني إلاّ انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي ورأيت أنّي أَحقّ بمقام رسول الله(صلّى الله عليه وآله) في الناس ممّن تولّى الأمر من بعده، فلبثت بذاك ما شاء الله، حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام، يَدعون إلى محق دين الله وملّة محمّد(صلّى الله عليه وآله سلّم) وإبراهيم(عليه السلام)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً، يكون مصيبته أعظم عليَّ من فوات ولاية أُموركم، التي إنّما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما يتقشّع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتّى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون، فتولّى أبو بكر تلك الأُمور، فيسّر وشدّد وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيها أطاع الله فيه جاهداً...)) (27) ، إلى آخر كتابه(عليه السلام). وعموماً فإنّه لا يوجد أيّ نص أو تصريح بإقرار أمير المؤمنين(عليه السلام) واعترافه بخلافة أحد قبله, بل الأدلّة قائمة على خلاف ذلك، كما يروي ذلك البخاري ويعترف به على لسان عائشة (28) ! فما لكم كيف تدلّسون!! رابعاً: أمّا ما نقله من قول أمير المؤمنين(عليه السلام): (فإذا طاعتي سبقت بيعتي...) (29) . فهو يحكي واقع حال قد وُضع فيه أمير المؤمنين(عليه السلام) دون رضا ولا اختيار منه، ويقول: وجدتني مجبور على الطاعة قبل أن أُبايع، سواء رضيت أو لم أرض، لأنّ البيعة وقعت لغيري، وميثاق الحكومة في عنقي لغيري. بل هو يؤنّب فيه هؤلاء ويعتذر بأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قد أخذ منه عهداً بالتسليم لذلك الواقع المرير، وتلك الغدرة، وذلك التجاوز، والغصب لحقّه، وأن لا يشهر عليهم سيفه، حين قال له(صلّى الله عليه وآله) كما يحكيه العامّة قبل الخاصّة: (يا عليّ! إنّ الأُمّة ستغدر بك بعدي)، رواه الحاكم في المستدرك وصحّحه (30) ، ووافقه الذهبي (31) . وفي لفظ عند الحاكم أيضاً: (إنّ ممّا عهد إلَيَّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أنّ الأُمّة ستغدر بي بعده) (32) ، وقال(صلّى الله عليه وآله) لعليّ: (ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي، قال: قلت [أي: عليّ(عليه السلام)]: يا رسول الله! في سلامة من ديني؟ قال[صلّى الله عليه وآله وسلّم]: في سلامة من دينك). رواه أبو يعلى (33) ، والبزّار (34) . وفي رواية عند الطبراني: قال(صلّى الله عليه وآله): (ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني) (35) ، وقال(صلّى الله عليه وآله) لعليّ(عليه السلام): (أما إنّك ستلقى بعدي جهداً، قال: في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك). وصحّحه الحاكم على شرط الشيخين (36) ، ووافقه الذهبي (37) . وغيرها من الأحاديث الشريفة التي تدلّ بوضوح على أنّ الأُمّة ملزمة بأمرٍ لأمير المؤمنين(عليه السلام)، وستغدر به وتظلمه في سلامة من دينه(عليه السلام)، والذي يقتضي الصبر وعدم قتالهم وأخذ حقّه بالقتال, ولذلك نرى أنّ حديث عائشة في البخاري ينصّ على أنّ الصحابة فرحوا واستبشروا بأنّ الإمام(عليه السلام) رجع وصالح أبا بكر بشكل سلمي، حينما قالت عائشة: ((ولكنّا كنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً، فاستبدّ علينا فوجدنا في أنفسنا، فَسُرَّ بذلك المسلمون، وقالوا: أصبت, وكان المسلمون إلى عليّ قريباً حين راجع الأمر بالمعروف)) (38) ، (أي: صالحهم وعاد إليهم بشكل سلمي). أمّا بيعته(عليه السلام) لأبي بكر - إن بايع فعلاً لا صالح فقط - ومصالحته له، فكانت بعد وفاة الزهراء(عليها السلام)، وتنصّ الرواية على أنّ وفاة الزهراء(عليها السلام) كانت بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بستّة أشهر، فلماذا تأخّر أمير المؤمنين(عليه السلام) ستّة أشهر إن كانت بيعة أبي بكر واجبة وبالإجماع؟!! إن كنتم منصفين فعلاً! ثمّ إنّ الرواية تنصّ أيضاً على سبب مبايعة ومصالحة أمير المؤمنين(عليه السلام) لابن أبي قحافة، حيث قالت عائشة في نفس رواية البخاري: ((فأبي أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت، وعاشت بعد النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها، وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة، فلمّا توفّيت استنكر عليّ وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحدٌ معك، كراهية لمحضر عمر، فقال عمر: لا والله، لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي؟! والله لآتينهم...)) (39) . فليقرأ كلّ عاقل ومنصف هذا الحديث، ثمّ ليدّعي بعده أنّ علاقة أهل البيت(عليهم السلام) بالصحابة وطيدة وجيدة وعاطفية، ولا يوجد خلاف ولا اختلاف بينهم, إن استطاع أحد يحترم نفسه وعقله وعقول الناس العقلاء أن يقول ذلك!! وليقل أيضاً إن استطاع! بأنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قد بايع عن رضا وقناعة، ودون تقية وجلب المصلحة الممكنة بذلك؟! خامساً: أمّا قوله(عليه السلام) في خلافة أبي بكر: (فتولّى أبو بكر تلك الأُمور، وسدّد ويَسَّر، وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً...) (40) , فهو من بقيّة كلامه السابق في رسالته إلى أصحابه الذين أوردناه عن (الغارات) (النقطة الثالثة)، وواضح جدّاً من أوّل كلامه أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) رأى أنّ الإسلام في محنة، بعد أن ارتدّ العرب عن الدين، وأرادوا القضاء على دين محمّد(صلّى الله عليه وآله) ومحو الإسلام، فوضع يده(عليه السلام) في يد السلطة الحاكمة، ونصحهم وأرشدهم، حتّى بطل الباطل، كما نصّ (عليه السلام) في نفس خطبته هذه على ما قلناه. وإليك رواية أُخرى لنصّ ما قاله (عليه السلام) من كتاب (كشف المحجّة) للسيّد ابن طاووس: ((فمضى نبيّ الله(صلّى الله عليه وآله) وقد بلّغ ما أرسل به، فيا لها من مصيبة خصّت الأقربين وعمّت المؤمنين لم تصابوا بمثلها، ولن تعاينوا بعدها مثلها، فمضى لسبيله (صلّى الله عليه وآله) وترك كتاب الله وأهل بيته إمامين لا يختلفان، وأخوين لا يتخاذلان، ومجتمعين لا يتفرّقان، ولقد قبض الله محمّداً نبيّه(صلّى الله عليه وآله) ولأنا أولى الناس به منّي بقميصي هذا، وما أُلقي في روعي، ولا عرض في رأيي أنّ وجه الناس إلى غيري، فلمّا أبطأ عنّي بالولاية لهممهم وتثبيط الأنصار، وهم أنصار الله وكتيبة الإسلام، قالوا: ما إذا لم تسلّموها لعليّ فصاحبنا أحقّ لها من غيره. فوالله ما أدري إلى من أشكو! إمّا أن يكون الأنصار ظلمت حقّها، وإمّا أن يكونوا ظلموني حقّي، بل حقّي المأخوذ وأنا المظلوم. فقال قائل قريش: إنّ نبيّ الله(صلّى الله عليه وآله) قال: (الأئمّة من قريش)، فدفعوا الأنصار عن دعوتها، ومنعوني حقّي منها، فأتاني رهط يعرضون علَيَّ النصر منهم: أبناء سعيد، والمقداد بن الأسود، وأبو ذرّ الغفاري، وعمّار بن ياسر، وسلمان الفارسي، والزبير بن العوّام، والبراء بن عازب. فقلت لهم: إنّ عندي من نبيّ الله(صلّى الله عليه وآله) إليَّ وصية لست أُخالفه عمّا أمرني به، فوالله لو خرموني بأنفي لأقررت لله تعالى سمعاً وطاعة، فلمّا رأيت الناس قد انثالوا على أبي بكر للبيعة، أمسكت يدي، وظننت أنّي أولى وأحقّ بمقام رسول الله(صلّى الله عليه وآله) منه ومن غيره, وقد كان نبيّ الله أمَّر أُسامة بن زيد على جيش، وجعلهما في جيشه، وما زال النبيّ(صلّى الله عليه وآله) إلى أن فاضت نفسه يقول: (أنفذوا جيش أُسامة)، فمضى جيشه إلى الشام، حتّى انتهوا إلى أذرعات، فلقي جيشاً من الروم فهزموهم وغنمهم الله أموالهم، فلمّا رأيت راجعة من الناس قد رجعت عن الإسلام تدعوا إلى محو دين محمّد وملّة إبراهيم(عليهما السلام)، خشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله أرى فيه ثلماً وهدماً تكون المصيبة علَيَّ فيه أعظم من فوت ولاية أُموركم التي إنّما هي متاعُ أيّام قلائل، ثمّ تزول وتنقشع كما يزول وينقشع السحاب؛ فنهضت مع القوم في تلك الأحداث، حتّى زهق الباطل وكانت كلمة الله هي العليا، وإن زعم الكافرون، ولقد كان سعد لمّا رأى الناس يبايعون أبا بكر نادى: أيّها الناس! إنّي والله ما أردتها حتّى رأيتكم تصرفونها عن عليّ(عليه السلام)، ولا أُبايعكم حتّى يبايع عليّ، ولعلّي لا أفعل وإن بايع، ثم ركب دابّته وأتى حوران وأقام في خان، حتّى هلك ولم يبايع، وقام فروة بن عمر الأنصاري وكان يقود مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله) فرسين، ويصرع ألفاً، ويشتري ثمراً فيتصدّق به على المساكين، فنادى: يا معشر قريش! أخبروني هل فيكم رجل تحلّ له الخلافة وفيه ما في عليّ(عليه السلام)؟ فقال قيس بن مخزمة الزهري: ليس فينا من فيه ما في عليّ. فقال له: صدقت، فهل في عليّ(عليه السلام) ما ليس في أحد منكم؟ قال: نعم. قال: فما يصدّكم عنه؟ قال: اجتماع الناس على أبي بكر. قال: أما والله لئن أصبتم سُنّتكم لقد أخطأتم سُنّة نبيّكم، ولو جعلتموها في أهل بيت نبيّكم، لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم. فولى أبي بكر، فقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً)) (41) . وهناك كلام لعليّ(عليه السلام) أورده شارح (النهج) يصلح لبيان ما قاله هنا، قال(عليه السلام): (فاختار المسلمون بعده بآرائهم رجلاً منهم، فقارب وسدّد حسب استطاعته على ضعف وحدّ كانا فيه، ووليهم بعده وال...) (42) . سادساً: أمّا قوله: ((ولأجل ذلك ردّ على أبي سفيان والعبّاس حينما عرضا عليه الخلافة، لأنّه لا حقّ له بعد ما انعقدت للصدّيق))، فهذا كلام باطل لم يتفوّه به أمير المؤمنين(عليه السلام)! وقد نقلنا قول عائشة في البخاري، بأنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) أوضح مظلمته أيّما إيضاح، وامتنع عن مبايعة أبي بكر لستّة أشهر، حتّى ماتت فاطمة(عليها السلام)، فاستنكر عليّ وجوه الناس، فذهب يلتمس مصالحة ومبايعة أبي بكر، والتقية واضحة هنا جدّاً! ولا يوجد دليل أو تصريح في أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قد بايع لأجل انعقاد البيعة لأبي بكر، بل الدليل على خلاف ذلك، حيث امتنع(عليه السلام) من المبايعة ستّة أشهر، وفرح المسلمون بعد أن بايع وصالح أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولم يحارب، ولم يشهر سيفه على ظالميه، وإنّما راجع الأمر بالمعروف. وقد شرح هذه العبارة ابن حجر في (فتح الباري)، فقال: ((وقوله: وكان المسلمون إلى عليّ قريباً، أي: كان ودّهم له قريباً حين راجع الأمر بالمعروف، أي: من الدخول فيما دخل فيه الناس)) (43) . فمن الواضح أنّ هناك كراهية وعزل لأمير المؤمنين(عليه السلام) بامتناعه واعتزاله, ولكن الإمام(عليه السلام) يعلم أنّ دوره في خدمة الدين وقيادة الأُمّة وإرشادها إلى برّ الأمان وإن لم يتولَّ السلطة التنفيذية عليهم. وبالتالي فإنّه(عليه السلام) لم يرد على عمّه العبّاس(رضي الله عنه) (44) ، وإنّما أخبره بأنّهم لم يولّوه الأمر، وكان طلب العبّاس من أمير المؤمنين(عليه السلام) قبل بيعة السقيفة أصلاً! أمّا أبو سفيان, فكان الإمام(عليه السلام) يعلم مراد أبي سفيان، وأنّه يبتغي الفتنة (45) ، وقتل الإسلام في مهده، فلم يجبه لمطلبه، لأنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يؤمن بأنّ الغاية تبرّر الوسيلة. سابعاً: وأمّا النقل عن ابن ميثم البحراني في شرحه للنهج, فقد وجدناه أيضاً بشيء من الاختلاف عند ابن أبي الحديد، وعند المجلسي في بحاره، وغيرهم، نقلاً عن نصر بن مزاحم في كتابه (وقعة صفّين)، بسند عامّي، قال: ((عن عمر بن سعد، عن أبي ورق: أنّ ابن عمر بن مسلمة الأرحبي أعطاه كتاباً في إمارة الحجّاج بكتاب من معاوية إلى عليّ، قال: إنّ أبا مسلم الخولاني قدم إلى معاوية في أُناس من قرّاء أهل الشام...)) (46) . علماً أنّه لا يوجد في كلّ المصادر التي رأيناها، وأوّلها وأقدمها كتاب (صفّين) لابن مزاحم لفظة: ((الفاروق))، و((الصدّيق)) في نصّ رسالة عليّ(عليه السلام) أبداً! بل حتّى في نصّ رسالة معاوية لعليّ(عليه السلام)مع أنّه لو كان فالإمام يكذّبه، كما هو واضح بقوله: (زعمت)! نعم، انفرد بذكر هذين اللّفظين ابن ميثم في شرحه للنهج، ولكن مع إضافة كلمات تبيّن معناهما بما يخالف اعتقاد أهل السُنّة فيهما، ويوافق ما عليه الشيعة، قال بعد قوله: (وجزاهما بأحسن ما عملا): (غير أنّك ذكرت أمراً إن تمّ اعتزلك كلّه وإن نقص لم يلحقك ثلمة. وما أنت والصدّيق فالصدّيق من صدّق بحقّنا وأبطل باطل عدوّنا، وما أنت والفاروق فالفاروق من فرّق بيننا وبين أعدائنا. وذكرت أنّ عثمان...) (47) . ثمّ إنّ إحسان إلهي ظهير حذف بعض الكلمات من نصّ رواية ابن ميثم وتبعه الخراشي، حتّى يموّها على المعنى الذي أراده عليّ(عليه السلام) من تكذيب ما زعمه معاوية من فضل الأوّلين! فإنّ أصل ما أورده ابن ميثم هكذا: (وذكرت أنّ اللَّه اجتبى له من المسلمين أعواناً أيّدهم به، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، وكان أفضلهم في الإسلام، كما زعمت، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصدّيق، وخليفة الخليفة الفاروق...) (48) ، فحذفا قوله (عليه السلام): (وكان أفضلهم في الإسلام) قبل قوله (عليه السلام): (كما زعمت)، ليكون مقصود عل