إن كان أحد قد توهّم أنّ نص القرآن بفضل أبي بكر وما ذكرناه من إمامة أبو بكر(رضي الله عنه) لا علاقة له بأحقّيته في الخلافة، فإنّ عليّ(رضي الله عنه) قد تكفّل في الردّ على هذا الزعم. فقد قال عليّ(رضي الله عنه) عن الخلافة في كتاب (نهج البلاغة)، وهو أصدق الكتب عندكم: (وإنّا لنرى أبا بكر أحقّ بها - أي بالخلافة - إنّه لصاحب الغار. وإنّا لنعرف سنّه. ولقد أمرنا رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) بالصلاة خلفه وهو حيّ).(نهج البلاغة، تحقيق العالم الشيعي الشريف الرضي 1/132). ويقول عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، وهو يذكر بيعته لأبي بكر: (... فمشيت عنـد ذلك إلى أبـي بكر فبـايعته، ونهضت في تلك الأحداث حتّى زاغ الباطل وزهق، وكانت (كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون)، فتولّى أبو بكر تلك الأُمور، فيسر وسدّد، وقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهداً).(الغارات للثقفي 2/305).
الأخ ياسين المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أمّا دعواك أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قد قال في أبي بكر: (إنّا لنرى أبا بكر أحقّ بها ... المزید) الخ، وقد نسبت ذلك إلى كتاب (نهج البلاغة) وهو أصدق الكتاب عندنا بعد كتاب الله تعالى. فنقول: إنّ إثبات هذه النسبة من هذا الكتاب دونها خرط القتاد، فهي ليست من أصل كتاب (نهج البلاغة) للشريف الرضي، وإنّما نقلها ابن أبي الحديد في شرحه عن الجوهري (1) ، بل هي رواية ترويها كتب أهل السُنّة (2) ، ولا حجّية لها عندنا، ولا يصحّ الاحتجاج بها علينا! وأمّا النص الذي أوردته عن (الغارات) من خطبة أمير المؤمنين(عليه السلام) (3) ، فكان الأُولى بكم الاستفادة من الخطبة برمّتها، لا اقتطاع جزء منها، تريدون تسويقه لمرامكم! فالخطبة موجودة في مصادر مختلفة، وفيها دلالات وبيانات واضحة من أمير المؤمنين(عليه السلام) على تنصيبه(عليه السلام) من قبل الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله) إماماً وخليفة، وأنّ الخلافة هي ميراثه من النبيّ(صلّى الله عليه وآله)! فانظر إلى قوله في الخطبة: (أأنا أحرص إذا طلبت تراثي وحقّي الذي جعلني الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله) أولى به...) (4) ، وتصريحه(عليه السلام) بأنّه لم يبايع أبا بكر إلاّ لخوفه على الإسلام من ارتداد من ارتدّ من العرب، لا لأنّه أهل للإمامة، وإلاّ لبايعه قبل ذلك - ولك أن تراجع (صحيح البخاري/ باب غزوة خيبر) (5) لتعرف أنّ الإمام(عليه السلام) بايع بعد ستّة أشهر من وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله) - وفي هذه الخطبة صرّح(عليه السلام) بأنّ الذي دعا القوم إلى منعه من الخلافة علمهم أنّه إذا وليها لن ينالوها أبداً، وإذا كانت في غيره رجوا تداولها بينهم؛ فراجع وتدبّر!
ودمتم في رعاية الله