ذكر ابن الجوزي: أنّ جبرائيل(عليه السلام) نزل على رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، وكان بجانبه أبو بكر يرتدي عباءة قديمة, فقال جبرائيل(عليه السلام) للرسول(صلّى الله عليه وآله): إنّ الله عزّ وجلّ يقرأ عليك السلام ويقول لك: قل لأبي بكر أراض عنّي في فقرك هذا أم ساخط, فقال أبو بكر: أأسخط عن ربّي! إنّي عن ربّي راضي.
أرجو أن تذكروا الكتب التي ذكرت هذا الحديث الذي يفترى به على الله والوحي والرسول.
الأخ عماد المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكر هذا الحديث بمضامين تختلف بعضها عن بعض في بعض الفقرات.
فقد ذكره ابن شاهين (ت385هـ) في (شرح مذاهب أهل السُنّة) (1) ، وابن سمعون الواعظ (ت387هـ) (2) في أماليه، وابن حزم في (المحلّى) (3) ، والواحدي في (أسباب النزول) (4) ، والثعلبي في تفسيره (5) ، والسمعاني في تفسيره (6) ، والبغوي في تفسيره (7) .. وغيرهم، وأخرجه ابن كثير في تفسيره عن طريق البغوي، وقال: ((هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه)) (8) .
وفي سنده العلاء بن عمرو، قال عنه ابن حبّان: ((شيخ يروى عن أبي إسحاق الفزاري العجائب، لا يجوز الاحتجاج به بحال))، ثمّ أورد الرواية المعنية عنه (9) .
وكذّب الذهبي الحديث في (ميزان الاعتدال) (10) ، وقال عنه الهيتمي: ((وسنده غريب ضعيف جدّاً)) (11) .
وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه من طريق محمّد بن بابشاذ (12) ، صاحب الطامّات (13) .
وأخرجه قوام السُنّة في (الحجّة في بيان المحجّة) (14) ، عن ابن مردويه بطريقين، في الأوّل: العلاء بن عمرو، وقد عرفت حاله، وفي الثاني: سهل بن صقير، اتّهمه الخطيب بالوضع (15) .
وأخرج ابن المقري (ت381هـ) في معجمه (16) عن طريق الحسن بن حسين الأسواري، وهو مهمل لم يترجمه أحمد.
وأخرجه أبو نعيم (ت430هـ) في (فضائل الصحابة) (17) ، و(حلية الأولياء) (18) ، بطريقين، في الأوّل حسن بن حسين الأسواري، وفي الثاني العلاء بن عمرو.
وأخرجه المتقي الهندي في (كنز العمّال)، نقلاً عن أبي نعيم في (فضائل الصحابة) (19) .
وقال السيوطي بعد أن أورد الحديث عن ابن شاهين في (السُنّة)، والبغوي في تفسيره، وابن عساكر عن ابن عمر: ((غريب وسنده ضعيف جدّاً. وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة، وابن مسعود مثله، وسندهما ضعيف أيضاً. وأخرج ابن عساكر نحوه من حديث ابن عبّاس. وأخرج الخطيب بسند واه أيضاً عن ابن عبّاس(رضي الله عنهما)، عن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، قال: (هبط علَيَّ جبريل(عليه السلام) وعليه طنفسة وهو متخلّل بها، فقلت له: يا جبريل! ما هذا؟ قال: إنّ الله تعالى أمر الملائكة أن تتخلّل في السماء كتخلّل أبي بكر في الأرض)، قال ابن كثير: وهذا منكر جدّاً، وقال: ولولا أنّ هذا والذي قبله يتداوله كثير من الناس لكان الإعراض عنهما أولى)) (20) . وقد ردّ العلاّمة التستري في (الصوارم المهرقة) هذا الحديث، بالقول:
((هذا من غرائب موضوعاتهم! وذلك من وجوه: أمّا أوّلاً: فلأنّه أوّل راويه ابن عمر الذي سمعت منّا القدح فيه سابقاً، وأنّ أبا حنيفة لم يعمل بحديثه أبداً. وأمّا ثانياً: فلأنّ بعد هجرة النبيّ(صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة وقبل فتح مكّة، قد فتح الله تعالى عليه وعلى أصحابه من غنائم الكفّار وبلدانهم ما أزال فقرهم، فكان لبس أبي بكر للعباء المبتذل المذكور للرزق والتلبيس لا للفقر، فلا وجه لسؤال الحكيم الخبير وجه فقره إلى لبس تلك العباءة عنه. وأمّا ثالثاً: فلأنّ ما نسبه إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) من قوله: أنفق ماله علَيَّ قبل الفتح، مردود بما ذكرنا سابقاً من اتّفاق أهل الأثر على أنّ أبا بكر ورد المدينة وهو محتاج إلى مواساة الأنصار في المال والدار، فمن أين حصل له المال الذي أنفقه على سيّد الأبرار؟! وممّا نقلنا عن البكري المصري: من أنّ أبا بكر لم يكن في زمان سافر النبيّ(صلّى الله عليه وآله) مع أبي طالب(رضي الله عنه) إلى الشام بحال من يملك، ولا ملك بلالاً إلاّ بعد ثلاثين سنة؛ فافهم! وأمّا رابعاً: فلأنّه لا يعقل ما تضمّنه الحديث من سؤال الله تعالى عن رضى عبده عنه، ولو فرضنا أنّ العبد قال لربّه: إنّي لست براض عنك، هل كان جوابه غير أن يقول له: فاخرج عن أرضي وسمائي بالسرعة والبدار؟ وهل كان علاجه غير أن يدقّ رأسه على الجدار؟)) (21) .
ودمتم في رعاية الله