محمد - مصر
منذ 4 سنوات

 كان عابداً للأصنام

أيتّخذ رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) منه صاحباً طول عمره، ورفيقاً في هجرته، وهو بهذا السوء؟! أين الوحي؟ لماذا لم يوحي الله لنبيّه بأنّه بهذه الصورة الذي تدّعونها؟! لماذا لم ينزل الله فيه قرآناً يظهر حقيقته ويحفظ الولاية منه ليتم الله أمر دينه؟ من سمّاه أبو بكر؟ ومن لقبه بالصدّيق؟ ومن تزوّج ابنته؟ أأنتم أعلم من رسول الله(صلّى الله عليه وآله)؟ الله عالم الغيب ومنزل الوحي يترك رسوله هكذا دون تنبيه أو تحذير؟! الله بقدرته يترك عترة نبيّه الطاهرة بدون حفظ؟! والله إنّ هذا لتناقض في عقيدتكم!


الاخ محمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أوّلاً: يجب أن تعلم أيّها الأخ إنّ عقيدتنا بأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يعلم كلّ شيء إلاّ ما خرج بدليل، كما استثنى الله تعالى معرفته ببعض المنافقين من أهل المدينة لاقتضاء المصلحة في إخفاء أمرهم عنه(صلّى الله عليه وآله)، ولحكمة إلهية ما، كما قال تعالى: (( مِنَ الأَعرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِن أَهلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم )) (التوبة:101), فقد يكون رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يعلم جيّداً حال أبي بكر، ولم يتصرّف معه بمثل ما ذكرت عنه إلاّ لأجل حاله ليتألّفه، أو يقيم عليه الحجّة، أو يأمنه. ثانياً: وكذلك يجب أن تعلم أيّها الأخ بأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بعث رحمة للعالمين ومبشّراً، وعلى خلق عظيم، فلا يطرد أحداً، ولا يغضب بوجه أحد إلاّ لله تعالى, ولذلك روي بأنّ أحد الصحابة زار رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، فأخبروا النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بذلك، فقال عنه: (بئس أخو العشيرة)، فلمّا خرج له انبسط له في الكلام وضحك في وجهه، فغضبت عائشة من ذلك وأنكرته على النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، فقال لها: (يا عائشة! متى عهدتني فحاشاً، إنّ شرّ الناس منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شرّه) (1) . ثالثاً: من قال لك بأنّ أبا بكر صاحب رسول الله منذ صغره، وطوال عمره؟ ومن قال بأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قد اتّخذه رفيقاً في هجرته؟ لو نظرت جيّداً لروايات هجرة النبيّ(صلّى الله عليه وآله) لرأيت أنّ أبا بكر لم يكن يعلم بخروج رسول الله(صلّى الله عليه وآله) حتّى ذهب إلى بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، وقال لعليّ(عليه السلام) وهو نائم في فراش النبيّ(صلّى الله عليه وآله): يا نبيّ الله! فقال له عليّ: إنّ نبيّ الله(صلّى الله عليه وآله) قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه. رواه الحاكم وصحّحه (2) ، ووافقه الذهبي (3) ، وأخرجه الهيثمي، وقال: رجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج، وهو ثقة، وفيه لين (4) ، وحسّنه الألباني (5) . ثمّ حينما أراد رسول الله(صلّى الله عليه وآله) الهجرة عرض عليه أبو بكر إحدى راحلتيه (الناقة) ليهاجر عليها، فأبى رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أخذها إلاّ بالثمن.. وقد روى ذلك البخاري في عدّة مواضع من صحيحه، فراجع قوله(صلّى الله عليه وآله) بلفظ: قد أخذتها بالثمن (6) ، وبلفظ: بالثمن (7) . وقال ابن حجر في (فتح الباري): ((زاد ابن إسحاق: قال - (صلّى الله عليه وآله) ــ: (لا أركب بعيراً ليس هو لي)، قال: فهو لك، قال: (لا، ولكن بالثمن الذي ابتعتها به)، قال: أخذتها بكذا وكذا، قال: (أخذتها بذلك)، قال: هي لك))، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني: ((فقال: (بثمنها يا أبا بكر)، فقال: بثمنها إن شئت)) (8) . فلا ندري لماذا لم يتقبّل رسول الله(صلّى الله عليه وآله) إنفاق أبي بكر عليه، كما يزعمون بأنّه أَمَنَّ الناس على رسول الله(صلّى الله عليه وآله) في ماله!! وفي هذا الموقف المحرج لم يأخذ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) راحلة من أبي بكر ليهاجر بها إلا بالثمن؟! فمن ينظر بعين الإنصاف إلى أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) هاجر دون أن يُعلِم أبا بكر، وأنّه(صلّى الله عليه وآله) لم يقبل منه الراحلة التي يهاجر عليها إلاّ بالشراء والثمن، مع قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله) له ونهيه له عن الخوف: (( لاَ تَحزَن ))، دون مدحه على ذلك الموقف، ونزول آية الغار بإثبات السكينة للنبيّ(صلّى الله عليه وآله) دونه - مع أنّ الآيات الأُخرى في مواقف غيره من الصحابة مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قد مدحها الله تعالى وأشركهم بإنزال السكينة على المؤمنين منهم مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله) - فيتّضح له عدم أهمّية مواقف أبي بكر في الهجرة، وعدم مدحه، وعدم اختياره من النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وإنّما يستشف من أكثر الروايات أنّ أبا بكر هو من أراد وطلب المصاحبة والهجرة مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، ورسول الله(صلّى الله عليه وآله) لم ينه أحداً يوماً من شيء، ولم يردّ سائلاً، ولم يكسر قلب أحد، ولم يخيب رغبة وأمل أحد كائناً من كان، ما دام ذلك في غير معصية الله تعالى. هذا كلّه عن كلامك وزعمك بأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) اتّخذ منه صاحباً طول عمره ورفيقاً في هجرته!! رابعاً: أمّا طلبك بأن ينزل الله تعالى آية فيه ليظهر حقيقته، ويحفظ الولاية منه، ليتم الله أمر دينه! فنقول: هذا لا يلزم قطعاً؛ فكم من عدوّ لله ورسوله ودينه لم يذكره القرآن الكريم، سواءً لوضوحه، أو مع عدم وضوحه، وإنّما ذكر القرآن الكريم مواصفاتٍ لأعداء الله تعالى وللعصاة، وما إلى ذلك.. فذكر صفات المنافقين ومرضى القلوب، وأعمالهم ومخطّطاتهم، وذكر الفارّين من ساحات القتال، وذكر المرجفين، وذكر المغرورين، وذكر المرائين والمتكبّرين، وأهل الدنيا، والفاسقين، وغير المؤمنين، وغير المخلصين, كصفاتهم وكيفية تفكيرهم، وحذّرهم وحذّر منهم، وما ذكر غير أبي لهب مثلاً بالاسم مع وجود المئات، بل أكثر، من رؤوس الكفر والنفاق والكثير من المشركين وأعداء الدين. ولم يذكر من أراد اغتيال النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، كالمنافقين الاثني عشر (9) ، وغيرهم، مع أهمّية ذكر هؤلاء الأعداء، أو تحذير النبيّ(صلّى الله عليه وآله) للمسلمين منهم.. وكذلك لم يخبر الله تعالى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) بوجود سمٍّ في الفخذ الذي أهدته إليه اليهودية (10) .. ولم يخبره الله تعالى بكيفية النصر على الأعداء من الخطط، أو على الأقلّ ما يفكّر به الأعداء وما يخطّطون له، وما يريدون فعله معه، كما فعل خالد في أحد، وما لحق رسول الله(صلّى الله عليه وآله) من الأذى بسببه (11) ، أو بسبب عبد الله ابن أُبيّ بن سلول (12) ، أو اليهودية... وبالتالي فإنّ الله تعالى يحافظ على دينه ونبيّه بالأسباب والمسبّبات الطبيعية عادة, هذا هو الأصل.. إلاّ ما خرج بدليل يدلّ على الإعجاز والتدخّل الإلهي وما إلى ذلك. والإمامة، كالتوحيد والنبوة، آمن بها بعض وكفر بعض، حيث لا إكراه في الدين؛ فقد أقام سبحانه وتعالى الحجج، وأمر الناس بالاتّباع والطاعة لأوامره، والناس مخيّرون، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر. فالله ورسوله(صلّى الله عليه وآله) بلّغا وأمرا بالإمامة، وبيّنا ذلك حقّ البيان، وأحسن البلاغ، ويبقى الإيمان والتطبيق للمكلّفين وعليهم وليس على الله تعالى. خامساً: أمّا اعتراضك علينا بقولك: من سمّاه أبو بكر؟ ومن لقّبه بالصدّيق؟ فنقول لك: 1- لم يصحّ عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أنّه سمّاه الصدّيق. 2- وجود الاختلاف في سبب تسميته بذلك، وتسمية الناس له الصدّيق. 3- عدم الاستدلال بذلك وذكره في السقيفة، أو في خلاف أبي بكر مع الزهراء(سلام الله عليها)، وعمر مع أمير المؤمنين(عليه السلام)، مع حاجتهم الماسّة لذلك. 4- مخالفته للأحاديث التي تذكر أنّ عليّاً هو الصدّيق، وليس غيره، كقول عليّ(عليه السلام): (إنّي عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب، صليت قبل الناس بسبع سنين)، أخرجه الحاكم (13) ، وابن ماجة (14) ، وقال البوصيري: ((هذا إسناد صحيح، رجاله كلّهم ثقات)) (15) . وكذلك بيان عليّ(عليه السلام) للناس وإصراره مراراً وتكراراً بأنّه(عليه السلام) سبق أبا بكر بالإيمان، والصلاة لسنين، وموقفه الواضح والمعروف منه وتصدّيه له وللقَبَه المغصوب, وإلاّ لما افتخر بذلك (عليه السلام) على رؤوس الأشهاد. سادساً: وأمّا قولك: من تزوّج ابنته؟! فنقول: ما هذه الأقيسة والموازين العجيبة التي ما أنزل الله بها من سلطان. فحينما تزوّج رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أُمّ حبيبة، ابنة أبي سفيان (16) ، وكان كافراً، هل تستطيع تنزيهه ومدحه لأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قد تزوّج بابنته؟! وملك اليمين مثل مارية القبطية النصرانية (17) ، وصفية بنت حيي اليهودية (18) ، هل لأهلها وسادتها فخر وفضل علينا لأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قد اقترن بإمائهم وبناتهم؟! سابعاً: وأمّا قولك: أأنتم أعلم من رسول الله(صلّى الله عليه وآله)؟! فنقول: لا والله! أين الثرى من الثريا؟! فنحن نتعلّم من رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، ونحاول أخذ الدين عنه، وكذلك نعرف به حقائق من حوله من المؤمنين والمنافقين والفاسقين، ونحاول أن نقلّده، فنرضى ونترضّى عمّن هو راضٍ عنه(صلّى الله عليه وآله)، ونحاول البراءة ممّن تبرّأ منه رسول الله(صلّى الله عليه وآله) وتأذّى منه، أو خاف على الأُمّة منه! ولا ندّعي غير ذلك. ثامناً: وأمّا قولك: الله عالم الغيب ومنزل الوحي يترك رسوله(صلّى الله عليه وآله) هكذا دون تنبيه، أو تحذير؟! فنقول: قد قدّمنا الكلام حول هذه المفردة. ونقول أيضاً: بأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قد يكون عالم بحال هؤلاء، وهو الراجح، وقد يكون الله تعالى أخفى عنه أمرهم وأفعالهم وعقيدتهم لحكمة وغرض إلهي، لكي يتم الاختبار والابتلاء والفتن، وهذا الاحتمال ضعيف جدّاً، خصوصاً فيمن هم مورد كلامنا, فكثير من النصوص والقرائن تثبت الاحتمال الأوّل، وأنّ الله تعالى كشفهم وكشف أمرهم لرسوله(صلّى الله عليه وآله)، فعمل على التصدّي لهم بكلّ ما أُوتي من قوّة، ولكن بما هو مشروع ولائق به(صلّى الله عليه وآله)، كما في حديث الصحابي الذي استاء رسول الله(صلّى الله عليه وآله) منه، وقال عنه: (بئس أخو العشيرة) (19) ، ولكنّه حينما خرج له ضحك في وجهه وتبسّم له وانشرح في الكلام معه. وما يثبت أنّ أمر هؤلاء كان معلوماً للنبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله)، إصرار عمر على حذيفة وسؤاله (20) ليخبره: هل إنّه من المنافقين، الذين استأمن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) حذيفة على أسمائهم، وهم الاثنا عشر الذين حاولوا اغتياله (21) ، وأخبر رسول الله(صلّى الله عليه وآله) حذيفة بهم، وكان حذيفة يسمّى لذلك: حافظ سرّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) في المنافقين (22) . وإلاّ فقل لنا بربّك: لماذا هذا الإصرار من عمر والإلحاح على حذيفة بأن يكشف ويفشي سرّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) له؟!! إلاّ الشكّ الواضح والكبير في انكشاف أمره لرسول الله(صلّى الله عليه وآله)، وإخبار الله تعالى لنبيّه عمّن فعلوا ذلك. تاسعاً: وأمّا ختمك بقولك: الله بقدرته يترك عترة نبيّه الطاهرة بدون حفظ؟! فنقول: إنّ سُنّة الله تعالى في أنبيائه وشرائعه إيكال أمرهم وما وقع عليهم في الدنيا إلى الأسباب الطبيعية، إلاّ بما يقتضي المعجزة في الإنجاء من الكافرين، أو الحفظ بسبب معجز، وهذا لا يخرج إلاّ بالدليل، كما فعل تعالى مع إبراهيم(عليه السلام) بالنسبة للنار، وكذلك مع موسى(عليه السلام) في شقّ البحر له، وكذلك مع عيسى(عليه السلام) حين رفعه إلى السماء، وشبّه لهم يهوذا الإسخربوطي (23) الذي دلّهم عليه بصورته فقتلوه بدلاً عنه، وما تعهد تعالى لنبيّه(صلّى الله عليه وآله) في آخر حياته لتبليغ ولاية عليّ(عليه السلام)، بقوله تعالى: (( وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) (المائدة:67)، وأمّا سوى ذلك حتّى لهؤلاء الأنبياء والرسل(عليهم السلام)، وأوصيائهم وأوليائهم وحواريّيهم فهو موكول للأسباب الطبيعية، مع لطف الله تعالى وعنايته بالمؤمنين عموماً، ومعيّته ونصره لهم، ودفاعه عنهم. ولا ندري ما دخل حفظ العترة الطاهرة بأبي بكر؟! إلاّ أن يكون قصدكم أمر الخلافة، أو إرث النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، أو كليهما. فالأمر هنا كالأمر الإلهي بعدم جواز اتّخاذ غير الإسلام ديناً، ولكن آمن من آمن واتّبع الإسلام، وكفر من كفر وخالف واتّبع غير الإسلام. وكذلك الأمر الإلهي لكلّ عباده بعبادته، فيعبده البعض ولا يعبده البعض الآخر، وكذلك أمره تعالى للناس بالصلاة والزكاة والصوم والحجّ والصدق والأمانة، وعدم الاعتداء وعدم القتل وعدم الغيبة والنميمة ووو.. ولكن ائتمر من ائتمر، وعصى من عصى؛ لأنّ الله تعالى قرّر أنّه: (( لاَ إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤمِن بِاللَّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى )) (البقرة:256). ودمتم في رعاية الله

1