علي - ايران
منذ 4 سنوات

الشبهات في الروايات

باسمه تعالى. بعد التحية والتقدير.. إنّني معتقد بأحقّية المذهب الشيعي الجعفري، وملتزم بتلقي المعرفة الصحيحة، ومن أجل توسيع آفاق رؤيتي المعرفية والدينية، واكتساب قدرة الإجابة على الشبهات المطروحة, أطلب منكم الإجابة المنطقية على الشبهات الفقهية والكلامية الموجودة في هذه الروايات.. أرجو منكم المساعدة: ************************* أولاً: حدّثني زهَير بن حَرب، وعَبد بن حمَيد، وعَبد اللّه بن عَبد الرّحمَن الدّارمي، (قَالَ عَبد اللّه: أَخبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَان: حَدّثَنَا) حَبّان بن هلاَل، حَدّثَنَا هَمّامٌ، حَدّثَنَا ثَابتٌ، حَدّثَنَا أَنَس بن مَالك: أَنّ أَبَا بَكر الصدّيقَ حَدّثَه، قَالَ: نَظَرت إلى أَقدَام المشركينَ عَلَىَ رؤوسنَا وَنَحن في الغَار. فقلت: يا رَسولَ اللّه! لَو أَنّ أَحَدَهم نَظَرَ إلى قَدَمَيه أَبصَرَنَا تَحتَ قَدَمَيه. فَقَالَ: (يا أَبَا بَكر مَا ظَنّكَ باثنَين اللّه ثَالثهمَا؟!).(صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/باب من فضائل أبي بكر). ثانياً: حدّثنا عَبد الله بن جعفر بن يحيىَ بن خَالد، حَدّثَنَا مَعنٌ، حَدّثَنَا مَالكٌ، عَن أَبي النّضر، عَن عبَيد بن حنَين، عَن أبي سَعيد: أَنّ رَسولَ(صلّى الله عليه وسلّم) جَلَسَ عَلَىَ المنبَر، فَقَالَ: (عَبدٌ خَيّرَه بَينَ أَن يؤتيه زَهرَةَ الدّنيا وَبَينَ مَا عندَه. فَاختَارَ مَا عندَه)، فَبَكَىَ أبو بكر. وَبَكَىَ. فَقَالَ: فَدَينَاكَ بآبَائنَا وَأمّهَاتنَا.. قَالَ: فَكَانَ رَسول(صلّى الله عليه وسلّم) هوَ المخَير. وَكَانَ أبو بكر أَعلَمَنَا به. وَقَالَ رَسول(صلّى الله عليه وسلّم): (إنّ أَمَنّ النّاس عَلَيَّ في مَاله وَصحبَته أبو بكر)، (وَلَو كنت متّخذاً خَليلاً لاَتّخَذت أَبَا بَكر خَليلاً، وَلَكن أخوّة الإسلام)، (لاَ يبقَينّ في المَسجد خَوخَةٌ إلاّ خَوخَةَ أبي بَكر).(صحيح مسلم،كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/باب من فضائل أبي بكر). ثالثاً: حدّثنا محمّد بن بَشّار العَبدي، حَدّثَنَا محمّد بن جَعفر، حَدّثَنَا شعبَة، عَن إسمَاعيلَ بن رَجَاء، قَالَ: سَمعت عَبد الله بنَ أبي الهذَيل يحَدّث عَن أبي الأَحوَص، قَالَ: سَمعت عَبد الله بنَ مَسعود يحَدّث عَن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، أنه قَالَ: (لَو كنت متّخذاً خَليلاً لاَتّخَذت أَبَا بَكر خَليلاً، وَلَكنّه أَخي وَصَاحبي. وَقَد اتّخَذَ الله عزّ وجلّ صَاحبَكم خَليلاً).(صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/باب من فضائل أبي بكر). رابعاً: حدّثنا محمّد بن المثَنّى وابن بَشّار (وَاللفظ لابن المثَنّى)، قَالاَ: حَدّثَنَا محمّد بن جَعفر، حَدّثَنَا شعبَة، عَن أبي إسحَاقَ، عَن أبي الأَحوَص، عَن عَبد الله, عَن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، أنّه قَالَ: (لَو كنت متّخذاً من أُمّتي أَحَداً خَليلاً لاَتّخَذت أَبَا بَكر).(صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/باب من فضائل أبي بكر). خامساً: حدّثنا عثمَان بن أبي شَيبَةَ، وزهَير بن حَرب، وإسحَاق بن إبرَاهيمَ، (قَالَ إسحَاق: أَخبَرَنَا. وَقَالَ الاَخَرَان: حَدّثَنَا) جَريرٌ، عَن مغيرةَ، عَن وَاصل بن حَيانَ، عَن عَبد الله بن أبي الهذَيل، عَن أبي الأَحوَص، عَن عَبد الله, عَن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، قَالَ: (لَو كنت متّخذاً من أَهل الأَرض خَليلاً، لاَتّخَذت ابنَ أبي قحَاَفةَ خَليلاً، وَلَكن صَاحبكم خَليل الله).(صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/ باب من فضائل أبي بكر). سادساً: حدّثنا يحيىَ بن يحيىَ، أَخبَرَنَا خَالد بن عَبد الله، عَن خَالد، عَن أبي عثمَانَ، أَخبَرَني عَمرو بن العَاص: أَنّ رَسولَ(صلّى الله عليه وسلّم) بَعَثَه عَلَىَ جَيش ذَات السّلاَسل. فَأَتَيته فَقلت: أَي النّاس أَحَبّ إلَيكَ؟ قَالَ: (عَائشَة)، قلت: منَ الرّجَال؟ قَالَ: (أَبوهَا)، قلت: ثمّ مَن؟ قَالَ: (عمَر)، فَعَدّ رجَالاً.(صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/ باب من فضائل أبي بكر). سابعاً: حدّثني الحَسَن بن عَلي الحلوَاني، حَدّثَنَا جَعفر بن عَون، عَن أبي عمَيس.. وَحَدّثَنَا عَبد بن حمَيد (وَاللفظ لَه)، أَخبَرَنَا جَعفر بن عَون، أَخبَرَنَا أَبو عمَيس، عَن ابن أبي ملَيكَةَ: سَمعت عَائشَةَ، وَسُئلَت: مَن كَانَ رسول(صلّى الله عليه وسلّم) مستَخلفاً لَو استَخلَفَه؟ قَالَت: أبو بكر. فَقيلَ لَهَا: ثمّ مَن بَعدَ أبي بَكر؟ قَالَت: عمَر. ثمّ قيلَ لَهَا: مَن بَعدَ عمَرَ؟ قَالَت: أَبو عبَيدَةَ بن الجَرّاح. ثمّ انتَهَت إلى هَذَا.(صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/ باب من فضائل أبي بكر). ثامناً: حدّثني عَبّاد بن موسَىَ، حَدّثَنَا إبرَاهيم بن سَعد، أَخبَرَني أبي، عَن محمّد بن جبَير بن مطعم، عَن أبيه: أَنّ امرَأَةً سَأَلَت رَسولَ(صلّى الله عليه وسلّم) شَيئاً؟ فأَمَرَهَا أَن تَرجعَ إلَيه. فَقَالَت: يا رَسولَ! أَرَأَيتَ إن جئت َلَم أَجدكَ؟ قَالَ أبي: كَأَنّهَا تَعني المَوتَ؟ قَالَ: (فإن لَم تَجديني فَأتي أَبَا بَكر).(صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/ باب من فضائل أبي بكر). تاسعاً: حدّثنا عبَيد الله بن سَعيد، حَدّثَنَا يزيد بن هَارونَ، أَخبَرَنَا إبرَاهيم بن سَعد، حَدّثَنَا صَالح بن كَيسَانَ، عَن الزّهري، عَن عروَةَ، عَن عَائشَةَ، قَالَت: قَالَ لي رسول(صلّى الله عليه وسلّم) في مَرَضه: (ادعي لي أَبَا بَكر أباك، وَأَخَاك، حَتّىَ أَكتبَ كتَاباً، فَإنّي أَخَاف أَن يتَمَنّىَ متَمَنٍّ وَيقولَ قَائلٌ: أَنَا أَولى، وَيأبَىَ الله وَالمؤمنونَ إلاّ أَبَا بَكر).(صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/ باب من فضائل أبي بكر). عاشراً: حدّثنا محمّد بن أبي عمَرَ المَكّي، حَدّثَنَا مَروَان بن معَاويةَ الَفزَاري، عَن يزيدَ (وَهوَ ابن كَيسَانَ)، عَن أبي حَازم الأَشجَعي، عَن أبي هرَيرَةَ، قَالَ: قَالَ رسول(صلّى الله عليه وسلّم): (مَن أَصبَحَ منكم اليومَ صَائماً؟) قَالَ أبو بكر: أَنَا، قَالَ: (فمَن تَبعَ منكم اليومَ جَنَازَةً؟) قَالَ أبو بكر: أَنَا، قَالَ: (فمَن أَطعَمَ منكم اليومَ مسكيناً؟) قَالَ أبو بكر: أَنَا، قَالَ: (فمَن عَادَ منكم اليومَ مَريضاً؟) قَالَ أبو بكر: أَنَا، فَقَالَ رسول(صلّى الله عليه وسلّم): (مَا اجتَمَعنَ في امرئ إلاّ دَخَلَ الجَنّةَ).(صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة(رضي تعالى عنهم)/ باب من فضائل أبي بكر). *************************


الأخ علي المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أوّلاً: الأحاديث التي ذكرتها,كلّها منقولة من طرق أهل السُنّة، وإيرادها علينا من الطرف المقابل لا يلزمنا بصحّتها، حتّى لو كانت صحيحة عنده، فلا بدّ إن أراد أن يلزمنا بشيء أن يأتي بذلك من كتبنا، أو من المتّفق عليه بيننا. ثانياً: مناقشة الأحاديث، وقد أعرضنا عن المناقشة السندية؛ لعدم الفائدة منها بعد أن حكموا بصحّة أحاديث مسلم: الحديث الأوّل: يمكن ردّ هذا الحديث من عدّة وجوه: الأوّل: عدم ثبوت فضيلة فيه، وذلك لأنّه: 1- إن كانت الفضيلة من جهة ذكر العدد|، فقد بيّن الشيخ المفيد أن لا فضل فيه عندما ردّ احتجاجهم بقوله تعالى: (( ثَانِيَ اثنَينِ )) (التوبة:40)، في آية الغار، فقال: ((لعمري لقد كانا اثنين فما في ذلك من الفضل؟ ونحن نعلم ضرورة أنّ مؤمناً ومؤمناً، أو مؤمناً وكافراً اثنان، فما أرى لك في ذكر العدد طائلاً تعتمده)) (1) . وكذلك الحال في الرواية، فإنّ كون الله ثالثهما، ما هو إلاّ إخبار عن العدد، فلو كانا منافقين فالله ثالثهما، وإن كانا مؤمنين فالله ثالثهما، وإن كان أحدهما مؤمناً ونبيّاً والآخر منافقاً شقياً فالله ثالثهما، فأيّة فضيلة في ذلك لأبي بكر؟! وقد قال تعالى: (( مَا يَكُونُ مِن نَجوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُم... )) (المجادلة:7). وإن كانت من جهة معيّة الله لهما التي هي بمعنى: نصره وحفظه لهما، فإنّ نصر الله كان لرسول الله خاصّة بنص القرآن، قال تعالى: (( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا... )) (التوبة:40)، وأمّا الحفظ فهو لازم، لضرورة حفظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وكان أبو بكر معه في الغار فلا فضل له من هذه الجهة. 2- إنّ راوي الحديث هو أبو بكر، والتزكية إذا جاءت من نفس الشخص لا تقبل إلاّ بعد ثبوت عصمته. 3- إنّ أبا بكر كان خائفاً من المشركين، وكان غير مطمئن لنصر الله ورعايته وحمايته لهما، بحيث كان يتصوّر أنّ المشركين سيظفرون بهما، وهذا الخوف والحزن الذي وقع به والذي أشارت له الآية: (( لاَ تَحزَن )) ، دليل على وقوعه في اضطراب قلبي، ووقوعه في الخشية من غير الله تعالى، وهذا يعدّ منقصة له؛ فإنّ الله مدح الأنبياء بقوله تعالى: (( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخشَونَهُ وَلاَ يَخشَونَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ )) (الأحزاب:39). الثاني: من جهة المتن: فقول أبي بكر: ((نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله! لو أنّ أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه))، مشكل! لأنّه: 1- لا يساعد على هذا الوصف وضع الغار وشكله المعروف، فلا بابه بهذا الصغر، ولا جوفه متّجه إلى جهة السفل والانحدار، حتّى يكون من بالباب على جهة العلو. ومن هنا أشكل ابن حجر في (فتح الباري)؛ قال: ((قوله: ((قلت للنبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) وأنا في الغار))، زاد في رواية حبّان المذكورة: فرأيت آثار المشركين، وفي رواية موسى بن إسماعيل عن همام في الهجرة: فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم... إلى أن قال: قوله: ((لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه))، في رواية موسى: لو أنّ بعضهم طأطأ بصره، وفي رواية حبّان: رفع قدميه، ووقع مثله في حديث حبشي بن جنادة، أخرجه ابن عساكر، وهي مشكلة، فإنّ ظاهرها أن باب الغار استتر بأقدامهم، وليس كذلك إلاّ أن يحمل على أنّ المراد أنّه استتر بثيابهم)) (2) . 2- جاء في روايات القوم أنّه لم يصل إلى باب الغار إلاّ واحد من المشركين، وهو القائف، فلمّا رأى خيوط العنكبوت والحمامتان علم أن لا أحد في الغار، فرجع (3) . 3- كيف يكلّم أبو بكر رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، وهو يجيبه والمشركون على باب الغار، إذ لو كان ذلك لسمعوه وافتضح أمرهم. أمّا الأحاديث: الثاني، والثالث، والرابع، والخامس، يمكن ردّهنّ من عدّة وجوه: 1- إنّ حديث خوخة أبي بكر معارض بحديث رواه ابن الأثير في (النهاية)، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (إلاّ خوخة عليّ) (4) . 2- إنّ الخلّة بين أبي بكر والنبيّ(صلّى الله عليه وآله) غير حاصلة؛ لأنّه جعلها في جواب الشرط، وبالنتيجة يستدرك بأنّ الخلّة غير حاصلة، بل الحاصل هو أخوّة الإسلام, ثمّ إنّ هذه الأخوّة ليست خاصّة بأبي بكر، بل بجميع المسلمين، فالمسلم أخو المسلم، فلا فضيلة إذاً لأبي بكر. 3- لم يثبت لأبي بكر بيتاً ملاصقاً للمسجد، بل كان بيته بالسنح في عوالي المدينة (5) ، فكيف يصحّ حديث الخوخة؟! وما احتمله البعض من وجود بيتين له، هو احتمال لا غير، ومع التسليم لا يثبت كونه ملاصقاً للمسجد. 4- إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قد أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ(عليه السلام) (6) في أوّل الأمر، وأمر بسدّ كلّ شعب في المسجد، حتّى أنّ عمر طلب أن يفتح كوة فلم يقبل الرسول(صلّى الله عليه وآله) (7) ، وهذا يعني أن لا باب باقية بعد ذلك السدّ، وإلاّ فإنّ من أبقى باباً، أو حتّى خوخة يدخل منها إلى المسجد كما يصوّرها البعض، كان عاصياً لأمر رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، فكيف لم يلتزم أبو بكر ومن معه بسدّ خوختهم إلى ما قبل وفاته(صلّى الله عليه وآله) بعدما سمعوا حديث سدّ الأبواب؟! ألا يعد إبقاء تلك الخوخة ودخولهم منها إلى المسجد عصياناً لرسول الله(صلّى الله عليه وآله)؟ 5- إنّ علّة سدّ الأبواب دون باب عليّ(عليه السلام) هو طهارة عليّ وأهل بيته(عليهم السلام) وإمكان نجاسة غيرهم، كما صرّحت بذلك رواية أمير المؤمنين(عليه السلام) واحتجاجه يوم الشورى (8) ، وروايات أُخر، وفي (مجمع الزوائد): قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لعليّ: (لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك) (9) ، وعلى هذا فلا معنى لاستثناء باب أو خوخة أبي بكر؛ لأنّه لا أحد يقول بطهارته كما هو الحال مع عليّ وأهل بيته(عليهم السلام). 6- يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: ((فلمّا رأت البكرية ما صنعت الشيعة، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث نحو: (لو كنت متّخذاً خليلاً)؛ فإنّهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، ونحو: سدّ الأبواب؛ فإنّه كان لعليّ(عليه السلام) فقلبته البكرية إلى أبي بكر...)) (10) . فهذه الأحاديث موضوعة بشهادة المعتزلي المدافع عن أبي بكر وبأحقّية خلافته، كما يذكر ذلك في الجزء الأوّل من الشرح. 7- لقد أجاب المأمون عن حديث الخلّة الذي ذكر فيه أخوّة أبي بكر للرسول(صلّى الله عليه وآله)، بقوله: هذا مستحيل من قبل رواياتكم أنّه(صلّى الله عليه وآله) آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً(عليه السلام)، فقال له في ذلك، فقال: (وما أخّرتك إلاّ لنفسي) (11) ، فأي الروايتين ثبتت بطلت الأُخرى (12) . 8- كان أبو هريرة يقول: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) خليله (13) ، فإذا صحّ ذلك، فهو أفضل من أبي بكر، لأنّ الخلّة عند أبي هريرة ثابتة، في حين أنّ الخلّة بين أبي بكر والرسول غير ثابتة. 9- إنّ في هذه الرواية يثبت أنّه لم يكن أبو بكر خليلاً لرسول الله(صلّى الله عليه وآله)، في حين نرى روايات أُخرى تعارض ذلك، فهي تثبت كون أبو بكر خليلاً لرسول الله(صلّى الله عليه وآله)، كما في (الرياض النضرة) (14) ، فهما إذاً متعارضتان. ثمّ إنّ هناك روايات تذكر أنّ: لكلّ نبيّ خليل وخليلي سعد بن معاذ (15) ، أو عثمان بن عفان (16) ، وغيرهم كأويس القرني وسعدبن مالك (17) . ثمّ إنّ ذلك ثبت لعليّ(عليه السلام)، إذ قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (إنّ خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي يقضي ديني وينجز موعدي عليّ بن أبي طالب) (18) . 10- لو كانت الخلّة أعلى مرتبة من الأخوّة كما هو مراد الرواية الثالثة، فإنّ عدم مؤاخاة النبيّ(صلّى الله عليه وآله) لأبي بكر في يوم المؤاخاة ومؤاخاته لعليّ(عليه السلام) فقط دون غيره، يدلّ على أنّ أبا بكر لا يصل للخلّة أيضاً؛ لأنّها أعلى مرتبة من الأخوّة. أمّا لو كانت الأخوّة أعلى مرتبة من الخلّة وأقرب للمماثلة بين الاثنين، فعدم حصول الخلّة لأبي بكر، تعني عدم حصول الأخوّة أيضاً. إذاً لو صحّ ذلك الحديث، فإنّ هذا يدلّ على تناقض فيه، وهذا ما لا يمكن أن يكون في حديث لرسول الله(صلّى الله عليه وآله)! الحديث السادس: يمكن ردّ هذا الحديث من عدّة وجوه: 1- قال المأمون عن هذا الحديث: أنّه باطل؛ لأنّكم رويتم أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: (اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك) (19) ، فكان عليّاً(عليه السلام)، فأيّ روايتكم تقبل؟ 2- كيف يكون هذا الحديث صحيحاً وعائشة نفسها تروي أنّه(صلّى الله عليه وآله) سُئل: من أحبّ الناس إليك؟ قال: (فاطمة)، قالوا: فمن الرجال؟ فقال: (زوجها) (20) . وكان عمر يقول لفاطمة: ((والله، ما رأيت أحداً أحبّ إليَّ من رسول الله منك)) (21) . 3- وفي (الصوارم المهرقة): ((وممّا ينادي على وضع الخبر بأعلى صوت، أنّه لا يعقل أن يسأل أحد عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله): أيّ الناس أحبّ إليك، فيتبادر ذهنه(صلّى الله عليه وآله) من الناس إلى النساء منهم دون الرجال، فيجيب بما نسب إليه من الجواب)) (22) . الحديث السابع: يمكن ردّ هذا الحديث من عدّة وجوه: 1- لا يمكن أن يكون هذا الحديث دالاًّ على استخلاف أبي بكر وعمر؛ لأنّكم رويتم عن ابن عمر أنّ أباه عمر قال: ((إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي، رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم))) (23) ، وفي حديث آخر: ((وإنّي لئن لا أستخلف فإنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لم يستخلف، وإن أستخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف)) (24) . فهذا عمر يصرّح بأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لم يستخلف أحداً.. ولمّا سأل أبو قحافة: لمَ جُعل ابنه خليفة؟ قيل له: لسنّه. ولم يقال له: أنّهم ولّوه لأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) استخلفه. والذي يدلّ على عدم النص: أنّ أبا بكر قال: ((أقيلوني أقيلوني، لست بخيركم)) (25) . وقول عمر: ((ألاّ أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه)) (26) . وحيث سقطت دلالة الحديث على وقوع الاستخلاف، لا يبقى فيه إلاّ الادّعاء من قبل عائشة، ولا حجّة فيه. 2- إنّ الذي عليه مذهب أهل السُنّة، أنّ الأفضلية بعد أبي بكر وعمر هي إمّا لعثمان وإمّا لعليّ(عليه السلام)، في حين أنّ الحديث يفضل شخص ثالث، وهو: أبو عبيدة بن الجرّاح، فلا بدّ إذاً من رفض هذا الحديث لعدم انسجامه مع ما أطبق عليه أهل السُنّة. 3- إنّ ادّعاء الفضيلة إذا جاء من شخص له منفعة بهذه الفضيلة، كعائشة، فإنّه سيكون موضع اتّهام، بخلاف ما لو كان ذلك من قبل الأباعد، أو الأعداء. 4- إنّ خبر عائشة خبر آحاد، ولا يقبل مثل هذا الخبر في أمر خطير، وهو الاستخلاف. الحديث الثامن: 1- لا يمكن أن يكون هذا الحديث دالاًّ على خلافة أبي بكر؛ لما ذكر سابقاً من قول عمر وأبي بكر الدالّ على عدم استخلاف أبي بكر. 2- يحتمل أن يكون المراد بالرجوع من بعده في أمر شخصي متعلّق بين النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر والمرأة، ولا علاقة له بالخلافة، فكيف تعمم هذه الواقعة الجزئية إلى الرجوع في كلّ أمر دنيوي وأُخروي، الذي هو حال الخلافة؟ 3- إنّ قول الراوي: ((كأنّها تعني الموت))، هو من فهمه الخاص، وليس بحجّة، فيكون الرجوع إلى أبي بكر في قضية شخصية في حياة النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، ولا علاقة لها بوفاته. 4- لم يرو هذا الحديث من الصحابة إلاّ جبير بن مطعم، ولم يروه عن جبير إلاّ ولده محمّد، ولم يروه عن سعد غير ولده إبراهيم، ثمّ أخذه الرواة عن إبراهيم بن سعد. وإذا لاحظنا هؤلاء وجدنا: أنّ جبير من الطلقاء (27) ، وهو صاحب أبي بكر، تعلّم منه الأنساب وأخبار قريش (28) ، وكانت عائشة تسمّى له وتذكر له قبل أن يتزوّجها النبيّ(صلّى الله عليه وآله) (29) ، وذكره بعضهم في المؤلفة قلوبهم (30) ، وكان من بني نوفل الذين هم حلفاء بني أُميّة في الجاهلية والإسلام (31) ، وهو أحد الخمسة الذين اقترحهم عمرو بن العاص على أبي موسى الأشعري للمشورة في التحكيم (32) , وكان مائلاً عن عليّ(عليه السلام). وأمّا ابنه محمّد بن جبير بن مطعم، فهو حليف بني أُميّة (33) ، ولم يقاتل في جنب الإمام عليّ والحسن(عليهما السلام)، وهو ممثلاً عن وفد المدينة إلى معاوية (34) . وأمّا سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فقد كان قاضياً لبعض ملوك بني أُميّة على المدينة (35) . أمّا ولده إبراهيم بن سعد، فهو صاحب العود والغناء (36) ، كان يعزف ويغنّي، وجاءه أحد أصحاب الحديث ليأخذ عنه فوجده يغنّي فتركه وانصرف، فأقسم إبراهيم ألاّ يحدّث بحديث إلاّ غنّى قبله، وعمل والياً على بيت المال ببغداد لهارون الرشيد. هذا هو حال رجال ذلك السند، فهل يطمأن لذلك الحديث الذي رجاله مثل هؤلاء؟! الحديث التاسع: يمكن ردّ هذا الحديث من عدّة وجوه: 1- لا يمكن أن يدلّ هذا الحديث على خلافة أبي بكر؛ لما عرفت سابقاً من قول عمر وأبي بكر الدال على عدم الاستخلاف. 2- إنّ راوية الحديث هي عائشة، وهي متّهمة في ذلك، من حيث جرّها نفعاً وشرفاً لها ولأبيها، ومن حيث عداوتها لعليّ(عليه السلام). 3- لا يمكن أن يكون هذا الحديث صحيحاً، وإلاّ تمسّك به أبو بكر في السقيفة عند منازعته الأنصار. 4- إنّهم ناقشوا في حديث الغدير، وقالوا: لا يمكن أن يكون الأُولى بمعنى الولي، فكيف يصير هنا الأُولى بمعنى الولي؟! 5- يجوز أن يكون قوله: (يأبى) من جملة مقول قول القائل، أي: يقول قائل: يأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر، وبهذا القول تقع فتنة بين المسلمين، وحينئذ لا دلالة للحديث على أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أخبر عن إباء الله تعالى لخلافة غير أبي بكر، كما فهموه؛ فلا حجّة فيه أصلاً (37) . 6- إنّ في سند الحديث: الزهري، الذي هو من مشاهير المنحرفين عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، ومن كبار المروجين للأكاذيب، ومقاصد السلاطين (38) ، وفيه أيضاً: عروة بن الزبير، من أعلام أعداء آل الرسول، والمشيّدين لحكومة الغاصبين (39) . ومن ضمن رواة الحديث: إبراهيم، الذي مرّ ذكره سابقاً من كونه صاحب العود والغناء وصاحب هارون الرشيد. 7- إنّ أبا بكر كان في جيش أُسامة في ذلك الوقت (40) ، فكيف يدعو الرسول(صلّى الله عليه وآله) أبا بكر وهو يعلم بخروجه؟! 8- لقد شهدت المعتزلة بأنّ هذا الحديث وضعته البكرية في مقابل الحديث المروي عنه(صلّى الله عليه وآله) في مرضه: (ائتوني بدواة وبياض أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً)، فاختلفوا عنده وقال قوم منهم: لقد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله (41) . 9- إنّ هذا الحديث لا يصحّ صدوره عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّه مروي عن عائشة، وأمر الخلافة لا يصحّ إيكاله للنساء، لارتباطها بالرجال، فأخبارهم بذلك هو المتعيّن، دون عائشة أو غيرها من النساء (42) . 10- لم تعلمنا الرواية أنّه هل حصل أمر الكتابة، أم لم يحصل؟ فإذا حصل، فأين هذا الكتاب، ومن احتجّ به على خلافة أبي بكر؟! وإن لم يحصل فما الذي منع النبيّ(صلّى الله عليه وآله) من كتابته بعد أن طلب استدعاء أبا بكر وابنه؟! 11- ليس هناك أيَّة دلالة على أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أراد أن يستخلف أبو بكر؛ فما يدرينا؟! لعلّه أراد أن يكتب شيئاً لأبي بكر غير الخلافة، كأن يجعله أميراً على سرية أُسامة إن أصاب أُسامة شيء، أو لعلّه كان يريد أن يعطيه شيئاً، أو أي شيء آخر هو أولى به من غيره. 12- لقد قال أبو بكر فيما هو المشهور عنه عند موته عن ثلاثة ودّ لو سأل رسول الله(صلّى الله عليه وآله) عنهنّ: ((وأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي سألت رسول الله(صلّى الله عليه وآله) عنهنّ، فوددت أنّي كنت سألته فيمن هذا الأمر، فلا ينازعه أهله)) (43) . فأبو بكر يصرّح بعدم استخلافه، فكيف يدلّ هذا الحديث على استخلافه؟ الحديث العاشر: يمكن ردّ هذا الحديث من عدّة وجوه: 1- إنّ راوي هذا الحديث هو أبو هريرة، الذي هو أكذب الناس على رسول الله(صلّى الله عليه وآله) (44) . 2- إنّ الرسول(صلّى الله عليه وآله) لم يقل: أنّ أبا بكر سيدخل الجنّة، بل قال: إنّ من عمل هذا العمل يدخل الجنّة.. وبعبارة أُخرى: إنّه لم يشخص دخول أبي بكر للجنّة، وإنّما جعلها عبارة كلّية مشروطة، ومثلها الكثير من الأعمال، وبهذا لا تكون واقعة حتماً دون قيد أو شرط، وإنّما هي معلّقة على حسن الخاتمة والموت على الإيمان والصلاح. ودمتم في رعاية الله

3