احمد ابراهيم - الأردن
منذ 5 سنوات

 كان عابداً للأصنام

(( إِذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَم تَرَوهَا )) (التوبة:40)، الله معهما أوّلاً، ثمّ إنّ الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) كان مطمئناً لعلمه أنّهم لن يروه.. أليس يعلم الغيب؟! فمن هو بحاجة إلى السكينة إذاً: الرسول(صلّى الله عليه وسلّم)، أم أبا بكر(رضي الله عنه)؟ الجواب طبعاً: أبو بكر، إذاً فالسكينة نزلت على أبي بكر.


الأخ أحمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أوّلاً: إنّك لم تبيّن كيفية استدلالك بقوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )) ؟! ونحن نقول: إن كان المراد المعيّة العامّة، فإنّ الله مع الكلّ، لقوله تعالى: (( مَا يَكُونُ مِن نَجوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُم وَلاَ خَمسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُم )) (المجادلة:7)، فلو كانا منافقين فالله ثالثهما، وإن كانا مؤمنين فالله ثالثهما, وإن كان أحدهما مؤمناً ونبيّاً والآخر منافقاً وشقيّاً فالله ثالثهما، فلا فضل لأبي بكر بهذه المعيّة. وإن كان المراد المعيّة الخاصّة - أي: معيّة النصرة أو الحفظ - فقد نصت الآية أنّ الله نصر نبيّه وحده؛ إذ جاء الضمير فيها مفرداً؛ قال تعالى: (( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّهُ إِذ أَخرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ... المزید )) (التوبة:40). وأمّا الحفظ، فإنّ حفظ أبا بكر لازم لحفظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، فهو محفوظ بحفظه(صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّه كان معه في الغار. وما كانت الهجرة ودخول الغار إلاّ لحفظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) من الكفّار؛ فقال تعالى: (( إِذ أَخرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا )) ، ولو كان(صلّى الله عليه وآله) وحده لاستمر حفظ الله له، وكان معه حافظاً بما نسجت العنكبوت على فم الغار، وباضت الحمامتان على بابه، فلا فضل لأبي بكر في هذا. وقول رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لأبي بكر: (( إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )) (التوبة:40)، تعريف بما جهله أبو بكر وغفل عنه من نصرة الله وحفظه لأوليائه، فأخبره رسول الله(صلّى الله عليه وآله) بما جهله بعد أن بان جهله بما ظهر من حزنه وخوفه مع ما رأى من دلائل الله وآياته في الغار، فدّل على عدم توكلّه على الله وعدم وثوقه بما وعد الله رسوله(صلّى الله عليه وآله)، وهذا بالذمّ والمنقصة أحرى وأولى. ثانياً: قولك: إنّ رسول الله لا يحتاج إلى السكينة - على أيّ معنى حملت السكينة؛ لأنّهم ذكروا لها معانٍ عدّة - خلاف ما في القرآن الكريم؛ فإنّه يقول: (( ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ... )) (التوبة:26), ويقول أيضاً: (( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ... )) (الفتح:26)، والآية الأُولى نزلت في حُنين، والثانية تشير إلى قصّة الحديبية، وهما بعد حادثة الغار بسنين، فإذا كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لا يحتاج إلى سكينة كما قلت، فهاتين الآيتين تصرّحان بنزولها عليه، وإذا كانت سكينته معه وهو في الغار، كما قال بعضكم، فأين ذهبت حتّى احتاجها في حُنين والحديبية؟! وإن قلت: لا مانع من نزول سكينة على سكينة؟ قلنا: فلا مانع من نزولها عليه في الغار، كما هو نصّ القرآن بعود الضمير المفرد إليه في الآية، وإن كانت سكينته معه حين ذاك. وإن قلت: أنّه(صلّى الله عليه وآله) احتاج السكينة في حُنين والحديبية؛ لأنّه أصابه بعض اضطراب وخوف، ولم يكن عنده شيء منهما في الغار، وإنّما كانا عند أبي بكر، المعبّر عنه في الآية بالحزن. قلنا: من أين لك أنّه(صلّى الله عليه وآله) أصابه شيء من الخوف والاضطراب في حُنين والحديبية؟! ولا آية ولا رواية تثبت ذلك! فالآيتين في حُنين والحديبية خاليتان من الإشارة إلى ذلك، كما هي آية الغار. فلتكن السكينة التي نزلت عليه في حُنين والحديبية قد نزلت عليه في الغار، كما هو ظاهر القرآن، ولكن مع فرق جدير بالتأمّل، وهو: أنّها نزلت عليه هناك مع المؤمنين، ونزلت عليه هنا وحده! قال السيّد الطباطبائي في (الميزان): ((والدليل على رجوع الضمير في قوله: (( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيهِ )) إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله): 1- رجوع الضمائر التي قبله وبعده إليه(صلّى الله عليه وآله)، كقوله: (( إِلاَّ تَنصُرُوهُ )) ، و (( نَصَرَهُ )) ، و (( أَخرَجَهُ )) ، و (( يَقُولُ )) ، و (( لصَاحِبِهِ )) ، و (( وَأَيَّدَهُ )) ، فلا سبيل إلى رجوع ضمير (( عَلَيهِ )) من بينها وحده إلى غيره من غير قرينة قاطعة تدلّ عليه. 2- إنّ الكلام في الآية مسوق لبيان نصر الله تعالى نبيّه(صلّى الله عليه وآله)، حيث لم يكن معه أحد ممّن يتمكّن من نصرته؛ إذ يقول تعالى: (( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللَّهُ إِذ... )) الآية، وإنزال السكينة والتقوية بالجنود من النصر، فذاك له(صلّى الله عليه وآله) خاصّة. ويدلّ على ذلك تكرار (إذ) وذكرها في الآية ثلاث مرّات، كلّ منها بيان لما قبله بوجه، فقوله: (( إِذ أَخرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا )) ، بيان لوقت قوله: (( فَقَد نَصَرَهُ اللَّهُ )) ، وقوله: (( إِذ هُمَا فِي الغَارِ )) ، بيان لتشخيص الحال الذي هو قوله: (( ثَانِيَ اثنَينِ )) ، وقوله: (( إِذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ )) ، بيان لتشخيص الوقت الذي يدلّ عليه قوله: (( إِذ هُمَا فِي الغَارِ )) (التوبة:40). 3- إنّ الآية تجرى في سياق واحد حتّى يقول: (( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليَا )) ، ولا ريب أنّه بيان لما قبله, وأنّ المراد بـ (( كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا )) هي: ما قضوا به في دار الندوة وعزموا عليه من قتله(صلّى الله عليه وآله) وإطفاء نور الله, وبـ (( كَلِمَةُ اللَّهِ )) هي: ما وعده من نصره وإتمام نوره, وكيف يجوز أن يفرّق بين البيان والمبيّن، وجعل البيان راجعاً إلى نصره تعالى إياه(صلّى الله عليه وآله), والمبيّن راجعاً إلى نصرة غيره؟!)) (1) . وأخيراً نقول: كيف يكون الضمير في (( عَلَيهِ )) راجعاً إلى أبي بكر، مع أنّ ما تفرّع وعطف عليه راجعاً إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قطعاً وبإجماع المفسّرين، وهو قوله تعالى: (( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَم تَرَوهَا )) (التوبة:40)، والضمير في (( أَيَّدَهُ )) ، و (( عَلَيهِ )) ، يعود إلى مدلول واحد؟ فتأمّل جيدّاً! ودمتم في رعاية الله

2