تسع و عشرون سورة من سور القرآن تبدأ بحروف مقطعة، و هذه الحروف- كما هو واضح من اسمها- لا تشكل كلمة مفهومة.
هذه الحروف من أسرار القرآن، و ذكر المفسرون لها تفاسير عديدة، و أضاف لها العلماء المعاصرون تفاسير جديدة من خلال تحقيقاتهم.
فلقد كثر الحديث عن الحروف المقطعة الواردة في فواتح السور القرآنية ، و تعددت ، و تشعبت الأقوال و الآراء حولها . حتى عد المفسرون ما يقرب من عشرين قولاً حول المراد منها..
فقيل:
ـ هي من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله سبحانه .
ـ هي أسماء للسور التي وقعت في أوائلها .
ـ إنها أسماء لمجموع القرآن..
ـ إنها أسماء لله سبحانه فـ " ألم " معناها : أنا الله العالم .
و " ألمر " معناها : أنا الله أعلم و أرى..
ـ إنها أسماء لله مقطعة لو أحسن تأليفها لعلم اسم الله الأعظم ، فـ " ألر و حم و ن ". تصير : الرحمن . و هكذا
ـ إن هذه الحروف شريفة لكونها مباني كتبه المنزلة و أسمائه الحسنى و صفاته العليا ، و أصول لغات الأمم.. و قد أقسم الله تعالى بهذه الحروف .
ـ إنها إشارات إلى آلائه سبحانه ، و بلائه ، و مدة الأقوام و أعمارهم و آجالهم .
ـ إنها إشارة إلى بقاء هذه الأمة بحسب حساب الجمل..
ـ إنها تسكيت للكفار الذين تواصوا فيما بينهم أن : ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ .
فكانوا إذا سمعوا هذه الحروف استغربوها ، و تفكروا فيها ، فيقرع القرآن مسامعهم .
ـ إنها للإشارة إلى معان في السورة فكلمة ﴿ ن ... المزید ﴾ إشارة إلى ما تشتمل عليه السورة من النصر الموعود و كلمة ﴿ ق ... ﴾ إشارة إلى القرآن أو إلى القهر
إلى غير ذلك من أقوال لا مجال لتتبعها...
و لعل آخر ما يمكن أن يعتبر رأياً في هذا المجال.. هو ما ذكره بعض المتأخرين ، و اعتبر بمثابة " إعجاز مدهش جديد للقرآن الكريم…
المهم الجدير بالذّكر أن التاريخ لم يحدثنا أنّ عرب الجاهلية و المشركين عابوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اله وجود هذه الحروف المقطعة في القرآن. و لم يتخذوا منها وسيلة للطعن و الاستهزاء.
و هذا يشير إلى أنهم لم يكونوا جاهلين تماما بأسرار وجود الحروف المقطعة.
و لعل الرأي الصائب الذي يستشم من بعض الروايات هو أن القرآن الكريم منزل من عند الله عز و جل و هو مؤلف من الحروف المقطعة و هذا دليل على إعجاز القرآن لأن الحروف موجودة عند الناس و لكن من يستطيع أن يأتي بأية مثلها ، فالله يتحدى الانسن و الجسن على أن يأتوا بأية مثله .
و هناك طائفتين من الرّوايات في المصادر الإسلامية تتعلق بالحروف المقطعة في سورة مريم:
الأولى: تقول بأن كل حرف من هذه الحروف يشير إلى اسم من أسماء اللّه الحسنى، فالكاف يشير إلى الكافي، و هو من أسماء اللّه الحسنى، و الهاء تشير إلى الهادي، و الياء إشارة إلى الولي، و العين إشارة إلى العالم، و الصاد إشارة إلى صادق الوعد.
الثّانية: تفسر هذه الحروف المقطعة بحادثة ثورة الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء، فالكاف إشارة إلى كربلاء، و الهاء إشارة إلى هلاك عترة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الياء إشارة إلى يزيد، و العين إشارة إلى مسألة العطش، و الصاد إشارة إلى صبر و ثبات الحسين و أصحابه المضحين.
و الله العالم بحقائق الامور.…