احمد - الأردن
منذ 4 سنوات

رفع التهمة الى ابن تيمية

دفاع عن ابن تيمية في اتّهامه بالطعن في خلافة عليّ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلّى الله وسلّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أمّا بعد: فإنّنا نسمع بين الفينة والأُخرى أقوالاً، ونقرأ مؤلّفات وكتابات، تنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية(رحمه الله)، أقوالاً ظاهرها الطعن في خلافة عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه), فلمّا بحثت أُصول تلك الأقوال في كلامه(رحمه الله) وجدتها على أصناف: 1- صنف من كذب على شيخ الإسلام وافترى عليه افتراءً واضحاً. 2- ومنهم من نقل عن شيخ الإسلام(رحمه الله) نقلاً محرّفاً مبتوراً. 3- ومنهم من نقل أقوالاً لابن تيمية(رحمه الله), وكان ابن تيمية قد ذكرها نقلاً عن غيره من باب ردّ الشبهة بالشبهة، ومن باب إلزام الخصوم. 4- ومنها ما ذكره شيخ الإسلام(رحمه الله) في سياق الردّ على الروافض، لا في سياق التقرير والاعتقاد. 5- ومنها ما كان ملتبساً غامضاً، أخذه هؤلاء وفسّروه كما يحبّون, وقدّموا سوء الظنّ على حسن الظنّ. وأنا هنا لا أُريد مناقشة تلك الأقوال التي نقلها بعضهم بتحريف أو بتر, أو بتجريدها من سياقها العام؛ وإنّما هدفي من هذا كلّه, هو أن أُبرز الأقوال التي قرّرها ابن تيمية(رحمه الله) في خلافة عليّ(رضي الله عنه), وذَكَرَها في سياق التبنّي والتقرير والاعتقاد, والتي أغفلها الناقلون عنه لأسباب الله أعلم بها. ولعلّ الذين ينقلون عن ابن تيمية(رحمه الله) تلك الأقوال التي ظاهرها الطعن في خلافة عليّ(رضي الله عنه), إنّما يريدون الانتصار لأهوائهم المنحرفة, فيذهبون إلى أقوال الشيخ(رحمه الله) ويخرجونها من سياقها أو يسيئون تفسيرها, أو يبترونها ثمّ يستشهدون بها لخدمة آرائهم, حالهم كحال الذين يستخدمون الأحاديث الموضوعة وينسبونها للنبيّ(صلّى الله عليه وسلّم). وكان الهدف من هذه المقالة هو: 1- إظهار الأقوال الصحيحة لشيخ الإسلام ابن تيمية، ودفاعه عن خلافة عليّ(رضي الله عنه). 2- الدفاع عن شيخ الإسلام(رحمه الله) ضدّ من يتّهمونه بالنصب, مع غمطهم لمثل هذه الأقوال, أو عدم معرفتهم بها, ولا أظنّ منصفاً يعرف هذه الأقوال ثمّ يتّهم شيخ الإسلام ابن تيمية(رحمه الله) بأنّه من أعداء عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه). 3- الردّ على من يحرّف أقوال شيخ الإسلام(رحمه الله)، أو يسوقها في سياق لا يريده ابن تيمية ولا يعنيه, مثل كثير من المؤرّخين المعاصرين، الذين يوردون أقوالاً لشيخ الإسلام(رحمه الله) في ظاهرها الطعن في خلافة عليّ(رضي الله عنه), ويتركون الأقوال المحكمة في إثباتها، ويتمسّكون بتلك الأقوال المشتبهة، أو التي كان سياقها سياق ردّ وليس سياق تحرير وتقرير؛ وهم بهذا العمل يظلمون الحقائق، ويظلمون شيخ الإسلام، شعروا أو لم يشعروا. وممّا ينبغي التنبيه عليه: إنّ كثيراً ممّا انتقد على ابن تيمية(رحمه الله) إنّما نقله عن غيره، كابن حزم، وابن بطّة، وابن حامد الحنبلي، وغيرهم, فهو يورد الأقوال الضعيفة للردّ على أقوال الشيعة الأكثر ضعفاً، من باب ردّ الشبهة بالشبهة - كما ذكرت - ولكنّه عندما يقرّر ويذكر عقيدة أهل السُنّة ومذهبهم, لا يذكر تلك الأقوال التي قد يفهم منها - بحقّ أو بباطل - تنقّصاً وطعناً لخلافة عليّ(رضي الله عنه). والحقيقة أنّني وجدت لابن تيمية(رحمه الله) أقوالاً كثيرة, أجزم بأنّها تحمل في طياتها براءة كاملة لابن تيمية(رحمه الله) من دعوى أنّه يطعن في خلافة عليّ(رضي الله عنه), وهي كثيرة جدّاً, نذكر منها ما يلي: 1- أورد شيخ الإسلام حديث سفينة, فقال: ((عن سعيد بن جمهان، عن سفينة، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم): (خلافة النبوّة ثلاثون سنة, ثمّ يؤتي الله ملكه من يشاء)، أو قال: (الملك). قال سعيد: قال لي سفينة: أمسك، مدّة أبي بكر سنتان, وعمر عشر, وعثمان اثنتا عشرة, وعليّ كذا. قال سعيد: قلت لسفينة: إنّ هؤلاء يزعمون أنّ عليّاً لم يكن بخليفة. قال: كذبت أَستاه بني الزرقاء, يعني: بني مروان)).. الحديث صحيح؛ صحّحه أحمد وغيره من الأئمّة.(المنهاج 1/515). 2- وقال(رحمه الله): ((والصحيح الذي عليه الأئمّة أنّ عليّاً(رضي الله عنه) من الخلفاء الراشدين بهذا الحديث - يقصد حديث سفينة - فزمان عليّ كان يُسمّي نفسه أمير المؤمنين، والصحابة تسمّيه بذلك. قال الإمام أحمد بن حنبل: ((من لم يربّع بعليّ(رضي الله عنه) في الخلافة فهو أضلّ من حمار أهله)), ومع هذا فلكلّ خليفة مرتبة)).(مجموع الفتاوى 4/479). 3- وقال(رحمه الله): ((لكن اعتقاد خلافته وإمامته ثابت بالنصّ، وما ثبت بالنصّ وجب اتّباعه، وإن كان بعض الأكابر تركه)).(مجموع الفتاوى 4/440). 4- وقال(رحمه الله): ((وعليّ(رضي الله عنه) لم يقاتل أحداً على إمامة من قاتله, ولا قاتل أحدٌ على إمامته نفسه, ولا ادّعى أحد قطّ في زمن خلافته أنّه أحقّ بالإمامة منه، لا عائشة، ولا طلحة، ولا الزبير، ولا معاوية وأصحابه, ولا الخوارج, بل كلّ الأُمّة كانوا معترفين بفضل عليّ وسابقته بعد قتل عثمان, وأنّه لم يبق في الصحابة من يماثله في زمن خلافته)).(المنهاج 6/328). 5- وقال(رحمه الله): ((وكذلك عليّ؛ لم يتخاصم طائفتان في أنّ غيره أحقّ بالإمامة منه. وإن كان بعض الناس كارهاً لولاية أحد من الأربعة، فهذا لا بدّ منه. فإنّ من الناس من كان كارهاً لنبوّة محمّد(صلّى الله عليه وسلّم), فكيف لا يكون فيهم من يكره إمامة بعض الخلفاء)).(المنهاج 6/329). 6- وقال(رحمه الله): ((وليس في الصحابة بعدهم - الخلفاء الثلاثة - من هو أفضل منه - عليّ - ولا تُنازع طائفة من المسلمين بعد خلافة عثمان في أنّه ليس في جيش عليّ أفضل منه. ولم تفضّل طائفة معروفة عليه طلحة والزبير, فضلاً أن يفضّل عليه معاوية. فإن قاتلوه مع ذلك لشبهة عرضت لهم، فلم يكن القتال له لا على أنّ غيره أفضل منه، ولا أنّه الإمام دونه، ولم يتسمّ قطّ طلحة والزبير باسم الإمارة، ولا بايعهما أحد على ذلك)).(المنهاج 6/330). 7- وقال(رحمه الله): ((وكان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه), آخر الخلفاء الراشدين المهديين)).(مجموع الفتاوى 3/406). 8- وقال(رحمه الله): ((لكن المنصوص عن أحمد تبديع من توقّف في خلافة عليّ، وقال: هو أضلّ من حمار أهله, وأمر بهجرانه, ونهى عن مناكحته, ولم يتردّد أحمد ولا أحد من أئمّة السُنّة في أنّه ليس غير عليّ أولى بالحقّ منه، ولا شكّوا في ذلك. فتصويب أحدهما - عليّ أو من خالفه - لا بعينه تجويز لأن يكون غير عليّ أولى منه بالحقّ، وهذا لا يقوله إلاّ مبتدع ضالّ، فيه نوع من النصب، وإن كان متأوّلاً)).(مجموع الفتاوى 4/438). 9- وقال(رحمه الله): ((نصوص أحمد على أنّ الخلافة تمّت بعليّ كثيرة جداً)).(مجموع الفتاوى 35/26). 10- وقال(رحمه الله): ((وجماهير أهل السُنّة متّفقون على أنّ عليّاً أفضل من طلحة والزبير، فضلاً عن معاوية وغيره)).(المنهاج 4/358). 11- وقال(رحمه الله) عند الكلام على حديث: (ويح عمّار تقتله الفئة الباغية, يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار): ((حديث صحيح، متّفق عليه، واللفظ للبخاري)). قال: ((وهذا أيضاً يدلّ على صحّة إمامة عليّ ووجوب طاعته، وأنّ الدّاعي إلى طاعته داع إلى الجنّة, وأنّ الدّاعي إلى مقاتلته داع إلى النار, وهو دليل على أنّه لم يكن يجوز قتال عليّ, وعلى هذا فمقاتله مخطئ وإن كان متأوّلاً، أو باغٍ بلا تأويل، وهو أصحّ القولين لأصحابنا, وهو الحكم بتخطئة من قاتل عليّاً، وهو مذهب الأئمّة والفقهاء الذين فرّعوا على ذلك قتال البغاة المتأوّلين)).(مجموع الفتاوى 4/437). 12- وقال(رحمه الله): ((ثبت بالكتاب والسُنّة إجماع السلف على أنّهم - عليّ ومخالفوه - مؤمنون مسلمون، وأنّ عليّ بن أبي طالب والذين معه كانوا أولى بالحقّ من الطائفة المقاتلة له)).(مجموع الفتاوى 4/ 433). 13- وقال(رحمه الله): ((مع أنّ عليّاً كان أولى بالحقّ ممّن فارقه, ومع أنّ عمّاراً قتلته الفئة الباغية كما جاءت به النصوص, فعلينا أن نؤمن بكلّ ما جاء من عند الله, ونقرّ بالحقّ كلّه, ولا يكون لنا هوى ولا نتكلّم بغير علم, بل نسلك سبيل العلم والعدل، وذلك هو اتّباع الكتاب والسُنّة, فأمّا من تمسّك ببعض الحقّ دون بعض, فهذا منشأ الفرقة والاختلاف)).(مجموع الفتاوى 4/450). 14- وقال(رحمه الله): ((ويروى أنّ معاوية تأوّل أنّ الذي قتله - أي: عمّار بن ياسر - هو الذي جاء به - أي: عليّ بن أبي طالب - دون مقاتليه, وأنّ عليّاً ردّ هذا التأويل بقوله: فنحن إذاً قتلنا حمزة - يعني يوم أحد - ولا ريب أنّ ما قال عليّ هو الصواب)).(مجموع الفتاوى 35/77). 15- وقال(رحمه الله): ((والخوارج المارقون الذين أمر النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) بقتالهم, قاتلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين. واتّفق على قتالهم أئمّة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. ولم يكفّرهم عليّ بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما من الصحابة, بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم عليّ حتّى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم, لا لأنّهم كفّار. ولهذا لم يَسبِ حريمهم، ولم يغنم أموالهم)).(مجموع الفتاوى 3/282). 16- وقال(رحمه الله): ((وهؤلاء - أي الخوارج - لمّا خرجوا في خلافة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه), قاتلهم هو وأصحاب رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، بأمر النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) وتحضيضه على قتالهم. واتّفق على قتالهم جميع أئمّة الإسلام)).(مجموع الفتاوى 3/382). 17- وقال(رحمه الله): ((ويقولون - أي: أهل السُنّة ــ: إنّ المسلمين لمّا افترقوا في خلافته، فطائفة قاتلته, وطائفة قاتلت معه, كان هو وأصحابه أولى الطائفتين بالحقّ, كما ثبت في الصحيحين - ثمّ ذكر حديث الخوارج, إلى أن قال ــ: فهؤلاء هم الخوارج المارقون الذين مرقوا فقتلهم عليّ وأصحابه، فعُلم أنّهم كانوا أولى بالحقّ من معاوية وأصحابه)).(المنهاج 4/358). 18- وقال(رحمه الله): ((ولم يسترب - أي: يشك - أئمّة السُنّة وعلماء الحديث أنّ عليّاً أولى بالحقّ وأقرب إليه، كما دلّ عليه النص)).(مجموع الفتاوى 4/438). 19- وقال(رحمه الله): ((مع العلم بأنّ عليّاً وأصحابه هم أولى الطائفتين بالحقّ، كما في حديث أبي سعيد عن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين، فيقتلهم أولى الطائفتين بالحقّ)، وهذا في حرب أهل الشام)).(مجموع الفتاوى 35/51). 20- وقال(رحمه الله): ((وقد أخرجنا في الصحيحين، عن أبي سعيد، عن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، أنّه قال: (تمرق مارقة من الدين على حين فرقة من المسلمين، يقتلهم أولى الطائفتين بالحقّ)، وهؤلاء المارقون هم الخوارج الحرورية الذين مرقوا لما حصلت الفرقة بين المسلمين في خلافة عليّ، فقتلهم عليّ بن أبي طالب وأصحابه، فدلّ هذا الحديث الصحيح على أنّ عليّ بن أبي طالب أولى بالحقّ من معاوية وأصحابه)).(الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: 18). 21- وقال(رحمه الله): ((وكان في جهّال الفريقين - فريق عليّ ومعاوية - من يظنّ بعليّ وعثمان ظنوناً كاذبة، برّأ الله منهما عليّاً وعثمان: كان يُظنّ بعليّ أنّه أمر بقتل عثمان, وكان عليّ يحلف وهو البار الصادق بلا يمين أنّه لم يقتله، ولا رضي بقتله، ولم يمالئ على قتله, وهذا معلوم بلا ريب من عليّ(رضي الله عنه))).(مجموع الفتاوى 35/73). وبعد أن بيّنت موقف شيخ الإسلام من عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، وأنّه(رحمه الله) متّبع منهج السلف في محبّته، أعرض هنا ما نقله الشيخ سليمان بن صالح الخراشي في كتابه (شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن ناصبياً) عن الأسباب التي أدّت بهم إلى اتّهام ابن تيمية بالنصب. فالشيخ(رحمه الله) يبيّن قول الرافضة وغلوّهم في عليّ بن أبي طالب، وطعنهم في الصحابة، فيدحض قولهم بقول النواصب وقدحهم في عليّ(رضي الله عنه)، ثمّ يعرض قول أهل السُنّة والجماعة، أهل الوسطية في هذا الخلاف، فينقل عنه الكلام مبتوراً؛ لأنّ من يطعن في الشيخ ينقل نقله عن النواصب ويعزيه للشيخ. يقول الشيخ صالح الخراشي ص47: ((وشيخ الإسلام أمام سيل جارف من الغلوّ المكذوب في عليّ(رضي الله عنه)، وأمام حمم متدفّقة من الأكاذيب في سبيل الطعن في الصحابة - رضوان الله عليهم - فماذا يصنع؟ إنّ المتأمّل لهذه الظروف التي عاشها شيخ الإسلام أمام هذا الكتاب يجد له خيارين: الخيار الأوّل؛ وهو المشهور عند العلماء وأصحاب التأليف؛ هو أن يقوم شيخ الإسلام بدفع الطعون عن الصحابة ببيان كذبها وأنّها مختلقة، فكلّما رمى الرافضي بشبهة أو طعن على صحابي قام شيخ الإسلام بردّها، أو بردّه بكلّ اقتدار، لينفيه عن هذا الصحابي... وهو خيار جيّد ومقبول لو كان الخصم غير الرافضي، أي: لو كان الخصم ممّن يحتكمون في خلافاتهم إلى النقل الصحيح أو العقل الصريح)). والرافضة ليسوا كذلك بالطبع. قال الخراشي ص48؛ ((الخيار الثاني؛ وهو الذي اختاره شيخ الإسلام؛ لأنّه يراه مفعول فعّال في مواجهة أكاذيب الروافض وغلوّهم المستطير...))، ثمّ قال: ((وهذا الخيار يرى أنّه أجدى طريقة لكفّ بأس الروافض، هو مقابلة شبهاتهم بشبهات خصومهم من الخوارج والنواصب))، أي: مقابلة هذا الطرف بذاك الطرف المقابل له، ليخرج من بينهما الرأي الصحيح الوسط. فكلّما قال الرافضي شبهة أو طعنا في أحد الخلفاء الثلاثة - أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - قابلها شيخ الإسلام بشبهة مشابهة للنواصب والخوارج في عليّ(رضي الله عنه). وهو لا يقصد بهذا تنقيص عليّ - رضي الله عنه - والعياذ بالله، وإنّما يقصد إحراج الروافض، وكفّهم عن الاستمرار في تهجّمهم على الصحابة؛ لأنّه ما من شيء من الطعون والتهم سيثبتونه على واحد من الصحابة، إلاّ وسيثبت الخوارج والنواصب مماثلاً له في عليّ(رضي الله عنه). وهذا يخرس ألسنة الروافض؛ لأنّهم في النهاية سيضطرّون إلى أن تضع حربهم على الصحابة أوزارها، عندما يرون شبههم وأكاذيبهم تقابل بما يناقضها في عليّ(رضي الله عنه)، فعندها سيبادرون إلى أن يختاروا السلم وعدم ترديد الشبهات حفاظاً على مكانة عليّ أن يمسسها أحد بسوء. فهذه حيلة من شيخ الإسلام ضرب بها النواصب بالروافض ليسلم من شرّهم جميعاً، وهذا ما لم يفهمه أو تجاهل عنه من بادر باتّهامه بتلك التهمة الظالمة. وهنا أسرد مثالاً أظنّه كافٍ لبيان طريقة شيخ الإسلام في ردّه على الرافضة، كما نقله الشيخ الخراشي: قال شيخ الإسلام(قدّس الله روحه): ((وهؤلاء الذين نصبوا العداوة لعليّ ومن والاه، وهم الذين استحلّوا قتله وجعلوه كافراً، وقتله أحد رؤوسهم (عبد الرحمن بن ملجم المرادي)، فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذا قالوا: إنّ عثمان وعليّ بن أبي طالب ومن معهما كانوا كفّار مرتدّين، فإنّ من حجّة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة، وما ثبت بالكتاب والسُنّة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم، وثناء الله عليهم، ورضاه عنهم، وإخباره بأنّهم من أهل الجنّة، ونحو ذلك من النصوص، ومن لم يقبل هذه الحجج، لم يمكنه أن يثبت إيمان عليّ بن أبي طالب وأمثاله. فإنّه لو قال هذا الناصبي للرافضي: إنّ عليّاً كان كافراً، أو فاسقاً ظالماً، وأنّه قاتل على الملك؛ لطلب الرياسة، لا للدين، وأنّه قتل من أهل الملّة من أُمّة محمّد(صلّى الله عليه وسلّم)؛ بالجمل وصفّين وحروراء أُلوفاً مؤلّفة، ولم يقاتل بعد النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) كافراً، ولا فتح مدينة، بل قاتل أهل القبلة، ونحو هذا الكلام - الذي تقوله النواصب المبغضون لعليّ رضي الله عنه - لم يمكن أن يجيب هؤلاء النواصب إلاّ أهل السُنّة والجماعة، الذين يحبّون السابقين الأوّلين كلّهم.. فيقولون لهم: أبو بكر، عمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، ونحوهم، ثبت بالتواتر إيمانهم وهجرتهم وجهادهم، وثبت في القرآن ثناء الله عليهم، والرضى عنهم، وثبت بالأحاديث الصحيحة ثناء النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) عليهم خصوصاً وعموماً، كقوله في الحديث المستفيض عنه: (لو كنت متّخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً)، وقوله: (إنّه كان في الأُمم قبلكم محدّثون، فإن يكن في أُمّتي، فعمر)، وقوله عن عثمان: (ألا يستحي ممّن تستحي منه الملائكة)؟ وقوله في عليّ: (لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، يفتح الله على يديه)، وقوله: (لكلّ نبيّ حواريون، وحواريّي الزبير)، وأمثال ذلك. وأمّا الرافضي، فلا يمكنه إقامة الحجّة على من يبغض عليّاً من النواصب، كما يمكن ذلك أهل السُنّة، الذين يحبّون الجميع))، انتهى كلام شيخ الإسلام(قدّس الله روحه) ونوّر ضريحة.(مجموع الفتاوى 4/468 - 469). والنقولات عن شيخ الإسلام كثيرة، تلقم كلّ من يحاول اتّهامه بالنصب حجراً، فرحمه الله رحمة واسعة، وجمعه مع بقية أولياء الله والصدّيقين في جنّة الفردوس الأعلى، وجمعنا وإياكم مع شيخ الإسلام في دار النعيم الخالد. وختاماً أحبّتي في الله، أتمنّى أن أكون قد وفّقت في إزالة اللبس الذي أثاره الروافض حول كون ابن تيمية(رحمه الله) يطعن في خلافة عليّ(رضي الله عنه), والله من وراء القصد. أرجو منكم الردّ على هذه المقالة وإحضار أين ذكر ابن تيمية ما تدّعون، لنرى ما قصصتم من كلامه؟


الأخ احمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أوّلاً: الدفاع عن ابن تيمية ومحاولة دفع صفة النصب عنه بما تقدّم ذكره في هذه الوريقات أوهن من بيت العنكبوت، كما هو الشأن في المحاولة لتأويل طريقته في الردود وما شابه ذلك؛ إذ لا يجوز شرعاً الاستعانة بكلمات أهل الضلالة (كالنواصب) في دفع ضلالة أو بدعة أُخرى، كما يريد أن يصورّه المدافع هنا في تبيان سلوك وطريقة ابن تيمية في ردوده وأقواله، وقد قال المولى سبحانه: (( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً )) (الكهف:51). وثانياً: إنّ الذين يرمون ابن تيمية بالنصب والنفاق، أو ما يقرب من هذا، أو الناقلين له، هم علماء ومحقّقين كبار عند أهل السُنّة, بل من المحسوبين على الخطّ السلفي بقوّة، كالحافظ ابن حجر العسقلاني، والشيخ ناصر الدين الألباني المحدّث الوهابي المعروف، وبين هذا وذاك يوجد كثير من علماء أهل السُنّة ممّن أعابوا، أو انتقدوا، أو جاهروا بضلالة ابن تيمية في هذا الجانب، كالشيخ عبد الله الهرري مفتي الصومال (1) . وعلى أية حال، ليس الشيعة هم أهل الدعوى، وأساسها في هذه المسألة! وإنّما لعلماء أهل السُنّة الباع الأكبر في توجيه هذه التهمة، وهم أيضاً المتابعون لأقواله، والمظهرون لها في كتبهم وردودهم. وقد طلبت منّا أن نظهر لك جملة من هذه الأقوال التي تثبت بغضه لعليّ(عليه السلام) وتحامله عليه.. ونحن هنا سنأتيك بما ذكره علماء أهل السُنّة في حقّه أوّلاً في هذه المسألة، ثمّ نوقفك على جانب من المواضع التي طلبت؛ لأنّها كثيرة ويصعب حصرها، والتي يظهر فيها بغضه لعليّ(عليه السلام) خاصّة، ولأهل البيت(عليهم السلام) عامّة. ولنبدأ بابن حجر العسقلاني وما ذكره في كتاب (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة): قال: ((وقال ابن تيمية في حقّ عليّ: أخطأ في سبعة عشر شيئاً، ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب... ثمّ يقول - أي: الحافظ ابن حجر -: وافترق الناس فيه - أي: في ابن تيمية - شيعاً، فمنهم من نسبة إلى التجسيم؛ لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك، كقوله: إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية لله، وأنّه مستو على العرش بذاته... إلى أن يقول: ومنهم من ينسبه إلى الزندقة؛ لقوله: النبيّ(صلّى الله عليه وآله) لا يستغاث به، وأنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)... إلى أن يقول: ومنهم من ينسبه إلى النفاق، لقوله في عليّ ما تقدّم - أي: قضية أنّه أخطأ في سبعة عشر شيئاً ــ.. ولقوله: ((إنّه - أي: عليّ - كان مخذولاً حيث ما توجّه، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: إنّه كان يحبّ الرياسة... ولقوله: أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول، وعليّ أسلم صبيّاً، والصبي لا يصحّ إسلامه على قول، وبكلامه في قصّة خطبة بنت أبي جهل... فإنّه شنّع في ذلك، فألزموه بالنفاق؛ لقوله(صلّى الله عليه وسلّم): (ولا يبغضك إلاّ منافق) )) (2) . وقال ابن حجر الهيثمي المكّي في كتابه (الفتاوى الحديثية): ((ابن تيمية؛ عبد خذله الله، وأضلّه وأعماه، وأصمّه وأذلّه، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله، وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتّفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد، أبي الحسن السبكي، وولده التاج، والشيخ الإمام العزّ بن جماعة، وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية، ولم يقصر اعتراضه على متأخّري الصوفية، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب(رضي الله عنهما) )) (3) . وعن الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة)؛ إذ صرّح بعد تصحيحه لحديث: (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ وال من ولاه وعاد من عاداه): ((إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحّته، أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث، وأمّا الشطر الآخر، فزعم أنّه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها)) (4) . والآن نذكر لك الشواهد التفصيلية لما نسب لابن تيمية من مواضع البغض والنفاق في الكلمات السابقة: الأول: مناقشته في إسلام عليّ(عليه السلام): قال في (منهاج السُنّة): ((قبل أن يبعث الله محمّداً(صلّى الله عليه وسلّم)، لم يكن أحدٌ مؤمناً من قريش: لا رجل ولا صبيّ ولا امرأة، ولا الثلاثة، ولا عليّ. وإذا قيل عن الرجال: إنّهم كانوا يعبدون الأصنام، فالصبيان كذلك: عليّ وغيره (5) . وإن قيل: كفر الصبيّ ليس مثل كفر البالغ، قيل: ولا إيمان الصبيّ مثل إيمان البالغ؛ فأُولئك يثبت لهم حكم الإيمان والكفر وهم بالغون، وعليّ يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ. والصبيّ المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتّفاق المسلمين)) (6) . وهذه الدعاوى - من ابن تيمية - في كون عليّ(عليه السلام) كان يعبد الأصنام في صغره، يمكن لأيّ محقّق ردّها بأدنى متابعة لما جاء في بيان سيرته(عليه السلام)، المعلومة لدى المسلمين جميعاً.. فمن الثابت عند الجميع أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) تربّى في كنف رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وترعرع في بيته بعد أن تكفّل بتربيته حينما أخذه من أبيه أبي طالب(عليه السلام)، في حادثة معروفة، للتخفيف عن أبي طالب؛ لكثرة عياله، بينما أخذ العبّاس عمّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جعفراً. وقد روى الطبري في (تاريخه) - وهو الإمام المتقن حقّاً، الجامع علماً وصحّة واعتقاداً وصدقاً؛ كما يقول ابن الأثير في كامله (7) ، عن محمّد بن إسحاق ــ: ((إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وسلم) كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكّة، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفياً من عمّه أبي طالب، وجميع أعمامه وسائر قومه، فيصلّيان الصلوات)) (8) . وقال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص): ((لم يزل مع رسول الله في زمن الطفولة، يدين بما دان به رسول الله)) (9) . وهنا نسأل: بماذا كان يدين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فمن المعلوم والثابت أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يدين بالحنيفية، أي: كان على ديانة التوحيد الإبراهيمية، وعلى شريعة جدّه إبراهيم الخليل(عليه السلام).. وفي هذا المعنى صرّح ابن حمدان في (نهاية المبتدئين) عن ابن عقيل: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولد مسلماً.. وعن الحافظ ابن رجب: أنّه ولد نبيّاً.. بل نسب الحافظ للإمام أحمد القول بولادة النبيّ على الإسلام (10) . وقال المسعودي: ((ذهب كثير من الناس إلى أنّه - أي: عليّ(عليه السلام)) - لم يشرك بالله شيئاً فيستأنف الإسلام، بل كان تابعاً للنبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) في جميع أفعاله، مقتدياً به، بلغ وهو على ذلك، وأنّ الله عصمه وسدّده ووفّقه لتبعيّته لنبيّه(عليه السلام)؛ لأنّهما كان غير مضطرّين ولا مجبورين على فعل الطاعات، بل مختارين قادرين، فاختارا طاعة الربّ، وموافقة أمره، واجتناب منهياته)) (11) . وعن المقريزي في (إمتاع الأسماع): ((أمّا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، فلم يشرك بالله قطّ، وذلك أنّ الله تعالى أراد به الخير، فجعله في كفالة ابن عمّه سيّد المرسلين محمّد(صلّى الله عليه وسلّم)، فعندما أتى رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) الوحي وأخبر خديجة(رضي الله عنها) وصدّقت، كانت هي وعليّ بن أبي طالب وزيد بن حارثة... - إلى أن قال:- فلم يحتج عليّ أن يُدعى، ولا كان مشركاً حتّى يوحّد؛ فيقال: أسلم... هذا هو التحقيق)) (12) . فكما ترى، هذا هو الحقّ عند أهل البحث والتتبّع والتحقيق، فما بال ابن تيمية يتغافل عن هذه الحقائق، ويصمّ أُذنيه عنها! ثمّ يأتي ويقول عن أمير المؤمنين، وسيّد المتّقين: بأنّه كان مشركاً ويعبد الأصنام، وأنّ حاله كحال الصبيان في قريش؟!! ما الذي يدفعه إلى إنكار هذه الحقيقة التاريخية الثابتة، التي صرّح بها جهابذة التاريخ، وأصحاب التتبّع والتحقيق، ليدّعي بجرّة قلم، هكذا مجرّد جرّة قلم: أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يعبد الأصنام كغيره!! وينأى بنفسه عن متابعة هذه الحقائق والأدلّة التاريخية، بل لا يكلّف نفسه حتّى مناقشتها، أو ردّها بشكل علمي سليم، ومع هذا نجده يصف نفسه، أو يصفه أتباعه بأنّه: شيخ الإسلام! فأي: شيخ الإسلام هذا، وهو يجانب الصواب في حقيقة معلومة ثابتة عند جميع المسلمين؟!! وبعد هذا، لا ندري كيف يفهم ابن تيمية، أو المدافعين عنه، قول المؤرّخين والمحدّثين والمفسّرين وعلماء الفقه والأُصول حين يذكرون اسم عليّاً(عليه السلام) ويردفونه بقولهم: (كرّم الله وجهه) (13) ؟! نقول: كيف يفهم المدافع عن ابن تيمية؟ بل كيف يعتقد أنّ ابن تيمية يفهم إطلاق هذه الصفة على عليّ(عليه السلام) عند هذا الجمع الكثير، والكثير جدّاً من المحدّثين والمفسّرين والمؤرخين والمحقّقين؟! فهل تراه يوصم هذا الجمع الكبير بالغفلة، وأنّهم لم يكونوا يعرفوا أنّ عليّاً(عليه السلام) كان يسجد للأصنام، وعرفه ابن تيمية وحده؟! أم أنّ هذا الإطلاق منهم بسبب التسالم المأخوذ يداً بيد، والذي لا شكّ ولا ريب فيه، بأنّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) لم يسجد لصنم قطّ، ولم يشرك بالله طرفة عين، وعندها لا تكون قيمة للتشكيك، لمجرّد التشكيك، أو الادّعاء أمام هذا التسالم الذي لا نظير له في هذه المسألة؟! إنّنا في الواقع لا نجد إلاّ تفسيراً واحداً لهذا السلوك من ابن تيمية، عرفناه في جملة كبيرة من أتباع المدرسة الأُموية، أنّه ليس سوى: البغض والكراهية، لا غير!! الثاني: تشكيكه في كون عليّ(عليه السلام) أوّل من أسلم، وأوّل من صلّى مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): قال في (منهاج السُنّة): ((قول القائل: عليّ أوّل من صلّى مع النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، ممنوع.. بل أكثر الناس على خلاف ذلك، وأنّ أبا بكر صلّى قبله)) (14) . نقول: نستعرض أوّلاً ما ورد من أحاديث وروايات في هذا الشأن، لنعرف حظّ ابن تيمية من العلم بها، ومقدار مصداقيته في دعواه المتقدّمة.. ثمّ بعد ذلك نسأل عن الداعي لما قال: عن سلمان، قال: ((إنّ أوّل هذه الأُمّة وروداً على نبيّها، أوّلها إسلاماً: عليّ بن أبي طالب)) (15) . قال الهيثمي: ((رواه الطبراني ورجاله ثقات)) (16) . قال عبد الله: وجدت في كتاب أبي بخطّ يده في هذا الحديث: (أما ترضين - الخطاب لفاطمة(عليها السلام) - أن أزوّجك أقدم أُمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً). قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، وفيه خالد بن طهمان وثّقه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله ثقات (17) . عن أبي إسحاق: أنّ عليّاً لمّا تزوّج فاطمة، قالت للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): زوّجتنيه أُعيمش، عظيم البطن؟ فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لقد زوّجتكه وإنّه لأوّل أصحابي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً). قال الهيثمي: رواه الطبراني، وهو مرسل صحيح الإسناد (18) . عن عليّ(عليه السلام): (اللّهمّ لا أعرف عبداً من هذه الأُمّة عَبدكَ قبلي غير نبيّك. ثلاث مرّات. لقد صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعاً) (19) . قال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى باختصار، والبزّار، والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن (20) . عن الحسن وغيره، قال: ((فكان أوّل من آمن عليّ بن أبي طالب، وهو ابن خمس عشرة، أو ستّ عشرة سنة)) (21) . قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (22) . عن عليّ(عليه السلام): (أنا أوّل من صلّى مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)). قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير حبّة العرني، وقد وثّق (23) . عن زيد بن أرقم: ((أوّل من أسلم مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّ بن أبي طالب(رضي الله تعالى عنه))) (24) . قال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد (25) . هذا غيض من فيض الأحاديث والروايات الصحيحة التي ذكرها المحدّثون وصحّحوها، الدالّة على أنّ أوّل من أسلم هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وللاستزادة: يراجع (موسوعة الغدير للعلاّمة الأميني(رحمه الله) ج3 ص219)، ليطالع مائة حديث بطرق مختلفة، وأسانيد معتبرة، من كتب أهل السُنّة، تروي: أنّ عليّاً(عليه السلام) هو أوّل من أسلم. ثمّ بعد هذا, لننظر إلى حال الدعوى الأُخرى - أي: أنّ أوّل من أسلم هو: أبو بكر- من حيث الصحّة أوّلاً، ومن حيث ادّعاء الأكثرية ثانياً: عن الشعبي، قال: سألت ابن عبّاس من أوّل من أسلم؟ قال ابن عبّاس: أما سمعت قول حسان بن ثابت: إذا تذكرت شجوا من أخ ثقة ***** فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها ***** إلاّ النبيّ وأوفاها لما حملا والثاني التالي المحمود مشهده ***** وأوّل الناس منهم صدّق الرسلا قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه الهيثم بن عدي، وهو متروك (26) . وعن ابن عمر، قال: ((أوّل من أسلم: أبو بكر)). قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه غير واحد ضعيف (27) . وعن زيد بن أرقم، قال: ((أوّل من صلّى مع النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم): أبو بكر)). قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه: غالب بن عبد الله بن غالب السعدي، ولم أعرفه (28) . وأمّا ما ورد في مسند أحمد من إنكار النخعي على قول زيد بن أرقم: أنّ أوّل من أسلم مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): عليّ بن أبي طالب، وقوله: أبو بكر هو أوّل من أسلم مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) (29) ، فـقد قال المباركفوري في (تحفة الأحوذي): ((لا وجه للإنكار! فإنّ أبا بكر أوّل من أسلم من الرجال، وعليّاً أوّل من أسلم من الصبيان)) (30) .. ونقل المباركفوري عن الحافظ - ابن حجر - قوله: ((قد اتّفق الجمهور على أنّ أبا بكر أوّل من أسلم من الرجال)) (31) . فهذا الاتّفاق عند جمهور أهل السُنّة ينسف دعوى ابن تيمية، ويدحض قوله: بأنّ أبا بكر صلّى قبل عليّ(عليه السلام)، وإنّ أكثر الناس على هذا القول.. ولا يراه القارئ له إلاّ مكابرة ومجانبة لما هو متّفق عليه عند أهل السُنّة بنقل كبار العلماء... ونحن لا نجد مبرّراً لهذا القول غير النفس ودواخلها، وإلاّ بماذا نبرّر التشكيك بالواضحات من قبل ابن تيمية في ما يتعلّق بعليّ(عليه السلام)، أجيبونا يرحمكم الله؟! بل نزيد ابن تيمية والمدافعين عنه علماً! أنّه حتّى هذه الدعوى المنسوبة للجمهور - أي: أنّ أبا بكر أوّل من أسلم من الرجال - هي محلّ نظر عند كبار المؤرّخين!! فقد روى الطبري بسند صحيح في (تاريخه): ((عن محمّد بن سعد، قال: قلت لأبي: أكان أبو بكر أوّلكم إسلاماً؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين، ولكن كان أفضلنا إسلاماً)) (32) ، ثمّ سرد بعد ذلك العديد من الأقوال التي تنفي تقدّم إسلام أبي بكر. على أنّ المتابع لكلمات ابن تيمية في (منهاج السُنّة) يجد الاضطراب واضحاً عنده في هذه المسألة - أي: كون أبو بكر أسلم قبل عليّ(عليه السلام)، وأنّ الأكثر على ذلك ــ: فتارة يعترف بإسلام عليّ(عليه السلام) قبل أبي بكر، كما في قوله الآتي: ((قول عليّ: (صلّيت ستّة أشهر قبل الناس)، فهذا ممّا يعلم بطلانه بالضرورة، فإنّ بين إسلامه وإسلام زيد وأبي بكر وخديجة يوماً أو نحوه، فكيف يصلّي قبل الناس بستّة أشهر)) (33) ؛ فهنا يعترف بإسلامه قبل أبي بكر، ولا ينقل قولاً على الخلاف! وفي موضع آخر يشكّك في ذلك ويقول: ((وتنازعوا في أوّل من نطق بالإسلام بعد خديجة، فإن كان أبو بكر أسلم قبل عليّ، فقد ثبت أنّه أسبق صحبة، كما أسبق إيماناً.. وإن كان عليّ أسلم قبله، فلا ريب أنّ صحبة أبي بكر للنبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) كانت أكمل وأنفع من صحبة عليّ ونحوه)) (34) ؛ فهنا يرددّ الأمر - مع التصريح بدعوى كون إسلامه بعد خديجة - ثمّ يفضّل إسلام أبي بكر على كلّ تقدير!! وفي موضع ثالث - وهو الموضع الذي نقلناه أوّل البحث - تراه ينسب القول بتقدّم إسلام أبي بكر إلى أكثر الناس، فيقول: ((إنّ قول القائل: عليّ أوّل من صلّى مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، ممنوع.. بل أكثر الناس على خلاف ذلك، وأنّ أبا بكر صلّى قبله)) (35) ؛ فلاحظ كيف يضطرب!! بل ممّا يبيّن شدّة اضطرابه وقوّة انحرافه عن عليّ(عليه السلام) وبغضه له: تشكيكه في أصل قبول إسلام الإمام عليّ(عليه السلام)، حين يقول: ((قوله - أي: العلاّمة الحلّي صاحب الكتاب الذي يردّ عليه ابن تيمية ــ: ((وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة))، ممنوع؛ فإنّ الناس متنازعون في أوّل من أسلم, فقيل: أبو بكر أوّل من أسلم، فهو أسبق إسلاماً من عليّ. وقيل: إنّ عليّاً أسلم قبله. لكن عليّ كان صغيراً، وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء. ولا نزاع في أنّ إسلام أبي بكر أكمل وانفع، فيكون هو أكمل سبقاً بالاتّفاق، وأسبق على الإطلاق على القول الآخر. فكيف يقال: عليّ أسبق فيه بلا حجّة تدلّ على ذلك؟)) (36) . والمغالطة في كلام ابن تيمية هنا واضحة؛ إذ الحديث هو عن الأسبقية لا عن الأكملية، فهذا محض التفاف على الواقع الخارجي بأي سبيل كان! ودعوى أنّ النزاع في إسلام الصبيّ، فهذا من عجائب الدعاوى! إذ كان عليّ(عليه السلام) في بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ينام ويأكل ويشرب ويلامس الأشياء بيده الرطبة في بيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلو كان إسلامه غير مقبول وكان باقياً على الكفر - لفرض كفر والديه كما يذهب إليه بعض أهل السُنّة - لكان على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يخرجه من بيته؛ لأنّ الكافر أو المشرك نجس، أو على الأقلّ يحذّره من ملامسة الأفرشة والأواني في بيته.. وكلّ هذا لم يحصل، ولم تسمع له أُذن من التاريخ من متفوّه به، بل كان إسلامه(عليه السلام) في صباه محض الإيمان، وعنوان الأخوّة للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وتمام الوصية، وإنجاز العدّة، وركن الخلافة؛ إذ قال له النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندما جمع عشيرته الأقربين في أوّل الدعوة، ودعاهم إلى الإسلام بأمر الله وأعرضوا عنه إلاّ عليّاً(عليه السلام): (هذا أخي ووصيّي وخليفتي، فاسمعوا له وأطيعوا).. رواه الطبري في (تاريخه) بطرق مختلفة وصحّحه (37) .. وأرسله ابن الأثير في (كامله) إرسال المسلّمات (38) .. وبلفظ أحمد - بسند صحيح ــ: (ويكون معي في الجنّة، ويكون خليفتي في أهلي) (39) .. فلو كان إسلام الصبيّ مشكوك فيه، أو غير مقبول، لما كان يصحّ صدور هذه الأقوال عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حقّ عليّ(عليه السلام).. فتدبّر ذلك, وتكفّل - أخي المسلم المنصف - في الردّ على ابن تيمية بنفسك! الثالث: تشكيكه بشجاعة عليّ(عليه السلام)، وأنّ أبا بكر وعمر أشجع منه: وقبل الحديث عن هذا المورد الذي شكّك فيه ابن تيمية، نشير إلى قضية: إنّنا في هذا المورد، وكذلك في الموردين السابقين، لم نناقش ابن تيمية إلاّ في تشكيكه بالمسلّمات والواضحات التي لم يختلف فيها المسلمون, بل ممّا اتّفق عليه أهل مذهبه وطائفته خاصّة، ليتّضح لهذا المدافع عن ابن تيمية - بل لكلّ شخص لم يتسنّ له الوقوف على حقيقة موقف ابن تيمية من أمير المؤمنين(عليه السلام) - الواقع الحقيقي لما يكنّه هذا الرجل لأمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)، وأنّه مصداق واضح لمبغض عليّ(عليه السلام)، وأنّه امتداد للروح الأُموية المعادية لأهل البيت(عليهم السلام). ففي مسألة أشجعية أمير المؤمنين(عليه السلام) والتي لم يشكّك فيها أحد، بل اشتهر أمرها عند المسلمين جميعاً كالشمس في رابعة النهار، يأتي ابن تيمية ليشكّك في هذه القضية الواضحة والمتسالمة عند المسلمين جيلاً بعد جيل.. يقول في (منهاج السُنّة): ((وإذا كانت الشجاعة المطلوبة من الأئمّة شجاعة القلب، فلا ريب أنّ أبا بكر كان أشجع من عمر، وعمر أشجع من عثمان وعليّ وطلحة والزبير... وكان يوم بدر مع النبيّ في العريش)) (40) . إذاً، الشجاعة هي شجاعة القلب، وإن أعطينا لعليّ(عليه السلام) شجاعة البدن، فأبي بكر وعمر كانت عندهم شجاعة القلب، وهي الشجاعة المطلوبة! فهنا نقول: هل لسائل يسأل عبقري زمانه هذا ويقول له: هل يمكن أن توجد شجاعة بدن من دون شجاعة قلب؟! وهل شجاعة البدن إلاّ تعبير حيّ عن شجاعة القلب؟! وهل تراه يستطيع هذا المدافع عن ابن تيمية - إتماماً لعمله في الدفاع عن شيخه - أن يذكر لنا مصداقاً واحداً لشجاعة البدن من دون شجاعة القلب؟ فإذاً، إذا كان عند أبي بكر وعمر شجاعة القلب فقط، فعند عليّ(عليه السلام) شجاعة البدن والقلب معاً، فلماذا هذا التشكيك، وهذا التفاضل غير المنطقي في هذه المسألة؟!! ثمّ من قال أنّ أبا بكر وعمر يمتلكان شجاعة القلب حقّاً؟ وإلاّ ما معنى قصّة التجبين التي يذكرها الرواة في حقّ عمر في قضية خيبر، بحيث عاد يجبّن أصحابه ويجبّنه أصحابه! وإليك الرواية التي صحّحها الحاكم ووافقه الذهبي: عن عليّ(رضي الله عنه)، قال: (سار النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى خيبر، فلمّا أتاها بعث عمر وبعث معه الناس إلى مدينتهم، أو قصرهم، فقاتلوهم، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه، فجاؤوا يجبّنونه ويجبّنهم، فسار النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)...) (41) ، ولهذا الحديث أسانيد أُخر (42) . فأين شجاعة القلب يا عبقري زمانه يا بن تيمية؟! وقبل هذا، كان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أرسل أبا بكر لفتح خيبر، فرجع مهزوماً أيضاً (43) ... وبعد رجوع الشيخين منهزمين - رغم شجاعة القلب المدّعاة لهما من قبل ابن تيمية، وبغضّ النظر عن الجبن الظاهر في الرواية التي صحّحها الحاكم والذهبي - بعث النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّاً(عليه السلام) إلى فتح خيبر، وقد كان قبلها أرمد العين لم يستطع المشاركة في البعثتين الأوّليتين، فدعاه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومسح على عينيه ودعا له بالشفاء، ثمّ أعطاه الراية وأمره بالتوجّه إلى خيبر لفتحها.. وكان قبل ذلك قد قال كلمة مأثورة ومهمّة جدّاً، نستفيد منها انزعاج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ظاهرة الفرار التي تكرّرت على يد الشيخين؛ إذ قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - كما ينقل ذلك محدّث الشام ابن عساكر -: (لأُعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرّار) (44) ، وعند أحمد: (ليس بفرّار) (45) .. وفي لفظ الحاكم: (لأبعثنّ غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّانه، لا يولّي الدبر، يفتح الله على يديه)، وصرّح بأنّ حديث الراية ممّا اتّفق على روايته الشيخان (46) .. وفي لفظ ابن أبي شيبة: (يفتح الله له، ليس بفرّار) (47) ، وفي لفظ النسائي في (السنن): (يحبّ الله ورسوله، لا يخزيه الله أبداً...) (48) . فهذه الألسنة المختلفة المنقولة عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأسانيد الصحيحة، والحسنة في بعضها، تدلّ دلالة واضحة على امتعاضه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ظاهرة الفرار والتخاذل والهزيمة، التي حصلت في المرتين الأوّليين على يد الشيخين أبي بكر وعمر، وإلاّ ما المسوّغ لهذه الألفاظ الإيحائية من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله: (كرّار غير فرّار)، وقوله: (ليس بفرّار)، وقوله: (لا يخزيه الله أبداً)، الواردة بعد حالتي الهزيمة التي حصلت على يد الشيخين؟! ونزيد ابن تيمية أيضاً: بأنّ الحديث الذي استند إليه في أشجعية أبي بكر لبقائه في العريش مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حديث ضعيف! قال الهيثمي فيه: ((رواه البزّار، وفيه من لم أعرفه)) (49) ، وهو أيضاً مكذوب بصحيحة ابن إسحاق التي جاء فيها: ((ورسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، متوشّح السيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخافون على كرّة العدو)) (50) . ثمّ بعد هذا نسأل ابن تيمية، وكلّ المسايرين له في التشكيك بالواضحات، ونقول لهم: فيمن نادى المنادي بين الأرض والسماء يوم أحد: (أن لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ) (51) ؟ فهل تراه سيخالف ابن تيمية، والمتابعون له، اللّغة العربية ودلالتها في إفادة الحصر ويقولون: إنّ النفي والاستثناء في النداء المذكور لا يفيدان الحصر؟! إنّنا في الواقع نتوقّع منهم ذلك.. فإذا كان اتّباع المتشابهات حالة مرضيّة، كما يشير إلى ذلك المولى سبحانه بقوله تعالى: (( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاء الفِتنَةِ وَابتِغَاء تَأوِيلِهِ )) (آل عمران:7)، فكيف بمن يشكّك بالواضحات، ويثير الفتن حولها؟! فأيّ مرض يحويه قلبه، وأيّ دغل وبُغض يكنّه لمولى كلّ مؤمن ومؤمنة بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟!! هذه في الواقع هي بضع مواضع يسيرة جدّاً جدّاً أردنا بيانها بما يسمح لنا به المجال، وإلاّ فهناك عشرات الكلمات والأقوال والمقاطع الموجودة في كتب ابن تيمية، التي تشير بوضوح إلى دخيلة قلب هذا الرجل، وسوء سريرته اتّجاه أمير المؤمنين(عليه السلام). ودمتم في رعاية الله