محمد الاسدي - الدانمارك
منذ 4 سنوات

مذهب ابن أبي الحديد

جاء في بعض أجوبتكم: الثابت أنّ ابن أبي الحديد معتزليّ المذهب في الأُصول، وحنفي المذهب بالفروع، ولذا يصحّ للإمامي أن يحتجّ بما يذكره في (شرح نهج البلاغة) على الطرف الآخر... وبما ذكرناه من مذهب ابن أبي الحديد لا يكون ما يذكره في كتبه حجّة للقوم على الشيعة الإمامية من جهة الإلزام، وإن كان يعدّ من علماء التاريخ والأدب المعتدلين غير المتعصّبين في ما ينقله ويحكم به. إذاً كيف نفسّر للعامّة ما قاله صاحب (روضات الجنّات ج5 ص19)(طبعة الدار الإسلامية في بيروت سنة 1411هـ) في ترجمة ابن أبي الحديد: ((...هو من أكابر الفضلاء المتتبّعين، وأعاظم النبلاء المتبحّرين، موالياً لأهل بيت العصمة والطهارة، وإن كان في زيّ أهل السُنّة والجماعة، منصفاً غاية الإنصاف في المحاكمة بين الفريقين...)). وكذا قول القمّي الذي ذكره بعض السائلين عن كتابه (الكنى والألقاب ج1 ص185) (1) ؟


الأخ محمدالمحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أوّلاً: إنّ الكلام في ترجمة رجل معيّن لتحديد هويته ومذهبه والفرقة التي ينتمي إليها, يتم عن طريق التحقيق في جمع أقوال أصحاب الرجال، وجمع القرائن والشواهد، وكذلك النظر في كلام نفس الشخص من خلال مؤلّفاته، وماذا يقول عن مذهبه، وإلى أيّ فرقة ينتسب, مع التفريق في كلّ ذلك بين ما صدر عن دافع مذهبي، وبين ما كان عن تحقيق وتمحيص. ولا يمكن نسبته إلى مذهب وفرقة معينة، من خلال قول واحد أو اثنين ممّن ترجموا له، خاصّة إذا كانوا من المتأخّرين. ثانياً: إنّ الكلام في مذهب وعقيدة ابن أبي الحديد مقطوع به، من حيث كونه معتزلياً عقيدة، وهذه أشعاره وكلماته طافحة بذلك، فضلاً عن اعتراف من ترجموا له. نعم، هو كان من مدرسة بغداد الاعتزالية، التي لها ميل ومحبّة لعليّ(عليه السلام) وانحراف عن أعدائه، ولذا كان لأعلامها علاقات جيّدة مع الشيعة, ولكن المحبّة والميل إلى طرف عليّ(عليه السلام) لا يسمّى تشيّعاً بالمعنى الدقيق العلمي، وإن تراه يطلق على كثيرين من أهل السُنّة في كتب أصحاب الرجال منهم، وخاصّة من الحنابلة، وبالأخص نواصبهم؛ فإنّهم يتّهمون كلّ من روى فضيلة لعليّ(عليه السلام) بأنّه: شيعي، كما قالوا عن الحاكم الحسكاني، والنسائي وعبد الرزّاق الصنعاني، وغيرهم. ثالثاً: أمّا كلام (صاحب الروضات)، فلو قرأته كاملاً، لَما وجدته خارجاً عن هذا المضمار، من كونه معتزلياً يحبّ ويفضّل علياً(عليه السلام) على أعدائه، وإن لم يكن دقيقاً في استعمال كلمة (موالياً لأهل البيت(عليه السلام))؛ لأنّ لها اصطلاح خاص يعرف به الشيعة، وإن كانت تدلّ لغةً على المحبّة والميل، ولكنّها اصطلاحاً تلازم عندنا التبرّي، فراجع كلامه بطوله ينكشف لك ما قاله. رابعاً: أمّا الكلام الآخر المنسوب للقمّي، فليس هو من كلامه، ولم نجده في (الكنى والألقاب)، إلاّ اللّهمّ عبارة: ((وتوفّي في بغداد سنة 655, يروي آية الله الحلّي، عن أبيه، عنه))، أمّا بقية ما ذكر فهو مأخوذ من ترجمة ابن أبي الحديد في أوّل كتاب (شرح نهج البلاغة).. ومحصّل كلام القمّي لو راجعته هو نفس ما قلنا فيه. خامساً: يبقى الكلام في صحّة وتمامية إلزام أهل السُنّة بكلامه, فإنّ الإلزام به يتم بعد إثبات سُنّيته ومعتزليته، وإفحام الخصم بذلك، وإن كان أغلب المخالفين الآن يحاولون رميه بالتشيّع، هرباً من ملازمات كلامه، ودوافع ذلك واضحة لا تحتاج إلى بيان. وعلى كلّ حال، فإنّ الكلام فيه وفي صحّة الإلزام بكلامه والاحتجاج به، هو نفس الكلام الذي يشمل جميع من كتبوا في الفضائل، أو أوردوا أحاديث الفضائل في كتبهم، من جهة انتسابهم لأهل السُنّة في حياتهم ورميهم بالتشيّع من قبل أصحاب الرجال الحنابلة، وإنكار سُنّيتهم من قبل دعاة الوهابية, فإنّ الشيعة ينسبونهم إلى السُنّة اعتماداً على ما ذكر في تراجمهم، وأصحاب الرجال السُنّة، كالذهبي، وابن حجر، ومن على مذهبهم يرمونهم بالتشيّع؛ لما رووه من أحاديث الفضائل؛ تخلّصاً من إلزامهم برواياتهم, فكأنّهم أصبحوا برزخاً بين الفرقتين! وهو حال كلّ من قال أو روى شيئاً يظهر منه محبّة أهل البيت(عليهم السلام)، أو الميل إليهم، وقد ذكرنا عدداً منهم وكتبهم ضمن عنواني (علم الرجال) و(الكتب)؛ فراجع. ودمتم في رعاية الله

1