م/ خليفة - السعودية
منذ 4 سنوات

مذهب ابن أبي الحديد

تعجبّت من أمر كيف خفي عليك! وهو أنّك وفي ضوء استشهادك بكتب أهل السُنّة قد اختلط عليك أمر مهم، وهو أنّك ذكرت مصادر لعلماء لا يعدّون من أهل السُنّة والجماعة.. بل ربّما عدّوا من الشيعة! وهذا كما تعلم لا يصحّ في مقام الاستدلال على المحاور المخالف.. لاحظ أخي ما يلي: قلت أنت: ((ويكفي في المقام ما يشير إليه ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدّمة شرحه لنهج البلاغة، إذ يعترف بالصراحة بأفضلية الإمام(عليه السلام) عليهما وعلى غيرهما، بعبارة: (الحمد لله الذي... وقدّم المفضول على الأفضل))). واسمح لي أن أقول: إنّ ابن أبي حديد لم يكن من أهل السُنّة والجماعة، بل كان شيعياً مغالياً، ثمّ تحوّل إلى معتزلي، وإليك بيان ذلك من أقوال علماء الشيعة: قال شيخكم الخوانساري: ((عز الدين بن أبي الحسن بن أبي الحديد المدائني.. صاحب (شرح نهج البلاغة) المشهور، وهو من أكابر الفضلاء المتتبّعين، وأعاظم النبلاء المتبحّرين، موالياً لأهل العصمة والطهارة... وحسب الدلالة على علوّ منزلته في الدين، وغلوّه في أمير المؤمنين(عليه السلام)، شرحه الشريف الجامع لكلّ نفيسة وغريب، والحاوي لكلّ نافحة ذات طيب)).(روضات الجنّات، للخوانساري ج5 ص21 - 20). وقال القمّي في كتابه (الكنى والألقاب): ((ولد في المدائن، وكان الغالب على أهل المدائن التشيّع والتطرّف والمغالاة، فسار في دربهم، وتقيّل مذهبهم، ونظم العقائد المعروفة بالعلويات السبع على طريقتهم، وفيها غالى وتشيّع، وذهب به الإسراف في كثير من الأبيات كلّ مذهب.. ثمّ ذكر القمّي بعض الأبيات التي قالهاً غالياً.. ثمّ خفّ إلى بغداد، وجنح إلى الاعتزال، وأصبح كما يقول صاحب (نسخة السحر) معتزلياً جاحظيّاً، في أكثر شرحه للنهج، بعد أن كان شيعياً غالياً. وتوفّي في بغداد سنة 655، يروى آية الله الحلّي عن أبيه عنه)).(الكنى والألقاب ج1 ص185).


الأخ المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أمّا قولك إنّ ابن أبي الحديد شيعي المذهب، فهذا غير صحيح؛ لعدّة أُمور: الأوّل: ما يذكره ابن أبي الحديد من الردّ على السيّد المرتضى ودفاعه عن خلافة الخلفاء الثلاثة، وأنّها خلافة شرعية. وانتصاره للرأي المخالف للشيعة في أغلب مواضع كتابه، لا يقوله شيعي، فضلاً عن أن يقوله مغالٍ في عليّ(عليه السلام).. فهل أنّ المغالي في عليّ(عليه السلام) يدفع الخلافة عنه إلى غيره، أم يثبتها له بمقتضى غلوّه؟!! الثاني: تصريحه الواضح بأنّه ليس بشيعي أو إمامي، بقوله في جميع فصول كتابه: ((وأصحابنا))، أو ((أمّا أصحابنا))، أو ((أقوال أصحابنا))، أو ((عند أصحابنا))، أو ((من أصحابنا))، أو ((ذكره أصحابنا)).. عند سرد الرأي المقابل لرأي الإمامية.. فهل يوجد دليل أدلّ من أن يذكر نفسه وأصحابه مقابل الإمامية؟!! فأين التشيّع، فضلاً عن الغلوّ؟! الثالث: قوله بعد ذكر رأي الشيعة: ((وتزعم الشيعة أنّ رسول الله...)) الخ: ((وهذا عندي غير منقدح...)) (1) ، فلو كان شيعياً لما أخرج نفسه عن معتقد الإمامية وقال: هذا عندي غير منقدح! الرابع: قوله في شرحه: ((فإن قلت: هذا نص صريح في الإمامة، فما الذي تصنع المعتزلة بذلك؟ قلت: يجوز أن يريد أنّه إمامهم - أي عليّ(عليه السلام) - في الفتوى والأحكام الشرعية، لا في الخلافة)) (2) ، فعليّ(عليه السلام)عنده كالفقيه، لا أنّه إمامهم بمعنى: أنّ الرسول نصّبه خليفة! فهنا نرى ابن أبي الحديد يدفع قول من يقول بأنّ خلافة عليّ(عليه السلام) بالنصّ، مع أنّ نكران النصّ على إمامة عليّ(عليه السلام) ليس من معتقدات الشيعة، فضلاً عن الغلاة! والقول بأنّ عليّ(عليه السلام) كأحد المجتهدين قول لا تقوله الإمامية قطعاً! وهناك كثير من تلك القرائن، فراجع كتابه شرح النهج، وخصوصاً في الأجزاء الأربعة الأُوَل. فإن قيل: إذاً على ماذا يحمل كلام الخوانساري؟ قلنا: إنّ الخوانساري اعتمد على حدسه واجتهاده، ومن الواضح أنّه في مجال التراجم لا يعتمد على النقل في ما لو كان منشأه الحدس والاجتهاد، بل على ما كان منشأه الحسّ، وقد تقدّم في ما ذكرنا من القرائن الأربعة على ما يؤكّد أنّ الخوانساري اعتمد على حدسه، ولا يُتّبع في ذلك. ثمّ إنّ الخوانساري لم يصرّح بأنّه من الإمامية، وإنّما قال: إنّه موالٍ! وهي كلمة يمكن أن تُأوّل. وأمّا ما نسبت للقمّي فهو فرية منك وخداع! حيث أتيت بكلام لمحقّق كتاب (شرح نهج البلاغة)، محمّد أبو الفضل إبراهيم (3) ، وأردفته بفقرة من كتاب القمّي (الكنى والألقاب)، وهي: ((وتوفي في بغداد سنة 655، يروى آية الله الحلّي عن أبيه عنه)) (4) ! مع أنّ القمّي يؤكد اعتزاله ويقول: ((كان مذهبه الاعتزال، كما شهد لنفسه في إحدى قصائده في مدح أمير المؤمنين( عليه السلام) بقوله: ورأيت دين الاعتزال وإنّني ***** أهوى لأجلك كلّ من يتشيّع)) (5) . وفي الختام، نودّ أن نبيّن أنّ هناك فرقاً بين الشيعي والمحبّ، فإنّ الشيعي: من يتّبع ويقفو أثر الأئمّة(عليهم السلام)، وأمّا المحبّ فهو: من لا يبغض آل محمّد، وسنذكر لك بعض الذين يحبّون آل محمّد إلاّ أنّهم ليسوا بشيعة، كما هو الكلام عن القندوزي، فلا يعدو أنّه محبّاً وليس شيعياً إمامياً، والحاكم النيسابوري، والنسائي، وعبد الرزّاق الصنعاني، والكنجي الشافعي، وغيرهم كثير، وعندها لا يمتنع الاحتجاج بكلام من يحبّ ولا يتّبع، فلأجل خلطك بين الشيعي والمحبّ نشأ عندك هذا التوهّم. وهنا ننبّه إلى شيء، وهو: إنّ إلصاق تهمة الرفض والتشيّع بكلّ من يذكر فضائل أهل البيت(عليهم السلام) حتّى تُردّ رواياتهم، منهج قديم اتّخذه كثير من أصحاب الرجال، وهو لا يخفى على من مارس كتبهم، ولا يسع المجال لبسط الكلام فيه. ودمتم في رعاية الله