الأخ حسن المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوّل من وجدناه اتّهم ابن العلقمي، هو عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي الدمشقي، المعروف بأبي شامة، ولد في دمشق سنة (596هـ)، وقتل فيها سنة (665هـ)، قال في كتابه (تراجم رجال القرنين السادس والسابع)، المعروف بـ(الذيل على الروضتين):
((ثمّ دخلت سنة ستّ وخمسين وستّمائة، ففي أوّلها في المحرّم استولى التاتار خذلهم الله على بغداد، فقتلوا ونهبوا وفعلوا ما جرت عادتهم عند استيلائهم على بلاد العجم، على ما ذكرناه في كتاب السيرة العلائية والجلالية، والأخبار في تفصيل ذلك كثيرة، استولى على الخليفة وأهله بمكيدة دبّرت مع وزير بغداد، فمن أحسن ما أنشد في ذلك بيت لابن التعاويذي: بادت وأهلوها معاً فبيوتهم **** ببقاء مولانا الوزير خراب)) (1) ومن مراجعة كتابه يعرف أنّه لم يكن مطّلعاً على أحوال العراق وأحداثه، فضلاً عن كونه متعصّب على الشيعة، يعظّم الأيوبيين، وخاصّة صلاح الدين، متحاملاً على الفاطميين، وهذا واضح جليّ في كتابه الآخر (الروضتين في أخبار الدولتين). وأنت ترى أنّه في هذه التهمة ليس شاهد حال، ولا نقل عن شاهد حال! وأخذ قطب الدين اليونيني البعلبكي (ت726هـ) ما قاله أبو شامة، ثمّ أضاف عليه من عنده، فقال: ((وفيها استولى التتار على بغداد والعراق بمكيدة دبّرت مع وزير الخليفة قبل ذلك، وآل الأمر إلى هلاك الخليفة وأرباب دولته، وقتل معظم أهل بغداد ونهبوا، وذلك في يوم الأربعاء عاشر صفر، قصد هولاكو بغداد وملكها،وقتل الخليفة المستعصم بالله(رحمه الله)، وما دهى الإسلام بداهية أعظم من هذه الداهية ولا أفظع، وسنذكر خبرها مجملاً إن شاء الله تعالى)). ثمّ قال: ((وفي سنة أربع وخمسين وستّمائة، تهيّأ هولاكو لقصد العراق، وسبب ذلك: أنّ مؤيّد الدين ابن العلقمي وزير الخليفة كان رافضياً، وأهل الكرخ روافض، وفيه جماعة من الأشراف، والفتن لا تزال بينهم وبين أهل باب البصرة، فإنّه لسبب التعصّب في المذاهب، فاتّفق أنّه وقع بين الفريقين محاربة، فشكى أهل باب البصرة، وهم سُنّيّة، إلى ركن الدين الداودار والأمير أبي بكر بن الخليفة، فتقدّما إلى الجند بنهب الكرخ، فهجموا ونهبوا وقتلوا، وارتكبوا العظائم، فشكى أهل الكرخ ذلك إلى الوزير، فأمرهم بالكفّ والتغاضي، وأضمر هذا الأمر في نفسه، وحصل عنده بسبب ذلك الضغن على الخليفة. وكان المستنصر بالله(رحمه الله) قد استكثر من الجند، حتّى قيل أنّه بلغ عدّة عسكره نحو مائة ألف، وكان منهم أُمراء أكابر يطلق على كلّ منهم لفظ: الملك، وكان مع ذلك يصانع التتار ويهاديهم، فلمّا ولي المستعصم أُشير عليه بقطع أكثر الجند، وإنّ مصانعة التتر وحمل المال إليهم يحصل به المقصود، ففعل ذلك وقلّل من الجند.
وكاتب الوزير ابن العلقمي التتر وأطمعهم في البلاد، وأرسل إليهم غلامه وأخاه، وسهّل عليهم ملك العراق، وطلب منهم أن يكون نائبهم في البلاد، فوعدوه بذلك..
وأخذوا في التجهيز لقصد العراق، وكاتبوا بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في أن يسيّر إليهم ما يطلبونه من آلات الحرب، فسيّر إليهم ذلك، ولمّا تحقّق قصدهم علم أنّهم إن ملكوا العراق لا يبقون عليه، فكاتب الخليفة سرّاً في التحذير منهم، وأنّه يعتد لحربهم، فكان الوزير لا يوصل رسله إلى الخليفة، ومن وصل إلى الخليفة منهم بغير علم الوزير أطلع الخليفة وزيره على أمره، فكان الشريف تاج الدين ابن صلايا نائب الخليفة بإربل، فسيّر إلى الخليفة من يحذّره من التتر، وهو غافل لا يجدي فيه التحذير، ولا يوقظه التنبيه لما يريده الله تعالى، فلمّا تحقّق الخليفة حركة التتر نحوه، سيّر شرف الدين بن محي الدين الجوزي رسولاً إليهم، يعدهم بأموال يبذلها لهم، ثمّ سيّر نحو مائة رجل إلى الدربند الذي يسلكه التتر إلى العراق، ليكونوا فيه ويطالعوه بالأخبار، فتوجّهوا ولم يأت منهم خبر؛ لأنّ الأكراد الذين كانوا عند الدربند دلّوا التتر عليهم، على ما قيل، فقتلوهم كلّهم)). إلى أن قال بعد أن ذكر نزول التتر على بغداد وكسرهم عسكر الخليفة: ((فحينئذ أشار ابن العلقمي الوزير على الخليفة بمصانعة ملك التتر ومصالحته، وسأله أن يخرج إليه في تقرير ذلك، فخرج وتوثّق منه لنفسه، ثمّ رجع إلى الخليفة وقال: إنّه قد رغب أن يزوّج ابنته من ابنك الأمير أبي بكر، ويبقيك في منصب الخلافة، كما أبقى سلطان الروم في سلطنة الروم، لا يؤثر إلاّ أن تكون الطاعة له، كما كان أجدادك من السلاطين السلجوقية، وينصرف بعساكره عنك، فتجيبه إلى هذا؛ فإنّ فيه حقن دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد.. وحسّن له الخروج إليه، فخرج في جمع من أكابر أصحابه، فأُنزل في خيمة، ثمّ دخل الوزير، فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا عقد النكاح في ما أظهره، فخرجوا، فقتلوا، وكذلك صار يخرج طائفة بعد طائفة، ثمّ مدّ الجسر وغدا بانجونوين ومن معه وبذل السيف في بغداد، فقتل كلّ من ظهر، ولم يسلم منها إلاّ من هرب، أو كان صغيراً؛ فإنّه أُخذ أسيراً، واستمر القتل والنهب نحو أربعين يوماً، ثمّ نودي بالأمان، فظهر من كان اختفى، وقتل سائر الذين خرجوا إلى هولاكو من القضاة والأكابر والمدرّسين.
وأمّا الوزير ابن العلقمي فلم يتم له ما أراد، ومات بعد مدّة يسيرة، ولقاه الله تعالى ما فعله بالمسلمين، ورأى قبل موته في نفسه العبر والهوان والذلّ ما لا يعبّر عنه)) (2) . وأنت ترى أنّ اليونيني هذا شامي أخذ من شامي قبله - كما هو واضح في عدّة أماكن من كتابه - وأضاف من عنده مارتّبه من وقائع تخدم غرضه! والاثنان متعصّبان مبغضان للشيعة.
فهذا الأخير ينقل عند ذكره لحادثة حريق المسجد النبوي في سنة أربع وخمسين وستّمائة هذه الأبيات: لم يحترق حرم النبيّ لحادث **** يخش عليه ولا دهاه العار
لكنّما أيدي الروافض لامست **** ذاك الجناب فطهّرته النار وقال معين الدين بن تولوا المعزيّ: قل للروافض بالمدينة ما لكم **** يقتادكم للذمّ كلّ سفيه
ما أصبح الحرم الشريف محرّقاً **** إلاّ لذمّكم الصحابة فيه (3) فانظر لهؤلاء الجهّال المتعصّبين، كيف استساغت ضمائرهم احتراق المسجد النبوي والقبّة الشريفة حفاظاً على كرامة الصحابة بزعمهم، بل لتطهيرها من ملامسة أيدي الروافض؟!!
فإن ظهر هذا الأمر على ألسنتهم في ذلك الزمان، فقد وقع بأيديهم في هذا الزمان، فهدموا قباب البقيع وغيرها إلى هذا الوقت، وراموا هدم القبّة الشريفة، وبعضهم يظهر رغبته بهذا الآن!! وما ذاك إلاّ لأنّ الهوى والدافع واحد، ألا هو العداء الأُموي الذي توطّن في الشام وظهر الآن في نجد. وابن تيمية (ت728هـ) رضع من هذا الثدي، فأخذ ما قاله أبو شامة، وما شاع في الشام، فزرعه في منهاجه، وسقاه ممّا يعتمل في نفسه من بغض وعصبية على الشيعة؛ قال:
((ولهذا لمّا خرج الترك والكفّار من جهة المشرق، فقاتلوا المسلمين، وسفكوا دماءهم ببلاد خرسان والعراق والشام والجزيرة وغيرها، كانت الرافضة معاونة لهم على قتال المسلمين، ووزير بغداد المعروف بالعلقمي هو وأمثاله كانوا من أعظم الناس معاونة لهم على المسلمين)) (4) .
وانت تراه هنا اتّهم كلّ الرافضة، وليس ابن العلقمي فقط، بأنّهم كانوا يعاونون التتر من أوّل خروجهم!!
وقال: ((كما جرى لجنكزخان ملك التتر الكفّار, فإنّ الرافضة أعانته على المسلمين. وأمّا إعانتهم لهولاكو ابن ابنه لمّا جاء إلى خراسان والعراق والشام، فهذا أظهر وأشهر من أن يخفى على أحد, فكانوا بالعراق وخراسان من أعظم أنصاره ظاهراً وباطناً, وكان وزير الخليفة ببغداد الذي يقال له ابن العلقمي منهم, فلم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين، ويسعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين وضعفهم، وينهى العامّة عن قتالهم، ويكيد أنواعا من الكيد، حتّى دخلوا فقتلوا من المسلمين ما يقال: إنّه بضعة عشر ألف ألف إنسان, أو أكثر أو أقل)) (5) .
وأنت ترى أنّ هذا الكلام بالعموميات دون الأدلّة والشواهد، والتعميم لكلّ الرافضة، ولكلّ وقائع خروج التتر، لا دافع له إلاّ التعصّب. وقال أيضاً: ((وهكذا يعرف الناس عامّة وخاصّة ما كان بالعراق، لمّا قدم هولاكو إلى العراق وقتل الخليفة وسفك فيها من الدماء ما لا يحصيه إلاّ الله، فكان وزير الخليفة ابن العلقمي والرافضة هم بطانته الذين أعانوه على ذلك بأنواع كثيرة، باطنة وظاهرة يطول وصفها)) (6) . وأشار إلى ذلك في عدّة مواضع أُخر من كتبه. ثمّ جاء أبو الفداء، صاحب حماة (ت732هـ)، وهو من نسل الأيوبيين، فكرّر فقرات من كلام اليونيني؛ قال في أحداث سنة ستّ وخمسين وستّمائة: ((في أوّل هذه السنة قصد هولاكو ملك التتر بغداد، وملكها في العشرين من المحرّم، وقتل الخليفة المستعصم بالله، وسبب ذلك: أنّ وزير الخليفة مؤيّد الدين ابن العلقمي كان رافضياً، وكان أهل الكرخ أيضاً روافض، فجرت فتنة بين السُنّيّة والشيعة ببغداد على جاري عادتهم، فأمر أبو بكر ابن الخليفة وركن الدين الدوادار العسكر فنهبوا الكرخ وهتكوا النساء وركبوا منهن الفواحش، فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي، وكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد، وكان عسكر بغداد يبلغ مائة ألف فارس، فقطعهم المستعصم ليحمل إلى التتر متحصّل إقطاعاتهم، وصار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس، وأرسل ابن العلقمي إلى التتر أخاه يستدعيهم، فساروا قاصدين بغداد في جحفل عظيم)).. إلى أن قال: ((وخرج مؤيّد الدين الوزير ابن العلقمي إلى هولاكو، فتوثّق منه لنفسه وعاد إلى الخليفة المستعصم، وقال: إنّ هولاكو يبقيك في الخلافة كما فعل بسلطان الروم، ويريد أن يزوّج ابنته من ابنك أبي بكر. وحسّن له الخروج إلى هولاكو، فخرج إليه المستعصم في جمع من أكابر أصحابه، فأنزل في خيمة، ثمّ استدعى الوزير الفقهاء والأماثل، فاجتمع هناك جميع سادات بغداد والمدرّسون، وكان منهم: محي الدين ابن الجوزي وأولاده، وكذلك بقي يخرج إلى التتر طائفة بعد طائفة، فلمّا تكاملوا قتلهم التتر عن آخرهم)) (7) .
وأنت ترى أنّه كلام اليونيني مختصراً!
ونقل الذهبي (ت748هـ) كلام اليونيني في مختلف كتبه وفي بعض المواضع يشير إليه (8) . ولم يوفّره من التهمة كلّما ذكره، بل في بعضها زاد في شتمه (9) . ثمّ أخذ أحدهم ينقل من الآخر ويزيد عليه، كالسبكي في (طبقات الشافعية) (10) ، والصفدي في (الوافي بالوفيات) (11) ، وابن شاكر الكتبي في (فوات الوفيات) (12) ، واليافعي في (مرآة الجنان) (13) ، وابن كثير في (البداية والنهاية) (14) ، وابن خلدون في (تاريخه) (15) ، والدميري في (حياة الحيوان) (16) ، والقلقشندي في (مآثر الأنافة) (17) ، وابن الوردي في (تاريخه) (18) ، والعيني في (عقد الجمان) (19) ، ويوسف بن تغري بردي الأتابكي في (النجوم الزاهرة) (20) ، والسيوطي في (تاريخ الخلفاء) (21) ، وابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) (22) ، وغيرهم من المتعصّبين ممّن أخذ واحد عن الآخر. وأنت ترى أنّ أوّل من اتّهم ابن العلقمي بعض الشاميين المتعصّبين، وأخذ منهم من جاء بعدهم من الشاميين والمصريين، مقابل من لم يتّهمه من المؤرّخين، بل برّأه، من العراقيين أو المحايدين المعاصرين، وأنّ تصوير الوقائع وتسلسلها وأسبابها مختلف بين الفريقين مع فقدان لشهود العيان عند الشاميين المتّهمين. ويكفي في ردّ تهمة الشاميين ردّ ما ذكره اليونيني؛ فإنّه أوّل من رتّب الوقائع وصوّرها بما يؤدّي غرضه من اتّهام ابن العلقمي، وتبعه الآخرون عليه، ونذكر في بيان ذلك نقاط:
الأُولى: إنّ كلّ الذين اتّهموا ابن العلقمي بالخيانة، وأوّلهم اليونيني، أرّخوا وقوعها بعد حادثة استباحة الكرخ من قبل قائد الجيش الخليفي الدويدار وابن الخليفة أبو بكر سنة (654هـ)، وبعضهم أرّخها في سنة (655هـ)، وإنّ ابن العلقمي ضغن على الخليفة وقائده، فراسل هولاكو وأطمعه بفتح بغداد.
مع أنّ المؤرّخين المعاصرين لسقوط بغداد من المسلمين وغيرهم، ومؤرّخي الدولة المغولية، وبعض ممّن اتّهم ابن العلقمي ذكروا أنّ تحرّك هولاكو لغزو البقاع الغربية كان بأمر أخيه الإمبراطور منكوخان في سنة 651هـ.
قال ابن العبري (ت685هـ): وفي سنة إحدى وخمسين وستّمائة توجّه هولاكو ايلخان من نواحي قراقورم إلى البلاد الغربية، وسيّر معه مونكاكا قاآن الجيوش من كلّ عشرة اثنين (23) .
وجاءت الإشارة إلى هذه الأوامر العليا من الإمبراطور في كتاب (التاريخ الصيني للأُسرة المغولية)، وفي التقرير الذي رفعه جانغ ته رسول الإمبراطور إلى أخيه هولاكو (24) .
وقال المقريزي في أحداث سنة خمسين وستّمائة: ((وفيها وردت الأخبار بأنّ منكوخان ملك التتر سيّر أخاه هولاكو لأخذ العراق، فسار وأباد أهل بلاد الإسماعيلية قتلاً ونهباً وأسراً وسبياً ... المزید)) (25) .
فعلى ما قاله المقريزي أنّ أخبار حملة هولاكو والأوامر الصادرة إليه كانت معروفة قبل أن تحدث فتنة اجتياح الكرخ ببغداد بحوالي أربع سنوات.
وقال ابن خلدون: وبعث أخاه هولاكو لتدويخ عراق العجم وقلاع الإسماعيلية - ويسمّون: الملاحدة - والاستيلاء على ممالك الخليفة. ثمّ قال: ولمّا بعث منكوفان أخاه إلى العراق فسار لذلك سنة ثنتين وخمسين وستّمائة)) (26) .
بل إنّ التهديد بغزو العراق كان من قبل الإمبراطور السابق كيوك خان لرسول الخليفة سنة (644هـ) (27) ؛ بل إنّهم غزو بغداد قبل عشرين سنة من سقوطها ووصلوا إلى خانقين، وذلك سنة 635هـ وهزموا جيش الخلافة وغنموا الغنائم الكثيرة، ولو أرادوا أن يفتحوها لفتحوها قبل أن يتولّى ابن العلقمي الوزارة (28) . وأمّا من ألقى في روع منكو خان أن يغزو بلاد الإسلام بحجّة القضاء على الإسماعيلية الملاحدة فكان قاضي القضاة شمس الدين القزويني السُنّي، بل وفداً من أهل قزوين السُنّة.
نقل حسن الأمين عن تاريخ الجوزجاني (طبقات ناصري): ((إنّ شمس الدين هذا كان على اتّصال بالمغول، وكان إماماً وعالماً كبيراً، ذهب مرّة إلى منكو خان وطلب منه أن يضع حداً لشرّ الملاحدة ويخلّص الناس من فسادهم)).
ونقل أيضاً عن الجوزجاني: ((إنّ كلمات هذا القاضي كان لها أثر عميق في نفس منكوخان؛ إذ نسب إليه الضعف والعجز، لأنّه لم يستطع أن يستأصل شأفة هذه الطائفة التي تدين بدين يخالف ديانات المسيحيين والمسلمين والمغول، وما ذلك إلاّ لأنّهم (الإسماعيلية) استطاعوا أن يغروا منكو خان بالمال، بينما هم يتحيّنون فرصة ضعف دولته فيخرجون من الجبال والقلاع ليقضوا على البقية الباقية من المسلمين، ويعفوا آثارهم)) (29) .
ويقول ابن خلدون: ((واستقل منكوفان بالتخت، وولّى أولاد جفطاي عمّه على ما وراء النهر إمضاءً لوصية جنكزخان لأبيهم التي مات دونها، ووفد عليه جماعة من أهل قزوين وبلاد الجبل يشكون ما نزل بهم من ضرر الإسماعيلية وفسادهم، فجهّز أخاه هولاكو لقتالهم واستئصال قلاعهم، فمضى لذلك وحسّن لأخيه منكوفان الاستيلاء على أعمال الخليفة، فأذن له فيه)) (30) .
وذكر ذلك ابن الطقطقي في (الفخري)؛ قال: ((وما زال الملاحدة على ذلك حتّى كان من أمر شمس الدين قاضي قزوين وتوجهه إلى قان وإحضار العسكر، وتخريب قلاع الملاحدة ما كان)) (31) . الثانية: زعم أنّ المستنصر قد استكثر من الجند، ونسب إلى القيل: (بأنّه بلغ عدّة عسكره نحو مائة ألف)، وسنرى أنّ هذا القيل سيتحول إلى حقيقة واقعية عنده وعند من جاء بعده من المؤرّخين (32) .
ولكن هذا الزعم لا يصمد أمام البحث التاريخي! فإنّ غارات التتر على العراق كانت مستمرة في زمن المستنصر بالله، حتّى انقطع حجّ العراقيين سنين بسببهم، فأين كان هذا الجيش المعدود بمائة ألف؟!
وقد هاجم التتار إربل والموصل سنة (632هـ)، وأخذوا إربل في سنة (634هـ) (33) .
وفي سنة (635هـ) غزا التتر بغداد ووصلوا إلى سر من رأى، وهزمهم جيش الخليفة، وفي آخرها عادوا إلى بغداد ووصلوا إلى خانقين، وهزموا جيش الخليفة وقتل منه خلق كثير (34) .
قال الذهبي في (العبر) في أحداث سنة (635هـ): ((وفيها وصلت التتار إلى دقوقا تنهب وتسبى وتفسد، فالتقاهم الأمير بكلك الخليفتي في سبعة آلاف والتتار في عشرة آلاف فانهزم المسلمون)) (35) ، وقال أيضاً في تاريخه: ((ولم يحج أحدٌ أيضاً في العام من العراق بسبب كسرة التتار لعسكر الخليفة، وأخذ إربل في السنة الماضية)) (36) ، وقال في أحداث سنة (637هـ) ((ولم يحج ركب العراق في هذه السنين للاهتمام بأمر التتار)) (37) . وأمّا زمن المستعصم، فإنّ الجيش أصبح أضعف ممّا كان في زمن أبيه؛ لأنّ المستعصم ومستشاريه من أرباب دولته قطعوا أرزاق الجند، وجمعوا الأموال بحجّة مصانعة التتر، وهنا جاء دور متعصّبي المؤرّخين لاتّهام ابن العلقمي بهذا الفعل! فهذا اليونيني يقول: ((وكان المستعصم بالله متديناً متمسّكاً بمذهب أهل السُنّة والجماعة على ما كان عليه والده وجدّه(رحمهما الله تعالى)، (سنرى حقيقة تديّنه لاحقاً! إلاّ إذا كان يقصد بتمسّكه بمذهب أهل السُنّة هو ووالده وجدّه معاداته للشيعة، الذي يكشف عنها أمره باستباحة الكرخ سنة 654هـ؛ فإنّ المراد بمذهب أهل السُنّة عند مؤرّخي الشام، وخاصّة الحنابلة، هو: سُنّة معاوية بن أبي سفيان من النصب) ولم يكن على ما كان عليه من التيقّظ وعلوّ الهمّة، فإنّ والده المستنصر بالله كان ذا همّة عالية، وشجاعة وافرة، ونفس أبيّة، وعنده إقدام عظيم، واستخدم من العساكر ما يزيد على مائة ألف، (لقد عرفنا كذب قصّة المائة ألف ممّا سبق، وقد سوّقها سابقاً بالقيل وجعلها بعد ذلك هنا حقيقة راسخة!) وقصد التتر بلاد العراق في أيامه، فلقيهم عسكره وانتصف منهم وهزمهم: (وهذه كذبة أُخرى من كذباته رأينا حقيقتها سابقاً). وكان للمستنصر بالله أخ يعرف بالخفاجي يزيد عليه في الشجاعة والشهامة، وكان يقول: إن ملّكني الله تعالى أمر الأُمّة لأعبرنّ بالعساكر نهر جيحون وانتزع البلاد من التتار وأفنيهم قتلاً وأسراً وسبياً، فلمّا توفّي المستنصر لم ير الدوادار والشرابي، وكانا غالبين على الأمر، ولا بقية أرباب الدولة على تقليده الخلافة خوفاً منه، ولِما يعلمون منه استقلاله بالأمر واستبداده بالتدبير دونهم، وآثروا أن يليها المستعصم بالله، لِما يعلمون من لينه وانقياده، ليكون الأمر إليهم، فاتّفق رأي أرباب الدولة على تقليد المستعصم بالله الخلافة بعد أبيه، فتقلّدها واستبدّوا بالتدبير، ثم ركن إلى وزيره مؤيّد الدين العلقمي، فأهلك الحرث والنسل، وحسّن له جمع الأموال، والاقتصار على بعض العساكر، وقطع الباقين، فوافقه على ذلك، وكان فيه شح وحبّ لجمع المال، فوافق ما أشار به الوزير وغيره عليه من ذلك ما في نفسه)) (38) . وقال أبو الفداء: ((وكان عبد الله المستعصم ضعيف الرأي، فاستبدّ كبراء دولته بالأمر، وحسّنوا له قطع الأجناد، وجمع المال، ومداراة التتر، ففعل ذلك وقطع أكثر العساكر)) (39) . فإذا كان من ولّى المستعصم من كبراء الدولة، كالشرابي قائد الجند، والدويدار، مستبدّين بالأمر، فما ذنب ابن العلقمي الذي استوزر بعد سنتين، أي في سنة (642هـ) (40) ؛ فقد بويع المستعصم في العاشر من جمادى الآخرة سنة (640هـ) (41) ، وبدأ التقتير في إقطاعات الجند بعد أقلّ من شهرين في شعبان من سنة (640هـ)، وكان المتولّي لذلك شرف الدين إقبال الشرابي قائد الجند! قال ابن الفوطي في حوادث سنة (640هـ): ((وفي شعبان حضر جماعة المماليك الظاهرية والمستنصرية عند شرف الدين إقبال الشرابي للسلام على عادتهم، وطلبوا الزيادة في معايشهم، وبالغوا في القول، وألحّوا في الطلب، فحرّد عليهم، وقال: ما نزيدكم بمجرد قولكم، بل نزيد منكم من نزيد إذا أظهر خدمة يستحقّ بها.. فنفروا على فورهم إلى ظاهر السور، وتحالفوا على الاتّفاق والتعاضد، فوقع التعيين على قبض جماعة من أشرارهم، فقبض منهم اثنان وامتنع الباقون، وركبوا جميعاً وقصدوا باب البدرية، ومنعوا الناس من العبور، فخرج إليهم مقدّم البدرية وقبّح لهم هذا الفعل، فلم يلتفتوا إليه، فنفذ إليهم سنجر الياغر فسألهم عن سبب ذلك؟ فقالوا: نريد أن يخرج أصحابنا وتزاد معايشنا. فأنهى سنجر ذلك إلى الشرابي، فأعاد عليهم الجواب: أنّ المحبوسين ما نخرجهما، وهم مماليكنا نعمل بهم ما نريد، ومعايشكم ما نزيدها، فمن رضي بذلك يقعد، ومن لم يرض وأراد الخروج من البلد فنحن لا نمنعه. وطال الخطاب في ذلك إلى آخر النهار، ثم مضوا وخرجوا إلى ظاهر البلد، فأقاموا هناك مظهرين للرحيل، فبقوا على ذلك أياماً، فاجتمع بهم الشيخ السبتي الزاهد، وعرّفهم ما في ذلك من الإثم ومخالفة الشرع، فاعتذروا وسألوه الشفاعة لهم، وأن يحضر لهم خاتم الأمان ليدخلوا البلد، فحضر عند الشرابي وعرّفه ذلك، وسأله إجابة سؤالهم، فأخرج لهم خاتم الأمان مع الأمير شمس الدين قيران الظاهري والشيخ السبتي، فدخلوا والشيخ راكب حماره بين أيديهم، وحضروا عند الشرابي معتذرين، فقبل عذرهم.. وكانت مدّة مقامهم بظهر السور سبعة أيام)) (42) .
مع أنّهم يصرّحون أنّ ابن العلقمي كان مخلصاً في خدمة الخليفة، وما تغيّر عليه وراسل هولاكو وبدأ تسريح الجند وإضعاف الجيش كما تزعمون، إلاّ بعد حادثة انتهاك الكرخ سنة (654هـ). قال الصفدي في (الوافي بالوفيات): ((محمّد بن محمّد بن علي، أبو طالب الوزير المدبّر، مؤيّد الدين ابن العلقمي البغدادي الرافضي، وزير المستعصم، ولِي الوزارة أربع عشرة سنة، فأظهر الرفض قليلاً، وكان وزيراً كافياً خبيراً بتدبير الملك، ولم يزل ناصحاً لأُستاذه حتّى وقع بينه وبين الدوادار؛ لأنّه كان يتغالى في السُنّة، وعضده ابن الخليفة، فحصل عنده من الضغن ما أوجب له أنّه سعى في دمار الإسلام، وخراب بغداد، على ما هو مشهور؛ لأنّه ضعف جانبه وقويت شوكة الدوادار بحاشية الخليفة، حتّى قال في شعره (الطويل): وزير رضى من بأسه وانتقامه ***** بطيّ رقاع حشوها النظم والنثر
كما تسجع الورقاء وهي حمامة**** وليس لها نهي يُطاع ولا أمر وأخذ يكاتب التتار إلى أن جرّ هولاكو وجرّأه على أخذ بغداد، وقرّر مع هولاكو أُموراً انعكست عليه، وندم حيث لا ينفعه الندم)) (43) . وقال ابن كثير في حوادث سنة (656هـ): ((فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية، وجيوش بغداد في غاية القلّة ونهاية الذلّة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وهم وبقية الجيش، كلّهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم|، حتّى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله، وذلك كلّه عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي، وذلك أنّه لمّا كان في السنة الماضية كان بين أهل السُنّة والرافضة حرب عظيمة، نهبت فيها الكرخ ومحلّة الرافضة، حتّى نهبت دور قرابات الوزير، فاشتدّ حنقه على ذلك، فكان هذا ممّا أهاجه على أن دبّر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع، الذي لم يؤرّخ أبشع منه منذ بنيت بغداد، وإلى هذه الأوقات)) (44) . ولكن المؤرّخين المنصفين أرّخوا لتسريح الجند قبل هذه الحادثة بسنوات:
قال ابن الفوطي في حوادث سنة (650هـ): ((وفيها فارق كثير من الجند بغداد لانقطاع أرزاقهم، ولحقوا ببلاد الشام)) (45) .
بل إنّ ابن العلقمي كان يصرّ على صرف الأموال لبناء الجيش، فوقفت أمامه حاشية الخليفة، ومنعوه من الصرف، واتّهموا ابن العلقمي بأنّه يريد أن يأخذ من الأموال لنفسه. قال ابن الطقطقي في (الفخري) في ترجمة المستعصم بالله: ((وفي آخر أيامه قويت الأراجيف بوصول عسكر المغول صحبة السلطان هولاكو، فلم يحرّك ذلك منه عزماً، ولا نبَّه منه همّةً، ولا أحدث عنده همّاً، وكان كلّما سمع عن السلطان من الاحتياط والاستعداد شيء، ظهر منه نقيضه من التفرّط والإهمال، ولم يكن يتصوّر حقيقة الحال في ذلك، ولا يعرف هذه الدولة يسّر الله إحسانها وأعلى شأنها، حقّ المعرفة. وكان وزيره مؤيّد الدين ابن العلقمي يعرف حقيقة الحال في ذلك، ويكاتبه بالتحذير والتنبيه، ويشير عليه بالتيقّظ والاحتياط والاستعداد، وهو لا يزداد إلاّ غفولاً، وكان خواصّه يوهمونه أنّه ليس في هذا كبير خطر، ولا هناك محذور، وأنّ الوزير إنّما يعظّم هذا لينفق سوقه، ولتبرز إليه الأموال ليجنّد بها العساكر، فيقتطع منها لنفسه)) (46) . وهذا حال كلّ شريف عفيف كفؤ يكون له من يحسده ويتّهمه ويعاديه، وابن الطقطقي يشرح حال الخليفة وبطانته وحال الوزير أحسن شرح:
قال: ((كان المستعصم رجلاً خيّراً متديناً، ليّن الجانب، سهل العريكة، عفيف اللسان، حمل كتاب اللّه تعالى، وكتب خطاً مليحاً، وكان سهل الأخلاق، وكان خفيف الوطأة، إلاّ أنّه كان مستضعف الرأي، ضعيف البطش، قليل الخبرة بأُمور المملكة، مطموعاً فيه، غير مهيب في النفوس، ولا مطّلع على حقائق الأُمور، وكان زمانه ينقضي أكثره بسماع الأغاني والتفرّج على المساخرة، وفي بعض الأوقات يجلس بخزانة الكتب جلوساً ليس فيه كبير فائدة، وكان أصحابه مستولين عليه، وكلّهم جهّال من أراذل العوام، إلاّ وزيره مؤيّد الدين محمّد ابن العلقمي، فإنّه كان من أعيان الناس، وعقلاء الرجال، وكان مكفوف اليد، مردود القول، يترقّب العزل والقبض صباح مساء)) (47) . ثمّ قال في شرح وزارة ابن العلقمي: ((اشتغل في صباه بالأدب، ففاق فيه، وكتب خطاً مليحاً، وترسّل ترسّلاً فصيحاً، وضبط ضبطاً صحيحاً، وكان رجلاً فاضلاً كاملاً لبيباً، كريماً وقوراً، محبّاً للرئاسة، كثير التجمّل، رئيساً متمسّكاً بقوانين الرئاسة، خبيراً بأدوات السياسة، لبيق الأعطاف بآلات الوزارة، وكان يحبّ أهل الأدب، ويقرّب أهل العلم، اقتنى كتباً كثيرة نفيسة)). إلى أن قال: ((وكان مؤيّد الدين الوزير عفيفاً عن أموال الديوان وأموال الرعية، متنزّهاً مترفّعاً. قيل: إنّ بدر الدين صاحب الموصل أهدى إليه هدية تشتمل على كتب وثياب ولطائف قيمتها عشرة آلاف دينار، فلمّا وصلت إلى الوزير حملها إلى خدمة الخليفة، وقال: إنّ صاحب الموصل قد أهدى لي هذا واستحييت منه أن أردّه إليه، وقد حملته وأنا أسأل قبوله، فَقَبل. ثم إنّه أهدى إلى بدر الدين عوض هديته شيئاً من لطائف بغداد قيمته اثنا عشر ألف دينار، والتمس منه ألاّ يهدي إليه شيئاً بعد ذلك. وكان خواص الخليفة جميعهاً يكرهونه ويحسدونه، وكان الخليفة يعتقد فيه ويحبّه وكثروا عليه عنده، فكفّ يده عن أكثر الأُمور، ونسبه الناس إلى أنّه خامر، وليس ذلك بصحيح)) (48) . وقال عند كلامه عن الأُمور التي يكره للملك الانهماك فيها: ((وكان المستعصم آخر الخلفاء، شديد الكلف باللهو واللعب وسماع الأغاني، لا يكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعة واحدة، وكان ندماؤه وحاشيته جميعهم منهمكين معه على التنعّم واللذات، لا يراعون له صلاحاً، وفي بعض الأمثال: (الحائن لا يسمع صياحاً)، وكتبت له الرقاع من العوام، وفيها أنواع التحذير، وأُلقيت فيها الأشعار في أبواب دار الخلافة، فمن ذلك: قل للخليفة مهلاً **** أتاك ما لا تحبُّ
ها قد دَهَتكَ فنونٌ **** من المصائب غُربُ
فانهض بعزم وإلاّ **** غَشَّاكَ ويلٌ وحَربُ
كسرٌ وهتكٌ وأسرٌ **** ضَربٌ ونَهبٌ وسَلبُ(مجتت) وفي ذلك يقول بعض شعراء الدولة المستعصمية من قصيدة أوّلها: يا سائلي ولمحض الحقّ يرتادُ **** أصِخ فعندي نُشدَانٌ وإنشادُ(بسيط)
وا ضيعةَ الناس والدين الحنيف وما **** تلقاه من حادثات الدهر بغدادُ
هتكٌ وقتلٌ وأحداثٌ يشيب بها **** رأس الوليد وتعذيبٌ وأصفادُ كل ذلك وهو عاكفٌ على سماع الأغاني واستماع المثالث والمثاني، وملكه قد أصبح واهي المباني.
وممّا اشتهر عنه أنّه كتب إلى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يطلب منه جماعة من ذوي الطرب، وفي تلك الحال وصل رسول السلطان هولاكو إليه يطلب منه منجنيقات وآلات الحصار، فقال بدر الدين: انظروا إلى المطلوبَين وابكوا على الإسلام وأهله.
وبلغني أنّ الوزير مؤيّد الدين محمّد بن العلقمي كان في أواخر الدولة المستعصمية ينشد دائماً: كيف يُرجى الصلاح في أمر قومٍ ***** ضيَّعوا الحزمَ فيه أيّ ضياعِ
فمطاعُ المقال غيرُ سديد **** وسديدُ المقال غير مطاعِ)) (49) . (خفيف) وهذا ابن العبري يصف حال المستعصم، فيقول: ((وكان صاحب لهو وقصف، شغف بلعب الطيور، واستولت عليه النساء، وكان ضعيف الرأي، قليل العزم، كثير الغفلة عمّا يجب لتدبير الدول، وكان إذا نبّه على ما ينبغي أن يفعله في أمر التاتار إمّا المداراة والدخول في طاعتهم وتوخي مرضاتهم، أو تجيّش العساكر وملتقاهم بتخوم خراسان قبل تمكّنهم واستيلائهم على العراق، فكان يقول: أنا بغداد تكفيني ولا يستكثرونها لي إذا نزلت لهم عن باقي البلاد، ولا أيضا يهجمون علَيَّ وأنا بها، وهي بيتي ودار مقامي. فهذه الخيالات الفاسدة وأمثالها عدلت به عن الصواب، فأصيب بمكاره لم تخطر بباله)) (50) .
واستمر الخليفة باللهو وسماع الأغاني حتّى في أثناء حصار المغول لبغداد! قال ابن كثير في (البداية والنهاية): ((وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كلّ جانب، حتّى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت مولّدة تسمّى: عرفة، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة)) (51) . فانظر إلى مؤرّخي الشام المتعصّبين يتركون مثل هذا الخليفة اللاهي البطّال السفيه، الذي أكثر ما فعله لردّ المغول، هو أن كثّف الستائر على دار الخلافة، ويغفلون عن بطانته الماجنة العابثة، ويتمسّكون بالوزير الشيعي العفيف الكافي ليتّهمونه بالخيانة وأنّه السبب في سقوط بغداد!! الثالثة: إتُّهم ابن العلقمي بمراسلة ومكاتبة التتر، وأنّه أرسل غلامه وأخاه ليطمعهم في احتلال بغداد وملك العراق، وأن يكون نائباً لهم فيه.
ولكن اليونيني لم يأت على ما ادّعاه بشاهد حال، ولم ينقله أحد من المؤرّخين ممّن عاصر الأحداث، نعم أورده من نقله عن اليونيني نفسه فلا يزداد هذا الادّعاء بنقلهم قوّة ولا يعطيه ثبوتاً.
وابن العلقمي لم يكن محتاجاً إلى أن يرسل أخاه أو غلامه، بعد أن كان قادراً على الذهاب بنفسه عندما طلبه هولاكو مع الدويدار وسليمان شاه، فرفض الذهاب. فعلى ما زعموا (اليونيني ومن نقل عنه) أنّ ابن العلقمي بعث غلامه وأخاه إلى هولاكو بعد حادثة نهب الكرخ، وهذه الحادثة وقعت في ذي الحجّة من سنة (654هـ) (52) ، وهولاكو أرسل رسله وهو في أطراف همذان، يعاتب الخليفة ويوبّخه على عدم إرساله للجند في حصار قلاع الإسماعيليين، وطلب حضور أحد الثلاثة: الوزير، أو الدويدار، أو سليمان شاه، في رمضان سنة (655هـ)، كما ذكر ذلك صاحب (جامع التواريخ) (53) ، فكان باستطاعة ابن العلقمي أن يوافق على الذهاب ولا يرفضه، ولا يلحقه من ذهابه سوء ظنّ، أو تهمة، بل كان يحمد على ذلك من قبل الخليفة. بل أكثر من ذلك حاول أن ينقذ العراق والخلافة من اجتياح التتر بعد حادثة الكرخ، باقتراح حلّ حكيم لدفع خطر هولاكو وافق عليه الخليفة أوّل الأمر، وهو أن يرسلوا الهدايا العظيمة إلى هولاكو لإرضائه، فمنع ذلك حاشية الخليفة خاصّة الدويدار الصغير، واتّّهموا الوزير بأنّه يسعى إلى إصلاح حاله مع هولاكو. قال ابن العبري: ((رحل هولاكو عن حدود همذان نحو مدينة بغداد. وكان في أيام محاصرته قلاع الملاحدة قد سيّر رسولاً إلى الخليفة المستعصم يطلب منه نجدة، فأراد أن يسيّر ولم يقدر، ولم يمكّنه الوزراء والأمراء، وقالوا: إنّ هولاكو رجل صاحب احتيال وخديعة وليس محتاجاً إلى نجدتنا، وإنّما غرضه إخلاء بغداد عن الرجال، فيملكها بسهولة. فتقاعدوا بسبب هذا الخيال عن إرسال الرجال. ولمّا فتح هولاكو تلك القلاع، أرسل رسولاً آخر إلى الخليفة وعاتبه على إهماله تسيير النجدة. فشاوروا الوزير في ما يجب أن يفعلوه، فقال: لا وجه غير إرضاء هذا الملك الجبّار ببذل الأموال والهدايا والتحف له ولخواصّه. وعندما أخذوا في تجهيز ما يسيّرونه من الجواهر، والمرصّعات، والثياب، والذهب والفضّة، والمماليك والجواري، والخيل والبغال والجمال، قال الدويدار الصغير وأصحابه: إنّ الوزير إنّما يدبّر شأن نفسه مع التاتار، وهو يروم تسليمنا إليهم، فلا نمكّنه من ذلك. فبطل الخليفة بهذا السبب تنفيذ الهدايا الكثيرة، واقتصر على شيء نزر لا قدر له.
فغضب هولاكو، وقال: لا بدّ من مجيئه هو بنفسه، أو يسيّر أحد ثلاثة نفر: إمّا الوزير، وإمّا الدويدار، وإمّا سليمان شاه. فتقدّم الخليفة إليهم بالمضيّ، فلم يركنوا إلى قوله، فسيّر غيرهم، مثل: ابن الجوزي، وابن محيي الدين، فلم يجديا عنه)) (54) . فإن قال قائل: إنّ هولاكو أرسل بطلب أحد الثلاثة قبل حادثة الكرخ، أو أنّ ابن العلقمي أرسل غلامه وأخاه قبل الحادثة، بطل بذلك ما قالوه في اتّهام ابن العلقمي بأنّه هو الذي حرّض هولاكو على فتح بغداد بعد حادثة الكرخ، ضغناً منه على الخليفة وابنه والدويدار، إذ يكون مسير هولاكو نحو بغداد وتهديده للخليفة قبل الحادثة، وينهدم بذلك كلّ ما بنوه من علّة في اتّهامهم لابن العلقمي.
ثمّ إنّ إرساله لأخيه غير معقول؛ لأنّ أخاه كان معروفاً في بغداد ودار الخلافة، فقد كان الحاجب، ولم يكن من عوام الناس، حتّى لا ينكر غيابه، أو لا يعرف سفره (55) . وأمّا إرساله لغلامه، فقد ذكروا في ذلك حكاية مضحكة مبكية تشبه حكايات ألف ليلة وليلة.. ذكروا: أنّه حلق شعره، ثمّ كتب على رأسه بالأُبر، وعالجه بدواء حتّى صار كالحفر، ثمّ تركه ليطول شعره وأرسله إلى التتر، وكتب في آخر الرسالة: قطعّوا الورقة، فلمّا وصل حلقوا شعره وقرؤوا الرسالة، ثمّ قتلوه!
ذكر هذه الأُسطورة: الصفدي، المتوفّى بعد أكثر من مئة سنة (ت764هـ) (56) . ولقد كان ابن العلقمي في غنىً عن مثل هكذا مراسلات لوزارته وقدرته على إرسال الرسل دون أن يعترضهم معترض، مع أنّ رسل التتر كانت تترى على بغداد قبل عشرين سنة أو أكثر.
ثمّ تناقضوا، فزعم بعضهم أنّ المكاتبة كانت على يد ابن صلايا صاحب إربل (57) ، مع أنّ اليونيني في ما أوردناه من عبارته السابقة ذكر أنّ ابن صلايا العلوي سيّر إلى الخليفة من يحذّره من التتر، كما ذكر الذهبي أنّ هولاكو بعد أن فرغ من فتح بغداد قتل هذا الشريف العلوي (58) ؛ وقد نسجوا رسالة على لسان ابن العلقمي إلى هذا الشريف ابن صلايا صاحب إربل يخبره فيها بحادثة الكرخ (59) . ومن العجب أن نجد في هذه الرسالة المنسوبة إلى شيعي، وهو ابن العلقمي أنّه يستشهد بقصيدة خوطب بها أحد ملوك بني أُميّة، وفيها من جملة أبيات هذا البيت: فقلت من التعجّب ليت شعري ***** أيقظان أُميّة أم نيام فيا ليت شعري! أأعوز ابن العلقمي، وهو الأديب المعروف، أن يستشهد بغير هذا الشعر الذي قيل في تحذير بني أُميّة؟! وفي أوّلها: ((كتب بها الخادم من النيل إلى سامي مجدك الأثيل))، مع أنّ الوزير كان أعلى مكاناً ومقاماً في الدولة من ابن صلايا، فكيف يعبّر عن نفسه بـ(الخادم)، ثمّ إنّه كان مقيماً في بغداد لا النيل التي هي من أعمال الحلّة، فإن صحّت الرسالة، فلا بدّ وإنّ كاتبها غير ابن العلقمي. الرابعة: اتّهم ابن العلقمي بأنّه يخفي رسائل التحذير من خطر التتر التي أرسلها صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ إلى الخليفة.
مع أنّ التتر وتهديدهم للعراق لم يحتج للتحذير منه؛ فإنّهم كانوا يتعرّضون للعراق قبل عشرين سنة، بل وصلوا إلى أطراف بغداد وهزموا جند الخليفة، كما ذكرنا سابقاً، والرسل بينهم وبين الخليفة - وفي بعض الأحيان التهديدات - تترى على بغداد منذ عقدين من الزمان.. منها: الطلب من الخليفة إرسال الجند لمحاصرة قلاع الإسماعيلية، ثم الرسل التي حملت التهديد والطلب من الخليفة إرسال أحد الثلاثة: الوزير، أو الدويدار، أو سليمان شاه، وإنّ الخليفة شاور الوزير بالأمر، فأشار ببذل الهدايا إلى التتر، وهذا يدلّ على أنّ الرسل كانت تصل إلى الخليفة، وأنّه يطّلع عليها، ولكنّه كان ضعيفاً، فاتر القوى، كلف باللهو واللعب بالحمام. وقد ذكرنا سابقاً قصّة وصول رسل التتر إلى صاحب الموصل يطلبون آلات الحصار، ورسل الخليفة إليه يطلب منه جماعة من ذوي الطرب، مع أنّ رسالة هولاكو للخليفة بالتهديد، وأنّه سيقصد بغداد وهو في أطراف همدان، كانت قبل رسالته إلى صاحب الموصل بالطلب لأدوات الحصار، فلو كان الخليفة أهلا للتحذير، لأخذ بالتحرّز قبل أن يصلوا إلى أطراف العراق، وقبل تحذير صاحب الموصل السري المزعوم، فما ذنب ابن العلقمي حتّى يتّهم وخليفتهم جبان خائر القوى لا يعي من أُمور الدولة شيئاً؟!! خاصّة وأنّ ابن العلقمي في آخر وزارته كان ممنوعاً من التصرّف، ليس له القدرة وبسط اليد، غير مسموع الرأي، كما ذكرنا الشواهد على ذلك سابقاً. الخامسة: قال اليونيني: إنّ الخليفة بعد أن تحقّق من تحرك التتر نحو العراق أرسل ابن محي الدين الجوزي إليهم يعدهم بالأموال. وهذا غير صحيح! فإنّ إرسال ابن محي الدين الجوزي كان بعد أن وصلت رسالة هولاكو وهو على أطراف همدان إلى الخليفة بالتهديد والعتاب لعدم إرساله الجند لحرب الإسماعيلية، وبعد أن أبطل الخليفة بمشورة الدويدار، إرسال الهدايا، وغضب هولاكو وطلبه حضور أحد الثلاثة، فلم يقبلوا، فأرسل الخليفة ابن محي الدين الجوزي بهدايا قليلة ولم يعدهم بالأموال، فلم يجدِ شيئاً، وقد نقلنا تفصيل ذلك عن ابن العبري، فراجع.. وذكر ذلك الذهبي في تاريخه (60) . السادسة: قال اليونيني: إنّ ابن العلقمي أشار على الخليفة بمصانعة التتر ومصالحتهم بعد أن حاصروا بغداد، وأنّه طلب من الخليفة أن يخرج إليهم لتقرير الصلح، فخرج وتوثّق لنفسه منهم، ثمّ رجع إلى الخليفة وقال: أنّ هولاكو يريد تزويج ابنته من ابن الخليفة، وحسّن له الخروج إلى التتر. وهذا مخالف تماماً للحقائق، وتزوير وكذب من قبل اليونيني!
فقد عرفت ممّا نقلنا سابقاً عن ابن العبري وغيره، أنّ ابن العلقمي حاول إنقاذ الخلافة قبل وصول التتر إلى بغداد، بل قبل أن يصلوا إلى تخوم العراق، وهولاكو في همدان، ولكن منعه من ذلك الدويدار وبطانة الخليفة الآخرين.
ولمّا وصل هولاكو إلى العراق وحاصرها وطلب خروج الثلاثة جميعهم الوزير والدويدار وسليمان شاه، نكص أُولئك الجبناء ودخلوا جحورهم، ولم يبق للمهام الخطرة إلاّ الوزير، فأرسله الخليفة مكرهاً إلى هولاكو، ولم يطلب هو ذلك من الخليفة كما يدّعي اليونيني.
قال ابن العبري: ((فلمّا عاين الخليفة العجز في نفسه والخذلان من أصحابه، أرسل صاحب ديوانه وابن درنوش إلى خدمة هولاكو ومعهم تحف نزرة. قالوا: إن سيّرنا الكثير يقول: قد هلعوا وجزعوا كثيراً.
فقال هولاكو: لم ما جاء الدويدار وسليمان شاه.
فسيّر الخليفة الوزير العلقمي، وقال: أنت طلبت أحد الثلاثة، وها أنا قد سيّرت إليك الوزير، وهو أكبرهم.
فأجاب هولاكو: إنّني لما كنت مقيماً بنواحي همذان طلبت أحد الثلاثة، والآن لم أقنع بواحد...)).
إلى أن قال: ((وأمر هولاكو أن يخرج إليه الدويدار وسليمان شاه، وأمّا الخليفة أن اختار الخروج فليخرج وإلاّ فليلزم مكانه.
فخرج الدويدار وسليمان شاه ومعهما جماعة من الأكابر، ثمّ عاد الدويدار من الطريق بحجّة أنّه يرجع ويمنع المقاتلين الكامنين بالدروب والأزقّة لئلا يقتلوا أحداً من المغول، فرجع وخرج من الغد وقتل. وعامّة أهل بغداد أرسلوا شرف الدين المراغي وشهاب الدين الزنكاني ليأخذ لهم الأمان.
ولمّا رأى الخليفة أن لا بدّ من الخروج، أراد أو لم يرد، استأذن هولاكو بأن يحضر بين يديه، فأذن له، وخرج رابع صفر ومعه أولاده وأهله...)) (61) الخ. وقال رشيد الدين فضل الله الهمداني صاحب (جامع التواريخ): ((وعندئذ أرسل الخليفة الوزير والجاثليق إلى هولاكو يقول: إنّ الملك قد أمر بأن أبعث إليه بالوزير، وها أنا ذا قد لبّيت طلبه فينبغي أن يكون الملك عند كلمته. فردّ الملك قائلاً: إنّ هذا الشرط طلبته وأنا على باب همذان، أمّا الآن فنحن على باب بغداد وقد ثار بحر الاضطراب والفتنة فكيف أقنع بواحد، ينبغي أن ترسل هؤلاء الثلاثة - يعني الدوايدار وسليمان شاه والوزير - ثم ذهب الرسل إلى المدينة، وفي اليوم التالي (لذاك) خرج إلى هولاكو الوزير (ابن العلقمي)، وصاحب الديوان (فخر الدين ابن الدامغاني)، وجمع من المعارف والمشاهير، ولكنّه أعادهم وقد دارت حرب طاحنة مدّة ستّة أيام)) (62) . وقال ابن الطقطقي في (الفخري): ((حدّثني كمال الدين أحمد الضحّاك - وهو ابن أُخت الوزير مؤيّد الدين ابن العلقمي - قال: لمّا نزل السلطان هولاكو على بغداد أرسل يطلب أن يخرج الوزير إليه, قال: فبعث الخليفة فطلب الوزير فحضر عنده وأنا معه, فقال له الخليفة: قد أنفذ السلطان يطلبك وينبغي أن تخرج إليه, فجزع الوزير من ذلك، وقال: يا مولانا! إذا خرجت فمن يدبّر البلد ومن يتولّى المهام؟ فقال له الخليفة: لا بدّ أن تخرج, قال: فقال السمع والطاعة, ثمّ مضى إلى داره وتهيأ للخروج, ثمّ خرج، فلمّا حضر بين يدي السلطان وسمع كلامه وقع بموقع الاستحسان, وكان الذي تولّى تربيته في الحضرة السلطانية الوزير السعيد نصير الدين محمّد الطوسي(قدّس الله روحه) )) (63) .
وابن أخت الوزير شاهد حال يكذّب ما قاله اليونيني وغيره! كما أنّ هولاكو لم يطلب الوزير وحده كما قال له الخليفة، وإنّما طلب الثلاثة، ولكن الخليفة لم يقدر أن يأمر إلاّ الوزير. السابعة: اتّهم اليونيني ابن العلقمي بأنّه كان يخرج الفقهاء والأماثل ليحضروا عقد النكاح حسب الظاهر، فيقتلهم هولاكو.
وهذه كذبة أُخرى من كذبات المتعصّبين على ابن العلقمي لاحقة لكذباتهم السابقة؛ فقد ذكر ابن الفوطي، المعاصر للأحداث، أنّ الذي كان يخرج الفقهاء ليُقتلوا هما القاضي فخر الدين أبي بكر عبد الله بن عبد الجليل الطهراني، وشهاب الدين الزنجاني..
قال ابن الفوطي في (مجمع الآداب)، في ترجمة القاضي فخر الدين أبي بكر عبد الله بن عبد الجليل الطهراني: ((وهو ممّن كان يُخرج الفقهاء إلى باب السور إلى مخيّم السلطان هولاكو مع شهاب الدين الزنجاني ليُقتلوا، وتوفّي في رجب سنة سبع وستّين وستّمائة، ودفن بالخيزرانية)) (64) .
وبهذا رددنا على اتّهامات اليونيني لابن العلقمي، وهو كافٍ في الردّ على ما قاله من جاء بعد اليونيني من المتعصّبين، كـ: الذهبي، وابن شاكر، وابن كثير، والصفدي، والسبكي، واليافعي، وابن خلدون، والقلقشندي، والمقريزي، والعيني، وابن تغري بردى الأتابكي، وغيرهم.
ودمتم في رعاية الله