أنا غير مهتم بالوسواس، ولكني أشعر بأن قلبي أصبح قاسياً،
أنا متعلّم أبكي في مجالس سيد الشهداء (عليه السلام)، لكن انقطع عني البكاء بسبب الوسواس القهري الكفري - أي العقائدي - عن أهل البيت (عليهم السلام) وأنا غير مهتم به، لكن أحسّ قلبي أصبح قاسياً! وابحث عن جواب لهذه الحالة، قرأت في مناجاة الشاكين هذا المقطع( اللهم لا تجعل قلبي قاسياً مع الوسواس متقلبا)، وأعاني القلق والعذاب هذه الفترة.
١- هل أصبح قلبي مع الوسواس متقلب؟
٢- هل يترتب عليّ ذنب أو لا؟
إن الله تعالى خلق الإنسان، وأعطاه القدرة والسيطرة على أفكاره وأعماله، فيختار الشيء الصحيح منها، ويترك ما سواه، ولكن الشيطان بمقتضى خبثه لا يريد خيراً للعباد، ويسعى إلى الوسوسة في قلب الإنسان لتغيير أفكاره وأعماله، وهو إنما يقدر على ذلك بمقدار ما يسمح له نفس الإنسان، فمن جاءته عاصفة ترابية وفتح شباك بيته فإنه يدخل له نسبة من التراب، ومن فتح باب بيته يدخل له نسبة أكبر، وأمّا من يفتح كل الأبواب فإنه سيمتلئ بالتراب ولا يكاد يرى نفسه.
إذاً لابد أن يرجع الإنسان من البداية إلى نفسه، ولا يفتح الأبواب للشيطان كي لا يتربع في قلبه، و أن يغلقها كي يحافظ عليها من عواصف الشك والوسوسة.
وهنا نسأل كيف يمكننا أن نغلق أبواب النفس على الشيطان، ولا نسمح له أن يرتع في افكارنا وعقائدنا؟
الجواب: عندما يكون البناء بناء قوياً وثابتاً ومحكماً فإن الشيطان لا يمكنه أن يقتحمه ويعثو فيه، ومن هنا لا بد من الإشارة إلى عدة أمور مهمه:
أولاً: البناء العقائدي الرصين من حيث القراءة وغيرها، والبحث والسؤال عن العقائد التي هي محل تكليف، وخاصة تلك التي يسعى الشيطان للتشكيك فيها، فمثلاً يوسوس بأن الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) أناس عاديون، وليسوا بمعصومين، فلا تطعهم ولا تتبعهم لاحتمال أنهم أخطأوا، فهنا لابد أن يبحث ويحكّم عقله، وينظر في الأدلة ويسأل، بحيث يحصل عنده العلم بعصمة الأنبياء والائمة (عليهم السلام ) ، وهكذا في أي قضية يوسوس فيها الشيطان، سواء في التوحيد أو النبوة أو الإمامة أو المعاد، فإن الحلّ هو أن أغلق الباب في وجهه، بأن أتعلم بالأدلة والبراهين، وهذه القضية تحتاج إلى سعي وعمل من قبل جنابكم الكريم، وتحتاج وقت وليست الأمور تأتي بكن فيكون.
الأمر الثاني: أن الإنسان قد يسقط في بعض الأحيان بين فكّي الشيطان، ويجد صعوبة في الإفلات من مخالبه، وهنا عليه أن يعلم أن له ربّاً يعينه ويساعده في بلواه، قال تعالى: {وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:١٨٦) ، {وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق: ١٦) فعليك أن تخلص لله في الدعاء بأن ينجيك من هذه الوساوس، وأن يفتح لك أبواب العلم والمعرفة، كي تقهر وساوس الفكر الشيطانية.
الأمر الثالث: أن القلب يقسو في بعض الأحيان، ولا يكاد يخشع، وقد وري عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قَالَ: (إِنَّ اَلْقُلُوبَ تَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ اَلْحَدِيدُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، وَ مَا جَلاَؤُهَا؟ قَالَ: قِرَاءَةُ اَلْقُرْآنِ، وَ ذِكْرُ اَلْمَوْتِ"(مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل: ج ٢، ص ١٠٤).
وعنه (صلَّى اللّٰه عليه و آله) : "اتلوا القرآن، و ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا" ( تفسير الصافي: ج ٣، ص ٢٨٦)
فهذه الوصفة النبوية داوم عليها، وإن شاء الله تجد نتائجها الكبيرة.
الأمر الرابع: أنت تشكو من إنك لا تبكي على إمامك الحسين (عليه السلام) فعندما تذهب إلى إمامك الحسين(عليه السلام) قل له ياسيدي أنا أحبك، وأريد أن بكي عليك في مجالس عزائك، فاشفع لي عند الله أن أكون بقربكم، ومن الباكين عليكم.
واجتهد في الحضور عند إمامنا الحسين (عليه السلام) فإنه أكثر ما يحب شيعته وزواره، وأنا على جزم إنك ستبكي عند قبره، إن لم تكن قد بكيت الآن عندما سمعت بإمامك الحسين(عليه السلام)، فإن في قلوب محبّيه حرقة لن تبرد إلى يوم القيامة.
أخيراً أسأل الله تعالى لكم الخير، وأن يقدّر لكم ما يحب ويرضى، وأن يُبعد عنكم وساوس الشيطان، وأن ينجيكم في الدنيا والآخرة وجميع المؤمنين.