الرواية والقرآن
هل صحيح توجد رواية تقول أن اعرضوا أي رواية على القرآن إن لم تتطابق فاضربوها عرض الحائط؟
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
أهلاً بكم في تطبيقكم المجيب
بعد البحث والتنقيب في عقيدة الطرفين من الشيعة و"أهل السنّة والجماعة" وجدنا بأنّ الشيعة يرجعون في كلّ أحكامهم الفقهيّة إلى كتاب الله والسنّة النبويّة لا غير.
ثمّ هم يرتّبون القرآن في المرتبة الأُولى، والسنّة النبويّة في المرتبة الثانية، ونعني بذلك أنّهم يخضعون السنّة للمراقبة ويعرضونها على كتاب الله العزيز، فما وافق منها كتاب الله قبلوه وعملوا به، وما خالف كتاب الله تركوه ولم يقيموا له وزناً(١).
والشيعة يرجعون في ذلك إلى ما قرَّره أئمة أهل البيت (عليهم السلام) رواية عن جدهم رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه وآله وسلم) الذي قال: "إذا جاءكم حديث عنّي فاعرضوه على كتاب اللّٰه، فما وافق كتاب اللّٰه فاعملوا به، وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار"(٢).
وقد قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عدّة مرّات: "ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف"(٣).
وقال في أصول الكافي بأنّ النبيّ (صلى اللّٰه عليه وآله وسلم) خطب الناس بمنى فقال: "أيّها الناس، ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّٰه فأنا قلته، وما جاءكم عنّي يخالف كتاب اللّٰه فلم أقله"(٤).
وعلى هذا الأساس المتين بنى الشيعة الإماميّة فقههم وعقائدهم، فمهما بلغ الحديث من صحّة الإسناد، فلابدّ أن يزنوه بهذا الميزان، ويعرضوه على الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والشيعة الإماميّة هي الفرقة الوحيدة بين الفرق الإسلامية الأُخرى التي اشترطت هذا الشرط، وبالخصوص في باب تتعارض فيه الروايات والأخبار.
قال الشيخ المفيد في كتابه المسمّى بـ "تصحيح الاعتقاد": "وكتاب اللّٰه تعالى مقدَّم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحقّ دون سواه"(٥).
وبناءً على هذا الشرط، وهو عرض الحديث على كتاب اللّٰه تعالى، تميّز الشيعة عن "أهل السنّة والجماعة" في كثير من الأحكام الفقهية، وكذلك في كثير من العقائد.
والباحث يجد في كلّ أحكام الشيعة وعقائدهم مصداقاً في كتاب الله، خلافاً لما هو عند "أهل السنّة والجماعة" فالمتتبع قد يجد عندهم عقائداً وأحكاماً تخالف صريح القرآن الكريم، ستعرف ذلك وسنوافيك ببعض
الأدلّة على ذلك قريباً إن شاء اللّٰه.
وبناءً على ذلك يفهم المتتبع أيضاً بأنّ الشيعة لم يصحِّحوا أيّ كتاب من كتب الحديث عندهم، أو يعطوه قدسية تجعله بمثابة القرآن، كما هو الحال عند "أهل السنّة والجماعة" الذين يصحّحون كلّ الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم، رغم أنّ فيهما مئات الأحاديث التي تتناقض مع كتاب اللّٰه.
ويكفيك أن تعرف بأنّ كتاب الكافي عند الشيعة رغم جلالة قدر مؤلّفه محمّد بن يعقوب الكليني وتبحّره في علم الحديث، إلاّ أن علماء الشيعة لم يدّعوا يوماً بأنّ ما جمعه كلّه صحيح (٦)، بل هناك من علمائهم من طرح أكثر من نصفه وقال بعدم صحتها، بل إنّ مؤلّف (الكافي) لا يقول بصحّة كلّ الأحاديث التي جمعها في الكتاب(٧).
ولعلّ كلّ ذلك ناتج عن سيرة الخلفاء عند كلّ فرقة منهم، فـ "أهل السنّة والجماعة" اقتدوا بأئمة يجهلون أحكام القرآن والسنّة، أو يعرفونها ولكنّهم اجتهدوا بآرائهم، وخالفوا تلك النصوص لعدّة أسباب أوضحنا البعض منها في أبحاث سابقة.
أمّا الشيعة فإنّهم اقتدوا بأئمة العترة الطاهرة الذين هم عدل القرآن وترجمانه، لا يخالفونه ولا يختلفون فيه.
{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}(٨).
صدق الله العلي العظيم (منقول).
—————————————————————————
١- هذا هو لعمري المنطق السليم الذي يقطعُ الطّريق على كلّ المحدّثين الذين اشتهروا بتدليس الحديث ونسبته للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو منه بريء (المؤلّف).
٢- تفسير أبي الفتوح 3: 392 باختلاف يسير.
٣- الكافي 1: 69 ح4.
٤- الكافي 1: 69 ح5.
٥- تصحيح الاعتقاد: 44.
٦- سوى شرذمة من الإخباريين المتعبدين بحرفية النصوص من غير فحص وتدقيق.
٧- ولذا لما شكى إليه بعض إخوانه ـ في رسالة كتبها ـ أشكل عليه من الحقائق لاختلاف الأخبار، وطلب منه تدوين كتاب يجمع فيه جميع فنون علم الدين بالآثار الصحيحة، لم يقل في جوابه بأنّي دوّنت لك ذلك وكلّ ما أوردته صحيح لا مرية فيه، بل ذكر له بأنّ الأئمة (عليهم السلام) وضعوا قواعد لحلّ اختلاف الأخباركالعرض على القرآن، وأنّه سيعمل على هذا المنهاج، لكن مع هذا لم يدّع توفيقه مائة بالمائة لتدوين الآثار الصحيحة فقط، ولذا اعترف بالتقصير وقال له: "وقد يسّر الله تأليف ما سألت وأرجو أن يكون بحيث توخّيت، فمهما كان من تقصير فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة