( 38 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

سر الخليقة والسعادة

الحقيقة ينتابني الشعور بالحزن وأتسائل في عقلي عن سبب الحياة والوجود خصوصا بعد فراق اعزاء إلى قلبي وصعوبة مواجهة النفس الاماره بالسوء؟ فما هي الفلسفة الإسلامية للوجود و الحياة من منظور قراني وتراث اهل البيت علية السلام مع امتناني لكم وما هي السعادة ؟ في المنظور القرآني وتراث اهل البيت


بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهلا بكم في برنامجكم المجيب قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه: {أفَحَسِبْتُمْ أنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً}(المؤمنون:115). {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبينَ}(الانبياء:16). مهما بلغ الإنسان في سير تقدّمه العلمي وتمدّنه الحضاري المزدهر بأحدث الصناعات والتكنولوجيا، فإنّه لا يزال يدور في فلك من المجهولات الآفاقيّة والأنفسيّة، فلو تسلّق سُلّم العلوم والفنون وسخّر الفضاء والقمر، فإنّه لا يكاد يرى نفسه إلاّ في بداية الطريق، وأنّ معلوماته وما كشفه ليست إلاّ كالقطرة أمام البحر الهائج من مجهولات الكون وأسراره، ومن أعظم وأكبر مجهولاته، والذي ساير موكب البشرية منذ البداية وإلى يومنا هذا وغداً، هو أن يكشف سرّ الحياة وفلسفة الخلقة والهدف من هذا الكون الرحب، فما هي فلسفة الحياة؟! أتزعم أنّك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبرُ فهذه المخلوقات العظيمة إنّما خلقها الله من أجل الإنسان {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً}(الجاثية:13). واما الانسان فان الله تعالى خلقه من اجل ان يتكامل، والسؤال كيف يتكامل الانسان ؟ ان العنصر المهم في تكامل الانسان هو تزوّده بالعلم والمعرفة اولا والعمل والتقوى ثانيا فينال النعيم الأبدي قال سبحانه: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَات وَمِنَ الأرْضِ مَثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ وَأنَّ اللهَ قَدْ أحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْماً}(الطلاق:12). وقال جلّ جلاله: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ}(3). وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله: {إلاّ لِيَعْبُدُونِ} أي: إلاّ ليعرفون، فإنّ العبادة لا تتمّ ولا تصحّ إلاّ بعد المعرفة، فما خلق الجنّ والإنس إلاّ ليعرفوه وإذا عرفوه عبدوه. في كتاب تحف العقول عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: (لا يقبل عمل إلاّ بمعرفة، ولا معرفة إلاّ بعمل، ومن عرف دلّته معرفته على العمل، ومن لم يعرف فلا عمل). وجاء في علل الشرائع، بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: خرج الحسين ابن عليّ (عليهما السلام) على أصحابه فقال: أيّها الناس إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل: يا بن رسول الله، بأبي أنت واُمّي، فما معرفة الله؟ قال (عليه السلام): معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته. قال مصنّف الكتاب الشيخ الصدوق عليه الرحمة: يعني بذلك أن يعلم أهل كلّ زمان أنّ الله هو الذي لا يُخلّيهم في كلّ زمان عن إمام معصوم، فمن عبد ربّاً لم يقم لهم الحجّة، فإنّما عبد غير الله عزّ وجلّ. وإنّ الأئمة الأطهار ـ كما هو ثابت في محلّه ـ هم باب الله الذي منه يؤتى، ولولاهم لما عرف الله سبحانه، وإنّهم السبب المتّصل بين السماء والأرض، ووجه الله الذي يتوجّه إليه الأولياء. عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام)، فقلت له: لِمَ خلق الله الخلق؟ فقال: إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً، ولم يتركهم سُدىً، بل خلقهم لإظهار قدرته، وليكلّفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرّة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد. وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): يقول الله تعالى: يا بن آدم لم أخلقك لأربح عليك، إنّما خلقتك لتربح عليّ، فاتّخذني بدلا من كلّ شيء فإنّي ناصرٌ لك من كلّ شيء. وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ}، قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم. (انتهى مختصرا عن كتاب سر الخليقة وفلسفة الحياة للسيد عادل العلوي) فهذه الآيات والروايات الشريفة تدور حول محور واحد وهو ان الانسان خلق للخير وهو ان يتكامل وتكامله يكون بان يتعلم ويعرف فاذا تعلما حقا وعرف حقا فانه عبادته تكون عبادة حق للحق سبحانه ولا يشرك به احدا وان بوابة المعرفة الالهية ان يتخذ من حجة الله الامام المنصوب في زمنه طريقا الى الله وكل من عبد الله بلا امام يهديه ويعلمه فانه عبد غير الله تعالى ومن كل هذا يتضح ان الكمال الحقيقي للانسان يكمن في قربه من الله تعالى والله تعالى كماله لا متناهي فالانسان بسعيه نحو الكمال لا يقف عند حد حتى اقرب الناس الى الله تعالى وهو النبي صلى الله عليه واله فانه يزداد من القرب الالهي وهو قاب قوسين او أدنى من العلي الاعلى. وبهذا يتضح الجواب على السؤال الثاني فان السعادة تكمن بالقرب من مصدر السعادة والكمال وهو الله تعالى ولذا نجد النبي الاكرم صلى الله عليه واله يقول لبلال وهم بانتظار وقت الصلاة :(ارحنا بها يابلال) فالنبي صلى الله عليه واله يجد الراحة بالصلاة وما هذا الا ان الصلاة تقرب الانسان نحو الكمال المنشود وبهذا يفرح المؤمنون، ولم يطلب النبي صلى الله عليه واله السعادة من الامور المادية لان السعادة لا تعني المال أو الجاه أو الشهرة أو المنصب، ولكن السعادة تعني الطمأنينة والسكينة والراحة النفسية وهذه إن رزق أحد بها فأنه سيكون سعيد ا حقا. حفظكم الله ورعاكم واساله تعالى ان يقدر لنا السعادة الابدية مع نبيه واله الطاهرين.

1