حسين - ايسلندا
منذ 4 سنوات

حول التثليث في المسيحيون

السلام عليكم يؤمن المسيحيون بإله واحد لا شريك له، غير محدود، مالئ السماوات والأرض خالق الكل، أزلي قبل الأكوان، أبدي لا نهاية لملكه. هذه الحقيقة واضحة تماماً في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. فيذكر لنا سفر التثنية في العهد القديم مثلاً: اسمعوا يا بني إسرائيل الرَّب إلهنا رب واحد، فأحبوا الرب إلهكم من كل قلوبكم ونفوسكم وقوتكم التثنية 6: 4 ويؤكد الرسول يعقوب في العهد الجديد على هذه العقيدة بقوله ((أنت تؤمن أن الله واحد؟ حسناً تفعل)) يعقوب 2: 19 وهكذا ردد المسيحيون ما يؤمنوا به عبر العصور فقالوا ((بالحقيقة نؤمن بإله واحد خالق السماوات والأرض)) قانون الإيمان النيقوي. لكن وحدانية الله كما أعلنها لنا في كتابه المقدس هي وحدانية جامعة ومن هنا جاء مفهوم التثليث. هذا المفهوم لا يعني مطلقاً وجود ثلاثة آلهة كما يتوهم البعض ولكن هذا المفهوم يعني أن الله واحد ((موجود بذاته فأعلن مسمياً نفسه)) الأب ((ناطق بكلمته فأعلن مسمياً نفسه)) الابن ـ الكلمة ((حي بروحه فأعلن مسمياً نفسه)) الروح القدس. لذلك يجب ألا يفهم من هذه المسميات، وجود علاقة جسدية كما في المفهوم البشري أب ـ وابن) وإنما دلالاتها روحية بالكامل. كذلك هذه المسميات لم تأت من وضع) إنسان أو اختراع بشر وإنما هي كلمات الوحي الإلهي كما جاء في الكتاب المقدس. ومن هنا يتضح لنا الاستنتاج التالي كما لخصه لنا أحد العلماء إذ يقول لا يمكن أن الله الواحد الذي أوجد الموجودات كلها، يكون هو نفسه بلا وجود ذاتي ولا يمكن أن الله الذي خلق الإنسان ناطقاً، أن يكون غير ناطق بالكلمة. ولا يمكن أن الله الذي خلق الإنسان ناطقاً، أن يكون غير ناطق بالكلمة. ولا يمكن أن الله الذي خلق الحياة في كل كائن حي، أن يكون هو غير حي بالروح لذلك تحتم أن يكون في الله الواحد، ثالوث أقدس. وهذا هو المصطلح المعروف ((إله واحد في ثلاثة أقانيم)). ولربما تجد صديقي هذا الأمر بالغ الصعوبة في الفهم وأنا معك في ذلك، ولكننا نتكلم هنا عن طبيعة وشخصية خالق الأكوان، فكيف يقدر الإنسان المخلوق استيعاب كل شيء عن خالقه العظيم....؟ لكن الله في رحمته ومحبته، ترك بصماته الواضحة في طبيعة الأشياء من حولنا وهي كلها تشير إلى طبيعته سبحانه وتساعد الإنسان الباحث أن يعرف شيئاً عن خالقه وعلى سبيل المثال. دعني أوضح. أنظر إلى لغتنا العربية الجميلة وتأمل في حرف (أ) الذي هو بداية الحروف فبوضع ضمة علية  يقرأ (أ) ويوضع فتحة عليه يقرأ (أ) ثم بوضع كسرة تحته يقرأ (أ) إنه نفس الحرف لم تتغير طبيعته وإن تنوع في تعبيراته لقد قال السيد المسيح (أنا هو الألف والياء (البداية والنهاية) أنا أسقي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً سفر الرؤيا 21: 6 ممكن الرد على هذا الكلام وتفنيده.


الأخ حسين المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قد ذهب بعض علماء المسيحية إلى القول بأن التثليث الذي يرفضه القرآن ليس هو التثليث الذي يقول به المسيحيون؛ إذ يقول صاحب كتاب المسيحية في الإسلام: (إن التثليث لا ينقض وحدانية الله تعالى، لأنه لا يعني التعدد، ويظن البعض خطأ أن الإسلام قد حارب هذا التعليم الأساسي وأنكره وكفر القائلين به، ولكن الباحث المدقق في موقف الإسلام إزاء هذا التعليم تتضح له تخالف الظّن والمفروض، وهذه الحقائق التي تتجلى واضحة لكل من بحث هذا الأمر بحثاً دقيقاً بعيداً عن التعصب: أولاً: إن التثليث الذي حاربهُ الإسلام هو غير تثليث المسيحية الصحيحة. ثانياً: أثبت علماء الإسلام للمسيحية فكرتها الصحيحة عن التثليث، وبالتالي أعلنوا أنها شيء آخر غير عقيدة التثليث المغلوطة التي ندد بها القرآن وأجتَهد في اظهار ما بها من الإبتداع. ثالثاً: نظر الإسلام إلى المسيحيين وتكلم عنهم كقوم موحِّدين غير مشركين. رابعاً: تكلم الإسلام عن الثالوث الأقدس كما تعلم به المسيحية، وفي ذلك مصادقة منه لها على صحة هذه العقيدة)، عن كتاب المسيحية في الإسلام/ ص 76/ انتهى كلامه ويقول الحدّاد في كتابه (الإنجيل في القرآن) بهذا الخصوص: في هذه الآية (( ولا تقولوا ثلاثة إنتهوا )) يحمل القرآن أيضاً لا على التثليث المسيحي كما يظن, بل على بدعة نصرانية ظهرت قبل القرآن. إنتهى كلامه (ص:165). ولكن هذا الكلام خلاف ما أشار إليه القرآن الكريم في هذه الآية للأسباب التالية: أولاً: إن التثليث المسيحي بكل ألوانه وصوره سواء أكان رسمياً أم غير رسمي هو مورد لتنديد القرآن لأنه غلو في الدين وشرك به سبحانه ومنافٍ لوحدانيته. ثانياً: إن آخر الآية الكريمة يشير إلى مقولتهم المتفرعة عن التثليث والتي يتبناها التعليم المسيحي الرسمي ألا وهي نسبة الولد له سبحانه قال تبارك وتعالى: (( وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انتَهُوا خَيراً لَّكُم إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً )) (النساء:171). فقول الحداد أن القرآن لا يحمل على التثليث المسيحي بل على : (الذين جعلوا التثليث المسيحي ـ المبني على وحدة الجوهرــ ثلاثة آلهة فعدّوا الجوهر الإلهي الفرد) ليس في محله/ الإنجيل في القرآن/165. وعلّق الدكتور الصادقي على هذا القول: (إن الحداد يغالط في عقيدة الثالوث المسيحي بالإنجيل رغم البون الشاسع بينهما ويناقض في الجمع بين الواحد والثلاث... لذلك يضرب بسوط جّبار على آيات الله البيّنات في القرآن التي تندد بالثالوث المسيحي إنه ليس من عقيدة الإنجيل, ثم يحاول موافقة القرآن للثالوث الإنجيلي في وريقات)/ عقائدنا  ص128. وقد جاء في الجزء الرابع  من تفسير الأمثل ص 108 في تفسير قوله تعالى: (( لَّقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِن إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّم يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (المائدة:73): (تتحدث - الآية - عن انحرافات المسيحيين فتبدأ بأهم تلك الانحرافات - أي (تأليه المسيح) و(تثليث المعبود) - وأي كفر أشدّ من أن يجعلوا الله اللامحدود من جميع الجهات متحداً مع مخلوق محدود من جميع الجهات، وإن يصفوا الخالق بصفات المخلوق، فالآية تتناول الغلو ووحدة المسيح بالله وهو التوحيد في التثليث وتشير إلى مسألة تعدد الآلهة في نظر المسيحيين أي التثليث في التوحيد وتقول: إن الذين قالوا إن الله ثالث الأقانيم الثلاثة ( الأقانيم: في الأصول واحدها أقنوم. قال الجوهري وأحسبها رومية/ج12/496, والأقنوم بضم الهمزة وسكون القاف وضم النون كلمة رومية على الأصح معناها الأصل وجمعها الأقانيم) لا ريب أنهم كافرون)). انتهى والعجب أن بعضهم استشهد بقول الغزالي في أثبات التثليث حيث قال: وقد أشار الغزالي إلى هذه العقيدة - التثليث - في كتابه الرد الجميل، فقال: (يعتقد النصارى ذات الباري واحدة في الجوهر ولها اعتبارات فأن أعتبر وجودها غير معلق على غيره فذلك الوجود المطلق وهو ما يسمونه بأقنوم الأب. وإن أعتبر معلقاً على وجود آخر كالعلم المعلق على وجود العالم فذلك هو الوجود المقيد وهو ما يسمونه بأقنوم الابن أو الكلمة وان اعتبر معلقاً على كون عاقليته معقوله منه فذلك الوجود المقيد أيضاً هو ما يسمونه بأقنوم روح القدس، لأن ذاته معقولة منه، والحاصل من هذا التعبير الاصطلاحي: إن الذات الإلهية واحدة في الجوهر، وإن تكن منعوتة بصفات الإقانيم). ويقولون أيضاً: (إن الذات من حيث هي مجردة لا موصوفة عبارة عن معنى العقل وهو المسمى عندهم باقنوم الأب. وإن اعتبرت من حيث عاقلة ذاتها فهذا الاعتبار عبارة عن معنى العاقل وهو المسمى بأقنوم الابن والكلمة. وإن اعتبرت من حيث أن ذاتها معقولة منها فهذا الاعتبار عبارة عن معنى المعقول وهو المسمى باقنوم روح القدس. فعلى هذا الاصطلاح يكون العقل عبارة عن ذات الله فقط والأب مرادفاً له، والعاقل عبارة عن ذاته بمعنى انها عاقلة ذاتها والابن الكلمة يكون مرادفاً له، والمعقول عبارة عن الإله المعقولة ذاته منه والروح القدس مرادفاً له أيضاً) ثم عقب قائلاً: (إذا صحت المعاني فلا مشاحة في الألفاظ ولا في اصطلاح المتكلمين). ويعلق مؤلف الكتاب على ذلك بقوله: (من تفسير الغزالي عقيدة التثليث المسيحية وتعليقه عليها يتضح أن فلاسفة الإسلام وعلمائه أدركوا أن عقيدة المسيحية الصحيحة في التثليث هي غير تلك العقيدة المتبدعة التي أشار إليها القرآن الكريم وندد بها)/ المسيحية في الإسلام/8. ولكن من يراجع كتاب الرد الجميل لإلهية المسيح يرى أنه جعل الغزالي عضين فإنه كان في مقام نفي إلوهية المسيح بشدة، والمقطع الذي استشهد به الكاتب كان بعنوان (خاتمة) يقول الغزالي: (خاتمة : هي من أعظم معضلاتهم التي يعوّلون عليها مثبتين بها إلهية عيسى (عليه السلام) جعلها يوحنا فاتحة انجيله هي (في البدء كان كلمة والكلمة كان عند الله...) يوحنا1/1. ويضيف: أما أول هذا الفصل فلا تعلق له بثبوت إلهية لعيسى (عليه السلام) بوجه لأنهم (يعتقدون... الخ) فيذكر ما استشهد به الكاتب إلى أن يقول الغزالي: (هذا اعتقادهم في هذه الاقانيم وكلام شارح إنجيلهم في أول هذا الفصل، وإذا صحّت المعاني فلا مشاحة في الألفاظ، فقد وضح بما شرحوه أن أول هذا الفصل لا دلالة فيه على إلهية عيسى (عليه السلام) البتة) وبعد ذلك يذكر شبهتين في هذا الفصل ويجيب عليهما، ثم يقول: (وقد سلكوا في تأويل الاقانيم مسلكاً لزمهم القول بوجود ثلاثة آلهة في الذهن والخارج متباينة ذواتها وحقائقها أو نفي ذات الله جل أسمه، وذلك أنهم جعلوا الأب عبارة عن الذات بقيد الأبوة, والابن عبارة عن الذات بقيد البنوة، وروح القدس عبارة عن الذات بقيد الانبثاق ثم يقولون إله واحد). فإذا ضيقوا في ذلك وتبينوا ان ذات الأب مختصة بصفة الأبوة غير قابلة لوصفها بالبنوة وكذلك القول في الابن وروح القدس وليست من الذوات المتضائفة فتقدر أباً لشخص وابناً لغيره قالوا إن الذات واحدة ووصفها بجميع هذه الصفات ممكن، لكنّا إذا وصفناها بصفة قدرنا نفي ما يباينها، وهذا مكان الجهل والغفلة، لأنهم يقولون بقدم هذه الذوات أزلاً وبقدم صفاتها فإذاً هي ملزومات الصفات وصفاتها لازمة لها ومتى وجد الملزوم وجد اللازم، ومتى انتفى اللازم انتفى الملزوم فإذا قدر نفي الصفة اللازمة للذات قدر نفي الذات وإلى هذا المعنى أشار الكتاب العزيز بقوله: (( لَّقَد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ )) . فالدين الإسلامي أكد على التوحيد ورفض كل أنواع الشرك سواء كان بصورة إله مع الله أم التعدد في الذات الإلهية، وقد ندد بكل ألوان التثليث المسيحي أو غيره، وأعتقد إن الكثير من النصارى أيضاً رفضوا فكرة التثليث واعتبروها مخالفة للتوحيد الخالص ومنهم القديس توما الأكويني الذي رفض القول بالأقانيم الثلاثة المستقلة في الذات الإلهية حيث قال: (إن الأقنوم جوهر مفرد وطبيعة ناطقة فلو كان في الله أقانيم متكثرة لكان فيه جواهر متكثرة وهذا بدعة). ويضيف في ردّه للثالوث: (إن كل ما في الله فهو في وحدة الذات الإلهية لأن الله هو عين ذاته فلو كان في الله ثالوث لكان ذلك وحدة الذات الإلهية فكان الله ثلاثة وحدات ذاتية وهذا بدعة). نقلاً عن د. عبد المنعم فؤاد/ المسيحية/256 عن الخلاصة اللاهوتية لتوما الأكويني373. يقول المرحوم السيد الطباطبائي في معرض بيانه لإستحالة بنوة المسيح لله: ومن المعلوم إن الله سبحانه يمتنع عليه ذلك : أولاً: لاستلزامه الجسمية المادية وهو سبحانه منزه عن المادة ولوازمها الافتقارية. ثانياً: لإطلاق الوهيته وربوبيته له القيومية المطلقة على ما سواه فكل شيء سواه مفتقر الوجود إليه قائم الوجود به فكيف يمكن فرض شيء غيره يماثله في النوعية يستقل عنه بنفسه ويكون له من الذات والأوصاف والأحكام ماله من غير افتقار إليه. ثالثاً: فلأن جواز الايلاد والاستيلاد عليه تعالى يستلزم جواز الفعل التدريجي عليه تعالى يستلزم دخوله تحت ناموس المادة والحركة وهو خلف، بل ما يقع بإرادته ومشيئته تعالى إنما يقع من غير مهله وتدريج) (الميزان3/288 بإختصار).. ثم يضيف: ولو فرض قولهم: اتخذ الله ولداً كلاماً ملقى لا على وجه الحقيقة بل على وجه التوسع في معنى الابن والولد, بأن يراد به انفصال شيء عن شيء يماثله في الحقيقة من غير تجزٍ مادي أو تدريج زماني (وهذا الذي يرومه النصارى بقولهم: (المسيح ابن الله بعد تنقيحه) ليتخلصوا به عن إشكال الجسمية والمادية والتدريج يبقى إشكال المماثلة وتوضيحه: إن إثبات الابن والأب أثبات للعدد بالضرورة وهو إثبات للكثرة الحقيقية وإن فرضت الوحدة النوعية بين الأب والابن كالأب والابن من الإنسان هما واحد في الحقيقة الإنسانية وكثير من حيث أنهما فردان من الإنسان وعلى هذا فلو فرض وحدة الإله كان كل ما سواه ومن جملتها الإبن غيراً له مملوكاً له مفتقراً إليه فلا يكون الابن المفروض إلهاً مثله، ولو فرض أنه ابن مماثل له غير مفتقر إليه بل مستقل مثله بطل التوحيد في الإله عزّ أسمه) الميزان3/288. وأخيراً أنصح الأخ السائل بمراجعة كتب الطرفين وخصوصاً: 1- كتاب تحفة الأديب. 2- كتاب الرحمة. 3- كتاب حياة المسيح . 4- اللاهوت. 5- كتاب الهدى للبلاغي. 6- الفارق. 7- التوضيح لـ كاشف الغطاء (رحمه الله).