سلام عليكم
أنا أكره نفسي بسبب ذنبي، وأشركت بالله، وأعلم أنه ليس لي توبة وكوني في الدرك الأسفل من النار.
والآن أكره أهلي وزوجي وكل الناس.
أتمنى البقاء وحدي وقمت بفعل كل شيء من الأخطاء لأني أعلم أن مصيري إلى النار.
هنيئاً لكم أنتم على طريق الله.
أنا نادمة كثيراً على معصية الله لكن لا ينفع الندم ولا تقولوا لي لك توبة لأن كل روايات أهل البيت نقول بأني لا توبة لي ومطرودة من رحمة الله.
أدعو لي بالموت ويخلص العذاب الذي أعيشه.
وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته
ابنتي، اعلمي أن المتكلم ينظر إليكم نظرة أب مشفق على ابنته.
يتألم عليها حينما يقرأ رسالتها وما وصلت إليه.
يستغرب إلى أي درجة وصلت وساوس الشيطان لابنته الكريمة.
ولا يعلم هل أن ابنته قرأت - فعلاً - آيات الله في كتابه وروايات النبي (صلى اللّٰه عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) فيما يخص حالتها أم أن ابليس وجنوده زينوا لها اليأس من رحمة الله؟!
ثم لماذا تفكر ابنته هذا التفكير الذي يُفرح الشيطان ويُحزن النبي وآله (صلوات اللّٰه عليهم أجمعين)؟!!
ألم تقرأ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾؟!!
ألم تقرأ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾؟!!
روي عن النبي (صلى اللّٰه عليه وآله) فِيمَا يَحْكِي عَن ربِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى قَالَ: « أَذنَب عبْدٌ ذَنْبًا فقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِم أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ ربِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، وَيَأخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَي رَبِّ اغفِرْ لِي ذَنبي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَذْنَبَ عَبدِي ذَنبًا، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، قد غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ».
وعنه (صلى اللّٰه عليه وآله): «وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَجَاءَ بِقومٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّه تَعَالَى، فيَغْفر لَهُمْ».
ثمَّ أفصح سبحانه وتعالى عن جملةٍ من الوسائل التي يتمكن الإنسان فيها من التكفير عن ذنبه ويحصل على العفو والصَّفح، ومن أهمِّها الاستغفار، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾
ثم إنه باستثناء المعصوم فإنَّ البشر جميعًا معرَّضون للخطأ والذنب، ويمكن أن تقع منهم المعصية، ولو تكلمنا عن الطبيعة البشرية العامَّة فإنَّ التقصير باتِّجاه الخالق العظيم مستمرٌّ على طول حياة الإنسان إلَّا ما رحم ربِّي، ولذلك كان لا بدَّ من وجود وسائل تصلح العلاقة مع الله تعالى التي طالما يفسدها الإنسان بذنوبه ومعاصيه وتعدِّيه للحدود الشرعية، وقد أشار القرآن الكريم إلى أنَّ الله تعالى يتقبل العبد مهما كانت ذنوبه وإسرافه على نفسه، وأعطى الإنسان الأمل بأنَّه لن يرفض المذنب أو العاصي فيما لو أناب بقلبٍ سليم، وهذا الأمل نجده بوعده تعالى في قوله الكريم (كما تقدم): ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]، ثمَّ أفصح سبحانه وتعالى عن جملةٍ من الوسائل التي يتمكن الإنسان فيها من التكفير عن ذنبه ويحصل على العفو والصَّفح، ومن أهمِّها الاستغفار، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 135] .
وبعد هذه المقدِّمة فإنَّنا نودُّ الانتقال بالحديث إلى البحث عن الكفَّارات التي يستطيع الإنسان بها أن يُكفِّر عن ذنوبه وخطاياه، وسنخصِّص القول بالأحاديث الواردة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في هذا الشأن مع الاستشهاد ببعض ما نُقل عن الرسول وأولاده المعصومين (عليهم الصلاة والسلام) بهذا الخصوص. ولو فتَّشنا في تراث أمير المؤمنين (عليه السلام) لوجدنا فيه كثيراً من الوسائل التي كشف عنها بوصفها كفَّارات فاعلة في تجاوز الذنوب، ولو تمعَّنا في تلك الوسائل لوجدناها أعمالاً عباديَّة ميسَّرة يستطيع العبد أن يفعلها بكلِّ يسرٍ وسهولة، ومن هنا لابد من التمسك بهذه الوسائل من أجل تكفير الذنوب، ونقول إنَّ الوقت قد حان لتخفيف الأعباء عن الكواهل، والاستعداد للقاء بربٍّ كريمٍ في صورةٍ مقبولةٍ وعملٍ صالحٍ وذنبٍ مغفور. وأمَّا الكفَّارات التي ذكرها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فمنها ما يكون كفَّارة للذنوب العظام، وقد أفصح عن ذلك في قوله (عليه السلام): ((مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَالتَّنْفِيسُ عَنِ الْمكْرُوبِ)). وممَّا قيل في شرح هذا القول: ((الملهوف: المظلوم يستغيث، والتنفيس: التفريج من الغمّ الَّذي يأخذ بنفسه. وجعلها من كفّارات الذنوب العظام؛ لكونها فضيلة عظيمة تستلزم فضايل: كالرحمة والعدل والسخاء والمروّة وغيرها. وظاهر أنّ حصول هذه الملكات في النفس ممّا يستلزم ستر الذنوب ومحوها ومنافات ملكات السوء الَّتي يعبّر عنها بالسيّئات والذنوب. فإغاثة الملهوف وتفريج غمِّ المكروب من أعظم الكفَّارات؛ لكونها تستلزم غفران الذنوب العظام، ومن هنا علينا أن نجعل هذا الأمر ديدنًا بحياتنا على حسب استطاعتنا ومقدرتنا.
ومن الكفَّارات الأخرى إعطاء الزكاة (وتشمل الصدقات) فإنَّ معطيها بنفسٍ طيِّبةٍ تُعدُّ كفَّارة لذنوبه، وهذا الأمر نجده في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): ((ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلاَةِ قُرْبَاناً لأهْلِ الإِسْلاَمِ، فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا، فإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً، وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً)) . فالزكاة على الرغم من وجوبها فإنَّها تكفِّر الذنوب. ومن وسائل غفران الذنوب الحج والعمرة، وقد ذكرهما أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: ((إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِه الْمُتَوَسِّلُونَ - إِلَى اللَّه سُبْحَانَه وتَعَالَى - ... المزید وحَجُّ الْبَيْتِ واعْتِمَارُه - فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ ويَرْحَضَانِ الذَّنْبَ)).
وهناك كفَّارات وردت عن رسول الله وعن الأئمَّة (صلى الله عليهم)، وممَّا ورد في ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((ثلاث كفارات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والتهجد بالليل والناس نيام)). وهذه الخصال يستطيع كلٌّ منها المداومة عليها، وهي فاعلة في التكفير عمَّا اقترفناه من ذنوبٍ ومعاصٍ وتقصيرٍ في حقوق الله تعالى، ومن الكفَّارات الأخرى التي أخبرنا عنها الرسول (صلى الله عليه وآله): إجابة المؤذِّن للصلاة، وهذا نجده في قوله: ((إجابة المؤذن كفارة الذنوب)). وإجابة المؤذِن تكمن في سرعة المضي إلى الصَّلاة وعدم تأخيرها أو التقصير في أدائها. ومن الكفَّارات الأخرى خدمة العيال، وقد ذكرها الرسول (صلى الله عليه وآله) بقوله: ((خدمة العيال كفارة للكبائر، ويطفئ غضب الرب، ومهور حور العين، ويزيد في الحسنات والدرجات)). فالإنسان الذي يسعى لخدمة عياله ويجهد في قضاء حوائجه يكرمه الله تعالى بغفران ذنوبه والتكفير عن سيئاته، وأيُّ سيئات الكبائر منها، وهذا كرم إلهي منقطع النظير؛ لأنَّ الإنسان مجبول بفطرته أن يخدم عياله، وهو مع ذلك من الواجبات عليه (ونقصد الرجل، فكيف بالزوجة التي لا يجب عليها خدمة العيال أصلاً)، وعلى الرغم من ذلك يؤجر ويكفَّر عن كبائر ذنوبه فلله الحمد والشكر على هذه النعمة العظيمة.
ومن الكفَّارات التي ذكرها أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: ((يصبح المؤمن حزينًا، ويمسي حزينًا، ولا يصلحه إلا ذاك، وساعات الغموم كفارات الذنوب)) فإن ما تعيشيه - ابنتي المباركة - هو في حقيقته كفارة للذنوب.
ومن هنا علينا أن لا نضجر فيما لو أصابتنا غُمَّة أو حزن؛ فذلك تكفير لما أصبناه من ذنوبٍ وآثام.
ومن وسائل تكفير الذنوب كثرة السجود، وفي هذا المعنى يقول الإمام الصادق (عليه السلام): ((جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله، كثرت ذنوبي وضعف عملي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أكثر السجود فإنَّه يحط الذنوب كما تحط الريح ورق الشجر)). ومن الوسائل المهمَّة واليسيرة جدًّا في قضية التكفير عن الذنوب ما جاء عن الإمام الرِّضا (عليه السلام) بقوله: ((من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله، فإنَّها تهدم الذنوب هدمًا)).
وممَّا سبق يظهر أنَّ جميعنا له القدرة على تكفير ذنوبه مهما كانت بهذه الوسائل العباديَّة اليسيرة وهذه من رحمة الله التي وسعت كل شيء.
وعليه فمن الآن يجب عقد النيَّة على إعداد برنامجٍ يعتمد هذه الوسائل العباديَّة، ونجعل نيَّة التكفير عن الذنوب في أدائها ضميمة مع القربة لله تعالى، وهكذا نتسامى بألق عباديٍّ في علاقتنا مع الله تعالى.
وفي الختام - ابنتي الكريمة - أذكركم بقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.
فلا تجعلي للشيطان عليكِ سبيلاً رغم أن كيده كان ضعيفاً.
غفر الله تعالى لنا ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات ببركة الصلاة على محمَّد وآله صلوات اللّٰه عليهم أجمعين.
ودمتم في رعاية اللّٰه وحفظه ابنتي.