(ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض) هل يقرّ الكافر بكون الله هو الخالق؟
السلام عليكم: يقول تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماواتِ والأرضَ ليقولنّ الله قل أفرأيتم..) كيف يقرّ الكافرُ بكون الله خالق السماواتِ والأرض؟ ممكن شرح مفصّل لهذه الآية الكريمة حسب تفاسيرنا؟
إذا رجعنا للآيةِ بتمامها وهي قولهُ تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَل هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَو أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَل هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)، نجدُ أنّ المخاطبَ ليس هو الكافرُ المنكرُ لوجود الله تعالى، وإنما هو المشرك الذي يعبدُ الاصنام أو يتخذ أولياءَ من دون الله تعالى؛ وذلك لأنّ السببّ في انحرافِ المشركين هو اعتقادهم بأنّ عبادة الأصنام هي التي تقرّبهم إلى الله زلفى كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُم إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ). وبذلكَ نكتشفُ الفرقَ بين الكافر المنكر لوجودِ الله وبين المشركِ المقرّ بوجودهِ ولكنه يصرفُ العبادةَ لغيره، وقد تناولت آياتٌ أخرى هذا المعنى مثل قولهِ تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)، وقوله تعالى: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) يقولُ صاحبُ تفسير الميزان في قوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ): «شروعٌ في إقامة الحجّة، وقد قَدَّم لها مقدّمةً تبتني الحجة عليها، وهي مسلَّمة عند الخصم، وهي أنّ خالق العالم هو الله سبحانه؛ فإنّ الخصم لا نزاع له في أنّ الخالق هو الله وحدهُ لا شريك له، وإنّما يدّعي لشركائه التدبير دون الخلق» (الميزان: ج17، ص266) وعليه فإنّ الاعتقاد على مستوى الخالقيةِ أمرٌ اعترفَ به المشركون، ولكنّهم ابتُلوا بالانحراف فيما يتعلّق بالاعتقاد في كون الخالق هو أيضاً الربّ الذي بيده تدبيرُ كلّ شيء، فمن يصرفُ العبادة لأيّ شيء دونَ الله يقعُ في الشرك حتماً حتى لو اعتقد بكون الله وحدهُ هو الخالق. يقولُ الشيخ السبحاني: «يستفادُ بجلاء من مطالعة عقائد الوثنية في كتب الملل والنحل أنّ مسألة التوحيد في الخالقية كانت موضعَ اتفاق، وأنّ الانحراف كان في مسألة التدبير أوّلاً، والعبادة ثانياً. فكان الوثنيون موحِّدين في أمر الخلقة، مشركين في الربوبية، ثمّ في العبادة. وكان الشركُ في العبادة عاماً، بخلاف الشرك في التدبير، فلم يكن مثلهُ في السعة والشمول