مجيد - الولايات المتحدة
منذ 4 سنوات

الشبهة حول ولد الامام العسكري ع و نواب الأربعة

قال أحمد الكاتب في كتابه (( تطور الفكر السياسي الشيعي...)) الفصل الثاني: المطلب الثالث: التحقيق في شهادة (النواب الأربعة): ان الرواية التاريخية الظاهرية للاحداث بعد وفاة الامام الحسن العسكري ع تقول ان الامام لم يخلف ولدا لا ذكرا ولا انثى، وانه اوصى بأمواله لأمه: (حديث)، ولذلك فقد ادعى اخوه جعفر الامامة وتبعه قوم من الشيعة، اما رواية (النواب) فتقول: انه كان ثمة ولد مخفي مستور للامام العسكري، وقد ادعوا النيابة عنه والوكالة له. وان تصديقهم يجر الى التصديق بوجود (الحجة بن الحسن) ولكن التشكيك بقولهم لا يثبت شيئا من الرواية السرية بوجود ولد للامام العسكري، فهل كانوا صادقين حقا؟ وهل اجمع الشيعة على وثاقتهم؟ وكيف صدقوهم؟ وماهو الدليل على صحة كلامهم؟.. وهل هناك ما يدعو الى التشكيك بهم والريب في دعواهم النيابة عن (الامام المهدي) والشك في وجوده؟ قبل ان نقيّم تلك الروايات التي وردت بمدحهم وتوثيقهم، لا بد ان نشير الى ان ظاهرة ادعاء النيابة عن (الامام المهدي) هذه لم تكن اول ظاهرة في تاريخ الشيعة، حيث سبقتها وسبقت هؤلاء (النواب الاربعة) ظواهر اخرى ادعى فيها كثير من الاشخاص النيابة والوكالة عن الأئمة السابقين الذين ادعيت لهم المهدوية، كالامام موسى الكاظم (ع) ، الذي ادعى كثير من اصحابه استمرار حياته وغيبته ومهدويته، وكان منهم محمد بن بشير الذي ادعى النيابة عنه، ثم ورّث النيابة الى ابنائه واحفاده. وقد ادعى النيابة عن (الامام محمد بن الحسن العسكري) بضعة وعشرون شخصا، كان منهم الشريعي والنميري والعبرتائي والحلاج وغيرهم، و ذلك لأن دعوى النيابة كانت تجر مصالح مادية ومكانة اجتماعية سياسية للمدعي، خاصة وان المدعي كان يهمس بها في السر وينهى عن التحقيق في دعواه، ويستغل علاقاته السابقة بالامام فيدعي استمرار حياته او وجوده والنيابة عنه. وكانت دعواه تنطلي على البسطاء ويرفضها الاذكياء المحققون الواعون. وقد رفض الشيعة الامامية دعوى اكثر من عشرين مدعٍ للنيابة عن (الامام المهدي ابن الحسن العسكري) واتهموهم بالكذب والتزوير، كما شككوا بصحة دعوى اولئك (النواب الاربعة) واختلفوا حولهم، و لم يكن في الروايات التي اوردها المؤرخون دليلا علميا قويا على صدقهم وصحة دعاواهم وهذا ما يجعل هؤلاء قسما من المدعين الكاذبين المتاجرين بقضية (الامام المهدي). لقد اعتمد الشيخ الطوسي في توثيق عثمان بن سعيد العمري على عدة روايات، وكان بعضها، كرواية احمد بن اسحاق القمي، ينص على توثيقه من قبل الامام الهادي والامام العسكري في المحيا والممات، وانه الوكيل والثقة المأمون على مال الله، وليس فيها ما ينص على نيابة العمري عن (الامام المهدي) ولكن بعض الروايات كان ينص بصراحة على اعلان الامام العسكري خلافة العمري للامام المهدي، الا ان سند هذه الرواية ضعيف جدا وذلك لاشتماله على (جعفر بن محمد بن مالك الفزاري) الذي يقول عنه النجاشي وابن الغضائري: انه كذاب متروك الحديث وكان في مذهبه ارتفاع (غلو) ويروي عن الضعفاء والمجاهيل وكل عيوب الضعفاء مجتمعة فيه، وقد روى في مولد القائم اعاجيب، وكان يضع الحديث وضعا، وانه كان فاسد المذهب والرواية. أما الرواية السابقة التي تتحدث عن وثاقة العمري وأمانته ووكالته فانها مجهولة، ويوجد في سندها الغالي (الخصيبي) وهي تنطوي على دعوى علم الامام العسكري بالغيب ومعرفته بوفد اليمن قبل ان يراهم هذه الدعوى من مفاهيم الغلاة، وان الرواية الأولى تقول: ان العسكري أخبر باستقامة العمري في المستقبل بعد وفاته، وهذا ما لا يعلمه الا الله، وهو من علم الغيب ايضا. ومن هنا، وبعد سقوط هذه الروايات لضعفها متنا وسندا، فانا نكاد نحصل على نتيجة واحدة، هي: ان العمري الذي كان وكيلا للامامين الهادي والعسكري في قبض الاموال، قد استصحب الوكالة وادعى وجود (ولد) للامام العسكري، ليدعي الوكالة له، دون ان يقدم دليلا واضحا وأكيدا على ما يقول. ولذلك لا يؤكد المؤرخون بصراحة على توكيل (المهدي) له، وهذا الطبرسي الذي كان حريصا على تدوين كل ما وصل اليه لا يقول في كتابه (الاحتجاج) اكثر من: (ان العمري قام بأمر صاحب الزمان، وكانت توقيعاته وجوابات المسائل تخرج على يديه). ولم يذكر المؤرخون الشيعة اية (معجزة) له تثبت دعواه في النيابة، بالرغم من قول السيد عبدالله شبر في:(حق اليقين): ان الشيعة لم تقبل قول النواب الا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر، تدل على صدق مقالتهم وصحة نيابتهم. أما (النائب الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد العمري) فلم يذكر المؤرخون الشيعة اي نص مباشر عليه من (المهدي) بتعيينه نائبا عنه، وقال الطوسي:: •انه قام مقام أبيه بنص أبى محمد (الحسن العسكري) عليه ونص أبيه عثمان بأمر القائم. وذكر الطوسي رواية عن عبد الله بن جعفر الحميري القمي، انه قال: ان المهدي قد ارسل الى العمري (توقيعا) يعزيه فيه بوفاة والده عثمان بن سعيد، ويحمد الله على قيامه مقامه ويدعو له بالتوفيق. وان الكتب أتتنا بالخط الذي كنا نكاتب به باقامة أبى جعفر مقام أبيه، كما نقل الطوسي رواية اخرى عن محمد بن ابراهيم بن مهزيار الاهوازي واخرى عن اسحاق بن يعقوب عن الامام المهدي يشهد بوثاقته ويترضى عليه. وكل هذه روايات تنقل بواسطة العمري نفسه، وهو ما يضعف الرواية. ولا يوجد اي طريق لاثبات دعوى ان العمري عثمان بن سعيد قد نص على ابنه محمد بأمر القائم، ويبدو انه تخمين من قبل الطوسي، كما لا يوجد في الحقيقة اي دليل لاثبات النص من الأب على الابن سوى الوراثة والادعاء. ان المشكلة الكبرى تكمن في صعوبة التأكد من صحة (التواقيع) التي كانت يخرجها العمري وينسبها الى (الامام المهدي) وخاصة التوقيع الذي رواه الحميري القمي ، حيث لم يذكر طريقه الى (الامام الغائب) مما يحتمل قويا ان يكون العمري قد كتبه بيده ونسبه الى (المهدي) خاصة وانه يكيل المدح والثناء لنفسه فيه، مما يلقي بظلال الشبهة عليه لو كان الامام ظاهرا، فكيف وهو غائب؟ ولا يوجد اي راوٍ للتوقيع سوى العمري نفسه، ولم يقل الحميري كيف سارع الى تصديق التوقيع مع وجود الجدل في ذلك الزمان بين الشيعة حول صدق العمري في دعوى النيابة؟ مع احتمال اختلاق الحميري القمي نفسه للتوقيع ونسبته الى (المهدي). واما رواية محمد بن ابراهيم بن مهزيار الاهوازي، فهي ضعيفة لأنه يعترف بأنه كان يشك في وجود المهدي في البداية، وقد ادعى الوكالة بعد ذلك في أعقاب لقائه بالعمري في بغداد، وبالتالي فانه مشكوك في أمره، ولا يقول هنا كيف خرج التوقيع اليه مباشرة او عبر العمري؟ فان كان يدعي انه وصله مباشرة، فكيف؟ وهل رأى المهدي بنفسه؟ وهو لا يدعي ذلك؟ أم عن طريق العمري؟ وهذا ما يثير الشك ايضا. واما الرواية الثالثة (رواية اسحق بن يعقوب) التي تصرح بأنها واردة عن طريق العمري، فانها ضعيفة لوجود الشك باختلاق العمري لها، ولمجهولية وضعف اسحاق بن يعقوب، وعدم تصريحه بكيفية التعرف على خط المهدي، علما بأن الطوسي يقول: ان الخطوط التي كانت تخرج بها التوقيعات هي نفس الخطوط التي كانت تخرج في زمان العسكري. واخيرا فان حكاية رؤية محمد بن عثمان العمري للمهدي في الحج، هي دعوى مجردة عن الدليل، وهو لم يقل كيف تعرف على المهدي الذي لم يره من قبل؟ وربما كان قد اشتبه به مع رجل آخر. ومن هنا فقد توقف احمد بن هلال العبرتائي (شيخ الشيعة في بغداد) - الذي نقل الفزاري عنه انه شهد مجلس عرض العسكري للمهدي وتعيين العمري خليفة له - وشكك في صحة دعوى العمري الابن في النيابة الخاصة عن المهدي، وانكر ان يكون سمع الامام العسكري ينص عليه بالوكالة، ورفض الاعتراف به بوكالته عن (صاحب الزمان). وكان العبرتائي قد لعب دورا كبيرا في دعم دعوى عثمان بن سعيد العمري بالنيابة، وكان يأمل ان يوصي اليه من بعده، فلما اوصى الى ابنه محمد، رفض ذلك وادعى هو النيابة لنفسه، مما يكشف عن التواطؤ والمصلحية في دعاوى (النيابة الخاصة). ونتيجة لغياب النصوص الصحيحة والمؤكدة على نيابة محمد بن عثمان العمري، فقد شك الشيعة في دعواه، وروى المجلسي في:(بحار الأنوار): ان الشيعة كانوا في حيرة ولم يكونوا يثقون بدعاوى النيابة الكثيرة، وقال ان ابا العباس احمد السراج الدينوري سأل العمري عن الدليل الذي يؤكد صحة ادعاءه، وانه لم يؤمن به الا بعد ان اخبره شخص بالغيب وقدم له (معجزة). وقد اشتهر عند الشيعة تلك الايام حديث عن أهل البيت (ع) يقول: (خدامنا وقوامنا شرار خلق الله) مما دفعهم للتشكيك بصحة دعاوى النيابة الخاصة، وقد أكد الشيخ الطوسي صحة ذلك الحديث ولكنه قال:• انه ليس على عمومه ، وانما قالوا لأن فيهم من غيّر وبدّل وخان. وقد ندم بعض الشيعة على اعطاء الاموال الى العمري كما شكوا بوجود المهدي والتواقيع التي كان يخرجها العمري وينسبها اليه، وكان منهم قسم من أهل البيت (ع) وهذا ما دفع العمري الى ان يصدر كتابا على لسان المهدي يندد بالشاكين والمنكرين لوجود المهدي. كما شك قسم آخر بصحة وكالة النوبختي وتساءل عن مصرف الاموال التي كان يقبضها باسم الامام المهدي، وقال: ان هذه الاموال تخرج في غير حقوقها، ويقول الصدوق والطوسي: ان النوبختي استطاع ان يقنعهم عن طريق المعاجز والاخبار بالغيب كتحديد وفاة بعض الاشخاص مسبقا، والتقاطه لدراهم من صرة شخص على مسافة بعيدة. وفي الحقيقة ان المؤرخين الشيعة يذكرون قصصا كثيرة عن شك الناس بالمدعين للنيابة وتكذيب بعضهم للبعض الآخر، و لكن عامة الاثني عشرية يميزون اولئك (النواب الاربعة) عن بقية المدعين المذمومين بقدرة اولئك على اجتراح المعاجز وعلمهم بالغيب. وقد ذكر الكليني والمفيد والطوسي عشرات القصص التي تتحدث عن قيام النواب الاربعة بفعل المعاجز الخارقة للعادة، واخبارهم بالمغيبات. ونقل الطوسي عن (هبة الله) حفيد العمري: •ان معجزات الامام ظهرت على يديه وانه كان يخبر عن الغيب. وذكر الطوسي: خبرا عن علي بن احمد الدلال: ان العمري اخبره بساعة وفاته من يوم كذا وشهر كذا وسنة كذا، فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي ذكره من السنة التي ذكرها، وكان ذلك في آخر جمادى الأولى من سنة 305 هـ ولكن هذا القول كان يخالف مباديء التشيع واحاديث أهل البيت (ع) الذين كانوا ينفون علمهم بالغيب او استخدام الطريقة الاعجازية الغيبية لاثبات امامتهم. يقول الشيخ الصدوق في:(إكمال الدين):• الامام لا يعلم الغيب وانما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسنة، ومن ينحل للأئمة علم الغيب فهذا كفر بالله وخروج عن الاسلام عندنا، وان الغيب لا يعلمه الا الله وما ادعاه لبشر الا مشرك كافر. وقد قال الامام الصادق (ع): يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب!.. والله لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في اي بيوت الدار هي. وجاء ابو بصير ذات مرة الى الامام الصادق وقال له: انهم يقولون... انك تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب، فقال: سبحان الله!.. سبحان الله ! لا والله ما يعلم هذا الا الله. وسأل يحيى بن عبدالله الامام موسى الكاظم (ع) فقال:• جعلت فداك انهم يزعمون انك تعلم الغيب؟ فقال: سبحان الله! ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت شعرة فيه وفي جسدي الا قامت. لا والله ما هي الا وراثة من رسول الله. وفي رواية اخرى ينقلها الحر العاملي، يقول فيها الامام: قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ومن دينه جناح البعوضة ارجح منه... اني بريء الى الله والى رسوله ممن يقول انا نعلم الغيب. إذن فلا يمكننا ان نصدق بدعوى اولئك النواب بالنيابة عن الامام المهدي، ونعتبر قولهم دليلا على وجود الامام، استنادا الى دعاوى المعاجز او العلم بالغيب، ولا يمكننا ان نميز دعواهم عن دعوى أدعياء النيابة الكاذبين الذين كانوا يتجاوزون الاربعة والعشرين. وإذا كنا نتهم أدعياء النيابة الكاذبين بجر النار الى قرصهم، وبالحرص على الاموال والارتباط بالسلطة العباسية القائمة يومذاك، فان التهمة تتوجه ايضا الى اولئك (النواب الاربعة) الذين لم يكونوا بعيدين عنها. يقول محمد بن علي الشلمغاني الذي كان وكيلا عن الحسين بن روح النوبختي في بني بسطام، ثم انشق عنه وادعى النيابة لنفسه: ما دخلنا مع أبى القاسم الحسين بن روح في هذا الأمر الا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، لقد كنا نتهارش على هذا الأمر كما تتهارش الكلاب على الجيف. وإذا لم نستطع إثبات دعاوى (النواب الاربعة) وشككنا في صحة اقوالهم، فكيف نستطيع إثبات • وجود (الامام محمد بن الحسن العسكري)، بناء على شهادتهم باللقاء به و الوكالة عنه؟ واضافة الى هذا الشك، هناك دليل آخر على كذب أدعياء النيابة، وهو عدم قيامهم بأي دور ثقافي او فكري او سياسي لخدمة الشيعة والمسلمين ما عدا جباية الاموال والادعاء بتسليمها الى (الامام المهدي). وكان المفترض بالنواب الذين يدعون وجود صلة خاصة بينهم وبين (الامام المهدي) ان يحلوا مشاكل الطائفة وينقلوا توجيهات الامام الى الامة، ولكنا نرى (النائب الثالث): الحسين بن روح النوبختي، مثلا، يلجأ الى علماء قم ليحلوا له مشكلة الشلمغاني الذي انشق عنه، ويرسل كتابه (التأديب) الى قم، ليبين علماؤها له الصحيح والسقيم، كما يقول الشيخ الطوسي في (الغيبة). ان في ذلك دلالة على عدم وجود اي اتصال بينه وبين (المهدي) وإلا لكان عرض الكتاب عليه وسأله عن صحته. ومما يعزز الشك في عدم وجود (المهدي محمد بن الحسن العسكري) هو عدم قيام أدعياء النيابة بملأ الفراغ الفقهي وتوضيح كثير من الأمور الغامضة التي كان يجب عليهم تبيانها في تلك المرحلة، ومن المعروف ان الكليني قد ألف كتاب (الكافي) في أيام النوبختي، وقد ملأه بالاحاديث الضعيفة والموضوعة التي تتحدث عن تحريف القرآن وأمور اخرى باطلة، ولكن النوبختي او السمري لم يعلقا على الموضوع ولم يصححا اي شيء من الكتاب، مما تسبب في اذية الشيعة عبر التاريخ و اوقعهم في مشكلة التعرف على الأحاديث الصحيحة من الكاذبة. ولقد أبدع السيد المرتضى نظرية (اللطف) التي يقول فيها: ان الامام المهدي يجب ان يتدخل ليصحح اجتهادات الفقهاء في عصر الغيبة ويخرب اجماعهم على الباطل، وبناء على ذلك كان الاجدر والاولى والأيسر ان يصحح (الامام المهدي) لو كان موجودا، كتاب الكليني، او يترك وراءه في (عصر الغيبة الكبرى) كتابا جامعا يرجع اليه الشيعة. وهذا ما لم يحصل، ولم يقدم أدعياء النيابة اي شيء يذكر في هذا المجال، وهذا ما يدفعنا للشك في صدقهم، وفي دعواهم بوجود (أمام غائب) من ورائهم. وقد تعجب الشيخ حسن الفريد (زميل الامام الخميني) في كتابه: (رسالة في الخمس) واستغرب بحيرة وتساءل عن السر وراء عدم سؤال الكليني من (صاحب الزمان) عبر وكيله النوبختي عن حكم مسألة الخمس في (عصر الغيبة) على الفرض كتاب لإبن غضائري ثابت (كما عند بعض المحققين) ما جواب هذه الشبهة؟


الأخ ماجد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أولاً: نقدّم اعتذارنا لعدم توفر الوقت الكافي للرد التفصيلي على ما طرحه أحمد الكاتب ولوجود ردود عديدة ومساجلات معه على النت. ثانياً: الملاحظ في كتابات احمد الكاتب أن له أصول موضوعية خاصة به يأخذها كمسلمات وهذا لا إشكال فيه بحد ذاته لو أنه قد بحث هذه الأصول وأثبتها في مكانها ثم بنى عليها ما يكتبه لاحقاً، أما أن يذكر ما يعتقده كمسلمة غير قابلة للبحث والنقاش فهذا ليس من البحث العلمي في شيء أن لم يكن متعمداً في ذلك لإيهام القارئ أو لقصور في المقدرة الفكرية والعقلية وشحة في المعلومة المعرفية عنده. وإلاّ فان ذكر مقدمات كمسلمات يتلقاها القارئ الساذج بأنها حقيقة واقعة من معتقدات الشيعة مع أنها ليست كذلك نوع من المغالطة. ثالثاً: من هنا نحب أن ندون بعض الملاحظات على ما طرحه في المطلب الثالث من الفصل الثاني: فهو قد أورد مقدمتين ثم حاول أن يخرج منها بملازمة تسوق ذهن القارئ إلى ما يريد، فقد ذكر أن هناك طرحين بروايتين متناقضتين احداها في العلن والظاهر أمام الناس تخبر عن عدم وجود ولد للإمام الحسن العسكري(ع) والثانية في السر والخفاء والتستر تثبت وجود مثل هذا الولد وهو المهدي (ع) ومصدر هذه الرواية السرية منحصر في النواب الأربعة(رض). والمقدمة الأولى لابأس بها فإن ذلك ما يدعيه الشيعة ويدّعون ان له مشابه من سنن الله في أنبياءه ، ولكن هذه المقدمة لا تناقض المقدمة الثانية التدعي ولادته(ع) في الخفاء، لأن الحد الوسط مختلف، فالأولى تنكر إعلان ولادته أمام الملأ، والثانية تثبت ولادته في السر والخفاء، إضافة إلى أن الإثبات مقدم على النفي وأن عدم الوجود الظاهري لا يدل على عدم الوجدان، ولكن الكاتب حاول بطريقة طرحه لهاتين المقدمتين إيحاء وجود التناقض بينهما تمهيداً لما يريد سوق ذهن القارئ إليه. والمقدمة الثانية وأن كانت مما يدعيه الشيعة أيضاً أي ولادته(ع) في الخفاء ولكن (وهذا هو الجزء الأهم من مغالطة الكاتب) لم يقل أي أحد منهم بانحصار العلم به عن طريق النواب الأربعة فقط. إذ إيحاء الكاتب في كلامه بالانحصار هو الذي يسوق عقل القارئ إلى ما يريد أن يدعيه من أن البحث الموضوعي ينصب على إثبات صدق النواب أو عدم صدقهم. وإلاً لو لم يتم ما يدعيه من انحصار دعوى الولادة بالنواب الأربعة، فإن الملازمة المدعاة في كلامه من أن أثبات ولادته(ع) متوقف على تصديقهم (رض) سوف لا تثبت. وانت ترى أنه بهذا الطرح والصورة التي بناها لاستدلاله يمهد ذهن القارئ ويزرع فيه الشك مسبقاً ولو عن طريق التسائل عن مدعى وثاقة وصدق النواب ويجعل مجهر البحث عند القارئ يتوجه لا إراديّاً نحو عن البحث عن شواهد موضوعية لإثبات وثاقتهم وعند ذلك فالمجال واسع لتشكيك والطعن فيهم. فلاحظ وتنبه. رابعاً: وملاحظة أخرى أنه أورد كمقدمة تاريخية وجود كثير من المدعين للنيابة قبل هؤلاء النواب الأربعة حتى يمهد الأرضية في ذهن القارئ للتصديق بأنهم أو إمكان كونهم من هؤلاء المدعين الكاذبين، ولو أنه ساق مقدمته بأن هناك سنة الهية بغيبة الإمام والولي وبقاء نواب له ظاهرين وأن هذه السنة حقيقة حتى ولو انتحلها العشرات من الكذابين لأصبحت مقدّمة ناقضة للغرض الذي ألف من اجله كتابه فإن وجود النبوات الحقيقة لا يلغيه وجود عشرات المدعين للنبوة فإن نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) لم يؤثر في صدقها إدعاء مسيلمة وسجاح والأسود العنسي. وطريق البحث عن صدق كل نبوة لتمييزها عن النبوة المدعاة يكون بالمحاكمة الموضوعية لكل دعوى بانفرادها حسب ما قرر في علم الكلام. وأن كثرة المدعين الكاذبين لأي دعوى لا تصبح دليلاً على رد الدعوى الصادقة مهما كثرت هذه الكثرة، فالطريق الصحيح لإثبات أي دعوى هو محاكمتها موضوعياً بانفرادها لا بالقياس إلى غيرها الكاذبة. خامساً: ملاحظة أخرى أنه اعتبر احدى جهات رد الرواية احتوائا على دعوى علم الإمام العسكري (ع) بالغيب وأن هذه الدعوى من مفاهيم الغلاة وبالتالي ترد الرواية من هذه الجهة. وهذه احدى النقاط التي أشرنا إليها آنفاً من أنه يدعي اصلاً يجعله كمسلمة غير قابلة للنقاش ويتلقفه القارئ أنه مسألة متفق عليها مع أنها يجب أولاً أن تبحث في مكانها حسب المنهج العلمي هذا، ثم أن هذه المقدمة مغلوطة تماماً في حد نفسها وقد قامت الأدلة الكثيرة عقلاً ونقلاً على ثبوت علمهم بالغيب بالتعلم. سادساً: ملاحظة أخرى وهي أنه يحاول أن يظهر للقارئ معنى غير مراد من كلمات العلماء السابقين أما لعدم فهمه لعباراتهم أو تعمداً مثل ما نقله عن صاحب الإحتجاج من قوله: (أن العمري قام بأمر صاحب الزمان وكانت توقيعاته وجوابات المسائل تخرج على يديه) ليستنتج منه عدم تأكيد المؤرخين لوكالة العمري عن الإمام المهدي(عج)، مع أن حق اللفظ وهو قوله (قام بأمر صاحب الزمان) أقوى واصرح من الوكالة فان قول العرب أن فلان قام بأمر فلان تدل على نيابته عنه بل أنه كنفسه لو كان حاضراً. وأيضاً مثل ما أستفاده من رفض العبرتاتي نيابة العمري (الابن وادعائها لنفسه مع أنه لعب دوراً في دعم نيابة العمري الأب بأن ذلك يدل على وجود التواطؤ والمصلحية في دعوى النيابة، حيث عمم المصلحية والتواطؤ كما هو ظاهر عبارته على الفريقين أي العبرتاتي والعمري؟ مع ان ذلك لو سلم فإنه يدل على وجود المصلحية من طرف مصلحيّة طلحة والزبير فقط ولا يدل على وجودها عند العمري فما قاله مغالطة واضحة. فإن العبرتاني في البيعة لعلي(ع) لا تعني تواطؤ علي(ع) معهما - حاشاه - وهل هذا إلاّ استغفال للقارئ. سابعاً: واخيراً وأن كنا لا نحب أن ننجر إلى طريقة البحث التي يحاول الكاتب أن يجرنا إليها في البحث عن جزئيات الوثاقة بعد أن ادعى الملازمة ولكنا نقول: أنه من المعروف أن التواتر في معرفة أسماء المدن والحوادث في التاريخ مثلاً يكون دليلاً كافياً في إثبات وجود هذه المدن والحوادث ولا يحتاج بعده إلى إثبات ذلك بأخبار الآحاد أو ما شابه، إذ بعد الوضوح والتسالم بوجود مدينة من المدن في العالم فلا نحتاج إلى ان نثبت ذلك بسؤال خصوص الناس الذين رأوها أو زاروها فعلاً، فهذا محض تكلّف لا حاجة له بعد ذلك الوضوح والتسالم في الموضوع.. وكذلك المقام إذ بعد الوضوح والتسالم عند الطائفة المأخوذ يداً بيد من الجيل الأول لعلماء الغيبة الصغرى بسفارة هؤلاء السفراء الأربعة دون غيرهم من حيث العدد والاسماء لا نحتاج إلى إثبات وثاقتهم او سفارتهم بأخبار الآحاد التي يحوم حولها هذا (الكاتب) من دون تحصيل. فالوضوح والتسالم هو من أقوى الأدلة على ثبوت الأشياء، والإ كان عليه ان يناقش في كل الواضحات الثابتة في العالم من حيث أسماء المدن والحوادث واسماء المشاهير ويثبتها بأخبار الآحاد دون ذلك الوضوح والتسالم... وعليه: فكل ما رتبه من لوازم بلحاظ ما استفاده من أخبار الآحاد في اثبات سفارة هؤلاء السفراء ووثاقتهم لا قيمة له، بل عليه أن يأتي بأدلة تخالف هذا الوضوح المدّعى في المسألة، كأن يأتي بدليل صريح يثبت فيه عدم سفارة هؤلاء السفراء أو عدم وثاقتهم، لا أنه يأتي بأدلة تكون في طول أثبات سفارة هؤلاء السفراء أو اثبات وثاقتهم ثم يحاول التشكيك سنداً ودلالة لينتهي على ان لازم ذلك ان لا سفارة حقيقية لهم من الإمام المهدي(عج)... فهذا الأمر مضحك للثكلى وهو يشبه من يقول: أني قد قرأت في كتاب مجهول المؤلف يذكر فيه وجود مدينة في العالم اسمها (النجف)، وانا أقول أنه لا وجود لهذه المدينة في العالم لأن السند في إثباتها ضعيف، وذلك لأن صاحب هذه الدعوى مجهول الحال فإن مثل هذا الشخص سيضحك الناس عليه ويقولون له ومن قال لك ان إثبات وجود هذه المدينة منحصر بهذا الكتاب فقط، بل هناك طرق ومسالك متعددة أثبتت هذا الأمر حتى صار واضحاً معلوماً للجميع ولا يمكنك دحض هذه الحقيقة ابداً ما دام قد تسالم عليها الجميع وذعنوا لها.. وهنا كذلك نقول للـ... (الكاتب): من قال لك ان اثبات سفارة هؤلاء السفراء يكون بإخبار الآحاد فقد تكون هناك طرق ومسالك كثيرة خفيت علينا ولم تذكرها المجاميع الحديثية في إثبات سفارتهم ولم يبقى لدينا الآن سوى الوضوح والتسالم الذي صار عليه الجيل الأول من علماء الغيبة الصغرى في ثبوت سفارة هؤلاء السفراء بعددهم وأشخاصهم دون غيرهم، الأمر الذي تلقيناه نحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري يداً بيد وطبقة عن طبقة ولم نشهد في أي جيل او طبقة من الطبقات السابقة لنا شكاً أو تردداً في الاعتقاد بسفارة هؤلاء السفراء ونيابتهم عن الإمام المهدي (عليه السلام). فـ.. (الكاتب) عليه أن يأتي بأدلة قطعية تخالف هذا الوضوح القطعي عند الطائفة وتقول ان هؤلاء ليسوا بسفراء لا أنه يأتي بأدلة تقع في طول اثبات سفارتهم ثم يشكك فيها سنداً ودلالة..، إذ لا قيمة لمثل هذه التشكيكات بعد ذلك الوضوح والتسالم المأخوذ يداً بيد وطبقة عن طبقة من علماء الطائفة ومحدّثيها. وبعد هذا لا نجد حاجة إلى مناقشة اللوازم التي رتبها على استفادته المبتسرة من أخبار الآحاد التي جاء بها في المقام. ودمتم في رعاية الله

2