( 20 سنة ) - السعودية
منذ 3 سنوات

جهاد النفس*

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما هو أبرز ماورد في تراث أهل البيت (عليهم السلام) عن جهاد النفس، وماهي شروط المجاهدة؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الكلام يكون في ضمن نقاط بشكل مختصر ومبسط النقطة الأولى : وردت أحاديث شريفة في جهاد النفس منها : 1- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "المجاهد مَن جاهد نفسه في الله".(الريشهري، ميزان الحكمة:ج١،ص٤٥٣). 2- عن الإمام الباقر (عليه السلام): "إنّ المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر".(الحرّاني،تحف العقول:ص٢٨٤). 3- عن الإمام علي (عليه السلام): "جهاد النفس بالعلم عنوان العقل".(الريشهري، ميزان الحكمة:ج١،ص٤٥٣). 4- عن الإمام علي (عليه السلام): "حاربوا هذه القلوب، فإنّها سريعة العثار".(الريشهري، ميزان الحكمة:ج١،ص٤٥٣). 5- عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث بسرية فلما رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقيَ الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس".(المجلسي، بحار الأنوار:ج٦٧،ص٦٥). 6- عن الإمام علي (عليه السلام): "أفضل الجهاد مَن جاهد نفسه التي بين جنبيه".(المجلسي، بحار الأنوار:ج٦٧،ص٦٥). 7- عن الإمام علي (عليه السلام): "أفضل الجهاد جهاد النفس عن الهوى، وفطامها عن لذات الدنيا".(الريشهري، ميزان الحكمة:ج١،ص٤٥٣). 8- عن الإمام علي (عليه السلام): "غاية المجاهدة أن يجاهد المرء نفسه".(الريشهري، ميزان الحكمة:ج١،ص٤٥٣). 9- عن الإمام الباقر (عليه السلام): "لا فضيلة كالجهاد، ولا جهاد كمجاهدة الهوى".(الريشهري، ميزان الحكمة:ج١،ص٤٥٣). النقطة الثانية :شروط المجاهدة؟ أول شرط من شروط المجاهدة: هو التفكّر. ومن المعلوم أنّ التفكّر مقدّم على المجاهدة والعبادة والصوم وما شابه ذلك، وهو بمعنى أن يعرف الإنسان بأنّه ما خلق سدى ، فرب العالمين ما خلق هذا الوجود المذهل وما جعل في الأرض خليفة؛ لينتهي الأمر أن يتمتع الإنسان كما تتمتع الأنعام ، فهنالك غرض من صاحب الوجود ، ولا بدّ أن نتعرف على هذا الغرض من صاحب الخليقة. يقول الإمام الرضا (عليه السلام): "ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، إنّما العبادة التفكّر في أمر الله (عزّ وجلّ)". فالمراد بأمر الله هنا ليس البحث في الذات الإلهية وإنّما في غرضه من هذه الخلقة. ويقول الإمام الصادق(عليه السلام): "التفكّر يدعو إلى البرّ والعمل به".(الكليني،الكافي:ج٢،ص٥٥). صحيح هو تفكّر وقد يكون في غرفة مغلقة، ولكن هذا الفكر مقدّمة لكل خير ، كما أنّ شياطين الأنس في غرفهم المغلقة يخططون المؤامرات الكبيرة وتنعكس في الساحة، فهي كلّها أفكار واستراتيجيات في أماكن مغلقة. والشرط الثاني: هو العزم فبعد أن تفكّر الإنسان فإنّه يعزم على أن يخرج من هذا الواقع. وهنا أيضاً نقطة جداً جميلة وهي نحن لا نريد من العزم ما أراده ابن سينا حيث عبر عنها بالإرادة ، فقد قال: "إنّ أول خطوة فى سير العارفين هى الإرادة، وتلك الحالة هى الرغبة فى التعلّق بالحبل الإلهي المتين؛ لأنّها تمخضت عن اليقين الحاصل من البرهان، أو من خلال تهدئة وتسكين الذات بالإيمان، وفى النتيجة سيكون السرّ يتحرك ويتجه نحو القدس حتى يحصل على روح الاتّصال وما دام العارف على هذه الدرجة يسمى مريداً".(ابن سينا، الإشارات والتنبيهات: ج١،ص١٤٣). يقول نحن لا نريد الإرادة وإنّما نريد العزم ، ويفسر العزم بأن يوطن الإنسان نفسه ويتخذ قراراً بترك المعاصي، ففرق بين الإرادة وبين توطين النفس على ترك المعاصي، وإذا وصل الإنسان إلى هذه الدرجة، فأنّه سوف يصل إلى الخطوات المتقدّمة في عالم التزكية. النقطة الثالثة: المشارطة والمراقبة والمحاسبة وهي من الأمور الضرورية للمجاهد، وهي أمور ثلاثة: الأول - المشارطة: وتكون في أول اليوم حيث يخاطب الإنسان نفسه ويشارطها على أن لا يرتكب اليوم أيّ عملٍ يخالف أوامر الله تعالى، ويتخذ قراراً بذلك ويعزم عليه. وترك ما يخالف أوامر الله لمدة يوم واحد هو أمر يسير وسهل للغاية، ويمكن للإنسان بكل سهولة أن يلتزم به، فاعزم وشارط وجرب وانظر كيف أنّ الأمر سهل يسير، وقد يوسوس لك الشيطان ليصعب عليك الأمور ويصور الأمر وكأنّه صعب عسير، ولكنّه وهمٌ عليك أن تخرجه من قلبك،جرب ليوم واحد تعرف سهولته. الثاني - المراقبة: بعد المشارطة يأتي دور المراقبة، فيبقى طوال اليوم متنبهاً لتطبيق المشارطة، فتعتبر نفسك ملزماً بالعمل وفق ما شارطت، فإذا حدّثتك نفسك بارتكاب المعاصي فاعلم أنّه وسوسة الشيطان الذي يحاول استدراجك للمعصية، فالعنه واستعذ بالله من شرّه، وتذكّر شرطك لهذا اليوم وخاطب نفسك: إنّي اشترطت على نفسي أن لا أقوم في هذا اليوم وهو يوم واحد بأيّ عملٍ يخالف أمر الله تعالى، وهو ولي نعمتي طوال عمري، فقد أنعم عليّ بالصحة والسلامة والأمن وتلطف بألطاف أخرى، ولو أنّي بقيت في خدمته إلى الأبد لما أديت حق واحدة منها، أفلا أفي بشرط بسيط كهذا؟ الثالث - المحاسبة: إذا جاء الليل فقد حان وقت المحاسبة، فعليك أن تحاسب نفسك لترى هل أديت ما اشترطت على نفسك مع الله ولم تخن ولي نعمتك في هذا العهد البسيط؟ إذا كنت قد وفيت حقاً فاشكر الله على هذا التوفيق، وسيكون عمل الغد أيسر وأسهل عليك من سابقه، فواظب عليه مدّة حتى يتحوّل إلى عادة مطبوعة في نفسك تقوم بها بشكل تلقائي وبكل سهولة، وستحس حينها باللذة والأنس بطاعة الله تعالى وترك معاصيه رغم أنّ هذا العالم ليس عالم الجزاء. وإذا وجدت لا سمح الله في أثناء المحاسبة تهاوناً و فتوراً تجاه ما اشترطت على نفسك، فاستغفر الله واطلب العفو منه، واعزم على الوفاء بكل شجاعة بالمشارطة غداً، وثابر على ذلك واصبر حتى يفتح الله تعالى أمامك أبواب التوفيق والسعادة ويوصلك إلى صراط الإنسانية المستقيم. ويمكن للزيادة و الاطّلاع أكثر مراجعة الكتب المختصّة في ذلك منها: كتاب الأربعون حديثاً، كتاب جامع السعادات، و كتاب مرآة الكمال، و المحجة البيضاء، وغيرها. ودمتم موفقين.

6