السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته
جاء في الكامل في التأريخ - ابن الأثير - ج ٤ - الصفحة ٣٢٥-٣٢٨:
فلما رأى قيس بن الهيثم ما عزم أهل العراق عليه من الغدر بمصعب قال لهم ويحكم! لا تدخلوا أهل الشام عليكم فوالله لئن يطعموا بعيشكم ليضيقن عليكم منازلكم والله لقد رأيت سيد أهل الشام على باب الخليفة يفرح أن أرسله في حاجة ولقد رأيتنا في الصوائف وإن زاد أحدنا على عدة أجمال وإن الرجل من وجوههم ليغزو على فرسه وزاده خلفه.
فلم يسمعوا منه فلما تدانى العسكران أرسل عبد الملك إلى مصعب رجلاً من كلب وقال له أقرئ ابن أختك السلام وكانت أم مصعب كلبية وقل له يدع دعاءه إلى أخيه وادع دعائي إلى نفسي ويجعل الأمر شورى فقال له مصعب قل له السيف بيننا.
فقدم عبد الملك أخاه محمداً وقدم مصعب إبراهيم بن الأشتر فالتقيا فتناوش الفريقان فقتل صاحب لواء محمد وجعل مصعب يمد إبراهيم فأزال محمداً عن موقفه فوجه عبد الملك عبد الله بن يزيد إلى أخيه محمد فاشتد القتال فقتل مسلم بن عمروا الباهلي والد قتيبة وهو من أصحاب مصعب وأمد مصعب إبراهيم بعتاب بن ورقاء فساء ذلك إبراهيم وقال قد قلت له لا تمدني بعتاب وضربائه وإنا لله وإنا إليه راجعون فانهزم عتاب بالناس وكان قد كاتب عبد الملك وبايعه، فلما انهزم صبر ابن الأشتر فقتل، قتله عبيد بن ميسرة مولى بني عذرة وحمل رأسه إلى عبد الملك.
وتقدم أهل الشام فقاتلهم مصعب وقال لقطن بن عبد الله الحارثي قدم خيلك أبا عثمان. فقال: أكره أن تقتل مذحج في غير شيء. فقال لحجار بن أبجر يا أبا أسيد قدم خيلك قال إلى هؤلاء الأنتان قال ما تتأخر إليه أنتن فقال لمحمد بن عبد الرحمن بن سعيد مثل ذلك فقال ما فعل أحد هذا فأفعله فقال مصعب يا إبراهيم ولا إبراهيم لي اليوم ثم التفت فرأى عروة بن المغيرة بن شعبة فاستدناه فقال له أخبرني عن الحسين بن علي كيف صنع بامتناعه عن النزول على حكم ابن زياد وعزمه على الحرب فأخبره فقال: (إن الألى بالطف من آل هاشم * تأسوا فنسوا للكرام التأسيا) قال عروة: فعلمت أنه لا يبرح حتى يقتل.
ثم دنا محمد بن مروان من مصعب وناداه أنا ابن عمك محمد بن مروان فاقبل أمان أمير المؤمنين. فقال: أمير المؤمنين بمكة، يعني أخاه عبد الله بن الزبير قال فإن القوم خاذلوك، فأبى ما عرض عليه فنادى محمد عيسى بن مصعب بن الزبير له فقال له مصعب انظر ما يريد منك فدنا منه فقال له إني لك ولأبيك ناصح ولكما الأمان فرجع إلى أبيه فأخبره فقال إني أظن القوم يفون لك فإن أحببت أن تأتيهم فافعل فقال لا تتحدث نساء قريش إني خذلتك ورغبت بنفسي عنك قال فاذهب أنت ومن معك إلى عمك بمكة فأخبره بما صنع أهل العراق ودعني فإني مقتول فقال لا أخبر عنك قريشاً أبداً ولكن يا أبت الحق بالبصرة فإنهم على الطاعة أو الحق بأمير المؤمنين فقال مصعب لا تتحدث قريش أني فررت.
وقال لابنه عيسى: تقدم اذن أحتسبك فتقدم ومعه ناس فقتل وقتلوا وجاء رجل من أهل الشام ليحتز رأس عيسى فحمل عليه مصعب فقتله وشد على الناس فانفرجوا له وعاد ثم حمل ثانية فانفرجوا له وبذل عبد الملك الأمان وقال أنه يعز علي أن تقتل فاقبل أماني ولك كحمل في المال والعمل فأبى وجعل يضارب فقال عبد الملك هذا والله كما قال القائل:
(ومدجج كره الكماة نزاله * لا ممعنا هربا ولا مستسلما) ودخل مصعب سرادقه فتحنط ورمى السرادق وخرج فقاتل فأتاه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فدعاه إلى المبارزة فقال له يا كلب اعزب مثلي يبارز مثلك وحمل عليه مصعب فضربه على البيضة فهشمها وجرحه فرجع وعصب رأسه وترك الناس مصعبا وخذلوه حتى بقي في سبعة أنفس وأثخن مصعب بالرمي وكثرت الجراحات فيه فعاد إلى عبيد الله بن زياد بن ظبيان فضربه مصعب فلم يصنع شيئا لضعفه بكثرة الجراحات وضربه ابن ظبيان فقتله.
وقيل: بل نظر إليه زائدة بن قدامة الثقفي فحمل عليه فطعنه وقال: يا لثارات المختار فصرعه وأخذ عبيد الله بن زياد رأسه وحمله إلى عبد الملك فألقاه بين يديه وأنشد:
(نعاطي الملوك الحق ما قسطوا لنا * وليس علينا قتلهم بمحرم) فلما رأى عبد الملك الرأس سجد قال ابن ظبيان لقد هممت أن أقتل عبد الملك وهو ساجد فأكون قد قتلت ملكي العرب وأرحت الناس منهما وقال عبد الملك لقد هممت أن أقتل ابن ظبيان فأكون قد قتلت أفتك الناس بأشجع الناس.
وأمر عبد الملك لابن ظبيان بألف دينار فقال لم أقتله على طاعتك وانما قتلته على قتل أخي النابئ بن زياد ولم يأخذ منها شيئاً.
وكان قتل مصعب بدير الجاثليق عند نهر دجيل فأمر عبد الملك به وبابنه عيسى فدفنا وقال كانت الحرمة بيننا قديمة ولكن الملك عقيم.
دمتم في رعاية الله