السلام عليكم
يُتهم النبي صلى الله عليه وآله بأفتعال الحروب وكثرة غزواته (اي انه يبدأ الحروب)، ولذلك اطلق على المعارك غزوات، فما هو الرد الشافي على هذا القول؟
١-إن سيرة النبي (صلى الله عليه واله ) العملية في حروبه هي تطبيق عملي للإيديولوجية الإسلامية في أروع تجلياتها، سواء في وسائلها، أو في مقاصدها.وهي تمثل التجسيد الحي للتشريع الإسلامي في إطاره العملي، حيث نجد أن الجانب التطبيقي والتنفيذي منسجم تمام الانسجام مع الخط التشريعي العام بل إن استقراء حروب النبي صلی الله عليه وآله
ابتداءً من بدر، وحتى تبوك يبين لنا أن تلك الحروب لم تكن لغرض قتل الكفار، أو فرض الدِّين قسرا،
بل كانت كلّها حروب دفاعيّة في واقعها.
٢-ودراسة الواقع التاريخي لتلك الحروب والغزوات يأبى المصير إلى القول بأن الهدف من ورائها كان حمل الناس على الدخول في الإسلام قسراً، وإنما كان الهدف من تلك الحروب والغزوات الدفاع عن حرية العقيدة الإسلامية من جهة، وعن الكيان الدولي للإسلام من جهة أخرى.
٣-ويمكن تصنيفها إلى حروب دفاعية وحروب وقائية
حروب دفاعية
يدافع فيها الإسلام عن النفس والعقيدة ضد هجمات الكفار والمشركين، أو عن الالتزامات والعهود التي نقضها الكفار مع المسلمين.
وهذا ما نلاحظه في أغلب المعارك التي وقعت في صدر الإسلام، وتحديداً في فترة ما بعد هجرة النبي صلی الله عليه وآله إلى المدينة وحتى وفاته. وأمثلتها:
1- غزوات النبي صلی الله عليه وآله وامتازت كلها بوضوح الطابع الدفاعي؛ لأنها لا تخلو أن تكون لأحد الأمور التالية:
بعضها حصل لنقض العهد، كما حصل مع نبذ اليهود عهدهم مع رسول الله صلی الله عليه وآله في أن لا يحاربوا، ولا يعينوا أحداً على حرب المسلمين. أمَّا يهود بني قينقاع في المدينة فلتآمرهم ضد الدولة الإسلامية مع بني غطفان والأعراب، فأجلاهم النبي صلی الله عليه وآله
وأمَّا بنو قريظة فقد نقضوا العهد مع المسلمين بتآمرهم في غزوة الخندق مع الأحزاب ضد الدولة الإسلامية، وأمَّا غزوة بني النضير فكانت رداً على محاولتهم قتل النبي صلی الله عليه وآله وغرضها إجلاؤهم، وليس سفك دمائهم.
وأمَّا كفار قريش فقد نقضوا صلح الحديبية باعتدائهم على بني خزاعة حلفاء المسلمين في الصلح، فكان ذلك سبباً لفتح مكة، ولاسترداد حقوق مسلمي مكة التي أهدرت باستلاب أموالهم، وإخراجهم منها ظلماً وعدواناً.
2-حروب النبي صلی الله عليه وآله الكبرى ويظهر فيها تمام الوضوح الطابع الدفاعي؛ لأنها كانت لرد عدوان المشركين، كحرب أحد والأحزاب (الخندق).
3- جميع السرايا والتجريدات بعد معركة بدر كانت دفاعية، وحتى ما كان قبلها،كما حصل مع سرية عبد الله بن جحش (قبل بدر بشهرين)، حيث كان هدفها استطلاعي، فلم تؤمر بقتال، ولم يؤذن لها فيه
حروب وقائية
وهذه الحروب وإن كانت حروب ابتدائية في مباغتة المتربصين بالإسلام وأهله، إلاّ أنها في حقيقتها لم تكنْ حروب ابتدائية بالمعنى الكامل للكلمة؛ لأنها لم تكن تمثل هجوماً ابتدائياً وعدوانياً على أناس آمنين ومسالمين، بل كانت بمثابة ضربات وقائية لمن يتربصون بالمسلمين الدوائر، استهدفت إضعاف القوة الطاغية للشرك والكفر، أو هي امتداد لحالة حرب كانت بين المسلمين والمشركين، ولا إشكال في كون هذا المعنى مما يصدق عليه لفظ الدفاع؛ بل هو نوع من أنواعه.
وهي وإن كانت جهاداً ابتدائياً بالاصطلاح الفقهي، إلا أنها حروب دفاعيّة بالاصطلاح القانوني وأمثلتها:
أولا- حرب بني المصطلق مع المشركين، وحرب خيبر مع اليهود والذين كانوا قد هيّجوا قبائل العرب على حرب النبي صلی الله عليه وآله وأسّسوا حرب الأحزاب،
وكانت وظيفتهم في حوالي المدينة وظيفة الطابور الخامس، ومثل معركة حنين مع المشركين، والتي هي امتداد لفتح مكّة، وردعاً للجيش الذي عبأته قبيلة "هوازن" لقتال المسلمين.
وأما حرب مؤتة فكان الغرض منها الدفاع عن الحدود الشمالية، وللوقاية من حرب آتية لا محالة ضد المسلمين من قبل الرّوم البيزنطيين، أو هي رد فعل على قتل الدعاة والمبلغين والسفراء الذين أرسلهم النبي صلی الله عليه وآله من قبيل قتل سفير النبي (صلی الله عليه وآله ) الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك بُصرى يدعوه فيه إلى الإسلام، فلما نزل مؤتة عَرّضَ له شرحبيل بن عمرو الغساني والي الرّوم في مؤتة فأمر به أن يؤخذ فيُقتل، فاُخذ وَقُتل.
وكذلك غزوة تبوك، والتي كانت للوقاية من عدوان محتمل على الحدود الشمالية لبلاد المسلمين، فكانت أول غزوة للإسلام تجاوزت بلاد العرب إلى مشارف الشام ولم يكن فيها قتال ولكن وُضعت الجزية على أيْلَةَ وبُصرى، ثم عاد النبي صلی الله عليه وآله بعد مصالحته متنصّرة العرب على الجزية،
لانتفاء وقوع العدوان. وأمّا بعث سرية أُسامة فقد كان بلغه (صلی الله عليه وآله ) تجهيز الرّوم وتصميمه على الهجوم من حدود الشام.
ثانياً- يبقى هنالك كلام في واقعة بدر، حيث قد يقال: إنها لم تكن معركة دفاعية، أو حتى وقائية، ولكنها في حقيقتها مبادرة للمسلمين في مقاتلة المشركين.
وأُجيب عن ذلك:
1- إنها ناشئة عن دوافع دفاعية قائمة على أساس ظلم مشركي مكّة للمسلمين، والشاهد على ذلك أنّ غزوة بدر لم يقم بها النبي صلی الله عليه وآله وسلم إلاّ بعد أن قامت قريش بالاعتداء على المسلمين، وعلى أموالهم في مكّة المكرّمة، وحريتهم فيها، بل كانت قريش تعتدي على المسلمين حتّى في المدينة المنوّرة من خلال غارات ليليّة ، فكان هدف النبي صلی الله عليه وآله وقف العدوان القرشي، والاقتصاص من قريش
2- أنها تعبير عن استمرار لمعركة كان قد بدأها المشركون على النبي صلی الله عليه وآله وأتباعه، أو هي تمثل أسلوب معاملة بالمثل، باعتبار أن من إرهاصات بدر ومقدماتها أن "كرز بن جابر الفهري" أغار على آبار أهل المدينة وأغنامهم، ونهبها.
3- لم يكن غرض وغاية المسلمين من التعرض لقافلة قريش التجارية هو السلب والنهب والقتل، بدليل أنهم لم يفعلوا ذلك مع الكفار الذين يجاورون المدينة، أو يسكنوها من اليهود، أو المشركين، حيث إنهم لم يتعرضوا لهم، وإنَّما عاهدوهم على حسن الجوار، والمعاملة بالحسنى.
وبذلك يُستنتج من كل ما سبق أن أنَّه لا وجود للحروب العدوانية في الإسلام.
اذن تميَّزت حروب الرسول صلی الله عليه وآله بأنها حروب غير دموية، بمعنى أنها لم يكن فيها ما يُعرف الآن بجرائم الإبادة الجماعية. ولغة الأرقام لا تكذب! لمن يراجع التاريخ يرى هذا بوضوح …