السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لمدة أكثر من سنة وأنا أُعاني من مرض نفسي أو اضطراب لا أعرف ماهو بالضبط، ولكن إلى الآن لم أتعالج منه، لكن تحسنتُ كثيراً . هل يتوجب عليّ الذهاب إلى الطبيبة النفسية للعلاج ؟ فأنا أشعر أنّ مرضي يتأذى بسببه الناس وإن لم يخبروني بذلك، فهذا واضح من تصرفاتهم وأنا أيضاً تعبت منه ؟ و أحسّ أنّ علاقتي مع أهلي تغيّرت فلا أتكلّم معهم مثل قبل.
وشكراً لكم على جهودكم الطيبة.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ابنتي الكريمة
هناك مجموعة من الأمور العامة التي تؤدي إلى الحالة النفسية، لابدّ من تجنّبها والسعي إلى حلّها:
الأول: العزلة والفراغ
فتجنبي العزلة تماماً، وحاولي الاختلاط مع الناس، من الأقارب والجيران وغيرهم.
ولا تُبقي فراغاً في وقتكم، بل اشغلي الوقت كلّه بالعمل المفيد في الدين أو الدنيا.
ومن أفضل الأمور التي تنفعكم في هذا المجال هو مطالعة الكتب النافعة؛ فإنّ لها تأثيراً إيجابياً على النفس.
وإذا كانت القراءة جماعية مع الأصدقاء فهو الأفضل والأنفع.
الثاني: عدم وجود هدف في الحياة
فإنّ الإنسان الذي لا هدف عنده يسعى إليه، يكون تائهاً لا يعرف أين يتوجّه، وبالتالي يكون عُرضة للأفكار السلبية، والكآبة.
فضروري جداً أن تجعلي لكِ هدفاً سامياً تسعين لتحقيقه، كالنجاح في الدراسة، أو إيجاد عمل يوفر لكِ المال الجيد، ونحو ذلك.
الثالث: نقص فيتامين (د)
فإنّ هذا الفيتامين له أثر كبير على الحالة النفسية، والكآبة، وغيرها. ونقصه صار أمراً شائعاً في الناس، خصوصاً عند النساء، ممَّا يسبب لهم حالات الكآبة، وقلّة التركيز في الدراسة وغيرها، والتأثير على المستوى الذهني وغير ذلك.
فمن الضروري جداً أن تعالجي هذا الأمر.
الرابع: الخمول والكسل
فعليكِ بالنشاط في يومكِ، ولا تتكاسلي في عملكِ، ولا تؤجلي الأعمال عن وقتها خصوصاً الصلاة.
كما عليكِ ممارسة الرياضة بانتظام (ساعة في اليوم) فإنّ لها أثراً كبيراً على تحسين الحالة النفسية.
الخامس: الهموم والمشاكل
فلا تحملي الهموم ولا تتفاعلي نفسياً مع المشاكل، فإنّ المشاكل لابدّ أن تحصل في الحياة، ولا يمكن لأي إنسان أن يخلو منها، والتعامل معها بسلبية وخوف واضطراب وألم ... المزید كل ذلك يؤدي إلى حصول مشاكل نفسية
فالصحيح هو التعامل مع المشاكل على أنّها أمر واقع لابدّ منه، والرضا بما قسمه الله تعالى، وتسليم الأمر إليه، والسعي لحلها بهدوء وتأنّي.
ومن أخطر الأمور التي توجب العقد النفسية للإنسان، وفشله في الحياة هو أن يهرب من المشاكل بدلاً من حلّها! فإنّ ما يهرب منه سيبقى كابوساً يلاحقه في حياته، بينما إذا تحداه فسوف يشعر بالراحة والقوة النفسية.
السادس: عدم القناعة في الحياة
فإنّ الإنسان غير القنوع، يعيش دائماً في حالة من الألم على ما لا يحصل عليه في الحياة، أو ما فقده فيها، وإن كان يعيش في رفاهية من العيش وغنى وثروة!
بينما الذي يقنع بما عنده فسيشعر بالراحة النفسية، وإن كان يعيش في ضيق وفقر شديد!
فدائماً كوني قنوعة بما يحصل لكِ مهما كان سلبياً، ومؤذياً؛ فإنّ القناعة سوف تزيل آلام المصائب والصعوبات.
السابع: مخاصمة الآخرين
فلا تحملي في نفسكِ شيئاً على الآخرين حتى لو آذوكِ وأساؤوا إليكِ؛ فإنّ هذه المشاعر السلبية تجاههم لن تجني منها إلاّ الآلام والأذية، بل هي بحدّ ذاته تكون سبباً لتعقيد العلاقات والمشاكل مع الآخرين.
اجلسي مع نفسكِ وارجعي في ذهنكِ إلى كل مَن آذاكِ، وسامحيه من قلبكِ، ستجدين الراحة النفسية الكبيرة.
قال الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاّ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.(النور:آية٢٢).
الثامن: عدم إعطاء النفس ما تحتاجه من الراحة
فمن الأمور المهمة جداً في استقامة الإنسان في حياته، والراحة النفسية له: هو العناية بتلبية الحاجات النفسية الدنيوية له.
عن النبي (صلى الله عليه وآله): "في صحف إبراهيم: على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له (أربع ساعات):
ساعة يناجي فيها ربه (عزّ وجلّ).
وساعة يحاسب فيها نفسه.
وساعة يتفكّر فيما صنع الله (عزّ وجلّ) إليه.
وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال، فإنّ هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب وتوزيع لها".(المجلسي، بحار الأنوار:ج١٢،ص٧١).
فحاولي الخروج إلى بعض الأماكن الترفيهية، والذهاب للزيارة، وعزيمة الأقارب وما إلى ذلك ممَّا يريح النفس ويُغيّر الجو.
وقد يظن بعض الشباب المتديّن أنّ هذا الأمر غير مطلوب شرعاً، وهو لا يناسب المتديّن، وهذا خطأ كبير وعدم فهم الدين الإسلامي!
فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "ليس منّا مَن ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه".(الريشهري، ميزان الحكمة:ج٢،ص٩١٤).
وهناك أمور تؤثر إيجاباً على الصحة النفسية كالتفاؤل، والأمل بالله تعالى، ومساعدة الآخرين، والتصدّق على الفقراء، والعطف على الصغار، والزيارة للأماكن المقدسة وغيرها.
ثمّ اعلمي أنّ المرض النفسي له أسباب متعددة وحالات مختلفة، ومستويات متفاوتة كذلك، فلابدّ من الرجوع إلى أهل الاختصاص في هذا المجال وهم الأطباء النفسيين.
وللأسف مجتمعنا إلى الآن ينظر بصورة سلبية للأطباء النفسيين، بحيث قد يظنون أنّ الذين يراجعون الطبيب النفسي عندهم مشكلة في العقل أو نحو ذلك!
وهذا خطأ فادح؛ فإنّ الأمراض النفسية حالها حال باقي الأمراض التي لابدّ فيها من العلاج عن طريق أهل الاختصاص، ولا حاجة للخجل فيها والخوف منها، غاية الأمر أن يحرص الإنسان على مراجعة طبيب حاذق.
فلابدّ أن تراجعي الطبيب ليحدد لكِ العلاج المناسب.
نسأل الله تعالى أن يفرج عنكِ ويأخذ بأيديكم لما فيه صلاحكم ورضاه.