ما صحة الرواية: أنّ أعمال الأبناء بحق الأب كالدعاء والزياره وتلاوة القرآن والثواب كالطعام، تصل منفعتها إلى الميت؟
وهل يعلم الميت بمن يعمل له تلك الأعمال باسمه أو شخصه؟
وهل ثبت شيء من ذلك عن أهل بيت النبوة روحي لتراب مقدم قائهم الفدا؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بالسائل الكريم
نحن تبعاً لأئمتنا المعصومين (عليهم السلام) نرى جواز عمل بعض الأعمال وإهداء ثوابها للميت ، بل ذلك يكون مستحباً. فإنه ورد عندنا أنه يصل إلى قبر الميت ثواب الصلاة والصيام والصدقة والحج والبر وكل عمل صالح يتبرع به عنه أخوه المؤمن أو ولده الطيب بعد موته ويكتب الأجر للذي يفعل ذلك وللميت كذلك.
ففي صحيحتي عمر بن يزيد وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن الميت ينفعه كل عمل صالح حتى انه يكون في ضيق فيوسع عليه فيقال أن هذا بعمل إبنك فلان وبعمل أخيك فلان.
وفي رواية: قلت: فاشرك بين رجلين في ركعتين قال : نعم.
وعن هشام بن سالم عنه (عليه السلام) قال : قلت : يصل إلى الميت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو هذا؟ قال : نعم. قلت : أو يعلم من صنع ذلك؟ قال : نعم. ثم قال : يكون مسخوطاً عليه فيرضى عنه.
وورد أيضاً عنه (عليه السلام) كما سبق : من عمل من المسلمين عن ميتٍ عملاً صالحاً أضعف الله له أجره، ونفع الله به الميت.
وينبغي لمن يذكر الميت أن يدعو له عند الذكر بالرحمة والمغفرة، فورد أن الميت ليفرح بالترحم عليه والإستغفار له كما يفرح الحي بالهدية تهدى إليه وأن يسكت عن عوراته ويفشي محاسنه ( انظر التحفة السنية للجزائري) .
فان حجتنا في انتفاع الميت بعمل الحي روايات:
ففي جواز الاجتماع عند أهل الميت وصنع الطعام وإقامة المآتم لمدة ثلاثة أيام، روى الكليني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما قتل جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) أن تتخذ طعاماً لأسماء بنت عميس أيام وتأتيها نساؤها فتقيم عندها ثلاثة أيام فجرت بذلك السنة أن يصنع لأهل المصيبة طعاماً ثلاثة أيام. (الكافي 3 : 217) وغيره.
وروى الصدوق في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) : لما قتل جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة عليها السلام أن تأتي أسماء بنت عميس ونسائها وأن تصنع لهم طعاماً ثلاثة أيام فجرت بذلك السنّة. (من لا يحضره الفقيه 1: 182).
وغيرها الكثير لا نطيل بسردها، فراجع.
وفي استحباب قراءة القرآن، نقل في البحار عن بعض الأصحاب عن المفيد قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (من قرأ آية من كتاب الله في مقبرة من مقابر المسلمين أعطاه الله ثواب سبعين نبياً ... المزید) الحديث (البحار 102: 301).
وفي قراءة آية الكرسي على القبر عدة روايات راجعها في (الكافي، والتهذيب، وكامل الزيارات، والبحار، وثواب الأعمال) وغيرها.
واستحباب قراءتها لأهل القبور في المستدرك عن البحار : وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا ناقلاً عن المفيد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا قرأ المؤمن آية الكرسي وجعل ثواب قراءته لأهل القبور أدخله الله تعالى قبر كل ميت ورفع الله للقاريء درجة سبعين نبياً وخلق الله من كل حرف ملكاً يسبح له إلى يوم القيامة) (جامع أحاديث الشيعة 3 : 727) وغيرها - ويترك المناقشة في سندها لقاعدة التسامح في أدلة السنن - .
وعلاوة على ذلك فقد دلت الأدلة بانتفاع الميت بعمل غيره من أجله, فمن القرآن قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلِإِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) (الحشر: 10).
ومن السنّة ما أستفاض من الروايات في دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) لأهل البقيع ولشهداء أحد, وكذلك تظافر الروايات في وصول ثواب الصوم والحج والعتق والنذر والصدقة والدعاء والقراءة والتحية, ففي خصوص القراءة عن ابن ماجة في صحيحه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إقرأوا (يس) على موتاكم) , وعلى ذلك أئمة المذاهب.
قال ابن القيم في (الروح): فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه والخلال في جامعه عن الشعبي بسند صحيح قال: كانت الأنصار إذا مات لهم ميت اختلفوا إلى قبره يقرأون القرآن.
وقال النووي في (شرح المهذب): يستحب أن يقرأ ما تيسر ويدعو لهم عقبها. نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب, وقال في الأذكار: قال الشافعي والأصحاب: يستحب أن يقرأوا عند الميت شيئاً من القرآن, قالوا: فإن ختموا القرآن كله كان حسناً (الروح: 144 المسألة السادسة عشرة). وراجع كتاب الروح لابن القيم الجوزية فإنه فيه أدلة أهل السنّة.
وأما في إقامة المآتم بعد اسبوع وبعد أربعين يوماً وبعد سنة، فإنه يدخل في أصل الإباحة, فبعد أن ثبت جواز إقامة المآتم تدخل الأوقات المختلفة في العمومات وأصل الإباحة والجواز, مع أن الأربعين عند الشيعة هو تأسياً بأربعين الحسين (عليه السلام) الذي فيه روايات عديدة. وفي السنة بل السنين المتعددة روايات.
ففي (التهذيب والفقيه) عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه أوصى أن يناح عليه سبعة مواسم فأوقف لكل موسم مالاً ينفق (التهذيب 9: 114, من لا يحضره الفقيه 4: 180).
وفي (الكافي) عن الصادق (عليه السلام) قال: قال لي أبي يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا للنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى. (الكافي 5: 117).
وفي كتب المخالفين ورد في جملة من الروايات الشريفة انتفاع الأموات بعمل الأحياء , كما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلاّ من ثلاثة: إلاّ من صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له) (أنظر: صحيح مسلم 5: 73 باب وصول ثواب الصدقات إلى الميت من كتاب الهبات).
وأيضاً روى مسلم بسنده عن جرير بن عبد الله , قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (من سنَّ في الإسلام سنّة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء, ومن سنَّ في الإسلام سنّة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينتقص من أوزراهم شيء). [صحيح مسلم 8: 61 باب ((من سنَّ سنّة حسنة أو سيئة من كتاب العلم))].
فإنّك تجد من خلال هذين الحديثين المرويين في صحيح مسلم انتفاع الميت بدعاء ولده الصالح , وأيضاً انتفاعه بعمل من يعمل بسنّته الحسنة من بعده.
ولعلّه يمكن استفادة انتفاع الميت بدعاء الأحياء وعملهم له من قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلِإِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ )) (الحشر:10) ، إذ لو لم يكن انتفاع السابقين بدعاء التابعين مفيداً فما معنى نقله سبحانه هذا الدعاء عنهم؟!
وأيضاً هناك جملة من الروايات يستفاد منها انتفاع الميت بعمل الحي, نذكر منها:
1- أخرج مسلم, عن عائشة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) [صحيح مسلم 3: 155, باب قضاء الصيام عن الميت].
2- وأخرج أيضاً عن ابن عباس, قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا رسول الله إنّ أمّي ماتت وعليها صوم شهر أفاقضي عنها؟ قال: (نعم, فدين الله أحق أن يقضى) (المصدر السابق).
3- وعن النسائي في السنن: روى سعد بن عبادة, أنّه قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ أمي ماتت وعليها نذر أفيجزي عنها أن أعتق عنها؟ قال: (اعتق عن أمّك) (سنن النسائي 6: 253 باب فضل الصدقة على الميت).
وهناك روايات أخرى كثيرة تجدها في الأبواب المشار إليها في المصادر المذكورة أعلاه وغيرها. وقد أوردنا روايات القوم ليعلم الإتفاق بين المسلمين في هذه المسألة.
وأمّا بالنسبة لمصادر الحديث عن الإمامية فقد حفلت بالكثير من الروايات الدالة على انتفاع الميت بعمل الحي، ويمكنكم مراجعتها في (الكافي/ للكليني 3: 227) باب زيارة القبور، وأنظروا انتفاع الميت بالزيارة والدعاء له وأيضاً (من لا يحضره الفقيه/ للشيخ الصدوق 1: 183)، ولاحظوا الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في انتفاع الميت بالصلاة والصوم والقربات التي تهدى إليه.
وأمّا بالنسبة إلى الاستئجار في النيابة عن الميت، فهو جائز وقد تناولته الرسائل العملية للفقهاء في أبواب خاصة، ويمكنكم مراجعة المواضع الفقهية للفقهاء الأحياء لتأخذوا الأحكام عنها لاقتصار مركزنا على الإجابة عن خصوص البحوث العقائدية.
ودمتم في رعاية الله
مركز الابحاث العقائدية