ما هي حدود الجنة؟
وإن كان لها نهاية وأردت بناء الكثير من القصور في الجنة، فهل تنتهي المساحة أم يوجد لي حد من المساحة؟
أم يمكنني بناء ما أشاء من القصور أو بناء إلى ما لا نهاية من القصور؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلاً وسهلاً بالسائل الكريم
أولاً: الجنة لم تحدد بحدود واضحة في ما وصل إلينا من الروايات، وإنّما ذكر ما فيها من بركة وخيرات لأصحابها.
نعم أشار القرآن الحكيم إلى أنّ الجنة عرضها كعرض السماء والأرض، في قوله تعالی: «سابِقُوا إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ» وتعرض صاحب تفسير الميزان إلى تفسيرها ما هو لفظه: ((.. المسابقة هي المغالبة في السبق للوصول إلی غرض بأن يريد كل من المسابقين جعل حركته أسرع من حركة صاحبه ففي معنی المسابقة ما يزيد علی معنی المسارعة فإن المسارعة الجد في تسريع الحركة و المسابقة الجد في تسريعها بحيث تزيد في السرعة علی حركة صاحبه.
و علی هذا فقوله: «سابِقُوا إِلی مَغْفِرَةٍ» إلخ، يتضمن من التكليف ما هو أزيد مما يتضمنه قوله: «سارِعُوا إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»: آل عمران: ١٣٣.
و يظهر به عدم استقامة ما قيل: إن آية آل عمران في السابقين المقربين و الآية التي نحن فيها في عامة المؤمنين حيث لم يذكر فيها إلا الإيمان بالله و رسله بخلاف آية آل عمران فإنها مذيلة بجملة الأعمال الصالحة، و لذا أيضا وصف الجنة الموعودة هناك بقوله: «عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ» بخلاف ما هاهنا حيث قيل: «عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ» فدل علی أن جنة أولئك أوسع من جنة هؤلاء.
وجه عدم الاستقامة ما عرفت أن المكلف به في الآية المبحوث عنها معنی فوق ما كلف به في آية آل عمران. علی أن اللام في «السَّماءِ» للجنس فتنطبق علی «السَّماواتُ» في تلك الآية.
و تقديم المغفرة علی الجنة في الآية لأن الحياة في الجنة حياة طاهرة في عالم الطهارة فيتوقف التلبس بها علی زوال قذارات الذنوب و أوساخها. و المراد بالعرض السعة دون العرض المقابل للطول و هو معنی شائع، و الكلام كأنه مسوق للدلالة علی انتهائها في السعة.
و قيل: المراد بالعرض ما يقابل الطول والاقتصار علی ذكر العرض أبلغ من ذكر الطول معه فإن العرض أقصر الامتدادين و إذا كان كعرض السماء و الأرض كان طولها أكثر من طولهما.
و لا يخلو الوجه من تحكم إذ لا دليل علی مساواة طول السماء و الأرض لعرضهما ثم علی زيادة طول الجنة علی عرضها حتی يلزم زيادة طول الجنة علی طولهما و الطول قد يساوي العرض كما في المربع و الدائرة و سطح الكرة و غيرها و قد يزيد عليه )).
ثانياً: امّا تعدد القصور في الجنة فيعتمد على الأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان في عالم الدّنيا فكلما زاد عمله كلما زادت قصوره ولم تحدد بعدد معين حيث يتوقف به العطاء من الباري تعالى، علمًا أنّ عالم الآخرة والجنة تختلف موازينه وحيثياته عن عالم الدّنيا فكل عالم له خصوصياته وحيثياته.
ودمتم موفقين.