الشهيد الأول والثاني
السلام عليكم كثيراً ما نسمع: هذا على رأي الشهيد الأول.. أو الشهيد الثاني. السؤال: من هو الشهيد الأول؟ ومن هو الشهيد الثاني؟
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته الشهيد الأول/ هو الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول. ولد سنة 734 هـ (1333 مـ) في جزّين من قرى جبل عامل في لبنان. وأبوه هو الشيخ جمال الدين مكي بن شمس الدين محمد بن حامد. وقد اشتهر بعدة ألقاب - كما جاء في المصادر - بـ «ابن مكي»، و«الإمام الفقيه»، و«الشهيد» أو «الشهيد الأول». وينتمي الشهيد الأول إلى أسرة معروفة بالعلم والفضل، حيث بلغوا مكانة تجعلهم من كبار عصرهم. وللشهيد ثلاثة أبناء وهم: الشيخ رضي الدين، والشيخ ضياء الدين، والشيخ جمال الدين، وكلهم كانوا علماء وفقهاء. ويعد الشهيد الأول أحد أبرز فقهاء الشيعة الإمامية ممن ترك آثاراً واضحة على الفقه الشيعي تجديداً وتطويراً وتنقيحاً، فله العديد من التصانيف القيمة التي ما زالت حتى يومنا هذا من الكتب التي يرجع الشيعة إليها في دراسة الفقه والعلوم الشرعية، مثل كتاب (اللمعة الدمشقية). وكانت زوجة الشهيد الأول (أم علي) فقيهة ومن النساء اللواتي عملن على ترويج علوم أهل البيت(عليهم السلام). وكذا ابنته أم حسين واسمها فاطمة فقد كانت من علماء جبل عامل، وقد أطلق عليها لقب «ستّ المشايخ». رحلاته ودراسته: لم يكتفِ الشهيد الأول بالعلوم التي تلقاها في مسقط رأسه (جزين) وإنما تجاوزها إلى أقطار بعيدة وقريبة في ذلك العهد. وأهم الأقطار التي شد الرحال إليها لتلقي العلم أو الإفادة: الحلة وكربلاء وبغداد ومكة المكرمة والمدينة المنورة والشام والقدس. كما لم يمنعه انتماؤه المذهبي إلى أهل البيت (عليهم السلام) من أن يتعرّف على الثقافة السُنية، فاطَّلع وناظر وحاجج في أجواءٍ علمية رحبة، ونظر في ألوان مختلفة من الفكر، وارتاد مختلف مراكز الحركة العقلية في البلاد الإسلامية، وجالس العلماء والأساتذة، فاستفاد وأفاد، ويكفي في ذلك قول أُستاذه فخر المحققين فيه: ”لقد استفدتُ من تلميذي محمد بن مكي أكثر مما استفاد مني“. كانت الحلة آنذاك مركزاً من مراكز الحركة العلمية في الأوساط الإسلامية الشيعية، فهاجر الشهيد الأول إليها وهو بعد لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وأجازه (فخر المحققين) نجل (العلامة الحلي) أن يروي عنه بتأريخ 20 شعبان سنة 751 هـ. له العديد من المؤلفات، امتازت بالتنقيح والتنظيم، وهو أول فقيه إمامي قام بتدوين القواعد الفقهية في تأريخ فقه الشيعة بصورة منهجية. ومن أبرز مؤلفاته: ١) الموجز النفيسي. ٢) غاية القصد في معرفة الفصد ٣) كتاب الذكرى ٤) كتاب الدروس الشرعية في فقه الإمامية ٥) كتاب غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ٦) كتاب جامع البين من فوائد الشرحين ٧) كتاب البيان في الفقه ٨) رسالة الباقيات الصالحات ٩) اللمعة الدمشقية في الفقه ١٠) الاربعون حديثاً ١١) الألفية في فقه الصلاة اليومية ١٢) رسالة في قصر من سافر بقصد الإفطار والتقصير ١٣) النفلية ١٤) خلاصة الاعتبار في الحج والاعتمار ١٥) القواعد. ١٦) الدرة الباهرة. (في بعض المصادر الدرة المضيئة) ١٧) رسالة التكليف. ١٨) كتاب المزار. ١٩) جوابات الفاضل المقداد (المسائل المقداديات) ٢٠) أحكام الأموات ٢١) جوابات مسائل الإطراوي (أجوبة مسائل ابن نجم الدين الإطراوي) ٢٢) مسائل ابن مكي. ٢٣) العقيدة ٢٤) اختصار الجعفريات ٢٥) مزار الشهيد ٢٦) المقالة التكليفية ٢٧) الاستدراك ٢٨) الحواشي النجارية ٢٩) رسالة في علم الكلام ٣٠) المجموع ٣١) شرح قصيدة الشفهيني. كتابه (اللمعة الدمشقية): وهو كتاب مختصر في الفقه يتميز بمتانة الاستدلال وتركيز الدليل وتجنب الخوض في المناقشات المطولة للآراء وجمال التعبير. وكل ذلك كان سبباً ليدخل هذا الكتاب في المنهاج الدراسي للحوزات العلمية في الفقه إلى اليوم الحاضر، وهو أول كتاب دراسي استدلالي يقرأه الطالب في الفقه. ويلاحظ في هذا الكتاب استخداماً واسعاً للقواعد الفقهية، وهذا ما لا نجد نظيراً له في الأعمال الفقهية للشيعة السابقة عليه. ويذهب بعض المؤرخين إلى أن الشهيد ألّف هذا الكتاب في مدة حبسه في قلعة الشام في سبعة أيام وما كان يحضره من كتب الفقه غير كتاب «المختصر النافع». فيما يرى البعض الآخر أنه قد ألّفه بطلب من «علي بن الموَيد» ملك خراسـان الشيعي (توفـي عام 795 هـ)، وقد ألّفه عام 782 هـ، وذلك قبل شهادته بأربع سنوات وكان الرسول بين الشهيد الأول والموَيد هو محمد الآبي النقيب شمس الدين، وهو المرجّح والأقرب للتصديق. وكان استشهاده سنة 786 هجرية، اليوم التاسع من جمادي الأولى، قتل بالسيف ثم صلب ثم رجم وأحرق بدمشق بفتوى القاضي برهان الدين المكي وعباد بن جماعة بعدما سجن سنة كاملة في قلعة الشام. وكان سبب حبسه وقتله وشاية من رجال (اليالوشي) الذين كتبوا محضراً يشتمل على مقالات شنيعة بحق الشهيد. فذهب إلى ربه شهيداً محتسباً. الشهيد الثاني/ هو زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد بن جمال الدين بن تقي الدين بن مشرف العاملي، المعروف بالشهيد الثاني. ولد الشهيد الثاني في يوم الثلاثاء الثالث عشر من شهر شوّال سنة إحدى عشرة وتسعمائة (911) من الهجرة وقد ختم القرآن وهو في السنة التاسعة من العُمر. وهو من أحفاد العلامة الحلي ومن أبرز علماء وفقهاء الإمامية في القرن العاشر الهجري وله مصنفات كثيرة أشهرها شرح اللمعة الدمشقية (للشهيد الأول) في الفقه الإسلامي. ذاع صيت الشهيد الثاني في الأوساط العلمية بعد استقراره في بعلبك وتصدّيه لإدارة المدرسة البعلبكية حيث شدّ الرحال إليه الكثير من الفضلاء والعلماء. نشأ في أُسرة علمية، إذ إنّ ستّة من آبائه وأجداده كانوا من العلماء، كذلك فإن أولاده وأحفاده وأسباطه كانوا من أهل العلم وقد برز منهم: الشيخ صالح بن مشرف العاملي الجبعي (أو صالح بن شرف): كان من تلامذة العلامة الحلي وهو من أجداد الشهيد الثاني. الشيخ تقي الدين بن صالح بن شرف العاملي الجبعي: من أجداد الشهيد الثاني. الشيخ نور الدين علي بن أحمد بن محمد الجبعي العاملي، المعروف بابن الحجة: والد الشهيد الثاني، ، من تلامذة والده الشيخ نجم الدين بن أحمد التراكيشي العاملي المشغري كان حيا عام 924 هجرية. أخوه زين الدين أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن علي بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح بن شرف العاملي: يروي عنه والد صاحب المدارك والظاهر أنه أخو الشهيد الثاني. ابنه الشيخ حسن صاحب المعالم. حفيده الشيخ محمد ابن الشيخ حسن صاحب المعالم. ابن حفيده الشيخ علي بن محمد بن حسن بن زين الدين العاملي. ابن حفيده الآخر الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني: ولد عام 1009 هجرية واختُلف في تأريخ وفاته بين الأعوام 1062 أو 1064 أو 1074 هجرية. درس على والده الشيخ محمد حسن صاحب المعالم وعلى الشيخ البهائي، وجاور بمكة فترة ومات فيها ودفن هناك، وهو من أساتذة الحر العاملي سبطه السيد محمد صاحب المدارك ابن سبطه السيد حسين بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي: درس على والده وعلى الشيخ البهائي، سافر إلى إيران (أصفهان) وأصبح شيخ الإسلام فيها (أقضى القضاة) وكان يدرّس في الحضرة الرضوية في مدينة مشهد، توفي في العام 1069 هجرية. قضى الشهيد الثاني قرابة ثلاثين عاماً من عمره في أسفار ورحلات، فمنها العلمية، حيث درس خلالها على أفضل العلماء، ودرَّس جمعاً غفيراً، ومنها العبادية، تشرَّف فيها بالحج والعمرة، وزيارة بيت المقدس، وزيارة العتبات المقدّسة في مدينة النجف الأشرف، ومدينة كربلاء والكاظمية وسامراء بالعراق. كانت سفراته العلمية إلى ميس، وكرك نوح، وجُبَع، ودمشق، ومصر، والحجاز، وبيت المقدس، والروم، وحلب، وأسكدار، وبعلبك، وغيرها، حتّى لم يُبقِ السفر من عمره إلاّ عشر سنوات قضاها مقيماً في بلاده. يذهب البعض إلى أن الشهيد الثاني كان أول من صنّف في الدراية عند الشيعة، وأول من كتب الشرح المزجي في الفقه الشيعي أيضاً. وتمتاز مؤلفات الشهيد الثاني بدقّة النظر وعمق المعنى وجزالة التعبير وحسن الأسلوب وقد وُفّق لكتابة جملة من الكتب التي ما زال بعض منها معتمد في التدريس في الحواضر العلمية عند الشيعة واليك جملة منها: ١) غُنية القاصدين في معرفة اصطلاحات المحدِّثين. ٢) جواهر الكلمات في صيغ القعود والإيقاعات. ٣) التنبيهات العَلية على وظائف الصلاة القلبية. ٤) نتائج الأفكار في حكم المقيمين في الأسفار. ٥) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: واللمعة الدمشقية هو كتاب للشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، وهذا الشرح هو شرح مزجي. ٦) مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام: والشرائع كتاب فقهي للمحقق الحلي. ٧) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان: وكتاب الإرشاد هو للعلامة الحلي، وهذا الشرح شرح مزجّي ولكن لم يكمّل فقد شرح فيه الطهارة والصلاة وهو أوّل ما ألفّه. ٨) منار القاصدين في معرفة معالم الدين. ٩) مُنية (بغية) المريد في آداب المفيد والمستفيد: وهو كتابٌ أخلاقي، يحتوي على ما ينبغي أن يتحلّى به طلاب العلوم الدينية والعلماء والقضاة. ١٠) مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد. ١١) تمهيد القواعد الأُصولية والعربية. ١٢) كشف الريبة عن أحكام الغِيبة. ١٣) الفوائد الملية في شرح النفلية. ١٤) البداية في سبيل الهداية. ١٥) كتاب الرجال والنسب. ١٦) الاقتصاد والإرشاد. ١٧) جوابات المسائل. ١٨) حاشية الإرشاد. ١٩) حقائق الإيمان. ٢٠) الدراية. شهادته: بالرغم من الروح الإنسانية والأخلاقية التي تحلَّى بها الشهيد الثاني مع المسلمين المخالفين له في الرأي، إلاّ أنَّه لم يسلم من الضغط الشديد، والمراقبة الخانقة، وإحاطة العيون والجواسيس بمنزله، حتّى اضطرَّه ذلك إلى ترك مدينة بعلبك عام 955 هـ، والرجوع إلى بلدته جباع، ولم يَنتهِ الحقد الدفين في قلوب أعدائه، فاغتاله أحد أزلام ملك الروم بوشايةٍ من قاضي مدينة صيدا، وذلك في الخامس عشر من شهر رمضان 965 هـ. جاء في كتاب (الرحلة المدنيّة والروميّة) للشيخ قطب الدين النَهروالي (917 – 990 للهجرة)، الذي لم يمنعه اختلافُه في المذهب عن الشهيد من الثناء على علمه وفضيلته التامّة. وفي ثاني شعبان أمر الوزير الأعظم بقتل الشيخ زين الدين، فأُتي به إلى الديوان ولم يُسأل عن شيء، وأُمر به إلى الإسقالة [منصّة خشبيّة] فقُطع رأسه هناك، وفلجوا أخمص رجليه بالسيف، وكان يتشهّد عند قطع رأسه. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.