علي الأكبر (عليه السلام) وبكر بن غانم
السلام عليكم أرجو الرد بالتفصيل: هل صحيح أن علي الأكبر (عليه السلام) حز رأس بكر بن غانم وأحضره للإمام الحسين (عليه السلام)؟ وإذا ثبت ذلك، فهل يعتبر من التمثيل بجثة الميت؟ وهل يتنافى هذا الفعل مع صفات أهل البيت (عليهم السلام ) أهل الرحمة؟
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته مرحباً بك أيها السائل الكريم.. بعد البحث في المصادر المعتمدة والمقاتل التي كتبها المؤرخون من الفريقين، لم نجد لهذا الخبر عيناً ولا أثراً، فلعل الخطباء اعتمدوا في نقله على ما يكتبه القصَّاصون الذين غالباً ما ينسجون الأخبار من مخيَّلتهم. والمضعِّف الآخر للخبر المذكور هو اشتماله على ما ينافي مقام الشهيد علي بن الحسين الأكبر (عليه السلام) فقطع الرأس وحمله من أجلى مصاديق المُثلة والتي ثبت بالضرورة الفقهية حرمتها. فلا يمكن أن نقبل بدعوى صدور هذا الفعل من مثله (سلام الله عليه)، وذلك لمعرفتنا بجلالة قدره وسعة علمه وفقهه خصوصاً وأن الخبر المذكور تضمَّن دعوى أن الأكبر قد حمل الرأس إلى سيد الشهداء (عليه السلام) فلو فرضنا إمكانية صدور هذا الفعل من الأكبر فإن من غير الممكن القبول بعدم ردع الإمام الحسين (عليه السلام) عن هذا الفعل وإظهاره الرضا به كما هو مقتضى لحن الخبر المذكور، فعصمة الإمام الحسين (عليه السلام) ومسؤوليته الدينية تُحتِّم عليه الردع أو التعبير عن عدم الرضا لو اتفق صدور الفعل من أحد أنصاره فضلاً عن صدوره من أحد أبنائه. نعم، يمكن إحتمال صدق الخبر لو قيل أن سقوط الرأس نشأ عن ضربات علي الأكبر لعنق الرجل أثناء المنازلة إلا أنَّ الخبر المذكور لم يكن كذلك، ولعلَّ أصل الخبر كان بهذا النحو إلا أن الكاتب أضفى عليه من مخيَّلته ما أنتج وصوله إلينا بهذه الصورة. على أنَّ ثمة مبعِّداً آخر لوقوع الحدث المذكور، وهو أن من غير المتعارف عليه في الحروب قطع الرؤوس إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، وذلك لأن النزول للمعركة لقطع رأس مقاتلٍ والحرب قائمة يعني حتمية الهلاك أو على أقل تقدير فيه مظنة الهلاك خصوصاً في مثل واقعة الطف حيث لم يكن بين الجيشين تكافؤ، فالنزول لقطع رأس مقاتلٍ يعني الذهول عن المعركة ولو لوقتٍ يسير، وهو يكفي لأن يُباغته أحدُ المقاتلين بضربةٍ أو طعنة أو يطيش سهم فيقع في مقتلٍ من مقاتله. وافتراض وجود حمايةٍ كافية حين نزول الأكبر لقطع رأس الرجل يُبعِّده الوقوف على التفاوت الهائل بين الجيشين في العدد والعدة. ولو تجاوزنا كل ذلك فإنَّ الخُلُق الرفيع وسموُّ الذات الذي كان يمتاز به أهل البيت (عليهم السلام) يحول دون الوثوق بوقوع الحدث المذكور، فلا يسعنا إلا أن نقول بسقوط هذه الخبر عن الاعتبار، وبأنَّ نقله إساءةٌ لمقام الشهيد علي بن الحسين الأكبر (عليهما السلام) والذي شيَّعه أبو عبد الله الحسين حين أراد النزول للمعركة بقوله: "اللهم اشهد على هؤلاءِ القوم فقد برز إليهم غلامٌ أشبهُ الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك (صلى الله عليه وآله). المصدر : حوزة الهدى للدراسات الإسلامية، الشيخ محمد صنقور. دمتم في رعاية الله.