logo-img
السیاسات و الشروط
Abdullah ( 17 سنة ) - العراق
منذ سنة

العباس (عليه السلام) وإيصال الماء

السلام عليكم هل سيدنا العباس (عليه السلام) أوصل الماء إلى معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) يوم العاشر من المحرم أم لا؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحباً بك أيها السائل الكريم نعم نصَّ على ذلك العديدُ من المؤرِّخين من الفريقين، وسوف أنقلُ لكم عدداً من هذه النصوص والتي يتشكَّل من مجموعِها ما يصلحُ للإثبات التأريخي: النص الأول: شرح الأخبار للقاضي النعمان المصري (ت: 363هـ) قال: "عبأ الحسينُ بن عليٍّ أصحابَه يوم الطفِّ وأعطى الرايةَ أخاه العباس بن عليٍّ، وسُمِّي العبَّاس: السقَّاء، لأنَّ الحسين (عليه السلام) عطش، وقد منعوه الماءَ، وأخذَ العباسُ قُربةً ومضى نحو الماء، واتَّبعه إخوتُه من ولد عليٍّ (عليه السلام) وهم: عثمان وجعفر وعبد الله. فكشفوا أصحابَ عُبيد الله عن الماء. وملأ العباسُ القُربة، وجاء بها فحملَها على ظهرِه إلى الحسين وحدَه. وقد قُتلَ إخوتُه". وصريحُ هذا النصِّ أنَّ العباس وإخوته اقتتلوا مع العساكر الموكَّلين بحراسة المشرعة وتمكَّنوا من كشفهم عنها وتمكُّن العباس (عليه السلام) من اقتحام المشرعة وملئ القُربة التي كانت عندَه وكذلك تمكَّن من إيصالها إلى الحسين (عليه السلام) ولكنَّ إخوة العباس رضوان الله عليهم قُتلوا فلم يعودوا معه إلى معسكر الحسين (عليه السلام). النص الثاني: شرح الأخبار للقاضي النعمان المصري (ت: 363هـ) قال: "وكان الذي وليَ قتل العباس بن عليٍّ يومئذٍ يزيدُ بن زياد الحنفي وأخذَ سلبه حكيمُ بن طفيل الطائي، وقيل إنَّه شرَك في قتله يزيد. وكان بعد أنْ قُتل إخوتُه عبد الله وعثمان وجعفر معه قاصدين الماء. ويرجعُ وحده بالقُربة فيحملُ على أصحاب عُبيد الله بن زياد الحائلين دون الماء. فيقتِلُ منهم، ويضربُ فيهم حتى يتفرَّجوا عن الماء فيأتي الفرات فيملأُ القُربة، ويحملُها، ويأتي بها الحسين (عليه السلام) وأصحابه، فيَسقيهم حتى تكاثروا عليه، وأوهنته الجُراح من النبل، فقتلوه كذلك بين الفرات والسرادق، وهو يحملُ الماء، وثَمَّ قبرَه رحمه الله. وهذا النصِّ ظاهرٌ أيضاً في الوصول والإيصال للماء إلى الحسين (عليه السلام) ويظهرُ من ذيل النصِّ أنَّه حاول الوصول مرَّةً أخرى ونجح في كشفِ مَن كان على المشرعة وملأ القُربة وخرج بها لكنَّه لم يتمكَّنْ من إيصالها لمخيَّم الحسين (عليه السلام). النص الثالث: الثقات لابن حبَّان (ت: 353هـ) قال: "والعباس يُقال له السقَّاء، لأنَّ الحسينَ طلبَ الماء في عطشِه وهو يُقاتل فخرجَ العباسُ وأخوه واحتال حمل إداوةَ ماءٍ ودفعَها إلى الحسين، فلمَّا أراد الحسينُ أنْ يشربَ من تلك الإداوة جاء سهمٌ فدخل حلقَه فحال بينَه وبين ما أراد من الشُرب، فاحترشتْه السيوفُ حتى قُتل فسُمِّى العباسُ بن عليٍّ السقَّاء لهذا السبب". وهذا النصُّ صريحٌ في أنَّ العباس (عليه السلام) تمكَّن من كشفِ العساكرِ الموكَّلين بحراسة المشرعة، وتمكَّن من حمل الماء إلى الحسين (عليه السلام) وكان ذلك هو سبب تلقيبِه بالسقَّاء. النص الرابع: في زيارة الناحية قال: "السلامُ على العبَّاسِ بن أميرِ المؤمنين، المواسي أخاه بنفسِه، الآخذِ لغدِه مِن أمسِه، الفادي له الواقي، الساعي إليه بمائِه، المقطوعةِ يداه". وموضعُ الشاهد من هذا النصِّ الشريف هو قولُه (عليه السلام): "الساعي إليه بمائِه" وهو صريحٌ في أنَّ العباس (عليه السلام) كان قد تمكَّن من الوصول إلى الماء وحمل شيئاً منه إلى الحسين (عليه السلام) إذ إنَّ ذلك هو مقتضى وصفِه بالساعي إلى الحسين بمائه أي القاصد للحسين بمائه، والماءُ لا تصحُّ اضافتُه للعباس لو لم يكن في يده وهذا معناه أنَّه وصل إلى المشرعة وحمل منها ماءً وسعى به إلى الحسين (عليه السلام)، نعم النصُّ ليس صريحاً في أنَّ العباس (عليه السلام) قد تمكَّن من إيصال الماء إلى الحسين (عليه السلام) لكنَّه لا ينفي الوصول به إلى الحسين (عليه السلام) فتكونُ النصوص السابقة صالحةً لتتميم دلالة هذا النصِّ على وصول العبَّاس بالماء إلى الحسين (عليه السلام). النص الثامن: المخصص لابن سِيده (ت 458هـ) قال: ".. دَعوا العباس بن عليٍّ أبا قِربة وسَمَّوْهُ السَّقَّاء لأخْذِه القِربة حين عطش الحسين (عليه السّلام) وتوجهه إلى الفرات واتَّبعه أخوتُه لأمِّه بنو علي عثمان وجعفر وعبد الله فقُتل إخوتُه قبله وجاء بالقِربة يحملُها إلى الحسين فشرب منها ثم قُتل العباس بعدُ ..". والنصُّ صريحٌ في الوصولِ والإيصال. هذه نصوص عدَّة وأكثرُها صريحٌ وبعضُها ظاهرٌ في المطلوب وقد أوردتْها مصادرُ من كتب التأريخ والأنساب والتراجم والأدب وهي مصادرُ معوَّلٌ عليها في تحصيل القرائن الصالحة للتثبُّت من الوقائع التاريخية. نعم قد يُقال إنَّ عدداً من المؤرِّخين ممَّن تصدَّى لبيان تفاصيل واقعة الطفِّ كابن شهراشوب في المناقب والمفيد في الإرشاد وابن طاووس في الملهوف والخوارزمي في مقتل الحسين وابنِ فهد في مثير الأحزان كلُّ هؤلاء الأعلام لم يذكروا أنَّ العباس بن عليٍّ (عليه السلام) قد تمكَّن من الوصول للمشرعة فضلًا عن تمكُّنِه من إيصال الماء للحسين (عليه السلام) ولو ثبت لهم ذلك لكان الإغفال لذكره مُستهجناً خصوصاً وأنَّ دواعي النقل لمثلِهم موفورة إذ لا يخفى حرصُهم على التنويه على كلِّ منقبةٍ تثبتُ لمثل العبَّاس بن عليٍّ (عليه السلام)، نعم هم قد ذكروا أنَّه سعى للوصول ولكنَّه قُتل قبل أنْ يصل ولذلك كان مصرعه قريباً من المُسنَّاة. والجواب أنَّه يمكن الإلتزام بأنَّه لم يثبت لديهم أنَّ العباس (عليه السلام) قد تمكَّن من إيصال الماء بل ولا من الوصول للمشرعة إلا أنَّ عدم ثبوت ذلك لديهم لا ينفي الوقوع، فهم إنَّما دوَّنوا في كتبِهم ما كان قد وصلَهم أو ما كان قد ثبتَ لديهم من الوقائع، ولا يسعُ من أحدٍ أنْ يدَّعي أنَّ ما وصل هؤلاء الأعلام أو ما ثبتَ لديهم هو كلُّ ما كان قد وقع، ولهذا لا يكونُ إغفالُهم لذكرِ شيءٍ من التفاصيل مُقتضياً لنفي وقوعِه إذا كان قد تصدَّى لنقلِه مَن يُمكن التعويلُ على نقلِهم فرادى أو مجتمعين. على أنَّه ليس من الواضح أنَّهم كانوا بصدد الاستيعاب لنقل كلِّ ما وقع وهم لم يدَّعوا ولا يسعُهم الإدعاء لذلك، وكونُهم بصددِ البيان للتفاصيل لا يعني أنَّهم كانوا بصددِ الاستقصاءِ لها والاستيعابِ لتمامِها بل يُمكن الاطمئنانُ بأنَّهم لم يكونوا بصدد الاستقصاء وذلك بقرينة أنَّ ثمة الكثيرَ من التفاصيل قد أغفلوا ذكرَها رغم أنَّها ممَّا لا يعسرُ التثبُّت من وجودها في الكتب المُعوَّلِ عليها بالمقدار المُصحِّح لنقلِها، وهم كانوا قد اعتمدوها ظاهرًا أو اعتمدوا بعضَها في نقلِ بعض الوقائع. على أنَّه من المُمكن جداً أنَّهم لم يجدوا ضرورةً في استفراغ الوسع لاستقصاء جميع المصادر التي يُمكن العثور فيها على تفصيلٍ لم يقفوا عليه فهذا المقدار لم يكن داخلًا في غرضِهم، فغايتُهم إنَّما هي استعراضُ واقعة الطفِّ بالمقدار الذي يفي بالوقوف على ما هو المهمُّ من أحداثِها، والمصادرُ التي كانت بين أيديهم حين كتابة ما دوَّنوه كانت وافية بتحقيق هذه الغاية وهذا الغرض، ولهذا لم يجدوا ضرورةً لمتابعة المزيدِ من المصادر وذلك هو ما نشأ عنه خلوُّ كتبِهم من الذكر لبعض الأحداث التي لو وقفوا عليها حين التصدِّي لكتابة هذه الأحداث لكان من المظنون قوياً اضافتها لمدوَّناتهم. والمتحصَّل أنَّ إغفال هؤلاء الأعلام للإشارة إلى أنَّ العباسَ بن عليٍّ كان قد تمكَّن من الوصول للمشرعة وإيصال الماء للحسين (عليه السلام) لا يُضعفُ من دليليَّة النصوص التي تصدَّت لإثبات ذلك خصوصاً وأنَّ هؤلاء الأعلام لم يتصدَّوا لنفيها أو التوهينِ منها، فلعلَّهم لم يقفوا عليها أو كان مقدار ما وقفوا عليه غير مصحِّحٍ بنظرهم لتدوينِه في كتبِهم فأغفلوا ذكرَه دون أنْ ينفوا وقوعَه بل إنَّ بعضَهم قد أثبت في كتابِه ما يصلحُ للتأييد وليس النفي، فابنُ شهراشوب وكذلك الخوارزمي وغيرهم كثير وصفوا العبَّاس بالسقَّاء ولا مُصحِّحَ لهذا الوصف لو كان مبلغُ ما فعلَه العباسُ هو السعي للوصول للماء دون أنْ يصل، هذا وقد ذكر ابنُ شهراشوب أنَّ من الشعر الذي ارتجزَ به العبَّاسُ في المعركة هو قولُه: إنِّي أنا العباسُ أغدو بالسِقا ** ولا أخافُ الشرَّ يوم الملتقى فهل كان يفتخرُ بأنَّه يحملُ قِربةً خاليةً على أملِ أنْ يتمكَّن من ملئها؟! منقول بتصرف. المصدر : حوزة الهدى للدراسات الاسلامية ، شيخ محمد صنقور. ودمتم موفقين.

2