( 40 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

تفسير (وكشفت عن ساقيها)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ما المقصود بتفسير الآية الكريمة( وكشفت عن ساقيها) لنبي الله سليمان ع


عليكم السلام ورحمة الله وبركاته نواجه في هذه الآية والآيات السابقة مشهداً آخر، ممّا جرى بين سلمان وملكة سبأ فسليمان من أجل أن يختبر عقل ملكة سبأ ودرايتها، ويهىء الجوّ لإيمانها بالله، أمر أن يغيروا عرشها وينكّروه فـ (قال نكّروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ). وبالرغم من أن المجيء بعرشها من سبأ ا لى الشام كان كافياً لان لا تعرفه ببساطة.. ولكن مع ذلك فإنّ سليمان أمر أن يوجدوا تغييرات فيه، من قبيل تبديل بعض علاماته، أو تغيير ألوانه ومواضع مجوهراته، ولكن هذا السؤال: ما الهدف الذي كان سليمان(عليه السلام) يتوخّاه من اختبار عقل (ودراية) ملكة سبأ وذكائها؟ لعل هذا الاختبار كان لمعرفة أي منطق يواجهها به؟ وكيف يأتي لها بدليل لإثبات المباني العقائدية؟ أو كان يفكر أن يتزوجها، وكان يريد أن يعرف هل هي جديرة بأن تكون زوجة له، أم لا؟.. أو أراد ـ واقعاً ـ أن يعهد لها بمسؤولية بعد ايمانها... فلابدّ من معرفة مقدار استعدادها لقبول المسؤولية! وهناك تفسيران لجملة (أتهتدي ) فقال بعضهم: المراد منها معرفة عرشها. وقال بعضهم: المراد من هذه الجملة أنّها هل تهتدي إلى الله برؤية المعجزة، أو لا؟! إلاّ أنّ الظاهر هو المعنى الأوّل، وإن كان المعنى الأوّل بنفسه مقدمة للمعنى الثّاني. وعلى كل حال... فلمّا جاءت (قيل أهكذا عرشك ) والظاهر أن القائل لها لم يكن سليمان نفسه، والاّ فلا يناسب التعبير بـ «قيل»، لأنّ اسم سليمان ورد قبل هذه الجملة وبعدها، وعُبّر عن كلامه بـ «قال». أضف إلى ذلك أنّه لا يناسب مقام سليمان(عليه السلام) أن يبادرها بمثل هذا الكلام. وعلى أي حال. فإنّ ملكة سبأ أجابت جواباً دقيقاً و (قالت كأنّه هو ). فلو قالت: يشبه، لأخطأت.. ولو قالت: هو نفسه، لخالفت الإحتياط، لأنّ مجيء عرشها إلى أرض سليمان لم يكن مسألة ممكنة بالطرق الإعتيادية، إلاّ أن تكون معجزةً. وقد جاء في التواريخ أن ملكة سبأ كانت قد أودعت عرشها الثمين في مكان محفوظ، وفي قصر مخصوص فيه غرفة عليها حرس كثير! ومع كل ذلك فإنّ ملكة سبأ استطاعت أن تعرف عرشها رغم كل ما حصل له من تغييرات.. فقالت مباشرة: (وأوتينا العلم من قبلها وكنّا مسلمين ). أي، إذا كان مراد سليمان(عليه السلام) من هذه المقدمات هو اطلاعنا على معجزته لكي نؤمن به، فإنّنا كنّا نعرف حقانيته بعلائم أخر.. كنّا مؤمنين به حتى قبل رؤية هذا الأمر الخارق للعادة فلم تكن حاجة إلى هذا الامر. وهكذا فأنّ سليمان(عليه السلام) منعها (وصدّها ما كانت تعبد من دون الله )(1)بالرغم من (أنّها كانت من قوم كافرين ). أجل، إنّها ودعت ماضيها الأسود برؤية هذه العلائم المنيرة، وخَطت نحو مرحلة جديدة من الحياة المملوءة بنور الإيمان واليقين. وفي آخر آية من الآيات محل البحث يجري الكلام عن مشهد آخر من هذه القصّة، وهو دخول ملكة سبأ قصر سليمان الخاص. وكان سليمان(عليه السلام) قد أمر أن تصنع إحدى ساحات قصوره من قوارير، وأن يجري الماء من تحتها. فلمّا وصلت مَلكة سبأ إلى ذلك المكان (قيل لها أدخلي الصرح )(2) فلما رأته ظنته نهراً جارياً فرفعت ثوبها لتمر وسط الماء وهي متعجبة عن سبب وجود هذا الماء الجاري، وكما يقول القرآن: (فلما رأته حسبته لجةً وكشفت عن ساقيها ). ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ للمفسّرين أقوال مختلفة في فاعل (صدّ) وأنّ (ما) هل هي موصولة أو مصدرية، فقال جماعة من المفسّرين. إن الفاعل هو سليمان كما بيّناه في المتن، وبعضهم قال: بل هو الله، والنتيجة تكاد تكون واحدة وطبقاً لهذين التّفسيرين تكون «ها» مفعولا أوّلا و (ما كانت) مكان المفعول الثّاني، وإن كان أصلها جاراً ومجروراً، أي وصدها سليمان أو الله عما كانت تعبد من دون الله. إلاّ أن جماعة ذهبوا إلى أن فاعل صدّ، هو (ما كانت)، لكن حيث أن الكلام عن إيمانها لا كفرها فالتّفسير الأوّل أنسب.. وأمّا كلمة (ما) فقد تكون موصولة.. أو مصدرية. 2 ـ «صَرْحُ» معناه الفضاء الواسع، وقد يأتي بمعنى البناء العالي والقصر وفي الآية المشار إليها آنفاً معناه ساحة القصر أي فضاءه الواسع ظاهراً. 3 ـ «اللّجة» في الاصل مأخوذة من اللجاج، ومعناه الشدّة، ثمّ أطلق على ذهاب الصوت وإيابه في الحنجرة تعبير (لجة) على وزن (ضجة)، أمّا الأمواج المتلاطمة فىُ البحر فتسمى (لُجة) على وزن (جُبة) وهي هنا في الآية بهذا المعنى الأخير. إلاّ أنّ سليمان(عليه السلام) التفت إليها وقال: (إنّه صرح ممرد من قوارير )(1). فلا حاجة الى الكشف عن ساقيك فلا يمس الماء قدميك.

1