السلام عليكم ورحمته الله وبركاته
ما تفسير قوله تعالى :
( لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَـمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
من سورة آل عمران- آية (188)
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
مرحباً بك أيها السائل الكريم
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ٤٣-٤٤:
المرتكبون لقبائح الفعال على نوعين :
طائفة تستحي من أفعالها فور انتباهها إلى قبح ما فعلت، وهي لم تفعل ما فعلت من القبيح إلا لطغيان غرائزها، وهيجان شهواتها، وهذه الطائفة سهلة النجاة جداً، لأنها تندم بعد كل قبيح ترتكبه، وتتعرض لوخز ضميرها وعتب وجدانها بإستمرار..
بيد أن هناك طائفة أخرى ليست فقط لا تشعر بالندم والحياء مما ارتكبت من الإثم، بل هي على درجة من الغرور والإعجاب بالنفس بحيث تفرح بما فعلت، بل تتبجح به وتتفاخر، بل وفوق ذلك تريد أن يمدحها الناس على ما لم تفعله أبداً من صالح الأعمال وحسن الفعال.
إن الآية الحاضرة تقول عن هؤلاء : لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب أي لا تحسبن أن هؤلاء يعذرون على موقفهم هذا وينجون من العذاب، إنما النجاة لمن يستحون - على الأقل - من أعمالهم القبيحة، ويندمون على أنهم لم يفعلوا شيئاً من الأعمال الصالحة.
إن هؤلاء المعجبين بأنفسهم ليسوا فقط ضلوا طريق النجاة وحرموا من الخلاص، بل ولهم عذاب أليم ينتظرهم.
ويمكن أن نستفيد من هذه الآية أن ابتهاج الإنسان بما وفق لفعله وإتيانه من صالح الأعمال ليس مذموماً (إذا كان ذلك لا يتجاوز حد الاعتدال، ولم يكن سبباً للغرور والعجب)، وهكذا الحال في رغبة الإنسان في التشجيع والإجلال على الأفعال الحسنة إذا كان - كذلك - في حدود الاعتدال، ولم يكن الإتيان بتلك الأعمال الصالحة بدافع الحصول على ذلك، لأن كل ذلك من غريزة الإنسان ومقتضى فطرته. ولكن أولياء الله ومن هم في المستويات العليا من الإيمان بعيدون حتى من مثل هذا الابتهاج المباح وحب التقدير الغير المذموم.
إنهم يرون أعمالهم دائماً دون المستوى المطلوب، ويشعرون أبداً بالتقصير تجاه ربهم العظيم، وبالتفريط في جنبه سبحانه وتعالى.
على أنه ينبغي أن لا نتصور أن الآية الحاضرة - مورد البحث - تختص بأهل النفاق في صدر الإسلام أو من شاكلهم - في كل عصر وزمان - وفي جميع الظروف والمجتمعات المختلفة، ممن يفرحون ويبتهجون بأعمالهم القبيحة أو يحركون الآخرين ليحمدوهم على ما لم يفعلوه بالقلم أو اللسان.
إن مثل هؤلاء مضافاً إلى العذاب الأليم في الآخرة، سيصيبهم - في هذه الحياة - غضب الناس وسخطهم، وسيؤول أمرهم إلى الانفصال عن الآخرين وإلى غير ذلك من العواقب السيئة.
دمتم في رعاية الله.