الترجيع في القرآن الكريم
ما حكم الترجيع في القرآن الكريم؟ وما حكم قراءة الشيخ عبد الباسط؟
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
مرحباً بك أيها السائل الكريم..
من الأمور المهمة التي أكـدت عـليها الشريعة المباركة هو استحباب قراءة القرآن الكريم بالصوت الحسن، لإظهار عظمته واستذاقته وكـما كان يفعل الرسول(صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطـهار مـن آله صـلوات اللّه وسلامه عليهم أجـمعين، فـقد ورد عن رسول الإنسانية مـحمد(صلى الله عليه وآله) قوله «أقـرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وأياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، فأنه سيجيء من بعدي أقـوام يـرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانبة، لا يـجوز تـراقيهم، قلوبهم وقـلوب مـن يـعجبه شأنهم».
كما جاء على لسان الرسـول(صلى الله عليه وآله) عن الإمام أبي عبد اللّه (عليه السلام) أحسن الناس صوتاً بالقرآن وكان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يـسمعون قـراءته، كما كان أبو جعفر(عليه السلام) أحسن الناس صوتاً.
حرمة التغني بالقرآن:
لكن الحرمة العظمى لكتاب اللّه والمكانة المقدسة للقرآن المـجيد تـوجب رفـع القرآن عن المقاصد السيئة غير اللائقة بـه، والتـي لا تـتناسب وكـلام اللّه المـجيد، سـواء ما يتعلق بالآداب العامة أم القراءة الغنائية، فقد ورد عن الخلف الصالح وما تعارفت عليه السنة المطهرة من حرمة الغناء، حتى وصفوه بقول الزور الذي ورد في القرآن الشريف.
وحيث أن ما يترتب عـليه الغناء لا يجوز في خط القرآن الكريم، ولا في شكل قراءته ولا يناسب مقام كلام اللّه قط، لما يمتاز به هذا الكلام من العلو والرفعة، ثم الهدف المنشود فيه والنازل لأجله.
التعريف بالصوت الحسن وكذا الغناء:
وقـبل الولوج في الحديث عن الصوت الحسن وكذلك الغناء، يمكن أن نعرف الإثنين كما هو المتعارف عليه.
فتحسين الصوت يكون بتحسين اللفظ، والمكث عنده، وتقطيع التلاوة.. نعم التحسين هو ما يضاف على التجويد، من إصدار الصـوت بما ينبغي من التفاعل مع الذكر الحكيم، لجلب نظر السامع وتوجيهه إلى المعاني، بحيث يظهر التأثر عليه علناً أو ذاتاً في نفسه، فيحس بالجذب للقـراءة، ويـضاف الى ذلك أن يقرأ القرآن بالحزن كما ورد عن أبـي عـبد اللّه عليه السلام أنه قال (إن القرآن نزل بالحزن فاقرأوه بالحزن».
وقد جاء في الكافي أيضاً عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) قال: إن اللّه عز وجل أوحى إلى موسى بـن عمران (عليه السلام): «إذا وقفت بين يدي فـقف مـوقوف الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراة فأسمعنيها بصوت حزين».
ولذلك فإن قراءة القرآن بصوت حسن مندوب في الشريعة، وأن تأثير السماع للصوت الحسن الخالي من الترجيع ومن شكل الغناء كما سيأتي، يختلف إختلافاً ثانوياً يـتعلق بـالترنيم والتنميق، كما أن الإيقاع الموسيقي يختلف في تحسين الصوت عن الغناء، حيث إن في تحسين الصوت لا يأخذ نفس الوتيرة والقافية والاسترجاع، كما هو المعروف في الغناء.
أما في الغناء فإن الإيقاع الموسيقي يسيطر على الحالة، وبـذبذبات مـتناسقة ومسترجعة، تـخلو من الخشوع والتأدب، بل تذهب إلى أكثر من ذلك، لتسلب الإتزان والإستقرار فضلاً عن الأهداف والابتغاءات.
أما الغناء، فقد ورد تعريفه فـي المعجم الوسيط: «هو التطريب والترنم بالكلام الموزون وغيره، يكون مصحوباً بالموسيقى».
والمـغنّي: محترف الغناء.
وفـي مـجمع البحرين غناءك (كساء) وهو الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، أو ما يسمى بالعرف غناء وإن لم يطرب سـواء كـان في شعر أم قرآن أو غيرها.
وقال الشافعي: الغناء تحسين الصوت وترقيقه.
وفي السرائر: أنه الصوت المطرب.
وفي الشرائع وجـامع المـقاصد، أنـه: الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، وقيل أنه الصوت اللهوي.
كما قيل أيضاً وهو التعريف الذي جاء بـه الشيخ محمد رضا آل الشيخ في تفسير الغناء بأنه صوت الانسان الذي من شأنه إيجاد الطـرب بتناسبه لمتعارف الناس.
والطرب: هو الخـفة التـي تعتري الأنسان فتكاد أن تذهب بالعقل وتفعل فعل المسكر المتعارف.
ولذا لا يعتبر الحداء أو النشيد من الغناء.
وبالتالي فإن القراءة الجيدة وحسن الصوت لا يرقى إلى هذا الحد من التغني بالقرآن الذي لا يليق به ذلك، ومن جوز التـغني فأمره الى اللّه تعالى.
وقراءة القرآن بالتغني حرام لدي كافة المذاهب الإسلامية، وبين الفقهاء والعلماء ذلك في كتبهم وبحوثهم، ومما جاء في «عيون الأخبار» عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عن آبائه عن علي(عليهم السلام) قال: سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول: أخـاف عليكم استخفافاً بالدين، وبيع الحكم، وقطيعة الرحم، وأن تتخذوا القرآن مزامير، تقدمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين».
وجاء في الوسائل أيضاً، عن سليمان بن مسام الخشاب، عن عبد اللّه بن جريح المـكي، عـن عطاء بن أبي رباح، عن عبد اللّه بن عباس، عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في حديث له:
إن من أشراط الساعة إضاعة الصلوات، واتباع الشهوات، والميل إلى الأهواء