logo-img
السیاسات و الشروط
نثر الدرر ( 48 سنة ) - العراق
منذ 4 سنوات

حكم النذر

هل النذر لله أو للأئمة لا يجوز أو مكروه؟


حسب رأي السيد السيستاني

ليس منشأ الكراهة للنذر بناءً على ثبوتها، هو أن النذر يتضمَّن الشرط على الله تعالى، فإنَّ واقع النذر ليس كذلك، وإنما هو التزام يُلزمُ به الإنسان نفسه لله تعالى، إما ابتداءً كما لو قال "لله علي أنْ أصوم يوم الخميس" فإنَّ النذر ينعقد بذلك رغم أنه غير معلَّق على شيء، وقد يكونُ النذر معلَّقاً على تحقُّق أمر، وحقيقةُ النذر المعلَّق هو الالتزام بفعل شيءٍ راجح إذا اتَّفق وقوع ذلك الأمر، نعم يكون الغرض منه الطلب من الله تعالى والتوسُّل إليه بالالتزام بفعل عملٍ راجح إذا قضى اللهُ تعالى له تلك الحاجة، فالنذر بفعل الراجح إذا تحقَّقت غايةُ المكلَّف ليس شرطاً على الله تعالى وإنما هو نحوٌ من أَنحاء التوسُّل لله تعالى بالأفعال الصالحة. وأما منشأ الكراهة للنذر الابتدائي والتعليقي فهو ما أفاده الإمام الصادق (عليه السلام) فيما روي عنه بسندٍ معتبرٍ عن إسحاق بن عمار قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) إني جعلتُ على نفسي شكراً لله ركعتين أُصليهما في السفر والحضر أفأصليهما في السفر بالنهار فقال: نعم ثم قال: إني لأكره الإيجاب أنْ يُوجب الرجل على نفسه ... المزید"(1). فمفادُ الرواية هو أنَّ إلزام الإنسان نفسه بفعلٍ لم يُوجبه اللهُ تعالى عليه أمرٌ مكروه خصوصاً إذا كان الملتزَم به ثقيلاً أو دائما كما هو مورد الرواية، فمنشأ الكراهة هو ذاتُ الإلزام للنفس وتكليفها بغير ما كلَّف به اللهُ تعالى عباده. ولعلَّ الوجه في مرجوحيَّة إلزام النفس هو أن الإنسان بعد أن يُلزم نفسه قد ينتابه الخمول، فتُدبر نفسُه فيفي بنذره متثاقلاً، أو يُهمل فيغفل فلا يفي بنذره، فيكون كالمستهزء بعهد الله تعالى، والحالتان يتفق وقوعهما كثيراً خصوصاً لمن كان نذره معلَّقاً، وقد تحصَّل على غايته، فهو حين عقد النذر كان مستعدَّاً لأن يفعل الكثير وحين بلوغه غايته تُدبر نفسُه، فيشعر بثقل ما كلَّف به نفسه، ويقع كذلك كثيراً في النذر الابتدائي إذ إن للنفس إقبالاً وإدباراً فهي إذا أقبلت جعل على نفسه تكاليف، وكان حينها عازماً على الوفاء بها، ثم لا يلبث أن تُدبر نفسُه، فيستثقل الوفاء بنذوره، فإما أن يُضيِّعها فيقع في معصية الله تعالى، وإما أن يلتزم بها على غير رغبة لأنها ليست من التكاليف التي يشترك معه فيها سائرُ المكلفين، فيخفِّف ذلك من وطأتها على نفسه. ولذلك فالأرجح بالمؤمن أن لا يُلزم نفسه بشيء وإنما يلتزم بالتكاليف المفروضة، فإذا أقبلت نفسه استزاد وعمل بالنوافل، وإذا أدبرت يكون في سعةٍ لو تركها. ولعله لذلك ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "إنَّ للقلوب إقبالاً وإدباراً فإذا أقبلت فتنفَّلوا، وإذا أَدبرت فعليكم بالفريضة"(2). وورد قريبٌ منه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة "إنَّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإن أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض"(3). ………… ……… 1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 23 ص 303. 2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 4 ص 69. 3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 4 ص 70.