عليكم السلام
لا يتيسر لنا تحديد الموسيقى المحرمة من بين الأقسام المذكورة لعدم ألفتنا لأنواع الموسيقى، وعدم مناسبة وضعنا الديني والنفسي للاطلاع عليها. نعم يتيسر لنا تحديد الموسيقى والغناء المحرمين بما يبتني الاستماع إليه على التلهي لا بمعنى قضاء الوقت، بل بمعنى التلذذ اللهوي بالخروج عن مقام الجد إلى نحو من العبث المبني على التوجه لباطن النفس وتنبيه غرائزها وهزّ مشاعرها بالإيقاع الغنائي أو الموسيقي إشباعاً لرغبتها في المزيد من الابتهاج أو التفجع أو الفخر أو الغزل أو غير ذلك حسب اختلاف الدعاوي والظروف والمناسبات. وذلك هو المراد بالتعارف عند أهل الفسوق، حيث يراد به الإشارة لهذا النوع، لا التقييد بفعلية التعارف عندهم، بحيث يحل الإيقاع الموسيقي مع واجديته للضابط المذكور بمجرد هجرهم له واهتمامهم بغيره.
وكما يحرم الغناء والموسيقى بهذا الوجه يحرم استماعهما المبني على محاولة الانفعال بهما بالوجه المذكور.
نعم يسوغ استماعهما لا على هذا الوجه بل لمحض الاطلاع على المادة أو خصوصية البيان والإيقاع من دون انفعال به وإن كان اللازم الحذر من حصول الانفعال من دون قصد سابق. وحينئذٍ فتأدي الأغراض المشروعة بالموسيقى وترجيع الصوت إن ابتنى على صدورهما بالوجه المتقدم من باب استغلال الرغبة النفسية في اللهو المذكور والإقبال عليه لتحقيق تلك الأغراض وتركيز المفاهيم الحسنة وتعزيزها في النفوس وتنميتها تدريجاً كانا محرمين إيقاعاً وإسماعاً مهما كانت تلك الأغراض والمفاهيم سامية وشريفة، بل مقدسة.
وإن ابتنى على خروج الموسيقى والترجيع عن الوجه المتقدم، وأداء الأغراض المشروعة بهما رأساً بعيداً عن التلهي والعبث كانا سائغين. وبذلك يظهر أن الموسيقى الكلاسيكية محرمة، لأنها تدخل في الضابط المتقدم. ومجرد هجرها عند غالب أهل اللهو هذهالأيام لرغبتهم في الموسيقى الصاخبة، لا يحللها بعد دخولها في الضابط المتقدم للحرام. ونرجو أن نكون قد أوضحنا المقصود بعض الإيضاح، ومنه سبحانه نستمد العون والتسديد.