( 51 سنة ) - السعودية
منذ 4 سنوات

فدك

لماذا الإمام علي عليه السلام لم يرجع فدك للزهراء عليها السلام أثناء توليه الخلافة حيث الامور كانت بيده ؟


١-لم يرجعها لكون الغاصب والمغصوب قد وفدا على رب عدل حكم فيأخذ الحق ممن غصبه ويجازي المغصوب، فكَرِه الإمام (عليه السلام) أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوبة، وهذا ما ذكره الشيخ الصدوق: العلة التي من أجلها ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) فدكا لمّا ولي الناس: بإسناده إلى أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «قلت له: لمَ لمْ يأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) فدك لمّا ولي الناس، ولأيّ علّة تركها؟ فقال: لأنّ الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله عز وجل، وأثاب الله المظلومة وعاقب الظالم، فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوبة» ( (علل الشرائع 1 / 154، في باب 124)). الثاني: عدم إرجاع الإمام أرض فدك إنّما كان للاقتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ذكر الشيخ الصدوق في الباب المذكور كجواب ثان غير الذي ذكره في أعلاه، رواه بإسناده إلى إبراهيم الكرخي قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له: لأيّ علّة ترك أمير المؤمنين فدكا لمّا ولي الناس؟ فقال: للاقتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا فتح مكة، وقد باع عقيل بن أبي طالب داره، فقيل له: يا رسول الله ألا ترجع إلى دارك؟ فقال (صلى الله عليه وآله) وهل ترك عقيل لنا داراً، إنّا أهل بيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منّا ظلماً، فلذلك لم يسترجع فدكاً لمّا ولي».( (علل الشرائع 1 / 154، في باب 124)) الثالث: أنّ الإمام (عليه السلام) عرف عنه- كما لا يخفى على السواد الأعظم- نبذ الظلم وإقامة العدل ودفع الظالم عن المظلوم، وهو وليّ المؤمنين يحكم لهم ويأخذ لهم حقوقهم ممن ظلمهم ولا يأخذ حقه ممن ظلمه؛ لعلمه بأنّ الله جل وعلا هو من يأخذ بحقه وينصره وهذا ما جاء في رواية ذكرها الشيخ الصدوق كجواب ثالث، بإسناده إلى علي بن الحسن بن فضّال عن أبيه عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «سألته عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لمَ لمْ يسترجع فدكاً لمّا ولي الناس؟ فقال: لأنّا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا ممّن ظلمنا إلا هو (يعني إلا الله)، ونحن أولياء المؤمنين، إنّما نحكم لهم، ونأخذ حقوقهم ممّن ظلمهم، ولا نأخذ لأنفسنا». رابعا: السبب هو أنّ الناس مضى عليهم ما يقارب ۲٥ سنة ، يعتقدون أنّ فدك هي من أموال الحكومة وجزءً من بيت المال الذي لابدّ من صرفه في مصالح المسلمين ؛ وذلك لأنّ الخلفاء ركّزوا إعلامهم على ذلك ، فإذا كان الإمام عليّ عليه السلام يأخذ فدك ويتصرّف فيها ويعطيها للحسن والحسين عليهما السلام وهم وأولاده ، كان الناس يتّهمونه بغصب أموال بيت المال وإعطائه لأقربائه كما فعل عثمان . نعم ، كان بعض المخلصين من الصحابة يعلمون بالحقيقة ولكنّهم كانوا قليلين بالنسبة لمَن أُخفي عنهم الحقائق ، فترك علي عليه السلام حقّه وحقّ أهل بيته لكي لا ينحرف عنه ، ولا يتّهمه الناس ، فيكون في ذلك تضعيفاً للحقّ. مضافاً : إلى أنّ عليّاً عليه السلام لو كان يستولي على فدك ويأخذها ، كان يصرف عوائدها على المسلمين وفي مصالحهم فلا يتفاوت الحال. نعم ، الإمام عليه السلام صرّح في خطبة بأنّ فدك كانت ملكاً لفاطمة عليها السلام وكانت تحت يده ، قال عليه السلام : « بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء ، فشحّت عنها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله » [ نهج البلاغة : من كتاب الإمام علي عليه السلام إلى عثمان بن حنيف والي البصرة ]. خامسا: لو أنه (عليه السلام) فعل ذلك لأفسح المجال للنواصب بأن يطعنوا عليه عند الناس بالقول أنه وزوجته الزهراء (عليه السلام) كانا يطلبان مال الدنيا، ولذلك بمجرد أن وصل إلى الحكم حرص على أخذ هذه الأرض وإضافتها إلى أملاكه الشخصية. لكن مولانا أمير المؤمنين (سلام الله عليه) حين لم يفعل ذلك علم الناس أنه وزوجته الزهراء (عليها السلام) ما كانا يهتمان بأرض فدك من أجل الدنيا ومن أجل زيادة أموالهم، إنما من أجل الدين، ففدك هي رمز للشرعية، ومدخولها إذا كان بيد دولة الحق التي يقوم عليها إمام العدل فهو المطلوب، أما إذا لم يكن كذلك فهذا يكشف عن أن الدولة هي دولة الباطل والقائم عليها إمام الجور.

6