إن الله سبحانه و تعالى وعد المؤمنين بالنصر {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }، إلا أننا نجد أن النصر تحقق لبني أمية على معسكر الحسين (عليه السلام)!
النصر تارة يكون على المستوى المادي و الغلبة العسكرية، و تارة يكون على مستوى المبادي و القيم و إتمام الحجة، و الانتصار المادي لا يساوي شيئاً في مقابل الانتصار المبدئي و إتمام الحجة، و هو الهدف الأساسي لأنبياء الله سبحانه و تعالى، فمن الأنبياء من سجن و عذب و قتل إلا أن الله نصرهم في الحياة الدنيا بإتمام الحجة، و فضح أعداءهم، و إحياء القيم الإنسانية، بانتشار العقيدة و المبدأ و علو الشأن و جميل الذكر مدى الأجيال. كذلك الإمام الحسين (ع) فإن الله نصره في الحياة الدنيا بإتمام الحجة و فضح أعدائه و حفظ الدين و المبدأ، و ها هو قبره يقصده الملايين ممن آمن بقيمه التي ظلم واستشهد لأجلها، في الوقت الذي لا يذكر يزيد و بني أمية إلا باللعنة الدائمة و الذم الشديد من عموم المسلمين، و روي عن الإمام الباقر(ع) أنه تلا هذه الآية : {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَ الَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [و قال:] «الحسين بن علي منهم، و والله إن بكاكم عليه و حديثكم بما جرى عليه و زيارتكم قبره نصرة لكم في الدنيا، فأبشروا فإنكم معه في جوار رسول الله’».
و روي عن أبي عبد الله (ع)، قال: «لما قدم علي بن الحسين (ع) و قد قتل الحسين بن علي (ع) استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله ، و قال : يا علي بن الحسين ، من غلب ؟ و هو مغطى رأسه ، و هو في المحمل . قال : فقال له علي ابن الحسين : إذا أردت أن تعلم من غلب، و دخل وقت الصلاة ، فأذن ثم أقم»، إشارة إلى حفظ معالم الدين التي أراد يزيد بن معاوية طمسها بقتل الإمام الحسين (ع) و أهل بيته.
على أنه روي أيضا أن النصر المادي سيتحقق لأنبياء الله و رسله والمؤمنين عند ظهور القائم عجل الله فرجه الشريف و الرجعة.
عن جميل بن الدراج قال: قلت: قول الله تبارك و تعالى {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَ الَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} قال[أي الإمام الصادق (ع)]: «ذلك و الله في الرجعة، أما علمت أن أنبياء كثيرة لم ينصروا في الدنيا و قتلوا و الأئمة بعدهم قتلوا و لم ينصروا ذلك في الرجعة».
و للشيخ المفيد جواب جميل عن هذا السؤال قال:
«أن الله تعالى وعد رسله و المؤمنين في الدنيا و الآخرة بالنصر، فأنجز وعده في الدنيا، و منجز لهم وعده في الآخرة: و ليس النصر الذي وعدهم به في الدنيا هو الدولة الدنيوية و الإظفار لهم بخصومهم، و التهليك لهم إياهم بالغلبة بالسيف و القهر به، و إنما هو ضمان لهم بالحجج البينات و البراهين القاهرات، و قد فعل سبحانه ذلك فأيد الأنبياء و الرسل و الحجج من بعدهم بالآيات المعجزات، و أظهرهم على أعدائهم بالحجج البالغات، و خذل أعداءهم بالكشف عما اعتمدوه من الشبهات، و فضحهم بذلك و كشف عن سرائرهم و أبدى منهم العورات. و كذلك حال المؤمنين في النصر العاجل، إذ هم مؤيدون في الدنيا بالبينات، و أعداؤهم مخذولون بالالتجاء إلى الشبهات.
فأما ما وعدهم تعالى من النصر في الآخرة فإنه بالانتقام لهم من الأعداء، و حلول عقابه بمن خالفهم من الخصماء، و حميد العاقبة لهم بحلول دار الثواب، و ذميم عاقبة أعدائهم بصليهم في العذاب الدائم و العقاب. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} فأخبر عز اسمه أنه لا ينفع أعداء الرسل و المؤمنين معاذيرهم في القيامة، و أن لهم فيها اللعنة، و هي الطرد عن الخير و الثواب و التبعيد لهم عن ذلك، {وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} يعني العاقبة و هو خلودهم في العقاب. و هذا يبطل الشبهة في أنّ الحسين (ع) لم يتوجه إليه الوعد بالنصر، لأنه قتل و قتل معه بنوه و أهل بيته، و أسر الباقون منهم، إذ النصر المعني ما ذكرناه، و ليس في قتل الرسل في الدنيا و ظفر أعدائهم في الأولى و إن كانوا هم الأعلون عليهم بالحجة، و الغالبون لهم بالبرهان و الدلالة، ويوم القيامة ينتصر الله لهم منهم بالنقمة الدائمة حسب ما بيناه. و قد قالت الإمامية: إن الله تعالى ينجز الوعد بالنصر للأولياء قبل الآخرة عند قيام القائم، و الكرة التي وعد بها المؤمنين، و هذا لا يمنع من تمام الظلم عليهم حينا مع النصر لهم في العاقبة حسب ما ذكرناه».
و الحمد لله رب العالمين.