محمد - البحرين
منذ 4 سنوات

الشبهة حول العصمة

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته هناك بعض الشبهات التي تثار ومنها اقوال للإمام الصادق ينفي فيها العصمة عن نفسه فما مدى صحة هذه الروايه وهذا الإمام الصادق جعفر بن محمد أحد الأئمة رضي الله عنه يوصي قوماً راحلين عن المدينة بالقول: (( إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم، فأبلغوهم عني: من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة، فأنا منه برئ، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر، فأنا منه برئ )). وايضاً يثار هذا الامر وروى حماد بن زيد، عن أيوب قال: سمعت جعفراً يقول: (( إنا والله لا نعلم كل ما يسألوننا عنه، ولغيرنا أعلم منا ))، ذكر هذين الخبرين الذهبي في (سير أعلام النبلاء). وهناك انتظر من خلال سماحتكم عليه توضيحاً شافياً وهو فهذا علي رضي الله عنه يأمر ابن عباس أن يسير إلى الشام، قائلاً له: (( سر إلى الشام، فقد وليتكها. فقال له ابن عباس: ما هذا برأي، معاوية أموي، وهو ابن عم عثمان، وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان، أو أدنى أقل ما هو صانع أن يحبسني، قال علي: ولم؟ قلت: لقرابة ما بيني وبينك، وأن كل من حمل عليك حمل علي. ولكن اكتب إليه، فمنِّّه وعده، فأبى علي، وقال: لا والله، لا كان هذا أبدا )) أ. هـ من (سير أعلام النبلاء). وهذه الحادثة تدل على أن علياً لم يكن يعتقد من نفسه العصمة وإلا لما قبل مراجعة ابن عباس رضي الله عنه، وأن ابن عباس لم يكن يعتقد في علي العصمة وإلا لما راجع علياً، وأشار عليه بخلاف رأيه. وحادثة أخرى تظهر هذه الحقيقة وتجليها، وهي ما كان عليه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في آخر أيامه من كثرة شكواه من أتباعه بسبب مخالفتهم إياه، وعصيانهم له، حتى كان من دعائه: (( اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شراً مني، اللهم مث قلوبهم ميث الملح في الماء. أما والله لوددت أن لي بكم ألف فارس من بني فراس بن غنم )) وكان يخاطبهم بمرارة بالغة فيقول: (( يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم، ولم أعرفكم، معرفة والله جرت ندماً، وأعقبت سدماً، قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب جرع التهمام -الهم- أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان )) أ. هـ من نهج البلاغة. وايضاً ما ورد عن نفي علم الغيب للائمه فارجوا التوضيح للكلام الذي بالاسفل والرد على ذلك من وجوه: الوجه الأول: أن صاحب هذا العقيدة قد رفع مقام الأئمة فوق مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن الشيء فيؤجل الإجابة عنه إلى حين نزول الوحي، وربما سئل عن الأمر فيجيب بقوله: لا أدري، كما سئل عن وقت الساعة، فقال: (( ما المسئول عنها الساعة بأعلم من السائل )) وسئل عليه الصلاة والسلام عن (الروح) فرد العلم بها إلى الله، كما قال تعالى: (( وَيَسأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلَّا قَلِيلًا )) (الإسراء:85) وأمر الله نبيه أن يصرّح بعدم علمه الغيب، فقال سبحانه: (( قُل لا أَملِكُ لِنَفسِي نَفعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ )) (الأعراف:188) فكيف يقال بعد ذلك: إن أئمة من آل البيت يعلمون الغيب، وتنجلي في نفوسهم المعلومات، لا شك أن ذلك مسلك من الغلو لم يرتضه الله ولا رسوله، ولا ادعاه هؤلاء الأئمة الكرام لأنفسهم، بل كانوا على غاية من التواضع والعلم بالله، ما يمنعهم من ادعاء ما اختص الله به (( قُل لا يَعلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ الغَيبَ إِلَّا اللَّهُ )) (النمل:65). وقد قال بعض أصحاب علي له: (( لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك عليه السلام وقال للرجل: وكان من قبيلة تسمى كلب، يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب، وإنما هو تعلّمٌ من ذي علم، وإنما الغيب علم الساعة، وما عدده الله بقوله: (( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِي الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )) (لقمان:34) فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام، من ذكر أو أنثى وقبيح أو جميل وسخي أو بخيل وشقي أو سعيد، ومن يكون في النار حطباً، ومن في الجنان للنبيين مرافقاً، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله، وما سوى ذلك علّمه الله نبيه صلى الله عليه وسلم فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطم -تنضم- عليه جوانحي )) أ. هـ من نهج البلاغة، فهذا تصريح منه عليه السلام بأنه لا يعلم الغيب، ولا يدعيه، وما أخبر به مما فيه إخبار عن مستقبل آت، أوضح مصدره، وأنه من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم إياه، وإخباره عنه، فأين هذا من دعوى علم الغيب التي يدعيها الغلاة في أئمة آل البيت وفي مقدمتهم علي عليه السلام. ومما يدل على انتفاء اتصاف علي بعلم الغيب من الوقائع التاريخية -زيادة على ما سبق- هو أنه لم يكن من رأيه عليه السلام اللجوء إلى التحكيم في وقعة صفين، ولكنه مال إلى موافقة أتباعه طلباً لوحدة الوصف وذرأًً للفتنة، ولو كان يعتقد من نفسه معرفة ما تؤول الأمور إليه لما وافقهم، ولو كانوا يعتقدون فيه -وهم أتباعه ومناصروه- علم الغيب لما خالفوه، فدل ذلك على أن نسبة علم الغيب لعلي كنسبة دم ابن يعقوب عليهما السلام إلى الذئب. في الختام السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


الأخ محمد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الخبران الواردان عن الذهبي عن الإمام الصادق (ع) ليسا حجة علينا في نفي العصمة أو نفي علم الإمام (ع) ببعض العلوم, لأنه جاء من طريق المخالف للمذهب, فلا عبرة به, ولا يصح الإحتجاج بأحاديث المخالفين لمذهب ما على عقائد مذهب آخر, وهذه مسألة معروفة عند المتكلمين وأهل المنطق والمناظرة, إنظر في ذلك قول إبن حزم في الفصل في الأهواء والملل والنحل 4 : 159., قال : (( لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا, فهم لا يصدقونها, ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدقها, وإنما يجب أن يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجة به, سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه, لأن من صدق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري فيصير حينئذ مكابراً منقطعاً إن ثبت على ما كان عليه )). انتهى. وهكذا الحال في ما ذكره الذهبي من امر أمير المؤمنين (ع) لأبن عباس السير إلى الشام بالولاية ورفض الأخير لذلك, فهي واردة من طريق الخصم, ولا حجة فيها علينا. وأما ما ذكر في نهج البلاغة من كلمات أمير المؤمنين (ع) فهي ليس لها علاقة بالعصمة, بل هي تنبأ عن حال الناس وتذمره (ع) من تصرفاتهم وأفعالهم, وهذا المعنى تجده في سلوك الأنبياء مع أقوامهم وهي ليست دليلاً على نفي العصمة. أمّا ما ذكر من علم الأئمة (ع) بالغيب, فنحن نقول به ونعتقد به ولكن ليس كما يدعى الخصم.بأن علم الأئمة (ع) بالغيب من دون تعلم, بل هو علم من ذي علم, وهذا المعنى تجده في أحاديث كثيرة صحيحة روتها كتب السنة قبل الشيعة, فقد روى مسلم في صحيحه 8: 172 في كتاب الفتن, وأبي داود في سننه 2: 299, والحاكم في المستدرك 4: 533 أن النبي (ص) ورث علوم الأنبياء جميعها, وكان يعلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة, وقد ذكره الحاكم في المستدرك على الصحيحين 3: 136 وصححه, ووافقه الذهبي كما في تلخيص المستدرك, بأن علياً (ع) هو وراث علم النبي (ص).. وفي حديث صحيح يرويه أبو نعيم في الحلية عن إبن عباس أن رسول الله (ص) قال : ((من سره, أن يحيا حياتي ويموت مماتي, ويسكن جنة عدن غرسها ربي, فليتول علياً من بعدي, وليوال وليه, وليقتد بالأئمة من بعدي, فإنهم عترتي, خلقوا من طينتي, ورزقوا فهمي وعلمي, فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.)) انظر: حلية الأولياء 1: 6, وتاريخ دمشق 42: 240، وكنز العمال 12: 104 عن الطبراني والرافعي عن إبن عباس. وما نفاه (عليه السلام) من علم بالغيب إنما هو العلم بالاستقلال لا العلم الذي يكون تعلم من ذي علم, وإلا بماذا يفسر هؤلاء المخرصون ما ورد في كتب أهل السنة من علم الرسول (ص) بما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة؟! وأما قول صاحب الشبهة : ( وما يدل على إنتفاء إتصاف علي بعلم الغيب من الوقائع التاريخية هو أنه لم يكن من رأيه (ع) للجوء إلى التحكيم في وقعة صفين ولكنه مال إلى موافقة أتباعه طلباً لوحدة الصف..... إلخ ). نقول : أن مثل هذا الكلام مضحك للثكلى, وهو ينسف بعضه بعضاً, بل علم الغيب عند علي (ع) في خصوص هذه الحادثة كان ظاهراً بيناً، فانظر إلى كلامه مع الخوارج الذين فتنوا بعد رفع المصاحف حيلة وغيلة, ومكراً وخديعة : ((إخواننا وأهل دعوتنا, استقالوا واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه، فالرأي القبول منهم والتنفيس عليهم. فقلت لكم : هذا أمر ظاهره أيمان باطنه عدوان, وأوله رحمة وآخره ندامة, فأقيموا على شأنكم وألزموا طريقتكم, وعضوا على الجهاد بنواجذكم, ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق ؛ إن أجيب أضل, وإن تُرك ذل ؟! )) نهج البلاغة 1: 236. فعلم الغيب عند علي (ع) بخصوص هذه الحادثة واضح فهو (ع) يبين مبتدأ الأمر ومنتهاه, وكأنه يراه عياناً, وقد كان كما قال (ع).. فلا شأن لقبوله (ع) بالتحكيم بعلم الغيب.. بل كان قبوله لذلك راجع إلى مسألة إخماد الفتنة التي ألقاها معاوية في جيشه (ع) ومحاولة لرأب الصدع, وإلقاء الحجة على المنشقين من جيشه.. فأين هذا من علم الغيب وعدمه ؟!. ودمتم في رعاية الله

2