ع م أ - الهند
منذ 4 سنوات

سكوت علي بن أبي طالب يدل على رضاه

في زمان الخلفاء الثلاثة كان علي معهم يعاونهم ويشاورونه , وزوّج عمر ابنته, وتزوج زوجة أبي بكر بعد وفاته, وأخذ حصته من الغنائم وشارك في الشورى, وحضر الصلاة معهم, ولم يترك سكنى المدينة, وهذه الامور تؤيد أن عليّاً لم يكن يرى أن الخلافة نصٌ فيه, ودعوى أنه كان يصنع ذلك من باب التقية إذ لم يجد ناصراً غير صحيحة.


الاخ ع م أ المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذا السؤال يتضمن عدّة أمور يجب البحث فيها, منها ستة تتعلق بسلوكية الإمام (عليه السلام) مع الخلفاء, وسابعها: منع أن يكون فعله ذلك للتقية. وللإجابة على ذلك نقول: اولاً: ان الامور المذكورة من سلوك الإمام (عليه السلام) في زمان الخلفاء الثلاثة وانه كان معهم يعاونهم ويشاورونه كل ذلك لا يكشف عن رضاه, فبالرغم من مشاورتهم له ورجوعهم إليه في كثير من القضايا وخاصة في الأحكام لم يتولّ لهم عملاً ولم يشترك معهم في حرب, بل كان ينتقد أعمالهم, وتذمره الصريح منهم وشكواه من استيلائهم على حقه يكفي في رد ما زعمه السائل, فإن ما في خطبته الشقشقية شاكياً حاله ومعلناً سخطه ما يغني عن سرد غيره, ولذا ثبت تاريخياً انه لم يبايع أبا بكر إلاّ بعد موت فاطمة (عليها السلام). وكان موتها فيما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وابن الأثير في تاريخه بعد ستة أشهر من بيعة أبي بكر, ففي تلك المدة كان مقاطعاً لم يشترك في جمعة ولا جماعة كما هو ظاهر من عدم مبايعته وإعلان مقاطعته. ولا تخلو حاله اما أن يكون في تأخره ذلك مصيباً أو مخطئاً , فإن كان مصيباً فقد كشف عن الخطأ الذي ارتكبه القوم, وإن كان مخطئاً فلا يحتج بفعله, على أن الامة لم تقل بذلك وكيف تقول والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال مراراً : (علي مع الحقّ والحقّ مع علي), و(علي مع القرآن والقرآن مع علي) ونحو ذلك. ويؤكد مقاطعته تلك انه حدثت في تلك الفترة حروب الردة ولم يسمع له في شأنها أمرٌ ولا نهيٌ , ولم يؤخذ منه رأيٌ, بل زاد في تأكيد سخطه كلما سنحت له الفرصة وبأي وسيلة تهيأت له, حتى بلغ به الحال انه كان يطرق أبواب الأنصار وأهل السوابق ليلاً حاملاً معه فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) يدعوهم إلى نفسه ويذكّرهم عهد النبي (صلى الله عليه وآله) إليهم فيه. وهذه حقيقة ثابتة لا مراء فيها حتى أن معاوية عدّها من مؤاخذاته فذكرها في كتبه إلى الإمام علي(عليه السلام) فقال في أحد كتبه: ((ومن قبل ذلك ما عيبّت خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام حياتهما, فقعدت عنهما, وألبت عليهما, وامتنعت من بيعتهما)). (شرح النهج للمعتزلي ج 4 / 201 ,وجمهرة رسائل العرب ج 1 / 417). وقال في كتاب آخر منه أيضاً: ((وإبطاؤك عن الخلفاء, وأنت في كل ذلك تقاد كما يقاد البعير المخشوش حتى تبايع وأنت تكره)). (العقد الفريد 2/33, وصبح الأعشى 1/28, وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 / 407 وجمهرة رسائل العرب ج 1 / 437). وجاء في كتاب ثالث منه أيضاً: ((لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه, ورمت إفساد أمره, وقعدت في بيتك واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته)). وقال في الكتاب أيضاً: ((وتلكأت في بيعته حتي حملت إليه قسراً تساق بحزائم الاقتساء كما يساق الفحل المخشوش)) (شرح ابن أبي الحديد ج 3 / 448 وجمهرة رسائل العرب ج 1 / 445 - 446). وقد أوضح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في جوابه عن ذلك فقال: (وذكرت حسدي الخلفاء وابطائي عنهم وبغيي عليهم, فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون, وأما الإبطاء عنهم والكراهية لأمرهم فلست أعتذر الى الناس من ذلك, أن الله تعالى ذكره لما قبض نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم قالت قريش: منا أمير, وقالت الأنصار منا أمير, فقالت قريش : منا محمّد فنحن أحق بالأمر, فعرفت ذلك الأنصار فسلّمت لهم الولاية والسلطان, فاذا استحقّوها بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم دون الأنصار فان اولى الناس بمحمّد أحق به منهم, وإلاّ فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيباً ولا أدري أصحابي سَلموا من أن يكونوا حقي أخذوا, أو الأنصار ظلموا؟ بل عرفت أن حقي هو المأخوذ وقد تركته لهم تجاوز الله عنهم). (العقد الفريد ج 2 / 234، وشرح النهج للمعتزلي ج 3 / 408، ونهج البلاغة ج 2 / 6، وجمهرة رسائل العرب ج 1 / 442). وبعد هذا العرض نذكر بعض كلمات الإمام (عليه السلام) التي تدل على تظلّمه وعدم رضاه بخلافة من سبقه, فقد قال وهو يصف حرص القوم على دفعه عن حقه: (وقد قال قائل انك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص؟ فقلت: بلى أنتم والله لأحرص وأبعد, وأنا أخص وأقرب, وإنما طلبت حقاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه, فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هبّ كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به. اللّهمّ إني استعينك على قريش ومَن أعانهم فإنهم قطعوا رحمي وصغّروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي . ثم قالوا: الا إنّ في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه) (نهج البلاغة ج 2 / 102 - 103). وليس أوضح من كلامه الآتي في بيان عذره في سكوته عن المطالبة بحقه حيث قال: (فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فخشيت أن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم). ثانياً: تزويجه عمر بابنته - بعد الإغماض عما حوله من شبهات وتخرّصات - فليس فيه أي دلالة على رضاه بخلافته, فضلاً عن دلالته على نفي النص على إمامته. ثالثاً: تزوجه بزوجة أبي بكر بعد وفاته, فهو كسابقه في وهن الاستدلال به, على أن تلك الزوجة المشار إليها هي أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت قبل أبي بكر عند جعفر بن أبي طالب وولدت له أولاده عبد الله ومحمد... فلما قتل جعفر بمؤتة خلف عليها أبو بكر ولم تنقطع أيام أبي بكر من التواجد في بيت أميرالمؤمنين (عليه السلام) والزهراء (عليها السلام), ولا يبعد أن يكون زواج الإمام منها بعد موت أبي بكر رعاية لتربية أبناء أخيه الذين هم ما زالوا أطفالاً إذ استشهد جعفر (عليه السلام) في السنة السابعة للهجرة ومات أبو بكر في سنة 13 هـ فهم في سنّ الطفولة لم يتجاوزوا العاشرة على أكثر تقدير. ولو كان زواج الخالف يدل على رضاه عن سيره وسلوك المخلوف على زوجته, لكان زواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أزواجه الثمانية التي كنّ عند أزواج قبله وكلهم كانوا من المشركين يدل على ذلك ولم يزعمه أي زاعم. رابعاً: أما أخذه حصته من الغنائم فما دام هو صاحب الحق الشرعي وهو الخليفة الشرعي, فما أخذه إنما كان بعض حقه, فأين دلالة ذلك على نفي النص عنه. خامساً: وأما مشاركته في الشورى فقد أجاب هو (عليه السلام) عن وجه ذلك فقال في خطبته الشقشقية: (فيالله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر لكنّي أسفت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا). قال ابن أبي الحديد في تفسير ذلك: (( لكنّي طلبت الأمر وهو موسوم بالأصاغر منهم كما طلبته أولاً وهو موسومٌ بأكابرهم, أي هو حقي فلا أستنكف من طلبه إن كان المنازع فيه جليل القدر أو صغير المنزلة, وما قوله لعمه العباس من دون ذلك وقد نهاه عن الدخول في الشورى وذلك حين سمّى عمر النفر الستة فقال الإمام عليه السلام للعباس: عدلَ بالأمر عني يا عم, قال: وما علمك؟ قال: قرنَ بي عثمان - ثم بيّن له وجه ذلك العدول - فقال العباس: لم أرفعك إلى شيء إلاّ رجعت إليَّ مستأخراً بما أكره - إلى أن قال - : وقد أشرت عليك حين سمّاك عمر في الشورى اليوم أن ترفع نفسك عنها ولا تدخل معهم فيها فأبيت إلى آخر كلامه فقال عليه السلام: أما إني أعلم أنهم سيولّون عثمان, وليحدثن البدع والاحداث ولئن بقي لأذكرنّك وإن قتل أو مات ليتداولها بنو أمية بينهم, وان كنت حيّاً لتجدني حيث تكرهون)) (شرح النهج ج 1 /192 نقلاً عن تاريخ الطبري ج 5 / 33) وما بعدها ،فراجع. وأصرح من جميع ذلك ما نقله ابن أبي الحديد في (شرحه ج 1 / 189/ تحقيق أبي الفضل إبراهيم) عن القطب الراوندي: (( ان عمر لما قال كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها قال ابن عباس لعلي عليه السلام: ذهب الأمر منا, الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان فقال علي عليه السلام: وأنا أعلم ذلك, ولكني أدخل معهم في ا لشورى لأن عمر قد أهّلني الآن للخلافة وكان قبل ذلك يقول ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن النبوة والإمامة لا تجتمعان في بيت, فأنا أدخل في ذلك لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته)) فأيّ الدلالات هي التي دلّت على نفي النص عن الإمام في حضوره الشورى. سادساً: وأما حضوره الصلاة معهم فليس فيه دلالة على أن صلاته كانت صلاة مقتد مؤتمّ بإمامه على الحقيقة, بل يمكن دعوى أنه صلّى ناوياً لنفسه مظهراً للإقتداء بغيره, أو جعلهم كسواري الماء على حدّ تعبير بعضهم, ولو قلنا باقتدائه به واقعاًً فإن ذلك لا ينبغي وجود النص عليه وغلب غيره على حقّه. سابعاً: وأما منع أن يكون - ما ذكر من الموارد الستة المتقدمة - صدر عن تقية فهو زعم بغير دليل, بل دعوى العكس الصحيح, بشاهد قوله (عليه السلام) المارّ آنفاً: (فرأيت إذا ليس معي إلاّ أهل ضننت بهم عن القتل)، ونحو ذلك كقوله (عليه السلام) وقد جاؤا به قسراً إلى المسجد وقالوا له بايع، قال: (فإن لم أفعل؟) قالوا: نقتلك، قال: (تقتلون عبداً لله وأخاً لرسوله)، قالوا: أما عبد الله فنعم وأما أخا رسوله فلا, فتوجه إلى قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: (يا ابن افم أن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني). ودمتم في رعاية الله