أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون * ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين * الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون 42 - 51.
تفسير:
قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى:
"ونزعنا ما في صدورهم من غل"
أي وأخرجنا ما في قلوبهم من حقد وحسد وعداوة في الجنة حتى لا يحسد بعضهم بعضا، وإن رآه أرفع درجة منه.
"وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا"
أي هدانا للعمل الذي استوجبنا به هذا الثواب بأن دلنا عليه وعرضنا له بتكليفه إيانا، وقيل: هدانا لثبوت الايمان في قلوبنا، وقيل: لنزع الغل من صدورنا، وقيل: هدانا لمجاوزة الصراط ودخول الجنة.
"وما كنا لنهتدي"
لما يصيرنا إلى هذا النعيم المقيم والثواب العظيم.
"لولا أن هدانا الله"
هذا اعتراف من أهل الجنة بنعمة الله سبحانه إليهم، ومنه عليهم في دخول الجنة على سبيل الشكر والتلذذ بذلك: لأنه لا تكليف هناك.
"ونودوا"
أي ويناديهم مناد من جهة الله تعالى، ويجوز أن يكون ذلك خطابا منه سبحانه لهم.
"أن تلكم الجنة أورثتموها"
أي أعطيتموها إرثا وصارت إليكم كما يصير الميراث لأهله، أو جعلها الله سبحانه بدلا لكم عما كان أعده للكفار لو آمنوا.
"بما كنتم تعملون"
أي توحدون الله وتقومون بفرائضه.
"ونادى"
أي وسينادي.
"أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا"
من الثواب في كتبه وعلى ألسنة رسله.
"حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم من العقاب حقا"
فهذا سؤال توبيخ وشماتة يزيد به سرور أهل الجنة وحسرة أهل النار.
"قالوا نعم فأذن مؤذن"
أي نادى منا بينهم أسمع الفريقين
"أن لعنة الله على الظالمين"
أي غضب الله وأليم عقابه على الكافرين.
"الذين يصدون عن سبيل الله"
أي الطريق الذي دل الله سبحانه على أنه يؤدي إلى الجنة
"ويبغونها عوجا"
قال ابن عباس: معناه: يصلون لغير الله، ويعظمون ما لم يعظمه الله، وقيل: يطلبون لها العوج بالشبه التي يلبسون بها.
وروى أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن محمد بن الحنفية، عن علي عليه السلام أنه قال: أنا ذلك المؤذن.
وبإسناده عن أبي صالح، عن ابن عباس إن لعلي في كتاب الله أسماء لا تعرفها الناس، قوله: فأذن مؤذن بينهم فهو المؤذن بينهم يقول: ألا لعنة الله على الظالمين الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي.
"وبينهما حجاب"
أي بين الفريقين: أهل الجنة وأهل النار ستر، وهو الأعراف والأعراف: سور بين الجنة والنار، عن ابن عباس ومجاهد والسدي، وفي التنزيل:
"فضرب بينهم بسور"
الآية، وقيل: الأعراف: شرف ذلك السور، وقيل الأعراف الصراط.
"وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم"
اختلف في المراد بالرجال هنا على أقوال: فقيل: إنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فحالت حسناتهم بينهم وبين النار، وحالت سيئاتهم بينهم وبين الجنة فجعلوا هنالك حتى يقضي الله فيهم ما شاء، ثم يدخلهم الجنة، عن ابن عباس وابن مسعود، وذكر أن بكر بن عبد الله المزني قال للحسن: بلغني أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فضرب الحسن يده على فخذه ثم قال: هؤلاء قوم جعلهم الله على تعريف أهل الجنة والنار يميزون بعضهم من بعض، والله لا أدري لعل بعضهم معنا في هذا البيت، وقيل: إن الأعراف موضع عال على الصراط عليه حمزة والعباس وعلي وجعفر يعرفون محبيهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسواد الوجوه عن الضحاك عن ابن عباس، رواه الثعلبي بالاسناد في تفسيره.
وقيل: إنهم الملائكة في صورة الرجال يعرفون أهل الجنة والنار، ويكونون خزنة الجنة والنار جميعا، أو يكونون حفظة الاعمال الشاهدين بها في الآخرة، عن أبي محلز، (1) وقيل: إنهم فضلاء المؤمنين، عن الحسن ومجاهد، وقيل: إنهم الشهداء وهم عدول الآخرة، عن الجبائي.
وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام: هم آل محمد عليهم السلام لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولايدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.
وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام: الأعراف كثبان بين الجنة والنار، فيوقف عليها كل نبي وكل خليفة نبي مع المذنبين من أهل زمانه، كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده، وقد سبق المحسنون إلى الجنة، فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه: انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سبقوا إلى الجنة، فيسلم المذنبون عليهم، وذلك قوله: "ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم".
ثم أخبر سبحانه أنهم لم يدخلوها وهم يطمعون، يعني هؤلاء المذنبين لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون أن يدخلهم الله إياها بشفاعة النبي والامام، وينظر هؤلاء المذنبون إلى أهل النار ويقولون: "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" ثم ينادي أصحاب الأعراف وهم الأنبياء والخلفاء أهل النار مقرعين لهم: "ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون" به "أهؤلاء الذين أقسمتم" يعني أهؤلاء المستضعفين الذين كنتم تحقرونهم وتستطيلون بدنياكم عليهم، ثم يقولون لهؤلاء المستضعفين عن أمر من الله لهم بذلك: "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون".