وكذلك هناك تسميات أخرى لها وإن كانت في معناها أعم من الكعبة المشرفة، إلاّ أنّها قد أطلقت وأُريد بها الكعبة المشرفة من قبيل بكة، والنسَّاسة، أُم رُحْم، الحَاطمة، القادس، المقدسة، الناسّة، الباسّة، والمُذْهَب و.......الخ. (١)
إلاّ أنّه وعند الحديث عن الكعبة المشرّفة، لا يمكن التغافل على أنّ فيها وفي بطنها، ولد الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وهذا لهوشرف عظيم، ومنقبة كبيرة، لإبن عمّ رسول الله (ص) وزوج ابنته (س) الذي لم يكن له نسل (ص) إلاّ منه (ع). (٢)
وبالعودة إلى تاريخ بناء الكعبة المشرفة، نجد أنّ القرآن الكريم يحدثنا أنّها بنيت على يدي نبي الله إبراهيم (ع) وابنه اسماعيل (ع)، إلاّ أنّه وردت بعض الروايات تشير أنّ الكعبة المشرفة بنيت قبل ولادة سيدنا ابراهيم (ع)، وقد هدّمت بسبب عوامل بيئية، والمولى تعالى أمر نبيه ابراهيم (ع) ببنائها من جديد مع ابنه اسماعيل (ع).
وعبر تاريخها تعرّضت الكعبة المشرّفة للهدم عدّة مرّات، من أهمّها ما حدث قبل الإسلام عندما احترقت الكعبة ثمّ جاءت السيول وهدّمتها، ممّا دفع قريش لإعادة بنائها، وعندما بلغوا إلى مرحلة وضع الحجر الأسود، اختلفت بطون قريش في من يضعه، وكاد أن يقع بينهم اقتتال، إلاّ أنّهم تصالحوا على أنّ أول رجل يخرج عليهم من الناحية التي اتفقوا عليها هو من سيحكم بينهم في رفع الحجر الأسود، وكان النبي محمد (ص) هوالرجل الذي خرج عليهم من الجهة التي حدّدوها.
فحكم الرسول الأكرم (ص) بينهم، بأن يوضع الحجر الأسود في قطعة قماش، ويتعاون وجهاء بطون قريش على حملها معًا. (٣)
وكذلك هدّمت الكعبة الشريفة بعد الإسلام عدّة مرّات، من أهمها ما وقع زمن حكم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ومرّة أخرى في زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، حينما جهّزا الجيوش لمحاربة عبد الله بن الزبير الذي كان خليفةً حينها على مكّة والمدينة.
فبعد أن تمكّن عبد الله بن الزبير بن العوام من السيطرة على بلاد الحجاز، ورفض بيعة يزيد بن معاوية جهّز الأخير جيشًا من أهل الشام بقيادة مسلم بن عقبة وقصد بلاد الحجاز لمحاربة عبد الله بن الزبير، فدخل جيش الشّام سنة ٦٣هـ، إلى المدينة المنوّرة وفعلوا فيها ما لا يخطر على ذهن مسلم، فاستباح مسلم بن عقبة المدينة لجيشه ثلاثة أيام (٤)، فقتلوا وذبحوا ونكّلوا بكثير من الأصحاب وأبناء الأصحاب والتابعين، واغتصبوا النساء وهتكوا الأعراض،وسرقوا الأموال والأرزاق، وسمّيت هذه الحادثة بوقعة الحرّة.
ثمّ بعد ذلك وفي سنة ٦٤ للهجرة، توجّه جيش الشام إلى مكّة المكرمة التي كانت مقرّ الخلافة لعبد الله بن الزبير، قبل أن يصلوا إليها مات قائد الجيش، فخلفه الحصين بن النمير (٥)، فحاصر مكّة المكرمة بأهلها لمدّة طويلة، حتى تمكن من السيطرة على بعض الجبال حول مكّة، ثمّ ضرب المسجد الحرام (الكعبة) الذي كان يتحصن فيه عبد الله بن الزبير وأهل مكّة، بالمِنْجَنيق ورماها بالنّيران، ممّا أدّى إلى احتراقها وزوال أعمدتها الخشبية، وميلان جدرانها، وبعد أن فشل جيش يزيد بن معاوية في السيطرة على مكّة المكرمة، عاد هذا الجيش للشام عندما علم بموت يزيد بن معاوية. (٦)
فعمد عبد الله بن الزبير سنة ٦٥ هجري، إلى هدم ما تبقى من الكعبة حتى سوّاها بالأرض، لإعادة بنائها من جديد (٧)، وهنا يُروى أنّه بناها بمساحة أكبر ممّا كانت عليه زمن الرسول محمد (ص)، بناءً على قول عائشة بنت أبي بكر بن قحافة زوجة النبي محمد (ص)، التي نقلت أنّ الرسول الأكرم (ص) قال: أنّ قريشًا وبسبب قلّة المال بَنَت الكعبة بمساحة أقلّ من المساحة التي بناها عليها نبي الله ابراهيم (ع)، وأنّه (ص) قال: لولا حداثة قريش بالإسلام لهدّمت الكعبة وأعدت بناءها من جديد، ولجعلت فيها بابين لكي يدخل النّاس من باب ويخرجوا من الباب الآخر. (٨)
والمرّة الثانية التي هدّمت فيها الكعبة المشرفة حصل سنة ٧٤ للهجرة، على يد الحجاج بن يوسف الثقفي بأمرٍ من الخلفية الأموي عبد الملك بن مروان.
فبعد موت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان انتقلت الخلافة إلى ابنه معاوية بن يزيد ولكن لم يَدُم حُكْمه طويلا فتم قتله غيلة، ممّا ساعد على انتقال حكم بلاد الشام إلى مروان بن الحكم ومن بعده لابنه عبد الملك بن مروان الذي هدّم جيشه الكعبة المشرفة مرّة ثانية.
فعندما تولى عبد الملك بن مروان الحكم في بلاد الشام، جهّز جيشًا وأَمَّرَ عليه الحجاج بن يوسف الثقفي، ثمّ سيّره نحو بلاد الحجاز، وبالتحديد إلى مكّة المكرّمة لمحاربة عبد الله بن الزبير.
وبعد أن تمكّن جيش الحجّاج بن يوسف من خصمه، قَتل عبد الله بن الزبير وكل من بقي معه، وارتكب أشنع المجازر والجرائم في أهل مكّة.
ثمّ كتب لخليفته عبد الملك بن مروان أنّ ابن الزبير قد زاد في مساحة الكعبة وأضاف بابًا ثانيا في الكعبة، فأَمَر عبد الملك بن مروان قائد جيشه الحجّاج بن يوسف: أن اهدم ما زاده ابن الزبير وأغلق الباب الذي أضافه، واجعلها كما كانت عليها حين بنتها قريش. (١١)
وكذلك هُدّمت الكعبة للمرّة الثالثة، بسبب السيول والأمطار، في زمن حكم العثمانيين، وبالتحديد زمن الحاكم العثماني مراد الرابع سنة ١٠٤٠ للهجرة، فأمر السلطان العثماني بعض المهندسين المصريين ببنائها من جديد، وبقيت على تلك الحال إلى يومنا هذا، وكل ما كان يحدث بعد ذلك، هو فقط أعمال ترميم وتحسين للكعبة المشرفة. (١٢)
والحمد لله ربّ العالمين
الكاتب / السيد حبيب مقدم
(١) معجم البلدان: للحموي ج ٥ ص ١٨٢ حرف الميم، كلمة مكّة.
(٢) الفصول المهمة: لابن الصبّاغ المالكي المكّي، ص ٢٩ باب ذكر أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
(٣) تاريخ الرسل والملوك: لابن جرير الطبري، ج ٢ ص ٢٨٣ - ٢٩٠، باب: ذكر باقي الأخبار عن الكائن من أمر الرسول (ص) قبل أن ينبّأ.
(٤) تاريخ الرسل والملوك: لابن جرير الطبري، ج ٥ ص ٤٩١، حوادث سنة ٦٣ للهجرة.
(٥) تاريخ الرسل والملوك: لابن جرير الطبري، ج ٥ ص ٤٩٦.
(٦) تاريخ الرسل والملوك: لابن جرير الطبري، ج ٥ ص ٤٩٨- ٥٠٠.
(٧) تاريخ الرسل والملوك: لابن جرير الطبري، ج ٥ ص ٥٨٢.
(٨) أخبار مكة وما جاء فيها من الأخبار: لمحمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقي المتوفي سنة ٢٥٠ هـ، ج ١ ص ٣٩٩، باب ما جاء في بناء ابن الزبير الكعبة.
(٩) تاريخ الرسل والملوك: لابن جرير الطبري، ج٦ ص ١٨٧- ١٩٢، باب خبر مقتل عبد الله بن الزبير.
(١٠) تاريخ الرسل والملوك: لابن جرير الطبري، ج ٦ ص ١٨٧- ١٨٨، باب خبر مقتل عبد الله بن الزبير.
(١١) تاريخ الرسل والملوك: لابن جرير الطبري، ج ٦ ص ١٩٥، باب أو أحداث سنة ٧٤ هـ.
(١٢) التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم، محمد طاهر الكردي المكي: ج ٣ ص ١٢٩، باب: تفصيلات الوافية عن بناء السلطان مراد الرابع للكعبة.