logo-img
السیاسات و الشروط
post-img

ما دار بين الإمام زين العابدين (ع) والخاطب

قال: ودعا يزيد الخاطب وأمره أن يصعد المنبر ويذمّ الحسين وأباه‏ (عليهما السلام)، فصعد وبالغ في سبّ أمير المؤمنين والحسين (عليهما السلام)، والمدح لمعاوية ويزيد.
فصاح به عليّ بن الحسين (عليه السلام): ويلك أيّها الخاطب، اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النار.
ولقد أحسن من قال:
أعلى المنابر تعلنون بسبّه
وبسيفه نصبت لكم أعوادها؟ [1]

[خطبة زين العابدين (عليه السلام)‏]
وروي: أنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) لمّا سمع ما سمع من الخاطب لعنه اللّه قال ليزيد: اريد أن تأذن لي أن أصعد المنبر فأتكلّم بكلمات فيهنّ للّه رضا ولهؤلاء الجلساء أجر، فأبى يزيد.
فقال الناس: يا أمير المؤمنين ائذن فليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئا.
فقال: إنّه إن صعد لم ينزل إلّا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان.
فقيل له: وما قدر ما يحسن هذا؟
فقال: إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّا.
قال: فلم يزالوا به حتّى أذن له، فصعد المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ‏ خطب خطبة أبكى بها العيون، وأوجل منها القلوب، ثمّ قال: أيّها الناس، اعطينا ستّا، وفضّلنا، بسبع اعطينا: العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمد صلّى اللّه عليه وآله، ومنّا الصدّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد اللّه وأسد رسوله، ومنّا خيرة نساء العالمين، ومنّا سبطا هذه الامّة [وسيّدا شباب أهل الجنّة]، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي.
أيّها الناس، أنا ابن مكّة ومنى، أنا زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من اتّزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حجّ ولبّى، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء، أنا ابن من اسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا: لا إله إلّا اللّه، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر وحنين، ولم يكفر باللّه طرفة عين.
أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين، وأفضل العالمين، وأفضل القائمين، من آل طه وياسين، أنا ابن المؤيّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفضل من مشى من قريش أجمعين، وأوّل من استجاب للّه ولرسوله من المؤمنين، وأوّل السابقين، وقاصم المعتدين، ومبيد المشركين، وسهم مرامي اللّه على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، وناصر دين اللّه، ووليّ أمر اللّه، وبستان حكمة اللّه، وعيبة علمه.
سمح سخيّ، بهلول زكيّ، مقدّم همام، صبّار صوّام، مهذّب قوّام، قاطع‏ الأصلاب، ومفرق الأحزاب، أربطهم عنانا، وأثبتهم جنانا، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسد باسل يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة، وقويت الأعنّة طحن الرحا، ويذروهم فيها ذري الريح الهشيم.
ليث الحجاز، وكبش العراق، مكّيّ مدنيّ، [أبطحي تهامي،] خيفي عقبي، بدريّ احديّ، شجريّ مهاجري، من العرب سيّدها، وفي الوغا ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين، الحسن والحسين [مظهر العجائب، ومفرّق الكتائب، والشهاب الثاقب، والنور العاقب، أسد اللّه الغالب، مطلوب كلّ طالب‏]، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب.
ثمّ قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء.
فلم يزل يقول أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب والأنين، وخشي يزيد اللعين أن تكون فتنة فأمر المؤذّن، فقال: اقطع عليه الكلام.
فلمّا قال المؤذّن: اللّه أكبر اللّه أكبر، قال (عليه السلام): اللّه أكبر من كلّ شي‏ء.
فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي.
فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، التفت عليّ (عليه السلام) من فوق المنبر إلى يزيد، فقال: محمد هذا جدّي أم جدّك، يا يزيد؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته؟
قال: وفرغ المؤذّن من الأذان والاقامة، وتقدّم يزيد وصلّى صلاة الظهر. [2]

[1] الملهوف على قتلى الطفوف: 219.
[2] تسلية المجالس وزينة المجالس [مقتل الحسين (عليه السلام)] 2/390.

المناسبات