logo-img
السیاسات و الشروط
post-img

ما دار بين أهل بيت الحسين (ع) وبين يزيد

ثمّ تقدّم عليّ بن الحسين (عليه السلام) بين يدي يزيد وقال:
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم
وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا
اللّه يعلم أنّا لا نحبّكم
ولا نلومكم إذ لم تحبّونا
فقال يزيد: صدقت ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين، فالحمد للّه الّذي قتلهما، وسفك دمهما، ثمّ قال: يا عليّ، إنّ أباك قطع رحمي، وجهل حقّي، ونازعني سلطاني، فصنع اللّه به ما قد رأيت.
فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام): ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ولا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [1].
فقال يزيد لابنه [خالد]: اردد عليه، فلم يدر ما يقول، فقال يزيد: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [2].
ثمّ قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): يا ابن معاوية وهند وصخر، إنّ النبوّة والإمرة لم تزل لآبائي وأجدادي من قبل أن تولد، ولقد كان جدّي عليّ بن أبي طالب يوم بدر واحد والأحزاب في يده راية رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)، وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفّار.
ثمّ جعل (صلوات اللّه عليه) يقول:
ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم
ما ذا فعلتم وأنتم آخر الامم‏
ثمّ قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): ويلك يا يزيد لو تدري ما صنعت، وما الّذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذا لهربت في الجبال، وافترشت الرماد، ودعوت بالويل والثبور ان يكون رأس الحسين بن فاطمة وعليّ ولده منصوبان [3] على باب مدينتكم، وهو وديعة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)، [فيكم‏] فابشر بالخزي والندامة غدا إذا جمع الناس ليوم القيامة [4].
ووجدت رواية أحببت إيرادها هنا بحذف الأسانيد، قال: لمّا ادخل رأس الحسين (عليه السلام) وحرمه على يزيد وكان رأس الحسين بين يديه في طشت جعل ينكت ثناياه بمخصرة في يده ويقول:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل‏
لأهلّوا واستهلّوا فرحا
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل‏
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كان فعل‏


[خطبة السيدة زينب (سلام الله عليها) في مجلس يزيد]
فقامت زينب بنت عليّ فقالت: الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على سيّد المرسلين صدق اللّه كذلك يقول: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ [5] أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسرى أنّ بنا هوانا على اللّه، وبك عليه كرامة؟ وانّ ذلك لعظيم خطرك عنده، وشمخت بأنفك، ونظرت إلى عطفك جذلان سرورا حين رأيت الدنيا مستوسقة، والامور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلا مهلا أنسيت قول اللّه سبحانه: ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ولَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [6] أمن العدل- يا ابن الطلقاء- تخديرك حرائرك وإمائك، وسوقك بنات المصطفى رسول اللّه كسبايا قد هتكت ستورهنّ، وأبديت وجوههنّ من بلد إلى بلد يستشرفهنّ أهل المناهل، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد، والدنيّ والشريف، وليس معهنّ من رجالهنّ وليّ، ولا من حماتهنّ حميّ، وكيف [ترتجى‏] مراقبة من لفظ فوه أكباد السعداء، ونبت لحمه بدماء الشهداء؟!
وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن‏ والأضغان، ثمّ تقول غير متأثّم ولا مستعظم.
لأهلّوا واستهلّوا فرحا
ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل‏
منحنيا على ثنايا أبي عبد اللّه سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك.
وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأفة، بإراقتك دماء آل محمد، وتهتف بأشياخك زعمت تناديهم؟ ولتردنّ وشيكا موردهم، ولتودنّ أنّك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت.
وقالت: اللّهمّ خذ بحقّنا، وانتقم ممّن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا، فو اللّه ما فريت إلّا جلدك، ولا حززت إلّا لحمك، وسترد على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) بما تحمّلت من سفك دماء ذرّيّته، وانتهكت من عترته وحرمته ولحمته، وليخاصمنّك حيث يجمع اللّه تعالى شملهم، ويلمّ شعثهم ويأخذ لهم بحقّهم، ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [7].
وحسبك باللّه حاكما، وبمحمد (صلّى اللّه عليه وآله) خصيما، وبجبرئيل ظهيرا، وسيعلم من سوّل لك هذا ومكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا، وأيّكم شرّ مكانا وأضعف جندا.
ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك، أنّي لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرّى.
ألا فالعجب كلّ العجب لقتل حزب اللّه النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلّب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفوها امّهات الفراعل، ولئن اتّخذتنا مغنما لتجدنّا وشيكا مغرما، حين لا تجد إلّا ما قدّمت [يداك‏] وما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [8] فإلى اللّه المشتكى وعليه المعوّل.
فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو اللّه لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلّا فند، وأيّامك إلّا عدد، وجمعك إلّا بدد؟ ويوم ينادي المناد: ألا لعنة اللّه على الظالمين.
والحمد للّه الّذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل اللّه أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلف، إنّه رحيم ودود، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل. [9]

[1] سورة الحديد: 22.
[2] سورة الشورى: 30.
[3] في المقتل: أ يكون رأس أبي الحسين بن عليّ وفاطمة منصوبا.
[4] مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي: 2/ 63.
[5] سورة الروم: 10.
[6] سورة آل عمران: 178.
[7] سورة آل عمران: 169.
[8] سورة فصّلت: 46.
[9] تسلية المجالس وزينة المجالس [مقتل الحسين (عليه السلام)] 2/386.

المناسبات