غزوة بني النضير
سبب الغزوة (٤هـ)
إنّ اليهود الذين كانوا بنواحي المدينة المنوّرة ثلاثة أبطن: بنو النضير، وقريظة، وقينقاع، وكان بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه واله) عهد ومدّة، فنقض بنو النضير عهدهم، إذ خرج (صلى الله عليه واله) إليهم في نفرٍ من أصحابه، وكلّمهم أن يعينوه في ديّة رجلينِ من الكلابيين، قتلهم عمرو بن أُمية الضمّري.
فقالوا: نفعل يا أبا القاسم، اجلس هنا حتّى نقضي حاجتك، وخلا بعضهم ببعض فتأمروا بقتله (صلى الله عليه واله)، واختاروا من بينهم عمرو بن جحّاش أن يأخذ حجر رحى فيصعد فيلقه على رأسه (صلى الله عليه واله) ويشدخه به، وحذّرهم سلام بن مشكم، وقال لهم: لا تفعلوا ذلك، فو الله ليُخبرن بما هممتم به، وإنّه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.
جاءه (صلى الله عليه واله) الوحي، وأخبره ربّه بما همّوا به، فقام (صلى الله عليه واله) من مجلسه مسرعاً وتوجّه إلى المدينة، ولحقه أصحابه واستفسروه عن قيامه وتوجّهه، فأخبرهم بما همّت به بنو النضير.
أرسل (صلى الله عليه واله) إليهم محمّد بن مسلمة، قائلاً له: «اذهب إلى اليهود فقل لهم: أُخرجوا من بلدي فلا تساكنوني، وقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجّلتكم عشراً، فمَن رُئي بعد ذلك ضُربت عنقه»، فأقاموا أيّاماً يتجهّزون للخروج.
فأرسل إليهم عبد الله بن أُبي بن سلول: لا تفعلوا ـ أي لا تخرجوا من المدينة ـ فإنّ معي من العرب ومن قومي ألفين يدخلون معكم، وقريظة وحلفاؤكم من غطفان يدخلون معكم، فطمع حيي بن أخطب سيّد بني النضير في ذلك، ونهاه سلام بن مشكم أحد رؤسائهم، وقال له: إنّ ابن أُبي يريد أن يورّطكم في الهلكة، ويجلس في بيته، ألا تراه وعد بني قينقاع مثل ما وعدكم، وهم حلفاؤه فلم يفِ لهم، فكيف يفي لنا ونحن حلفاء الأُوس؟ لم يقبل حيي بن أخطب، وأرسل إلى رسول الله (صلى الله عليه واله): إنّا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك، فكبّر (صلى الله عليه واله) وكبّر المسلمون، وقال: «حاربت يهود».
شجاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)
أمر (صلى الله عليه واله) بلالاً أن يضع القبّة في أقصى بني حطمة من البطحاء، وكان رجل من يهود اسمه عزور، رامياً يبلغ نبله ما لا يبلغه نبل غيره، فوصل نبله تلك القبّة، فأمر النبيّ (صلى الله عليه واله) أن يحوّل قبّته إلى السفح فحوّلت.
لمّا اختلط الظلام فقدوا الإمام علي (عليه السلام)، فقال الناس: يا رسول الله ما نرى علياً؟ فقال: «أراه في بعض ما يصلح شأنكم»، فلم يلبث أن جاء (عليه السلام) برأس غزور، فطرحه بين يدي النبيّ (صلى الله عليه واله)، فقال له النبيّ (صلى الله عليه واله): «كيف صنعت يا أبا الحسن»؟
فقال (عليه السلام): «إنّي رأيت هذا الخبيث جرياً شجاعاً فكمنت له، وقلت: ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الليل يطلب منّا غرّة؟ فأقبل مصلتاً بسيفه في تسعة نفر من اليهود، فشددت عليه وقتلته، فأفلت أصحابه، ولم يبرحوا قريباً، فابعث معي نفراً، فإنّي أرجو أن أظفر بهم»، فبعث رسول الله (صلى الله عليه واله) معه عشرة، فيهم أبو دجانة سمّاك بن خرشة، وسهل بن حنيف، فأدركوهم قبل أن يلجئوا إلى الحصن فقتلوهم، وجاءوا برؤوسهم إلى النبيّ (صلى الله عليه واله)، فأمر أن يطرح في بعض آبار بني حطمة، وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير.
ثم حاصرهم (صلى الله عليه واله) خمسة عشر يوماً، وكان سعد بن عبادة في تلك المدّة يبعث التمر إلى المسلمين و كان المسلمون أيضاً يخرّبون ممّا يليهم، وذلك قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ (أي خروجاً مؤبّداً) مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاَء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم مَن خرج إلى الشام.
واصطفى رسول الله (صلى الله عليه واله) أموال بني النضير، وكانت أوّل صافية قسّمها رسول الله (صلى الله عليه واله) بين المهاجرين الأوائل، وأمر علياً (عليه السلام) فحاز ما لرسول الله (صلى الله عليه واله) منها فجعله صدقة، وكان في يده مدّة حياته، ثمّ في يد أمير المؤمنين (عليه السلام) بعده، وهو في يد ولد فاطمة (عليها السلام) حتّى اليوم.
المصدر الإشاد جلد ١ صفحة ١٠۹
📚تقويم الشيعة