نقرأ في آيات متعددة من القرآن: إن لله خزائن، وإن خزائن السماوات والأرض بيده، أو إن ما من شيء الا وخزائنه عند الله، ومن ضمنها ما جاء في الآية 21 من سورة «الحجر»: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) [1] «الخزائن» لغةً جمع «خزانة»: وهي المكان المخصص لحفظ وتجميع المال، وهي من مادة (خَزَنَ) على وَزْنِ (وَزَنَ) بمعنى: حفظ الشيء وحبسه بديهي، أنّ مَنْ كانت قدرته محدودة وغير قادر على أن يهىّء لنفسه كلّ ما يحتاج إليه على الدوام، يبدأ بجمع ما يملك وخزنه لوقت الحاجة إليه مستقبلا.
وهل يمكن تصوّر ذلك في شأنه سبحانه!؟ الجواب بالنفي قطعاً.. ولهذا فسّر جمع من المفسّرين أمثال العلاّمة الطبرسي في (مجمع البيان) والفخر الرازي في (تفسيره الكبير) والراغب في (المفردات)، فسّروا خزائن اللّه بمعنى (مقدورات اللّه)، يعني: أنّ كلّ شيء جمع في خزانة قدرة اللّه، وكلّ ما يراه ضرورياً أو صلاحاً لمخلوقه يخلقه بقدرته. وقد فسّر بعض كبار المفسّرين «خزائن اللّه» بأنّها: (مجموع ما في الكون من أصوله وعناصره وأسبابه العامّة المادية، ومجموع الشيء موجود في مجموع خزائنه لا في كلّ واحد منها). [2]
هذا التّفسير وإن كان مقبولا من الناحية الأصولية ولكنّ تعبير «عندنا» ينسجم أكثر مع التّفسير الأوّل. وإنَّ عبارة «خزائن اللّه» وما شابهها لا تصف مقام الرب وشأنه الجليل، ولا يصح أن نعتبرها بعين معناها، وإنّما استعملت للتقريب، من باب تكلّم الناس بلسانهم، ليكونوا أكثر قرباً للسمع وأشد فهماً للمعنى. وذكر بعض المفسّرين أنّ «خزائن» تختص بالماء والمطر، ولكن من الواضح حصر مفهوم «خزائن» بهذا المصداق المحدّد تقييد بلا مقيد لإطلاق مفهوم الآية، وهو خال من أي دليل أو قرينة. [3]
[1] القرآن الكريم: سورة الحجر (15)، الآية: 21، الصفحة: 263.
[2] تفسير الميزان، ج 12، ص 142.
[3] المصدر: كتاب الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، لسماحة آية الله الشيخ مكارم الشيرازي دامت بركاته.