اعلم إنّك قد عرفت في الأمر الثالث أنّ الله تبارك وتعالى خلق أوّل ما خلق مطلقا عن تمام التعيّنات، وجامعا لجميعها بالبساطة والاستعداد؛ فباعتبار أنّه العلّة الأولى ومحيط بهويّات الأشياء كلّها يسمّى عِلما، ففيه ملكوت كلّ شيء بنحو البساطة، مثل تقرّر القطرات غير المتناهية في البحر، لا يمكن إثباتها فيه، والحكم بوجودها بأعيانها فيه، ولا نفيها عنه.
والمعارج -جمع المعرج-: السُلّم. فلله تعالى بخلقه الأوّل -الذي هو فعله وغير خال عنه- معراجٌ لعباده السالكين؛ بل له معارج بعدد الخلق أجمعين، وطرق إليه بعدد الموجودات أكتعين، فهو اسم له تعالى باعتبار أنّه بخلقه الأوّل الذي هو محيطٌ بملكوت كلّ شيء، ذو معارج بها يتنزّلون إلى عالم الخلق، ويصعدون إلى عالم الحقِّ، (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيدِهِ مَلَكوتُ كلِّ شَيءٍ وَإِلَيهِ تُرْجَعُونَ). [1]
قال مولانا أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة [2]: «إلهي، أمرتني بالرجوع إلى الآثار، فارجِعني إليك بكسوة الأنوار، وهداية الاستبصار، حتّى أرجع إليك منها، كما دخلتُ منك إليها، مصون السرّ عن النظر إليها، ومرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها، إنّك على كل شيء قدير».
[1] سوره يس: الآية 83.
[2] إقبال الأعمال: 349.