متى تحولت قبلة المسلمين من بيت المقدس الى الكعبة المشرفة، ولماذا؟
لقد كانت قبلة المسلمين منذ البعثة النبوية المباركة هي "بيت المقدس" الذي كانت اليهود تتوجه إليه في عباداتها، وظلّ هذا المكان المقدس قبلةً للمسلمين طيلة ثلاث عشرة عاماً يتوجهون إليه في عباداتهم وصلواتهم وما إليها من الأمور التي يشترط فيها مراعاة القبلة.
وفي ظهر يوم الثلاثاء النصف من شهر شعبان من السنة الأولى للهجرة النبوية المباركة، أي بعد البعثة النبوية بثلاث عشرة سنة تحوّلت قبلة المسلمين من بيت المقدِس إلى الكعبة الشريفة.
أما المكان الذي تمّ فيه تغيير القبلة فهو مسجد بني سالم (1) في المدينة المنورة.
سبب تغيير القبلة
لمّا كثُر تعيير اليهود للنبي و للمسلمين بسبب استقبال المسلمين لقبلة اليهود، تأذى النبي (صلَّى الله عليه وآله) من تعيير اليهود له و للمسلمين، فنزلت الآية المباركة: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ (2) تخبر النبي (صلَّى الله عليه و آله) بتغيير القبلة و تحويلها من بيت المقدس إلى ما هي الكعبة المشرفة.
عن علي بن إبراهيم بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السَّلام) أنه قال: "تحوّلت القبلة إلى الكعبة بعدما صلى النبي (صلَّى الله عليه وآله) بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس سبعة أشهر".
قال: "ثم وجّهه الله إلى الكعبة، و ذلك أن اليهود كانوا يُعيّرون رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) و يقولون له أنت تابع لنا تصلّي إلى قبلتنا، فأغتمّ رسول الله (صلَّى الله عليه و آله) من ذلك غمّاً شديداً و خرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ينتظر من الله تعالى في ذلك أمراً، فلمّا أصبح و حضر وقت الظهر كان في مسجد بني سالم قد صلّى من الظهر ركعتين، فنزل عليه جبرائيل (عليه السَّلام) فأخذ بعضديه و حوّله إلى الكعبة و انزل عليه: ﴿قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ و كان صلّى ركعتين إلى الكعبة فقالت اليهود و السفهاء: ﴿... مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا...﴾ (3) (4).
هذا ولعل من أسباب تغيير القبلة ووجوب إستقبالها حال الصلاة والذبح وغيرها من الأمور، هو أن الله تعالى يمتحن الناس ويميّز المؤمنين بهذه الطريقة عن غيرهم أمثال اليهود، وأمثال الذين كانوا يدّعون الإسلام ويتظاهرون به، لكنهم لم يكونوا ملتزمين واقعاً وقلباً بأوامر الله وأوامر رسوله المصطفى (صلَّى الله عليه وآله).
قال عز من قائل: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (5).
1. يعرف هذا المسجد في الحال الحاضر بمسجد "ذو القبلتين" أو "مسجد القبلتين" و يقع شمال غربي المدينة المنورة على مقربة من مسجد الفتح، و فيه محرابان: الأول: مبني في الاتجاه الذي كان يصلي إليه النبي (ص) نحو بيت المقدس الركعتين الأوليتين من صلاة الظهر قبل نزول الآية التي تخبر بتغيير جهة القبلة. الثاني: مبني في الاتجاه الذي صلى إليه النبي (ص) الركعتين الأخيريتين من صلاة الظهر، أي نحو الكعبة المعظّمة، ولا تزال هذه المعالم موجودة يمكن مشاهدتها. و مما يجدر الإشارة إليه أن إتجاه القبلة التي صلى إليها النبي (ص) نحو الكعبة المشرّفة تم تحديدها من قبل جبرائيل (ع) وهي دقيقة جداً ولا تختلف مع أدق الأجهزة الحديثة، وهذا طبعاً من معاجز الدين الإسلامي ومن أدلة صحة هذه الديانة السماوية المقدسة، وهو مما لا يمكن التشكيك فيه لعدم وجود الأجهزة الدقيقة التي يمكن تحديد القبلة بواسطتها آنذاك، فتأمل.
2. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 144، الصفحة: 22.
3. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 142، الصفحة: 22.
4. مجمع البيان في تفسير القرآن (للطبرسي): 1 / 413، طبعة: دار المعرفة، بيروت / لبنان.
5. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 143، الصفحة: 22.