الآثار والثمار التي يجنيها البار بوالديه كثيرة، ومنها:
* أنّ الله سبحانه وتعالي يزيد في عمر البار بوالديه، فعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «من برّ والديه طوبى له زاد الله في عمره». [1]
* ويخفف عنه سكرات الموت، ويدفع عنه الفقر والعوز ويبارك له في رزقه، فعن النبي «صلى الله عليه وآله»: «من سرّه أن يمدّ له في عمره، ويزاد في رزقه، فليبر والديه وليصل رحمه». [2]
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «من أحبَّ أن يخفف الله عزّ وجل عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولًا، وبوالديه بارًّا، فإذا كان كذلك هوّن الله عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقر أبدًا». [3]
* وكان برّه بوالديه موجبًا لأن يتوب الله سبحانه وتعالى عليه، فينقل عن الإمام علي بن الحسين زيد العابدين «عليه السلام» أنّه قال: «جاء رجل إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال: يا رسول الله ما من عمل قبيح إلاّ قد عملته فهل لي من توبة؟ فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: فهل من والديك أحد حي؟ قال: أبي، قال: فاذهب فبره، قال: فلما ولي قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لو كانت أمه». [4]
والمراد من قوله «صلى الله عليه وآله»: «لو كانت أمه» أنّه لو كانت أمّه على قيد الحياة وبرّها لكان لبرّه بها أعظم وأكبر الأثر في التوفيق إلى التّوبة وقبولها. وأمّا ترك الإحسان إلى الوالدين وعدم برّهما والإساءة إليهما بأي وجه يعد نكرانًا لجميلهما فهو عقوق لهما وهو من الكبائر، فعن الإمام الصادق «عليه السلام» أنّه قال: «عقوق الوالدين من الكبائر؛ لأن الله تعالى جعل العاق عصيًّا شقيًّا». [5]
والعقوق من الذنوب التي لها الأثر الكبير في التأثير على الآثار الإيجابية للأعمال الصالحة والقضاء على الحسنات، فينقل أنّ رجلًا جاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال: «يا رسول الله شهدت أنْ لا إله إلا الله وأنّك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت زكاة مالي، وصمت شهر رمضان، فقال النبي «صلى الله عليه وآله» من مات على هذا كان مع النّبيين والصدّيقين والشهداء يوم القيامة هكذا ونصب أصبعيه ما لم يعق والديه». [6]
فيستفاد من هذه الرّواية أنّ عقوق الوالدين له الأثر الكبير جدًّا في القضاء على حسنات العبد، فهو محبط لها [7]، ومبعد للمتصف به في يوم القيامة عن منازل عباد الله الصالحين، وموجب لأن يحشر مع الفاسقين والعصاة المذنبين والذين هم عن رحمة الله سبحانه وتعالى مبعدون وفي عذابه خالدون. فهو بخلاف البرّ بالوالدين، فهو مكفّر للذنوب، لأنّه حسنة من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات كما هو صريح القرآن الكريم [8]، ولذلك قال النبي المصطفى «صلى الله عليه وآله»: «كن بارًّا واقتصر على الجنّة، وإن كنت عاقًّا فظًّا فاقتصر على النّار». [9]
وينقل أنّ النبي «صلى الله عليه وآله» صعد ذات يوم المنبر، فسمعه من حضر عنده من المسلمين يقول وهو على المنبر: «آمين، آمين، آمين» فسألوه: يا رسول الله حين صعدت المنبر قلت: «آمين، آمين، آمين»، فقال: «أتاني جبريل «عليه السلام» فقال: يا محمد من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله، فقل آمين، قلت آمين. قال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت آمين». [10]
ويظهر من هذه الرّواية أنّ برّ الوالدين والإحسان إليهما من أعظم موجبات غفران الذّنوب وحط السيئات، وأنّ عقوقهما معصية كبيرة وذنب عظيم، له كبير الأثر في حبط الحسنات، وهو موجب من موجبات الدّخول إلى النّار والعياذ بالله. [11]
[1] النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 4 /154.
[2] الكليني، الكافي 2 /348.
[3] الصدوق، الأمالي، صفحة 473.
[4] المجلسي، بحار الأنوار 71 /82.
[5] الريشهري، ميزان الحكمة 9 /572.
[6] الهيثمي، مجمع الزوائد 8 /147.
[7] ففي الرّواية عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «ثلاثة لا ينفع معهن عمل: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف». «ميزان الحكمة 6/922».
[8] قال تعالى: ﴿...إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ...﴾. «هود: 411».
[9] الكليني، الكافي 2 /348.
[10] الهيثمي، مجمع الزّوائد 8 /139.
[11] المصدر كتاب "علاقاتنا الاجتماعية.. رؤى دينيّة وأخلاقية" للشيخ حسن عبد الله العجمي.