تخریب حرم العسكريّين (ع) محرّم ١٤٢٧ هـ

في يوم الأربعاء ۲۳ محرّم ١٤٢٧ في الساعة ٦/٤٥ أو السابعة صباحاً حسب التوقيت المحلّي لمدينة بغداد، أي في الساعة الرابعة بتوقيت غرينتش، إقتحم عدد من الناصبة المعادين لأهل البيت (عليهم السلام) الحرم العسكريّ الطاهر وهم يرتدون الزيّ الرسمي للشرطة العراقية، وقاموا بنزع أسلحة الحرّاس، ونقلهم مع خدم المرقد الشريف الذين قدّرت التقارير عددهم بسبعة إلى عشرة أشخاص إلى إحدى غرف الصحن ثمّ كبّلوا أيديهم وأرجلهم، وزعموا أطراف الحرم الشريف بالمتفجّرات التي كانت تزن حوالي ۲۰۰ كيلو غرام من مادة شديدة الانفجار، وبعد ذلك قاموا بنسف الروضة العسكرية الطاهرة.
ألا ما لهذه السماء لا تمور
وما للجبال ترى لا تسير؟

الله اکبر، لقد وقعت ثلمة عظمى تزعزعت بها أركان الدين وانهدمت بها قواعد شوكة المسلمين، مصيبة ما أعظمها، إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

هؤلاء هم أحفاد الخوارج، الفرقة المبتدعة والمجرمة، الأعداء الحقيقيّون للكتاب والعترة الطاهرة، الذين اعتادوا على ارتكاب أبشع الجرائم بحقّ أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف البلدان الإسلامية على الأخصّ في العراق الجريح، فقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ، ولم ينجُ من بغي هذه الفئة الضالّة حتّى المصلّين، وتأتي جريمة تفجير حرم الامامين العسكريّين الهمامین (عليهما السلام) وتخريب القبّة الذهبية العريقة لتجسّد عمق الإجرام والشرّ المتأصّل في نفوس أولنك المارقين المفسدين، وحقدهم الدفين على الإسلام والقرآن وأهل البيت (عليهم السلام)، إنّ اللسان ليعجز عن وصف فظاعة الجريمة والبيان يكلّ عن تقرير هول المشهد ودناءة الفعل، وأنّى للنفس الضعيفة القاصرة أن تعبّر عن مشاعر الحزن والعزاء الصاحب العصر والزمان سليل الدوحة المحمّدية أرواح العالمين له الفداء وعجّل الله تعالی فرجه الشريف في مصابه الجلل.

على أثر هذه الفاجعة الأليمة أعلن الحداد لمدّة أسبوع في كلّ من العراق وإيران، وتعطّلت الدراسة في الحوزات وأغلقت الأسواق في معظم المدن الإيرانيّة في يوم السبت، كما انطلقت بهذه المناسبة مواكب العزاء من الحسینیّات والمساجد لتملأ الشوارع، وكان المعزّون يلطمون الصدور والوجوه لهذا الرزء الأليم، وتسابقت المرجعيّات الدينية والشخصيّات السياسية من كلّ حدب وصوب بإصدار بيانات التعازي والمواساة لهذا المصاب المفجع، وخرجت الجماهير الحزينة في مسيرات ضخمة لتقيم مجالس العزاء ومراسيم النياحة واللطم في الحسينيّات والمساجد، رافعة أحرّ التعازي وزفرات الألم إلى إمامها المنتظر الحجة بن الحسن عليه أفضل الصلوات والسلام، معلنة عن استعدادها لبناء ما هدّمته الأيادي الآثمة، حيث أعلن الشيعة في إيران والعراق والكويت وجميع البلدان عن هذه الرغبة، وتسابق عشّاق أهل البيت (عليهم السلام) إلى إهداء التبرّعات المالية والعينية.

قل للّذي أفتى بهدم قبورهم
أن سوف تصلى في القيامة ناراً
أعلمت أيّ مراقد هدّمتها
هي للملائكة لا تزال مزاراً

وفيما يلي نبذة عن تاريخ بناء الروضة العسكرية الطاهرة:

ثواب عمارة المشاهد المشرفة وزيارتها
عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): يا عليّ والله لتقتلنّ بأرض العراق وتدفن بها. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) قلت: یا رسول الله، ما لمن زار قبورنا وعمَّرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن إنّ الله تبارك وتعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنّة و عرصة من عرصاتها وإنّ الله تعالى جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحنّ إليكم وتتحمل المذلّة والأذى فيعمرون قبوركم فيكثرون زيارتها تقرُّباً منهم إلى الله وموَّدة منهم لرسوله، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي الواردون حوضي وهم زواري غدأ في الجنّة. يا عليّ، من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سلیمان بن داود على بناء بيت المقدّس ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام وخرج من ذنوبه حتّى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمّه، إبشر وبشِّر أوليائك ومحبّيك من النعيم وقرَّة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكن حُثالة من الناس يُعيّرون زوّار قبوركم كما تعيِّر الزانية بزنائها. أولئك شرار أمتي لا أنالهم الله شفاعتي ولا يردون حوضي. (١) وقد استدلّ بعض المحقّقين لوجوب العمارة على قبورهم بآيات فلاحظ. (٢)

صفة بناء الدار
الروضة البهيّة للعسكريّين (عليه السلام)

العمارة الأولى
إن الإمام عليّ الهادي (عليه السلام) لمّا قدم سامرّاء اشتری داراً وكانت الدار في غاية العمارة والسعة، (٣) كما يظهر من خبر إسحاق الجلدب المرويّ قال: إشتريت لأبي الحسن الهادي (عليه السلام) غنماً كثيرة فدعاني وأدخلني من اصطبل داره إلى موضع لا أعرفه... (٤) وفي خبر آخر: فرأيتها كأنّها الجنّة... (٥) وفي خبر قال الراوي: انتهى الإمام العسكري (عليه السلام) بي إلى باب عظيم ودخل بي من دهليز إلى دهليز ومن دار إلى دار تخيّل لي أنّها الجنّة. (٦)
وفي رواية إنّهم حضروا دار أبي الحسن الهادي (عليه السلام) يوم توفّي ابنه محمّد وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله فقالوا: قدّرنا أن يكون حوله من الطالبيّين والعبّاسيّين أو قریش مائة وخمسون رجلاً سوی موالیه وسائر الناس... (٧)
ونقل عن بعض العلماء أنّه قال: وكان في الدار أربع مائة كرسيّ للجالسين الواردين حين توفّى أبو جعفر محمّد بن عليّ الهادي (عليه السلام) (٨) وكلّ هذه الأخبار تدلّ على سعة الدار وغاية العمارة.

العمارة الثانية
إنّ ناصر الدولة من آل حمدان - من ملوك الشيعة - أوّل من بنى قبَّة على القبر الشريف وجعل لسامرّاء سوراً وحلّل ضريحهما بستور وبني حول الدار الشريفة دوراً إلى أن صارت سامرّاء مسكونة. (٩)

العمارة الثالثة
لأبي الحسين أحمد بن بويه ثالث ملوك الدلالة الملقَّب بمعزّ الدولة. فلمّا وقع الصلح بينه وبين ناصر الدولة الحمداني دخل المعزّ سامرّاء وأنفق أموالاً جليلة ورتَّب للروضة البهيّة القوّام والحجّاب وأجرى لهم أرزاقاً وعمَّر القبَّة وكان في السرداب حوض يجري فيه الماء فأمر بإملاء الحوض من التراب وجعل ضريحاً للعسكريّين (عليهما السلام) من الخشب فأخذت سامرّاء في دولة بني بویه رونقاً كما أشار إلى ذلك العلاّمة السماوي (رحمه الله) في أشعاره. (١٠)

العمارة الرابعة
للأمير عضد الدولة من آل بویه فلمّا دخلها أمر بإمارة الروضة البهيّة بالأخشاب السمينة من الساج ووسَّع الصحن الشريف وابتني سوراً مشيّداً للبلدة في سنة ٣٦٨ هـ. (١١)

العمارة الخامسة
للأمير أرسلان البساسبري وبعد عمارة العالية على قبر الإمامین (عليهما السلام) وقع حريق في مشهدهما (عليهما السلام) في سنة أربع وستمأة. فأتي على ضریحّي عليّ الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) فتقدَّم المستنصر بالله بعمارة المشهد المقدّس والضريحين الشريفين وإعادتهما إلى أجمل حالاتهما.

العمارة السادسة
للسلطان برکیارق بن ملک شاه بن آلب أرسلان.

العمارة السابعة
لناصر العبّاسي.

العمارة الثامنة
للمستنصر العبّاسي وكان المتولي للإمارة السيّد الجليل العلاّمة أحمد بن طاووس (رحمه الله).

العمارة التاسعة
لأبي أويس الحسن الجلائري في سنة خمسين وسبعمائة.

العمارة العاشرة
للسلطان الشاه حسین صفوي آخر ملوك الصفوية.

العمارة الحادية عشر
للأمير أحمد خان الدنبلىّ وكان ابتداء هذا البناء الموجود في حدود الألف والمأتین.

العمارة الثانية عشر
للأمير حسین قلی خان بن أحمد خان الدنبليّ، لمّا قتل أحمد خان كان هذا البناء العظيم غير تامّ فأتمَّه وأكمله ابنه الأمير الحسین قلی خان وإنّه بنی مسجداً وحمّاماً في سرّ من رأی وخاناً للزّوّار وأكمل نواقص عمارة العسكريّين (عليهما السلام) والمسجد الذي بناه على السرداب سمّاه مسجد الصاحب وقطع طريق السرداب عن الحرم وأهمل الأزَج الذي كان يدخل الزائر منه في السرداب وكان باب الأزّج خلف ضريح العسكريين (عليهما السلام) وفتح للسرداب من طرف الشمال الباب الموجود اليوم وجعل له رواقاً وصحناً.

العمارة الثالثة عشر
للسلطان ناصر الدين شاه القاجار في سنة ۱۲۸۲ هـ بنظارة العلاّمة الشهير شيخ العراقين عبد الحسين الرازيّ الطهرانيّ قدّس سرّه. فأرسل السلطان ناصر الدين شاه المشار إليه مع مصارف العمارة فقام أوّلاً بترميم الروضة المطهَّرة وإصلاح ما غلب عليه الخراب فرصّف حول المرقد بالرخام البلوريّ الأخضر داخل الشُبّاك وكذا الرواق والبهو والصحن وتذهيب القبَّة المنوّرة وترميم بعض جوانب سور الصحن الشريف وترصيفه بالقاشان الملوَّن وغیره.
والذين في الروضة المقدّسة سوى الإمامين عليّ الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام) السيّدة الجليلة حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام) مدفونة مما يلي رجلّي العسكريّين (عليهما السلام) والجهة العليا السيّدة نرجس أمّ الحجة (عليها السلام) دفنت خلف الإمام العسكري (عليه السلام) والجدّة أمّ الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) والحسين بن عليّ الهادي (عليهما السلام) مدفون عند رجلّي الإمام علي الهادي (عليه السلام) وجعفر المعروف وأبوهاشم الجعفري على قول. (١٢)

أقول: المدفونون حول الحضرة المقدّسة من العلماء الذين كانت وفاتهم في القرن الرابع عشر وسائر من توفّي في سامرّاء القدسية من العلماء والأدباء كثيرة. لاحظ المجلّد الثاني من كتاب مآثر الكبراء في تاريخ سامرّاء.

القبَّة المنوّرة
وكانت القبَّة المنوَّرة قبل التذهيب من القاشاني الرّمادي إلى أن وفَّق الله تعالى السلطان ناصر الدین شاه القاجار بهذه الخدمة العظمى التي من أعظم شعائر الله برصف القبَّة المباركة بصفايح الذهب وأرسل أعلم العلماء شیخ العراقين الشيخ عبد الحسين الطّهراني قدّس سرّه لإتمام هذه الخدمة العظمى وهي إلى يوم تخریبه بيد الكفّار في علوّ شاهق واستحکام متین.
وكان استدارة القبَّة المنوَّرة ستّاً وتسعين خطوة وهي أكبر قباب الأئمّة الهدی صلوات الله عليهم مكتوب على ظاهرها سورة الفتح.

باطن القبَّة المنوّرة
من جدرانها إلى تمام السّقوف مغشّى بالمرايا الملوّنة والنجارة الهندسية البديعة والفسيفساء وبها كتابات ثلاث كالنطاق بلون أصفر عربي جليّ هي سورة «هل أتی» و «إنّا أنزلناه» و «عمَّ يتساءلون» وفوق ذلك كلّه أسماء الأئمّة الإثني عشر والنبيّ وفاطمة سلام الله عليهم بهذه الصورة:
«أللهمّ صلّ على النبيّ» «أللهمّ صلّ على فاطمة» «أللهمّ صلّ على عليّ» إلى آخر الأئمة (عليهم السلام) وهذا كالنطاق داخل القبَّة مرّتان، وفي حواشي ذلك أبيات فارسية في مدح أهل البيت (عليهم السلام) كما أن في أسفل الكتابات أيضاً عدّة أبيات.

وفي وسط هذه الرحبة الشريفة ضريح العسكريّين (عليهما السلام) له وضريح نرجس أمّ الإمام الحجّة (عليهما السلام) والسيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد (عليهما السلام) والسيّد حسين ابن الإمام الهادي (عليهما السلام).
وقد وضع على كلّ واحد صندوق من الخشب الساج مرصَّع بالعاج المنقوش مُحاط بشُبّاكَين الأول ما يلي الصندوق الخشبي من الفولاد من آثار الباقية للسلطان حسين الصفوي، والثاني من الفضّة ونصب الشبّاك الفضّي في شهر صفر سنة ١٣٦٠ هـ وكان أصل الشبّاك موضوعاً على الحضرة الحسينيّة (عليه السلام) فنقل من كربلاء إلى سامرّاء بعد إصلاحه ثمّ أبدل ذاك الشبّاك بشبّاك جديد فضّي مذهَّب لم ير أحسن منه وعلى هذا السور والبناء تكون القبّة المعظّمة ظاهرها مصنّع بصنائع الذهب الخالص مرتفعة إلى يوم هدم.

وفي ركنَي الإيوان والقبَّة المطهّرة مأذنتان من أعلاهما إلى أسفلهما مطلّی بالذهب مستقیم ارتفاع كلّ واحد منهما لا يقَلُّ عن خمسة وعشرين متراً وقبل طليهما بالذهب مرصّعتان بالقاشاني ذي الألوان مكتوب عليهما: «بسم الله الرحمن الرحیم» و هما مكشوفتا الرأس على حدّ وقوف المؤذّن بخلاف مآذن سائر العتبات فانّها مسقّفات.
وعلى عمارة الصحن الشريف وأبوابها والروضة والرواق والسرداب المطهّر و ... بعض السّور القرآنية والأخبار النّبوية في فضائل الأئمّة (عليهم السلام) بأحرف عربية جليّة وبقلم أبيض على بديع فنّ ونفاسة نقش. (١٣)


١. التهذيب:٢٢/٦، ۱۰۷. فرحة الغري:١٠٥. وسائل الشيعة:٣٨٣/١٤. مستدرك الوسائل:٢١٥/١٠. بحار الأنوار:١٢١/٩٧.
٢. تاریخ سامراء:١٢٨/٢-١٢٦.
٣. تاریخ سامراء:٣١٥/١. تاریخ بغداد:٥٧/١٢.
٤. الكافي:٤٩٧/١. بصائر الدرجات:٢٩. بحار الأنوار:١٣١/٥٠.
٥. تاریخ سامراء:٣١٥/١.
٦. الهداية الكبرى:٣٢٩. مدينة المعاجز:٦٦٨/٧. تاریخ سامراء:٣١٥/١.
۷. الكافي:٣٢٦/١. بحار الأنوار:٢٤٥/٥٠.
٨. تاریخ سامراء:٣١٥/١.
٩. تاریخ سامراء: ٣١٨/١.
١٠. تاریخ سامراء:٣٢١/١.
١١. وشائح السراء:٢٩.
١٢. تاریخ سامراء:٣٠٠/٢-٢٩٨.
١٣. إقتباس من كتاب مآثر الكبراء في تاريخ سامرّاء:٣٩٢/١-٣٨٨، و٢٠/٢-١٨.

المناسبات