وفاة أبي ذّر (رحمه الله)
في هذا الشهر من سنة ۳۲ هـ توفّى صاحب رسول الله (صلى الله عليه واله) البرّ أبو ذرّ الغفاري (رحمه الله) غريباً في الربذة. (١) وكان (رحمه الله) ثالث أو رابع وعلى قولٍ خامس من أسلم، ثمّ رجع إلى قبيلته، ولذا لم يشترك في معارك بدر وأحد والخندق. وجاء إلى النبيّ (صلى الله عليه واله) بعد هذه الحروب الثلاثة، وبقي إلى جانبه (صلى الله عليه واله) إلى أن استشهد رسول الله (صلى الله عليه واله).
وكان ذا منزلة رفيعة عند رسول الله (صلى الله عليه واله)، وكان (صلى الله عليه واله) يعتبره صدّيق هذه الأمة وشبيه عیسی بن مریم في زهده، والمستفاد من أخبار العامّة والخاصّة أنّه لم يكن لأحد من الصحابة بعد مرتبة المعصومين (عليهم السلام) من هو بجلالة القدر ورفعة المنزلة كسلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري والمقداد رضوان الله تعالى عليهم.
قال الإمام الكاظم (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمّد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه واله) الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه فيقوم سلمان والمقداد وأبوذّر». (٢)
وهو أيضاً من الذين أنكروا على أبي بكر ما فعل من أمر الخلافة ... ثمّ قام أبو ذر فقال: يا معشر قريش قد علم خياركم أنّ رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: «هذا الأمر لعليّ بعدي ولولده من بعده» فلِمَ تتركون قوله وتخالفون أمره، أنسيتم أم تناسيتم أو ضللتم وأطعتم الدنيا الفانية، رغبة عن نعمة الآخرة، حذو من كان قبلكم، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، فعمّا قليل ترون غبّ رأيكم وترون وبال أمركم، وما الله يريد ظلماً للعباد. (٣)
وفي أيّام عثمان كان أبو ذر يجلس في مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله) ويجتمع إليه الناس فيحدّثهم بما فيه طعن عثمان، فلمّا بلغه أنَّ أباذر يقع فيه ويذكر ما غيّر وبدّل من سنن رسول الله (صلى الله عليه واله) سيّره إلى الشام وكان يجلس في مسجدها فيقول كما كان يقول ويجتمع إليه الناس حتّى كثر من يجتمع إليه ويسمع منه، وكان يدعو الناس إلى ولاية خليفة رسول الله (صلى الله عليه واله) بالحقّ المولى أمير المؤمنين (عليه السلام) ويذكر فضائله لأهل الشام بحيث مال كثير منهم إلى التشيُّع، فكتب معاوية إلى عثمان: إنّك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر، فكتب إليه أن أحمله على رحل بغير وطاء فقدم به إلى عثمان وقد ذهب لحم فخذيه وهو رجل مسنّ ضعیف وطويل ...
ثمّ دخل على عثمان فأهانه ونسب إليه الكذب مع إجماع الأمّة في الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه واله) أنه (صلى الله عليه واله) قال: «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ». (٤)
وفي النهاية أمر عثمان بتبعيده إلى الربذة وقال أيضاً: لا يسمح لأبي ذرّ أن يبيِّن الأحكام للناس ولا يودعه أحد أو يتكلَّم معه عندما يخرج من المدينة.
ولمّا سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك بکى حتّی بلَّت لحيته الشريفة بدموع عينيه وقال: «أهكذا يفعل بصحابي رسول الله (صلى الله عليه واله)؟ إنا لله وإنا إليه راجعون»! ثمّ خرج صلوات الله عليه مع نور عينيه الإمامين الحسن والحسين (عليهماالسلام) وعقيل وعمّار بن یاسر المشايعة أبي ذرّ فلمّا رأى أبو ذر أمير المؤمنين (عليه السلام) قام إليه فقبّل يده، ثمّ بكى وقال له (عليه السلام): إنّي إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه واله) فلم أصبر حتّى أبكي، فسلاّه كلّ منهم بكلمات وإن كان مروان يريد منعهم لكن أمير المؤمنين (عليه السلام) طرده.
وهكذا خرج أبو ذر (رحمه الله) مع عائلته إلى الربذة وهناك توفّى ولده وزوجته التي هي بنت عمّ النبي (صلى الله عليه واله) وقد أخبر بنته بوفاته إذ كان رسول الله (صلى الله عليه واله) أخبره بها عند عودته من تبوك.
وبعد وفاته (رحمه الله) جاءت قافلة من العراق فصلّى عليه عبد الله بن مسعود وكفَّنه ودفَّنه مالك الأشتر (رحمهماالله). (٥)
١. الغدير: ٣٣٢/٨. تتمّة المنتهى: ١٥. البداية والنهاية: ١٨٥/٧. تاريخ الطبري: ٣٥٤/٣. تاریخ دمشق: ٢١٧/٦٦.
٢. الاختصاص: ٦١. بحار الأنوار: ٣٤٢/٢٢. نهج السعادة: ١٢٨/٨. الشيعة في أحاديث الفريقين: ٥١٨. الدرجات الرفيعة: ٤٣٢.
٣. رجال البرقي ١٤٩-١٥٠. وانظر: الإحتجاج: ١٠٠/١. الخصال: ٤٦٣. بحار الأنوار: ١٩٦/٢٨، ۲۱۱. اليقين ٣٣٩. مواقف الشيعة: ٤٢٦/١، ٤٣٤. الأربعين للقمّي: ٢٤٠. الدرجات الرفيعة: ٢٣٧. نهج الإيمان: ٥٨١. مجمع النورین: ٨٦.
٤. بحار الأنوار: ٣٢٩/٢٢، ٣٩٨، ٤٠٥، ٤٢٧ و ١٧٧/٣١، ١٨٦، ۲۷۱. الغدير: ٢٥٠/٨، ٢٩٤، ٣٠٦، ٣١٢، ٣٥٣. المستدرک للحاکم: ٣٤٢/٣ و ٤٨٠/٤. مسند أحمد: ١٩٧/٥ و ٤٤٢/٦. الطبقات الکبری: ٢٢٨/٤. المصنّف لابن أبي شيبة: ٥٢٦/٧ و ١٨٤/٨.
٥. الغدير: ۳۰۸/۸ -۲۹۲. منتخب التواریخ: ۳۲. منتهى الآمال: ۱۱۷/۱. مراقد المعارف: ۱۰۱/۱. أبوذر الغفاري (رض): ٤٠ - ۳۰. أسد الغابة: ۳۰۲/۱، و ١٨٨/٥. تاريخ اليعقوبی:٧٠/٢، شرح نهج البلاغة: ٥٢/٣، و ٢٥٢/٨. تاریخ دمشق:٢٢٣/٦٦ - ١٧٤.